العاب
الـــبـــ الــتــاســـــــع ــــــارت
(بيدي سأصنع سعادتي)
يقف منتصباً امام بوابة اوسترايا الضخمة وقد سحره منظرها الخارجي تماماً، واسترق بريق المكان انظاره كما استرق ذهنه، المكان افخم بكثير من ان يتراآى في مخيلته التي لم تصور سوى البساطة، كان يراقب طوابير السيارات التي تدخل اوسترايا لتغادرها بعدها بدقائق، فاليوم هو أول ايام العطلة الاسبوعية وقد ارتحل الاغلبية الى منازلهم كل بدافعه الخاص، منهم من حركه الحنين لأهله ومنهم من اشتاق ليغطس في مسبح العائلة الفخم وغيرهم من سيجوب اشهر مدن اليابان في يومين للترفيه عن انفسهم التي اكتسحها جو الدراسة المضجر الاسبوع الماضي..
اخرج هاتفه من جيب بنطاله ليضغط بعض الازرار التي ركن ارقامها في زاوية مميزة من ذاكرته، حتى إذا ما اجتاحه الشوق قام بطلب الرقم وسمع صوتها اللطيف الذي تتخلله شقاوة الطفولة، اجابته بلهفة بعد بضعة رنات:
- توري-نيي! (اخي توري)..
- لقد وصلت هيميكو.. ألن تنزلي لاستقبالي؟
قالها وعيناه معلقتان على الهضبة التي تقع عليها اوسترايا بشيء من الذهول، فردت عليه بلعثمة:
- ماجي؟! (حقاً؟!).. موسوقو تسُكُيو! (سأكون عندك قريباً)..
واغلقت الخط بعدها لتهرع الى المرآة ترتب مظهرها في ثوان استرقتها من الوقت الذي ستقضيه مع اخاها، بينما داعبت ابتسامة حنين وجه هاتوري ليتمتم باستهزاء:
- دامي كانا.. كونو شوجو (هذه الفتاة لا حل لها!) لقد اغلقت الخط في وجهي..
وسرعان ما تلاشت ابتسامته وبهتت معالمه عندما اعادت ذاكرته تشغيل شريط الاحداث الشائكة التي عاشها ووالدته خلال الايام الماضية فغيرت مجرى حياته واثقلت بكاهله..
“انها ساعة الظهيرة التي كانت تصادف عودة هيميكو من مدرستها، فتح هاتوري باب غرفة هيميكو ليقول بنبرة تغلفها الاخوة الحنونة:
- هيميكو انا ذاهب للعمل الآن اهتمي بأمي وبالمنزل..
وأجفل عن الحركة عندما لم يلمح طيف هيميكو في الغرفة، ليطلق بعدها ضحكة بلهاء وهو يتذكر ان هيميكو تبعد عنه بمسافات طويلة لن يصلها الا بالقطار وبعد ساعات من السفر! لقد كانت بالأمس هنا واليوم هي بين احضان اوسترايا، ما كاد يعقد هدنة مع ذاته يرضيها بالأمر الواقع ويدفع مخيلته لتحمله الى حيث شقيقته حتى داهم سمعه صراخ والدته المباغت، ترك مقبض الباب في لحظة ليندفع الى حيث والدته في لحظة اخرى، تملكته رعشة غريبة لهول ما رأى امامه، فقد دفع شخص بوالدته ارضاً، وما أن رأى ذلك الشخص هاتوري حتى هرع نحوه ممسكاً بياقته بكفين مرتجفين، ونطقت شفتاه بنبرة مرتعدة واهية:
- اوماي (أنت).. اوماي وا هاتوري ديشو؟ (انت هاتوري صحيح)..
كان متسمراً مكانه جراء الصدمة التي اخرسته واخرست حواسه، خال لوهلة انه لا يزال مستغرقاً في نوم مصاحب بحلم كما الاحلام التي تراوده عندما ينسى ملامح والده فتكون هي كتذكير له، قال محاولاً الاستيفاق بحواسه التي شردت في لحظة صدمة:
- اوتو..اوتوسان (اب..ابي)..
