الفصل [ 5 ]
" بداية انتقام أعاق انتقاماً أكبر"
رؤيته وهو يُقلب صفحات كِتابه أثناء حدِيثي إليه تُثير غضبي , ويجعل من أعصابي تنفلت وتهيج .. , صرختُ أُناديه وصبريّ قد صار في عِداد الهلَاك والانصِرام : " سُوزوكي ! أنني أحكي لك فلِم لا تُصغِ !! " ..
همهم مُتذمراً وهو ينزل قدميه من فوق طاولة مكتبه الصغير , وأجابني بهزُ رأسه وعينيه البُنية متسمرتين في كتابه الفارِغ باندماج : " إنني معك , إنني معك .. قُلتِ أنكِ تشاجرتِ مع ذاك .. , ما كان اسمه يا تُرى ؟! آه رين ! لقد تشاجرتِ مع رين , صحيح ؟! " ..
قال ذلك الكلام بتأتأة وأنا أنظر إليه بعينين باردتين .. , كُنت قد عدتُ من المدرسة مُباشرة وتوجهت إلى غرفته بعد تبديل ثيابي حيث أنني ارتديت قميص أسود وبنطال جينز قصير .. , رأيته يُرتب حقائبه استعداداً لسفره القريب .. , ومن ثم جلست على سريره احكي له عن مصائب هذا اليوم وعبرت له عن دهشتي حينما كان يرتدي نفس ما ارتديه !
رفع رأسه عن الكتاب ونظر إليّ بعينين مندهشة لطول صمتي وعدم ردي وقال : " تابعي الحديث , ماذا حصل بعدها ؟! " ..
تنهدت وأكملت له قائلة بغضب قد تنزه في كلامي : " لقد حاولتُ تجاهله ولكنني لم أستطع ! إنه يستفزني بسهولة .. , حتى إنه يتهمني بأشياء غير حقيقية , ولن تُصدق أيضاً أن المدير المعتوه قد وقف في صفه بِحُجة أنني أنا من بدأت الضرب .. , أنا لم أضربـ " ..
بهدوء وبكل منطقية قاطعني : " بلى .. , أنتِ من رمى عليه علبة الأقلام , هذا ما قلته لي ! " ..
أجبته مبررة كلامي بذات حالي السابقة مع ربكة بسيطة : " قُلت لك أنه استفزني جداً , وأظنه يعلم أشياء لا ينبغي لأحدٍ أن يعرفها ! " ..
أكملت وأنا أتناول حلوى الشوكولا المُغلفة : " لقد كان المدير جد غاضب حينما دخل ورأى المهزلة .. , كان قميصه مبلل بالقهوة , شكله مُضحك بالكامل هذا الأبله يستحق ! بتُ أكرهه أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة ! " ..
أكملت وأنا أقضم قطعة الشوكولا : " في النهاية تدخل المعلم جين وأنقذني من براثين ذلك الكوهتشي الغبي ! ومن ثم طلبتُ منه أن يكلمه لنستعيد مشاركة الصف المهمل وقد عرض الأمر على المدير .. , وبعد حُجج شتى ومحاولات يائسة وافق في النهاية ولكن شرط أن يعترف صاحب المشاركة ويعتذر له أمام كُل طلاب المدرسة في الطابور الصباح غداً ! " ..
رفع سوزوكي رأسه باهتمام أراد أن يسأل ولكن ما حل محل الاهتمام الجليّ في وجهه هي إمارات الاشمئزاز .. , رمى عليّ علبة مناديل ورقية وصرخ : " امسحي فمك ! رُباه ! كيف تأكلين ؟!! " ..
جاءت علبة المناديل في رأسي .. , تأوهت ومن ثم مسحت فمي إذعاناً لأمره .. , حتى سأل بعد ذلك وهو يتكأ بيده اليسرى فوق طاولة مكتبته وقد استعاد رزانته بسرعة قياسية : " هل من المعقول أنهم لم يجدوا الفاعل في غرفة البث ؟! كيف تركوه يُكمل الغِناء وقد أساء الذي قبله إلى المدير ؟! " ..
أجبته مباشرة : " كلا , لقد سجلوا كل شيء في قرص مدمج .. , ووضعوه في المُسجل ليعمل لوحده .. , عِلاوة على ذلك فلقد تطلب الأمر كسر باب الغرفة .. , لأنها كانت مُغلقة والمفاتيح مفقودة ! " ..
تنهد وابتسم بغير تصديق في الوقت ذاته ثُم علّق : " مجانين ! جريمة مُدبرة ومُحكمة ! " ..