وما ان استفاقت حواسه حتى نفر من رائحة الشراب المنبعثة من والده، وأسرع الى والدته الكسيرة ينتشلها من الارض ونظراته منصبة على والده بحنق، قال والده وهو يدنو منهما بخطوات مترنحة سببها غياب عقله من سطوة الشراب:
- اوماي وا اوري نو موسكو (انت ابني)!! دعك من هذه العجوز وخبأني!!
اشتاط هاتوري غضباً وصر على اسنانه وهو يقول وقد تجردت نبرته من اية مشاعر:
- من تظن نفسك لتنعت امي بالعجوز!! ثم ما شأننا إن افتعلت مصيبة ما وذكرتك بأن لديك بيت وابناء؟! فلتغادر انت ليس مرحب بك هنا!
لم يكن غضب والده اقل من غضبه ليصرخ بنبرة قاسية وقد استعادت كلمات هاتوري شيء من عقله:
- لا تنسى أن نصف البيت مسجل بإسمي يا أبن آكي! (آكي اسم والدة هيميكو وهاتوري)..
وأردف وهو يولي بظهره لهما متوجهاً الى غرف النوم:
- احترم كوني من اوجدك في هذه الدنيا.. وإن سأل عني أحد اخبروهم أني لست هنا..
ثم نظر لهما نظرة اخيرة قبل ان يتوغل بأحدى الغرف:
- أه لم ارتكب اية جريمة أنا فقط مديون بديون لا تحصى!
كان هذا السبب الذي دفع هاتوري لإرسال والدته الى هوكايدو حيث جدته، اراد حمايتها من بطش والده، ولا يعلم بأية كلمات يصارح هيميكو بهذه الحقيقة المرة، حقيقة عودة والدهما.."
قال مناشداً صرح اوسترايا كأنه انسان يفهم:
- اوسترايا.. عليكِ حمايتها منذ الآن..
العاب
لوحت له بيدها بتوق وقد شقت ابتسامة كبيرة وجهها، كانت ترتدي تنورة بيضاء قصيرة وقميص مخطط باللونين الابيض والاصفر دون اكمام، مترافقان بحذاء ابيض طويل، بينما تركت شعرها الربيعي ينسدل خلف ظهرها تداعبه نسمات الهواء المحملة بأوراق الساكورا، غمرتها نشوة عارمة وهي تراه يفتح ذراعيه لها، وهبت نحوه كريح مشاعر الفرح التي عبرتها لترمي بجسدها عليه ويقوم هو بتطويقها بذراعيه ليدور بها ويرتفع صدى ضحكاتهما في افق اوسترايا، لم تتخيل ان تقضي عدة ايام دونه، هو باعث السعادة في حياتها، سندها عندما تسقط متألمة من ضربات الحياة، ملجأها عندما تبللها غيوم الحزن، هو اخاها ووالدها، اول رجل في حياتها، هاتوري النجم اللامع في ظلمة ايامها، قالت بعد ان انزلها ارضاً:
- آيتاكتي توري-نيي! (لقد اشتقت لك اخي توري)..
- وانا اشتقت لطيشك ايتها الشقية! قينكي ديس كا؟ (كيف هو حالك؟)..
شبكت ذراعها بذراعه واخذت تجره معها الى اعماق اوسترايا وهي تقول:
- قينكي قينكي (انا بخير.. انا بخير).. دعك من هذا الآن ألم تقل أنك تود رؤية الفتيات.. فلنسرع حتى تراهن قبل ان يغادر الجميع!
قهقه وقال:
- اي نوع من الأخوات انتي.. تفهمين اخاك جيداً!
امتزجت ضحكتيهما معاً مشكلة خليطاً من السعادة وهيميكو تقتاد هاتوري الى نافورة اوسترايا العملاقة، حيث التم عدد وفير من الطلاب مودعين بعضهم بعضاً على امل اللقاء بعد انتهاء العطلة الاسبوعية، وسيل السيارات الفخمة يمتد الى ما لا نهاية، كان آيدن من بين الطلاب يلقي كلمات الوداع على الخطيبان تاتسويا ونوريكو، اللذان التم شملهما اخيراً وسينتهزان فرصة نهاية الاسبوع لنفض اغبرة الشوق عن مشاعرهما، اغلق آيدن باب السيارة الذي تجلس خلفه نوريكو وانزلت هي النافذة ليقول آيدن:
- شووماتسو تانوشيندي ني! (استمتعا بهذه العطلة)..!
وغمز لتاتسو بعجرفة، ليطلق الآخر ضحكةً شابهت عجرفة آيدن، وقال:
- هااي (حسناً!).. سوشتي سايونارا.. (ووداعاً)..
بينما قالت نوريكو قبل ان تعيد غلق النافذة:
- ماتا ني دينو.. (اراك قريباً دينو)..!
وغادرت السيارة حاملة بهما الى سعادتهما، استدار آيدن عائداً للمسكن بعد ان ودع اغلب زملاءه فإذا بطيف هيميكو يستدعيه عندما وقعت ابصاره عليها، سار لها والسرور يشع من عينيه وهو يتذكر تفاصيل الامس التي عاشها معها، وقف امامها بمظهره الانيق الذي استقطب انظار اغلب من حوله، فقد كان يرتدي بنطال رمادي اللون مصاحب بحذاء ابيض رياضي طويل، وقميص أبيض بأكمام قصيرة بينما علق سترته الرمادية على كتفيه بربط اكمامها الطويلة، وعلى رأسه تموضعت نظارة شمسة عصرية، ولا ننسى ابتسامته الساحرة التي لا تفارق محياه، بادرت هيميكو بالحديث وهي تنحني مداهمة السكوت الذي اتخذ لنفسه مكاناً بينهما:
- كونيتشيوا كايجو! (مرحباً أيها الرئيس)..!
- كونيتشيوا شيراتوري.. (مرحباً شيراتوري-اسم عائلة هيميكو-).. يبدو لي انكِ لن تذهبي لعائلتك اليوم فانا لا ارى حقيبة بجوارك!
ضحكت هيميكو برقتها وهي تشير الى هاتوري الشارد بالقرب من النافورة وقالت:
- لقد جاءت الي عائلتي بنفسها.. اترى الواقف هناك؟.. انه اخي الاكبر هاتوري..!
احاد آيدن بناظريه الى هاتوري، انه يقاسم هيميكو اغلب تفاصيل وجهها، بعينين عسليتان وشعر شابه شعر هيميكو بلون ادكن، لوحت هيميكو لهاتوري الواجم وهي تقول:
- توري-نيي! تعال هنا قليلاً..
عاد هاتوري للواقع وذهنه لا يزال منهكاً من التفكير، ابتسم لهيميكو واقترب منها لتقوم هي بمهمة تعرفيهما ببعض:
- توري-نيي هذا هو رئيس مجلس الطلاب.. كاتسوراقي آيدن.. لقد سهل علي التعرف على المدرسة!
مد هاتوري ذراعه لآيدن برسمية ليتصافح الاثنان بحفاوة:
- تشرفت بمعرفتك كاتسوراقي-سان.. يبدو ان اختي سببت لك المتاعب بشخصيتها الاتكالية..
نفخت هيميكو خديها بانزعاج واخذت تبحث عن مخبأ تدس به نظراتها المحرجة عن آيدن الذي قال بعد ان أطلق ضحكته المعتادة:
- الشرف لي شيراتوري هاتوري-سان.. يجب عليك ان تفخر بهيميكو-سان.. فقد ساعدتنا في بعض مهام المجلس.. لذا مجلس الطلاب هو من سبب المتاعب لها لا هي!
رفعت هيميكو مقلتيها بعدما دفنتهما ارضاً وقد زال الاحراج عن محياها ليحل محله شعور غريب وهي تسمع آيدن ينطق حروف اسمها للمرة الاولى، وقالت مستلمة دفة الحديث موجهة كلامها لهاتوري:
- هل رأيت كم انا متميزة توري-نيي!
ووجهت نظرها لآيدن لتقول بعد ان نال منها الفضول كعادته:
- يبدو لي انك ايضاً لن تذهب للمنزل اليوم كايجو!
- سوري وا سو ديس (هذا صحيح).. فأنا لا اغادر في عطلة نهاية الاسبوع الا نادراً لانني انشغل بالدراسة.. فأنا اكون منشغلاً طيلة ايام الاسبوع بأنشطة المجلس والعطلة تكون افضل وقت للدراسة..