أومأت بالإيجاب وأخبرته بحماسة : " غير أنهم مضحكون للغاية ! " ..
تثاءب مُطولاً بتعب ومن ثم سأل بصوت خامل وهو يمدد ذراعيه : " حقاً ؟! " ..
أجبته بإيماءة وتابعت أكل الشوكولا بشراهة .. , أردف وهو يقف بعد أن أغلق كتابه الأحمق ووضعه مع بقية الكُتب في إحدى الصناديق الكرتونية : " غريب ! " ..
سألته بغرابة : " وما الغريب ؟! " ..
ابتسم باستهزاء قد وضح في نبرة صوته حينما أجاب : " مديحكِ لهم .. , وانجذابكِ نحوهم .. , أظنكِ أقسمتِ على عدم مصاحبة أحدهم ! " ..
رددت عليه بحاجبين مرفوعين ونظرة باردة : " غبي ! أنا أمدحهم ولم أقل أنني أصاحبهم , أدرك إنهم ليسوا كباقي النسخ الأخرى من الطُلاب , إنهم مميزون بالفعل , حتى رين مميز بغض النظر عن مقدار الغضب الذي يعتريني اتجاهه ! " ..
اختتمت جُملتي بهز كتفي مُعبرة عن مدى بساطة الموضوع .. , وقفت فجأة وتقدمت لأمسك بكتابه الفارغ الموضوع مع باقي الكُتب الموجودة في الصندوق بدافع الفضول .. , عُدتُ إلى سريره واستلقيت بعد أن قرأت عُنوانه كان حكاية ( جزيرة الكنز) التي يحبها ولكنها باللغة الإنجليزية !
تمتم باستياء طفيف وهو يُخرج أقراصاً مُدمجة من دُرج مكتبه : " أيتها الفضولية ! " ..
ابتسمت فقط حالما سمعت تمتمته اليائسة , ثم فتحت الصفحة الأولى وشرعت بقراءة المُحتوى ! قاطعني سؤاله الذي حمل نبرة اللامبالاة رغم الحذر فيه : " اممم , ما هي الأشياء التي يعرفها رين ولا ينبغِ لأحدٍ أن يعرفها ؟ " ..
أجبته بنفس لا مبالاته وأن أفتح الصفحة الثانية : " إنه عن أوفيليا " ..
صمت ولم يُعقب .. , تابعت القراءة باندماج بعد ذلك ! ...
..
.
ثمة جلجلة تضُج في الجِوار
" لقد خسر كوكب أورانس "
حركت رأسها بقوة كقوة صدمتها في تلقِيها نتيجة اللعبة , ركضت غير مُصدقة و صوت خُطواتها ترتد بين الجدران العتمة .. , يُشكل ظلاً يركض بلا وعي , تُقول لنفسها .. , تُخفف عن نفسها .. , تُهدأ من نفسها .. , تُطمئنها ببضع كلمات خرجت من بين شفتيها المرتجفتين : " كوكب أورانس لا يخسر , حتى وإذا خسر يستحيل أن يترك قمره .. , القمر سيكون بخير .. , سينتقل إلى المجرة الإهليجية بلا شك .. , حيث كوكبي يقع هُناك ! ستكونين قمر كوكبي يا أوفيليا " ..
تصنمت أمام باب خشبي تلهث , سمعت صرخة قد باغتها الموت واختتمها لحياة أحدهم .. , فدفعته دُون تردد أو أدنى خِشية .. , ومن ثم شعرت برعشة حلت عليها كصاعقة دُون رعد وبرق !
أمسكت بِمقبض الباب بِجرأة وشجاعة وأغمضت عيناها بعدما تلت أمنيتها في أن كُل ما جرى مُجرد خطأ محض .. , دفعته ببسالة .. , ومن ثم فتحت عيناها ولم تستطع إلا أن تشهد الحدث في صمت مجنون .. , تراخت يدها عن مقبض الباب , ثم ما عادت الرعشة في أوصالها تتراقص .. , ولا ملامح في وجهها لتقرأ ما شُهِد .. , ما كان بِمقدورها حتى أن ترمش .. , تصلبت أطرافها كميت لا أمل له في الحياة !
صوت ارتطامٍ ما في الأرض أيقضها من كابوسها الذي طالما اعتادت زياراته لها لليالٍ طويلة .. , اعتقدت أنه قد هجرها ولكنه قد عاودها دًون عُذر لتغيبه في بعض الليالِ الفائتة !