- نارُهودو (هكذا اذاً).. يبدو أنني لن اكون وحيدة هذه العطلة!
وتوجت ثغرها بابتسامة بريئة دون ان تعي ما قالته قبل قليل، شاطرها آيدن الابتسام وقد داعبت كلماتها جزءاً من مشاعره، بينما قال هاتوري وهو يلعب دور الاخ المهتم بحرفنة:
- اذاً اترك مهمة العناية بهيميكو لك كاتسوراقي-سان.. فأنا عائد للمنزل ليلاً..
اومأ آيدن مرحباً بالمسؤولية التي القت على عاتقه:
- لا تقلق هيميكو-سان ستكون بين ايدٍ امينة في اوسترايا!
العاب
ومن كآبة الارض التي تقف عليها كانت كآبتها، حتى مع العشب الاخضر المبتهج بقدوم سيد الفصول، فصل الربيع، هذه الارض تبكي وتنتحب طيلة فصول السنة، دموعها محملة بذكريات الموتى في اعماقها، كان لابد لأيانو ان تزور قبري والديها حين عودتها لليابان، ولهذا السبب هي تقف الآن امام قبري والديها بسواد حلتها وبجوارها يقف من ادعى انه عمها يقاسمها سواد الحلة..
كانت مجردة من ظل توشيرو الذي لم يفارقها طيلة ايام الاسبوع الفائت، اعتذر عن مرافقتها هذه المرة حتى تنفرد بعمها وتتعرف عليه اكثر، وان كان الشك يساوره حول هوية هذا الشخص الا ان ما قدمه من اثباتات كافية لتصديق انه يشاركها دماء آل ساتومي، بينما ظل هو تائهاً في متاهات احاسيسه التي احدثها فقدان آيانو لذكرياتها معه، كان في حرب مع الحياة التي لثمته ألماً برحيل ايانو عنها، ولا يزال منطمساً في حربه حتى مع عودة ايانو، كل ما يجتاحه من احاسيس لم يغير قراره البتة، سيكون سيف ايانو ودرعها للانتقام من من تركها زهرة وحيدة..
سالت دمعة حارة على وجنتها وهي تعيش ذكرياتها مع والديها اللذان يرقدان تحت التراب الآن، استقر كفها على موضع قلبها الذي ينعصر ألماً، شوقاً وحنيناً لمن غادر حياتها للأبد، ازالت دمعتها بكف يدها وهي تتوعد بداخلها لمن انتزع بهجتها، وقفت على ساقيها المترنحتين وخطت خطواتها المهتزة مقتربة من قبريهما، وضعت باقة الورد البيضاء بين قبريهما، لترى عمها يضع باقة ورد هو الاخر، ساعدها على الوقوف وهو يكفكف دموعه الزائفة، ليقول:
- ترحمي عليهما.. ولا تنسي انني هنا لأجلك.. ايانو العزيزة..
تشبثت به محاولة ان تستمد قوتها في مواجهة الحياة منه، فقال هو منتهزاً لحظة تمسكها بحنانه الموارب:
- لقد توقفت اعمال والدك لفترة طويلة.. اتمنى ان توكلي اعماله الي.. سأعيدها الى سالف نجاحاتها وعهدها.. سأعتني بها كما اعتنى هو بها حتى تنهي دراستك.. كل ما احتاجه هو توقيع منك على بعض الاوراق..
قالت بتلقائية بعد ان صدقت مشاعره الكاذبة:
- كما تريد توقو-اوجي ساما.. (عمي توقو)..
ما قيل لم يكن على مشهد من توشيرو الا انه وصل الى مسامعه عن طريق ماكي، حارسة ايانو الشخصية، ودرع ايانو البديل لتوشيرو..
العاب
فتح له السائق باب السيارة، فخرج منها بشعره الاقحواني المميز واخذت خطواته الصغيرة تتسارع اليهما حيث يقفان مودعين زملائهما، ارتمى على هيكارو وطوق ساقه بذراعيه الصغيرتين وهو يقول بنبرته الطفولية:
- هيكا-نيي تشان (اخي الاكبر هيكا)..
انتشله هيكارو من الارض وكبله بين ذراعيه ليقوم بدغدغته وكأنه انقض على فريسة ما، لينفجر الصغير ضاحكاً بين ذراعي هيكارو الذي قال:
- اووي هارو (هاي هارو).. كم مرة يجب علي ان اخبرك بأن تناديني بهيكارو-اونييساما (اخي الاكبر هيكارو -اكثر احتراماً من هيكا-نيي تشان).. ايها الطائش الصغير..
فر هارو من ذراعي هيكارو ليتشبث بأيومي التي تقف بجوارهما بابتسامتها المشرقة وقال وهو يحتمي بها من هيكارو:
- ايومي-نيي تشان تاسكيتي (انقذيني اختي الكبرى ايومي)..
اقترب منه هيكارو وجثم بالقرب منه وقد تلاعب بملامح وجهه وجعل منها مصدر رعب للصغير هارو وهو يقول:
- انا كابا سوف اقوم بالتهامك ايها الشقي..!
اخذ هارو يطلق الشهقة تلو الاخرى وقد شارف على البكاء، نزلت ايومي الى مستواه وطوقته بذراعيها وقالت زاجرة بهيكارو:
- عد الى الماء كابا فمكانك ليس هنا..!
وبحركة مباغتة قام آيدن بدفع هيكارو ليقع في نافورة اوسترايا العملاقة، وقال لهارو وقد فتح ذراعيه له:
- لقد عاد كابا للماء.. هارو الن تأتي لآيدن-اونييساما..
وقبل ان يطلق هارو العنان لساقيه ويرتمي في احضان آيدن، ظهر هيكارو الغاضب امامه وقد ابتلت ملابسه تماماً وصرخ:
- الويل لك آيدن!!
تسمر آيدن مكانه لوهلة وقد استدرك فعلته اخيراً، نظراته انصبت على هيكارو برعب، كأن فزعه اعاده طفلاً وكأن من امامه هو كابا حقاً، فأطلق العنان لساقيه هرباً من هيكارو الذي كانت نيران الغضب تضطرم في عينيه وهو يقول مختلقاً الاعذار لفعلته الخرقاء:
- هيكارو.. لقد ظننتك كابا حقاً لهذا رميتك في الماء..
لم تخمد كلماته اشتعال غضب هيكارو الذي ظل يلاحقه وهو يقول:
- توقف عندك ايها المعتوه! لن اهدأ حتى اجردك من لقب الرئيس! اي رئيس يرمي بالطلاب في النافورة هاه!
كان الجميع يشاهد ما يحصل وقد طغى على هدوء المكان موجة من الضحك، احتمى آيدن بهيميكو الواقفة مع جمع المشاهدين وكأنه وجد ملاذاً آمناً، سكنت هيميكو مكانها وقد توقف عقلها عن العمل لقرب آيدن الشديد منها، بينما وضع آيدن كفيه على كتفيها واخذ يحركها كدرع له وهو يقول لهيكارو:
- لا تقترب منها.. انت مبلل بالكامل..
واشار لهاتوري الذي يقف على مقربة من هيميكو مستمتعاً بما يحدث امامه فحنينه لأيام الثانوية اغرقه في بحر من ذكرياته مع زملاءه، وأردف:
- اذا بللتها سيغضب منك اخاها حتماً..
أطلق هاتوري ضحكةً على جبن آيدن وقال مؤيداً له:
- سونوتوري ديس.. (كما قال).. لن ارضى ان تتبلل اختي!
فقال هيكارو كأنه استنتج خطة بديلة لاستدراج آيدن بدلاً من اللحاق به:
- واجهني كرجل آيدن!
حركت كلمات هيكارو غريزة الرجولة لدى آيدن وزفر طيشه ليتقدم من هيكارو وقد احتمى برجولته هذه المرة تاركاً هيميكو التي افاقت من حالة الخدر ويدها على صدرها متداركة لضربات قلبها العنيفة، وهو يقول بجدية:
- لا تندم على كلامك لاحقاً هيكارو..!
تسمر هيكارو مكانه وقد شلت اطرافه ما ان التقطت اذنيه نبرة آيدن الجادة، آخر مرة تنازل فيها مع آيدن ذا الجسد الرياضي امتلئ جسده بالرضوض وغدا كرجل مسن في مشيته لأيام، لم يدرك انه سيكون لكلامه تأثير سلبي عليه، ازدرد ريقه وقال بنبرة مرتجفة:
- انا.. لم.. اقصد هذا.. ايومي.. هارو فلنذهب للمنزل!!