...
..
.
شعرتُ بأحدهم يهزُني .. , بطريقة ما أشعر بشيءٍ يخنقني , لم أكن مرتاحة أبداً .. , أين أنا ؟ أنا لا أريد أن أفتح عينيّ .. ! بالتأكيد لن أفتحهما ! لن أرتكب هذا الخطأ مرة أخرى ! أشعر بالقلق .. , من سيكون أمامي ؟ من سيكون ؟!
وأخيراً طمئنني الصوت وهو يقول بنبرة لم يخلو من القلق : " جُو .. , يا إلهي أنتِ تتعرقين ! هل أنت بخير ؟ جُو , جُو ! " ..
فتحت عيني بضيق وقتما أدركت الصوت قد وصل مسامعي .. , رأيت وجه سوزوكي وهو يُحدق بي بخوف واهتمام .. , سألته بعد برهة وأنا أفرك عينيّ بعد أن أدركت أنه مُجرد كابوس قد اشتاق إليّ : " كم الساعة ؟ " ..
أجابني وهو ينظر لساعة يده في سرعة : " السابعة والنصف .. ,هل تشعرين بألمٍ ما ؟ وجهكِ شاحِب ! " ..
نزلت عن سريره الذي غفوت فيه .. , وكتابه الفارغ قد رميته بعشوائية في ذلك الصندوق .. , أجبته وأنا أخرج من غرفته بهدوء : " لا بأس أنا على ما يرام , هذا لأنني لم أنم منذ الأمس ! أكمل توضيب أغراضك " ..
أغلقت الباب ورائي بهدوء وبعد ذلك توجهت مباشرة إلى الحمام لأغسل وجهي الذي كان بالفعل شاحب كما قال سوزوكي .. , ومن ثم نزلت إلى الأسفل وقد سمعتُ صوت أمي وهي تُحدث أحدهم .. , كانت في المطبخ تُقطع الفواكه .. , رأيتها مُرتدية فُستان أسود يصل إلى ما تحت ساقيها بقليل .. , يبدو أنها قد عادت لتوها من عزاء ذلك الفتى الذي توفي البارحة ! يبدو أنها متأثرة جداً لموته !
جلستُ على الأريكة في صالة الجلوس والذي يُطل عليه المطبخ .. , فتحتُ التلفاز وأنا أتثائب بصوتٍ عالٍ .. , نظرت إلى أمي وهي تضحك أثناء حديثها في الهاتف .. , أظن أنها تُهاتف صديقتها التي تبعُد أميالاً عنها .. , أتمنى أن تتقابلاً مُجدداً , فهما لم تريا بعضيهما لسنتين حسبما أذكر .. , ظللت أُقلب القنوات في ملل وضجر .. , صُحت فجأة وأنا أرمي جهاز التحكم جانباً : " أنا جائعة " ..
وقفت مباشرة بعدما رمقتني أمي بنظرات مُستغربة وكأنها للتو قد انتبهت إليّ .. , دخلت المطبخ وفتحت الثلاجة , تمتمت بإحباط : " سحقاً ! لم أتناول شيئاً منذ الصباح ! كيف لهذا أن يمر عليّ دُون أن أنتبه ؟! " ..
أنهت أمي مكالمتها مُستعجلة وقالت لي مباشرة : " جو , هل استيقظت لتوك ؟! كيف كان يومك الدراسي عزيزتي ؟ " ..
أغلقت الثلاجة بعد أن أخرجت عصير الكيوي .. , ثم أجبتها باختصار وابتسامة ناعسة : " إنه جيد جداً " ..
ردت عليّ وقد تذكرت شيئاً ما : " آه في طريق عودتي رأيت فتاتين تتشاجران أمام المنزل " ..
بدأت بشرب العصير وأصدرت صوتاً يدل عل أنني قد فهمت .., ثم تابعت وهي تُكمل تقطيع الفواكه : " أظنهما تعرفانكِ لأنهما من نفس مدرستك .. , إحداهما ذات شكلٍ فوضوي والأخرى قصيرة تملك وجه طفولي " ..
ابتسمت أمي بغرابة وتابعت وهي تهز رأسها : " حالما انتبهتا إليّ فرتا هاربتين بسرعة بخوف " ..
ابتسمتُ بانكسار واحباط .. , لاشك في أنهما مارو وماسارو .. , من أين لهما عنوان منزلنا ؟! أوه صحيح , أوفيليا الكاذبة تقول بأنها لا تملك أي صديق ولديها فصلٌ كامل يعجُ بأشخاصٍ مشاغبين حمقى ! والبعض منهم وقح كأحدهم !