وهكذا انقلب الحال واخذ هيكارو دور الهارب من العدالة من آيدن، وجرى الى سيارة عائلته بتوبيخ من ايومي التي امرته بتغير ملابسه قبل ان يفكر بالصعود الى السيارة، وضحكات بريئة من هارو الذي عانق آيدن وهتف ب:
- آيدن هو بطلي!
العاب
كانت مستلقية على أريكة مريحة في غرفتها الشاسعة في قصر والدها، وكان الهاتف تسليتها في وقت الفراغ، تداعب ارقامه ويهديها صوت من تحب، تحادث صديقتها المقربة من روحها على الهاتف، كان حديثهما ممثلاً في صغائر الامور التي قد لا تهم سواهما، وبعد فترة من الحديث طرق ذاكرتها امر اغفلها لهوها بالحديث عنه، ابعدت الهاتف عن اذنها والقت نظرة سريعة على شاشته لتعيده الى اذنها وتقول:
- ميكوتو-تشان لقد نسيت امراً مهماً.. يجب علي الذهاب الآن سأحدثك لاحقاً..
- وما هو هذا الامر المهم في نهار اول يوم في العطلة الاسبوعية؟
انتصبت على ساقيها وسارت الى خزانة الملابس، بعبارة اخرى غرفة الملابس التي تقع بين ثنايا غرفتها، بينما ردت:
- الم اخبرك؟ انا ذاهبة الى حفلة والدتي الموسيقية..
- لا لم تخبريني.. سآتي معك اذاً..
اخذت اليس تقلب فساتينها الكثيرة تنتقي منها ما يناسب الحفل:
- لن اذهب وحدي.. سأذهب بدعوة من يوو شوتارو..
جاءها رد ميكوتو متأخراً بعض الشيء ولم تلحظ هي ذلك بسبب انشغالها بانتقاء الفستان الذي سيشهد الحفل معها:
- لما لم تخبريني امراً مهماً كهذا؟
- كنت سأخبرك لو كان الامر بالأهمية التي تعتقدينها.. لقد دعاني يوو للحفل بمناسبة قبولنا في نادي الغناء ولبيت دعوته لرؤية امي التي لم ارها منذ مدة..!
- هكذا اذاً.. اتمنى ان تستمتعي بوقتك.. جا نيه (الى اللقاء)..
- جا نيه..
واغلقت الخط دون ان تلتقط اذناها نبرة الانكسار في صوت ميكوتو، توجهت الى الهاتف الارضي في غرفتها وطلبت رقماً:
- استدعي المنسقة الى هنا..
كان لابد لغرورها ان يترافق بمنسقة تنسق لها ملابسها وتجلسها على عرش الاناقة الفريد، حتى ما ان رآها شوتارو يعيد ترتيب افكاره بشأن مشابهتها لوالدتها ويعترف بجمالها الذي لا مثيل له..
العاب
اخرجت خريطة اوساكا من حقيبتها وهتفت:
- اين سنتناول الطعام توري-نيي؟
أشار هاتوري بسبابته على منطقة من الخريطة وقال:
- دوتونبوري ني ايكيماشو (فلنذهب الى دوتونبوري)..!
ردت بلكنة تساؤل:
- دوتونبوري؟
- سو سو (اجل اجل).. هاياكو اوناكا قا سويتا (فلنسرع انا جائع)..
- جا دوتونبوري ني ايكو (حسناً فلنذهب الى دوتونبوري)..
وانطلقا يمضيان الى وجهتهما، وما ان حطت اقدامهما على المكان المذكور في الخريطة حتى لعبت الدهشة في ملامح هيميكو، التي قالت بذهول فور ان وقعت ابصارها على لافتة عملاقة كتب عليها دوتونبوري مضاءة بألوان خلابة:
- كوري وا؟ (هذا).. دوتونبوري ديس كا؟! (أهذا هو دوتونوري؟).. ظننته مطعماً..!