شربت العصير كله دفعة واحدة بانفعال .. , ومن ثم أغلقت القنينة وألقيتها في القمامة بعد أن عصرتها بغيض وقد تذكرت مشاجرتي مع الأبله رين .. , على كلٍ هدأت من نفسي قائلة بصوت عالٍ وأنا أرفع قبضة يدي اليمنى بإصرار مُضحك : " أشعر بالفخر كوني مصدر غضب بالنسبة له ! " ..
نظرت إلى أمي أغير محور الحديث : " آه صحيح .. , أين أبي ؟ " ..
أجابتني بذات حالها وهي تقطع الفواكه : " إنه مشغولٌ اليوم , ولن يأتي إلا في ساعة متأخرة ! " ..
أردفت بعد أن وضعت قطع الفواكه في الصحن : " قولي لي جو , هل لديكِ أصدقاء كهاتين الفتاتين ؟ " ..
لم أفهم سؤالها .. , أملت رأسي و حاجبي مرفوع .. , لا شك في إنها تقصد مارو وماسارو لذلك أجبتها بمباشرة : " كلا , ليستا صديقتيّ .. , أنا لديّ أصدقاء آخرون , فهؤلاء جانحون " ..
نظرت إلي بطرف عينيها الحادة وأرادت أن تسأل .. , لكني سبقتها بالحديث بعد أن فهمت ما تريد قوله : " وليست لديّ أي مشاكل مع أحد .. , ربما تُريدان سؤالي بخصوص مسابقة المدرسة " ..
أومأت أمي بسعادة وابتسامة بعد أن ارتاحت .. , سألتها وقد تذكرت أن سوزوكي بدأ بتوضيب حاجياته : " متى سيسافر سوزوكي ؟ " ..
أجابتني بابتسامة هادئة : " هل أخبركِ ؟ سـ " ..
قاطعها سوزوكي الذي دخل فجأة إلى المطبخ بمرح اعتاد على إظهاره لأمي دائماً : " إنه يوم الأربعاء القادم !! " ..
صرخ بفرحة غامرة ووجنتين محمرتين : " إنه شُعورٌ رائع جداً جداً جداً " ..
لقد شعرت بصدق إحساسه بالفرح .. , سألته أمي : " وما الرائع في سفرك وبُعدك عن والدتك أيها الابن العاق ؟ " ..
خرجت أنا من المطبخ بملل من حوارهما الذي لن ينتهِ و سمعت إجابته المُبالغ فيها : " هممم , الأمر وما فيه .. " ..
صرخ يُعلن إجابته : " هو أنني لن أرى وجه الساحرة وابنتها ! مرحى !! " ..
تنهدت أمي بصوت مسموع , وقالت له بتأنيب : " سوزوكي ! لا يجدر بـ " ..
بتر كلامها بشكلٍ درامي مُجدداً كإحدى عاداته السيئة معها : " بلى بلى يجدُر بي قول هذا الكلام ! ينبغيّ عليّ أن أُخرج كُل ما أكبته في قلبي وإلا فسوف ينفجر ! " ..
خرجت أمي من المطبخ وهي تشد أذنيه بحدة باردة : "أيها الطفل .. , إن سمعك والدك فسوف تحدث كارثة ! انتبه ! " ..
ضحك بتوتر وألم ومن ثم رد عليها باعتراض كالأطفال : " أنا سأحدثه فعلاً ولكن بعد أن أعود من أمريكا ! جُو ستساعدني في إقناعه هو وجدي , صحيح جو ؟ " ..
تجاهلته بابتسامة سخرية ومن ثم حركت شفتاي بخُبث دون صوت قائلة له ( مُستحيل ) .. !
في الاصطفاف الصباحي لليوم الثاني .. , كُنت أقف بجانب يوشي التي تحمل أوراقاً تخُص المعلم جين .. , كان هذا الأخير قد بدأ خطابه المُوجه لِطُلاب المدرسة .. , لم أرَ رين هُنا .. , رُبما لن يأتي في هذا الوقت الباكر !
بقيتُ استمع لحديث المعلم جين الغاضب ببرودة
" إن مُعظم المشاركات التي تصلني ليست جِدية مُطلقاً .. , وهُناك أيضاً سُوء فهم في بعض الأمور المُتعلقة بالمسابقة .. , وكما أعتقد أيضاً بأن المسابقة قد أزعجت الأستاذ كوهتشي وخاصة مُشاركة صفي الأخيرة " ..
لم يرق لي ذِكر المدير .. , فهذا ما اقتصده طُلاب الصف من مشاركتهم تلك وقد أعربوا خلالها أن الجائزة لا تهمهم أبداً !
أضاف المعلم جين وهو يُحدث الصف المهمل : " حتى تقبل مشاركتكم عليكم أن صاحب المشاركة للأستاذ كوهتشي الآن " ..
سمعنا صوت ضحكات ساخرة .. , كان نصفها ذا صوت خفيض والآخر صاخب جداً .. , تقدمتُ قليلاً لأراهم .. , كانوا يضحكون كما لو أن المعلم جين قد ألقى طرفة ما .. , أزعجني هذا لأنه ينقص من احترام المعلم حتى ولو أنه يظل صديقهم !
وفجأة قال أحدهم بثقة وصوت واضح ذا نغمة رائعة وهو يتقدم من بين رفاقه في الطابور : " على رسلك , نحن لا نعتذر إلا للجبابرة العظماء ! لا تسخر منا ! واحدٌ يعتذر ؟! كأنك تقول اعتذروا أيها المخطئون ! " ..
شهقات الطلاب في المدرسة تعالت والبعض يهمس , لم أفهم لم كان الجو غريباً .. ؟ كانت همسات مندهشة غير مصدقة .. , أعترف حقاً بمدى جراءة هذا الفتى .. , أهو هاجيمي أم سايتو يا ترى ؟!
ظهر صاحب تلك المقولة .. , كان يضع يديه في جيب بنطاله .. , لقد لفت نظري حقاً , أنا لم أره قبلاً .. , كانت عيناه حادتان كالسيف لم أتعمق في تفاصيله كان بعيداً عني بما يكفي رغم رؤيتي لسخط عيناه .. , شعره الأسود طويل إلى حد نهاية رقبته .. , لم يكن جانح المظهر كرفاقه بل أنيقاً بعض الشيء .
رد عليه الأستاذ جين بجدية مُطلقة مُقطباً حاجبيه وبنظرة شبيهة بالتحدي : " إذاً ستُحذف مشاركتكم ! " ..
لن أقبل بذلك .. , لن تُحذف مشاركتهم .. , إنها أروع مشاركة وأروع صوتٍ سمعته أذناي .. , هو بالتأكيد سيعتذر .. , هكذا ظننت حتى قال بلا مبالاة : " فلتُحذف وإلى الجحيم مكانها ! " ..
ثم رجع أدراجه إلى حيث كان , لم يعجبني هذا الجواب رغم أنني لم أتوقعه إطلاقاً .. , هذا الصف غريب جداً ولم أنتبه له سوى هذا الأسبوع فقط .. !
فضولي الساكِن , عاود التحرك باتجاههم !
وبالفعل قُرر حذفت المشاركة .. , بينما أصبت أنا بالإحباط ! كان الاستاذ كوهتشي غاضب ومتوتر جداً .. , هذا ما لحظته في طابور الصباح !
لم أعرف سببه توتره حتى وقت الاستراحة .. , حيث رافقتني يوشي لتناول الإفطار سوية في الكافتيريا .. , لا أدرِ لم أحس بأنها تحاول التقرب مني ؟! بالتأكيد هو ليس بسبب سؤالها ذاك .. , فهي لم تُبدِي أية إمارة حول ذاك الموضوع .. , قالت لي بابتسامتها الجميلة : " أرأيتِ كم هو صفٌ مجنون ؟! " ..
أومأت قائلة بهدوء مُشيرة : " بلى لقد أذهلـ -"..
قاطعت مارو حديثي حين أتت بصخب ومرح تصرخ : " مرحباً جو العزيزة ! أيتها الشجاعة لقد كنتِ أكثر من رائعة حين لقنتِ المغرور درساً لن ينساه .. , أراهن على أنه الآن يبكي خوفاً منك ! " ..
لم أستوعب ما تقوله بعد .. , أومأت برأسي وأنا في حالة صدمة .. , ثم ضحكت حين علمت أنها تقصد رين .. , جاءت من خلفها كاريا قائلة بيأس : " لا تراهنِ يا مارو أنه الآن يجلس مع ريوسكي في الباحة الخلفية " ..
تمتمت بلا إرادة : " ريوسكي ؟ " ..
سمعتني يوشي فابتسمت ثم أجابتني : " الذي خرج من السجن بالأمس ! " ..