اطلق هاتوري ضحكة على معالم هيميكو التي لا تزال الدهشة مسيطرة عليها وقال:
- بل دوتونبوري هي مدينة الاضواء التي لا تنام!
وشبك ذراعه بذراعها وتوغلا معاً في زحام دوتونبوري، حيث اختلط اناس من جميع الالوان، سميت المدينة بهذا الاسم نسبة الى النهر الذي يجري في قلبها، الاضواء تشع من كل الجهات وصخب الموسيقى يغلف الاجواء مرحاً، استقر الاخوان امام كشك يقبع على مدخله اخطبوط ضخم احمر اللون بعد ان جذبتهما رائحة التاكوياشي الشهية..
رددت هيميكو وقد خال لها انها تسمع زقزقة عصافير بطنها:
- اويشي نيوي! (رائحة شهية)..!
- هل تودين تناول التاكوياشي هيميكو؟
- هاي! (اجل)..!
بعدها قام هاتوري بطلب تاكوياشي له ولهيميكو بالإضافة الى العصير، وابتعدا عن الكشك المزدحم الذي يتوافد عليه الناس بدعوة من الاخطبوط الضخم، وقعت ابصار هيميكو على عَبارَة تطوف نهر دوتونبوري لتراودها فكرة قررت انها ستقوم بها حتماً، وقالت لهاتوري برجاء:
- فلنتناول التاكوياشي على ظهر العبارة.. اونيييقاي توري-نيي (ارجوك اخي توري)..
كما كانت هي تعيش طفولتها الشقية عندما تكون معه، كان هو يعيش اخوته الحنونة تجاهها، كل منهم يكمل الآخر ويمتص حزنه، ويبعث بالطمأنينة في نفس الآخر، قال ملبياً لفكرتها وقد تجلت ابتسامة على محياه:
- كما تريدين!
وبعد مدة انتظار وجيزة كانت فيها اعين الاثنان تراقب حركة المياه المتلألئة بانعكاس الاضواء عليها، وصلت العبارة التي ستنقلهما الى محطة فرح يتقاسمان فيها التاكوياشي ويبديان اعجابهما بنهر دوتونبوري المتلألئ، ليصعد الاثنان على ظهرها وقد شبكا ايديهما، بينما غلفتهما هالة اخوة تناسى معها هاتوري اضطرابات حياته في يوكوهاما وغرق في سحر اوساكا بمدينتها ذات الاضواء التي لا تنام، ليحفظ سر عودة والدهما في صندوق مقفل كتب عليه تحذير "هنا التعاسة" ورمى بمفتاحه في نهر دوتونبوري وقد اتخذ قراره بأن يحل المعضلة بنفسه دون ان يجرجر هيميكو الى وحل الفساد الذي احدثه والدهما..
العاب
ختمت استعدادها للحفل ببضع بخات من عطر زهري، رسم رذاذه البهجة على محياها، تلقت بعدها اتصالاً من شوتارو يعلن عن وصوله، ودلفت خارجة من غرفتها لتصادف حنان والدها عند مدخل المنزل، بل القصر المصغر:
- لقد كبرت اميرتي وهي ذاهبة في موعد مع فتى!
ابعدت نفسها من احضانه ورددت في محاولة لستر خجلها:
- اوتوساما! سوري وا تشيقاو دا يو! (هذا ليس صحيح ابي).. انا ذاهبة لأحضر حفل امي ولست ذاهبة في موعد غرامي..
ضحك والدها وقد استشعر خجلها من حركة اصابعها وقال:
- يبدو ان اميرك وصل الآن.. هل اخرج معك للترحيب به؟
ما باله ابي؟ كلامه سيدفعني للجنون! يبدو انه يأس من خروجي مع فتى لهذا هو سعيد الآن، قبلت خد والدها مودعة وقالت قبل ان تمضي خارجة:
- لا تتعب نفسك اوتوساما (ابي).. فعلاقتي بهذا الفتى لا تستدعي خروجك للترحيب به.. ثم هو من يجب ان يدخل للترحيب بك!
وخرجت تتبعها نظرات والدها الحنونة الذي تمتم من بعدها:
- لقد كبرت بسرعة.. لن اسمح لها ان تصبح مثل والدتها..