توسعت نظرتي بشكل بسيط .. , ورفعت حاجبيّ , تذكرت أن يوشي قد أخبرتني عنه مرة .. , لقد نسيته تماماً !
نفخت مارو وجنتها بإحباط ثم سألت : " وما الذي يريده هذا الأحمق من ريوسكي ؟! " ..
جلست كاريا معنا وأجابت : " لا أدرِ .. , ما تعلمينه عن رين هو نفس ما أعرفه أنا ! إن حالي لا يقل عن حالكِ يا مارو ! " ..
غضبت مارو وأخرجت علكة تأكلها بغضب وهي تشتم رين : " غبي , متغطرس , و نرجسي ! " ..
هتفت يوشي تسأل كاريا بغرابة : " لم لا أرَ ماسارو ؟ أين هي ؟ " ..
قامت مارو بالإجابة عن كاريا : " إنها تنظم حفلاً مع هاجيمي والبقية .. , إنها لأجل عودة ريوسكي ! " ..
أضافت كاريا متململة : " ريوسكي لا يُحب الحفلات سيقول _" ..
أكملت هي ومارو سوية تقلدانه بسخرية : " هه .. , أنحن أطفالٌ نأكل الكعك ونصفق كالأغبياء !! " ..
رغم أنني لم أرَ هذا المدعو ريوسكي إلا أنني قد ضحكت بإفراط أنا ويوشي .. , تقليدهما مُضحك جداً .. , علّقت وقد نسيت نفسي المتثاقلة : " يبدو أنه شخص مرِح لطيف ! " ..
نظرت كاريا بحدة نحوي .. , تبعتها مارو التي صرخت وكأني اقترفت خطيئة لا تغتفر : " ما الذي تقولينه بحق إله السماء ؟! " ..
لم أفهم ما ترمِ إليه .. , أرسلتُ إليها بنظرات بريئة لم ترَ المقصود من كلامها .. , هدأت أخيراً وكتفت يديها ثم قالت : " ريوسكي هذا ليس بلطيفٍ ولا بمرحٍ أبداً يا جو ! " ..
ثم سكتت وهي تميل فمها باستياء .. , تابعت عنها يوشي برزانة وجدية : " نعم , هو في أغلب الأحيان لا مبالِ وبارِد الطباع كذلك ! " ..
تذكرت ذلك الفتى في طابور الصباح .. , سألتها : " مهلاً .. , أهو الذي تحدث باسم الصف هذا اليوم ؟! " ..
أومأت بالإيجاب بصمت .. , قالت كاريا تقصد إرعابي : " إنه مخيف جداً , لقد حاول قتل أحدهم .. , بل كان ينوي حقاً فصل رقبة _ " ..
صمتت حينما لمحت رين يمشي برفقة ريوسكي .. , سحقاً ! أريد معرفة المزيد .. !
انتبهت لنظرات لا ترمش تُحدِق بي , التفت بشكل بسيط .. , حتى رأيت يوشي تنظر إليّ وفي فمها ابتسامة لا تكاد أن تظهر !
ابتسمت بغموض لها .. , سألتني بهمس , ربما لم تكن تريد لمارو أن تسمعنا : " ما تعليقك ؟! " ..
ابتسمت حينما رأيت رين قادم باتجاهنا .. , كان يبتسم بثقة وانتصار , وكأنه حقق شيئاً ما لصالحه .. , أجبتُ يوشي بذات همسها : " مُثير ! " ..
وقفتُ أريد المغادرة عندما وصل رين .. , وقبل ذهابي قال لي : " الأستاذ كوهتشي ينتظرك في مكتبه ! " ..
كانت نبرته يتخللها المكر .. , هذا اللعين وراءه شيء خبيث ! على الأقل أنا متأكدة من ذلك !
استأذنت يوشي بابتسامة وقد قالت لي : " أراكِ في فترة ما بعد الظهيرة , سأنتظرك أنا وكاريا والبقية ! " ..
أومأت كاريا بابتسامة جميلة ودودة بعكس أخيها صاحب النظرات المتوحشة !
تبعتني مارو تسأل بفضول : " ما الذي تتوقعينه يريده منكي هذا العجوز ذو الشخصية الديكتاتورية ؟! " ..
أجبتها بهز كتفي بشكلٍ صامت , تنهدت وأنا غير مرتاحة لما يخطط له رين !
طرقت الباب بعد أن ذهبت مارو لترى ريوسكي قبل أن يكتشف مفاجأة ماسارو الطفولية !
دخلت إلى مكتب المدير .. , وتفاجأت حينما رأيت والدي ببدلته الرسمية يجلس مع ذاك الأستاذ كوهتشي !
ابتلعت ريقي .. , وسألت : " هل طلبتني ؟! " ..
أومأ الأستاذ كوهتشي وداعني للجلوس .. , أبي لم يلتفت لي .. , كان يرتدي نظاراته الطبية , وحاجبيه معقودين .
لقد عرفت ما ترمي إليه عزيزي رين !
جلستُ مُقابل والدي .. , والصمت قد ساد لثوان حتى قال بعد أن أخذ شهيقاً قصيراً : " جُو ! ما هذه التصرفات الطائشة التي حدثت مؤخراً ؟! " ..
لم أجبه .. , زممت شفتيّ وأنا أقبض يديّ بقوة .. , لم يلقَ جواباً مني .. , قال المدير حينها : " سيدي إن ما _" ..
قاطعه أبي بنظرة حادة وهو يقول ببرود : " أنا أعلم ما يحصل سيد كوهتشي .. , ولكنني اسأل ابنتي وشكراً ! " ..
كان أسلوب أبي غاضباً بعض الشيء .. , لكنه أعجبني نوعاً ما ففيه من السخرية الشيء الذي تخلل جملته تلك .. , ابتسمت بانتصار في أعماقي .
حول أبي ناظريه ناحيتي ثم سألني بروية : " هل فعلتِ شيئاً خاطئاً جُو ؟! " ..
سكت ولم أتكلم .. , توقف الزمن حينها بالنسبة لي عند هذا السؤال بغض النظر عن سائله فإنه يسترعي ( التأمل ) ولو القليل منه .. !
أجبته أخيراً وكليّ ثقة : " نعم , لقد كنتُ مضغوطة في الآونة الأخيرة وأصبحت أعصابي تنفلت بسهولة .. , أنا أعتذر ! " ..
أنزلتُ رأسي باحترام حينما اعتذرت .. , زم أبي شفتيه وقال : " إذا كان الأمر هكذا فأنا موافق على نقلكِ إلى الصف الخاص ! " ..
ضيقت عينيّ بصدمة واستنكار .. , قلتُ له في شك : " الصف المهمل ؟! " ..
صحح لي الأستاذ كوهتشي بابتسامة منافقة : " إنه الصف الخاص " ..
حركت يدي إلى شعري أفركه بغضب .. , قال أبي مُضيقاً عينيه : " إنه صفٌ يرعى المشاغبين وينمي مواهبهم أيضاً ! " ..
استنكرت ما قاله .. , ونظرت إلى الاستاذ كوهتشي الذي يبتسم لي بكل ود .. , وقف أبي وقد كان هُناك الكثير من الغضب بطريقة ما منعني من إخراج كُل الشتائم المرسلة إلى رين والسيد كوهتشي وإلى كُل من دبر هذه المزحة السخيفة
( لا تظهرِ مشاعرك جُو .. , فليكن ما يكن , الأمر لن يؤثر بكِ جو .. , مجرد صفٍ ممتع .. , و للتو أنتِ تقولين أن هذا الصف يجذب فضولك .. , وها قد حانت الفرصة لتحتكِ بهم .. , إنهم هؤلاء الذين سألتِهم في صمتٍ صادق " من هم ؟ " .. )
خرجتُ من مكتب المدير وأنا أضبط أعصابي لكـن .. , رأيتُ ذلك المغرور رين كما تسميه مارو يقف في نهاية الممر وابتسامة كاذبة مُعلقة في وجهه الغبيّ .. , قال لي وهو يتنحى جانباً كالأمراء بسخرية واضحة : " هل أوصلكِ إلى حيثُ صفكِ آنستي ؟! " ..
حِينها اطلقتُ العِنان لنظراتي التي تتوقد غضباً وسخطاً عليه .. , ابتسمت بغضب : " حريٌ بك أن تتنحى جانباً ! " ..
ثم خطوت خطواتي الغاضبة مُبتعدة عنه .. , وكانت وُجهتي لبقية هذا اليوم هو السطح !
كنتُ أشتعل بداخلي , ولا زال الغضب يسري في جسدي .. , لم أستطع كرهه وفي الوقت ذاته هو لم يرقْ لي .. , إن له عينين غريبتين أشعر بهما اعتادتا البكاء , له أهداف مستترة حول دوام إزعاجه لي .. , وفجأة تذكرت قول أرماندو حوله (كان يُكن مشاعر خاصة تجاهها ) .. , إن كان فعلاً هكذا .. , فمن ناحيتي له كُل الحق في مقتي وقتلي ورمييّ للكلاب المُشردة أيضاً !
وقفتُ على حافة السطح وهفهفات نسائم أكتوبر تُداعب شعري ووجهي بلطافة انتشَلت غضبي بعيداً .. , أغمضت عيني واستندت على سور السطح
الحلقة المفقودة هُنا .. , إنه يحقد عليّ ولا سبب لحقده عليّ سوى معرفته بتفاصيل تلك الحادثة !
إني أسعى للانتقام من قاتل أختي .. , وغيري يسعى للانتقام مني .. , اُدرك أنه عائق لي نوعاً رغم إنني لم أبدأ فعلياً بذلك , يجب أن أتصرف .. , على السادة الذين كانوا خارج إطار القضية التنحي جانباً كـ رين مثلاً !
ما أثق به وأجزم .. , أن التفاصيل الدقيقة الصغيرة لا أحد يعرفها سواي .. , أنا هو مفتاح الانتقام فبدوني لن يفعل أحداً شيئاً حتى أرماندو نفسه !
لا مزيد من الألم للأسر .. , ولا مزيد من دموع مقهورة من أعينٍ صافِية .. , أنا سأفني حياتي كُلها سعياً للانتقام !
شممت رائحة سجائر .. , فتحت عيني لأجد أحدهم واقف أمام سور السطح يبعد عني حواليّ مترين أو أقل .. , تساءلت وأنا أراقب هذا المُقتحِم الصامت , كيف دخل دُون إصدار أي صوت ؟ أنا لم أنتبه لدخوله بل وأشعل سيجارته وبدأ يُدخِن .. , حركت الرياح شعري تحجب ما تراه عيني .. , أبعدته حتى أراقب ذاك الشخص .. , شعره الأسود الحريري مبعثر وقد تناسب جداً مع بياض بشرته .. , عينيه هادئتين قرمزية اللون .. , قاتِمة وحادة .. إن لم يخب ظني هذا " ريوسكي " .. !
قال فجأة بعد مضيّ دقائق طويلة من الصمت : " إنني أتساءل ! " ..
ألقيتُ عليه ببصري ولم يُكمل تساؤله .. , أجبته بهدوء : " فيم ؟ " ..
بذات حاله الجامدة أجاب : " حول السماء .. , هل تحتويهم بأمان ؟! " ..
كان بطيء الكلام أو هكذا ظننت .. , أضاف بنبرة غريبة متحشرجة : " لا أثِق بصفائِها ! " ..
كلماته هزّت قلبي وكياني .. , أسبلتُ عينايّ ثم أجبته وقد لمعت أوفيليا في قلبي حيث تسكن : " بالنسبة لي هي أكثر أمناً من أرضٍ يحتويها البشر ! السماء ليست كالبشر ! السماء موطن , والبشر موطن لكنه غير آمن " .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صباحكم / مساؤكم ~ أمنيات محققة وحياة سعيدة ~
وها هو الفصل الخامس بين أيديكم فأبحثوا فيه وتعمقوا به واقرأوا كُل سطرٍ فيه بعقولكم قبل أعينكم .. , رُبما البعض منكم قد يتوصل لحل أحجية لم تبدأ بعد
أولاً : أعتذر لتأخري المبالغِ فيه .. , في الحقيقة كُنت أفكر في إغلاق الرواية لأني كتبت عِدة فصول حتى الحادي عشر وضاعت كُلها مما جعلني أصاب بالإحباط :/
ثانياً : وضعتُ صورة واحدة تُعبر عن آخر حدث في هذا الفصل عوضاً عن الخلفية
لأنها لم تعمل معي للأسف .. , آمل ألا تكون فكرة غبية ب.ب
ثالثاً : إذا قرأت الفصل ولم يكن لك الوقت للرد فاكتفي بالإعجاب وحسب .. ! < أنا فقط أحب معرفة منهم الذين يقرأون ما أكتبه :]
أيضاً أسعدني تشجيعكما لي Taylor Swift و ِْ*The Red Clouds*
فشكراً لكما من الأعماق 3>
أعتذر لثرثرتي ولكن فرحتي كبيرة حقاً لأنني لم أغلق الرواية , وعاودت إليها بهمة وعزم شديدين !
آمل أن أرى من ينتقد الثغرات في هذا الفصل
دُمتم طيبين
التعديل الأخير تم بواسطة |April| ; 11-09-2014 الساعة 10:13 PM |