وفي الخارج، كان شوتارو يقف امام السيارة الفخمة التي سيصاحب اليس بها للحفل، رآها تخرج من المنزل وشهق قلبه من مظهرها الآسر، فالتصقت بها نظراته التي تشي بالإعجاب، فستانها الرمادي القصير تداخل بصورة خلابة مع سترتها البيضاء التي خلت من الاكمام بنقوشها الزهرية، بينما جعدت شعرها الليلي وزينته بربطة بيضاء بنقوش زهرية كما سترتها، وترافق زيها بحذاء بني طويل، واضفى العقد الذي طوق عنقها بريقاً خاصاً لمظهرها الانيق، بينما ارتدى شوتارو بنطال من الجينز الاسود، مصاحب بقميص ابيض بأكمام قصيرة ونقوش سوداء مع ربطة عنق سوداء، وقد ارتدى حذاء اسود طويل، وبالطبع لن يخرج شوتارو دون قبعته السوداء التي خبأت تحتها معظهم خصلات شعره الشقراء، فتح شوتارو باب السيارة لأليس مأسورا بحلتها، كللت ابتسامة غرور ثغر اليس بعد ان اشبعتها نظراته المعجبة، ولم تبدي هي اي انبهار بمظهره الجذاب، رغم حتمية اعجابها به، صعد الاثنان السيارة التي سارت بهما الى الحفل، وقد احتاج مشاعرهما الامر ذاته، وهو اللهفة لرؤية اماني كوزوكي تغني على خشبة المسرح..
العاب
كان منهمكا في دروسه، يحل معادلات الرياضيات، من ثم يرتشف من كوب القهوة الفورية، ويعود بعدها لتقليب الاوراق، وبينما هو منطمس في التفكير بحل المعادلة صخب المكان حوله برنين هاتفه الجوال، ترك ما بيده ورفع الهاتف لتقع انظاره على المتصل، انه هاتف شقته، يبدو انها والدتي! قام بضغط زر الاجابة على عجل:
- موشي موشي.. (الوو)..
جاءه الرد بلكنة ايطالية طفولية:
- الوو..
ابتسمت احاسيسه وهو يسمع هذا الصوت الطفولي الذي اراح انهاكه، وقام بتغير لغة حديثه ليقول:
- داني.. أهذا انت؟ من طلب لك الرقم اهي امي؟
- تعال! اريد ان العب معك تعال!
دخلت كلمات داني سمعه وشقت طريقها الى قلبه بسهولة، فقال محارباً مشاعره بتردد:
- لا استطيع المجيء اليوم..
تخلل مسامعه صوت شهقات داني الذي رمى سماعة الهاتف وقال محدثاً لمربيته ببكاء:
- قال انه لن يأتي!
انتشلت المربية السماعة من الارض:
- الوو سيد آيدن..
دغدغ فعل الصغير مشاعر آيدن فضحك وقد طرأت على باله صورة هارو الذي تراقصت البهجة على معالمه حالما رأى هيكارو، وقال وهو يعيد ترتيب خططه لليوم فقد اشتهى ان يعيش مشاعر الاخوة مع داني كما يعيشها هيكارو مع هارو:
- اعطِه السماعة..
استلم داني السماعة ورد بصوته الطفولي الباكي:
- الوو..
- داني! لقد غيرت رأيي سآتي بعد قليل لا تخبر ماما بذلك سوف افاجئها حسناً؟
هتف داني لمربيته وقد تملكت النشوة كل جزء منه:
- قال انه سيأتي!
وأردف مخاطباً لآيدن:
- حسناً لن اخبرها!
اغلق آيدن الهاتف بعدها، وهب واقفاً على ساقيه وهو يتمدد مستعيداً نشاط اطرافه الخاملة، صفف اوراقه على عجل، اخذ مفاتيح سيارته الحمراء، ودلف خارجاً من غرفته وصوت داني المسرور يطوف اعماقه..
العاب
اتخذا مقعديهما الذهبيان القابعان امام المسرح مباشرة، ان المقعدين حتماٌ سيمنحانهما افضل رؤية للحفل، والغريب انهما جلسا جنباً الى جنب دون ان يعصف جوهما بالمشاحنات التي يستدعيها غرور اليس، كان لاماني كوزوكي والدة اليس لوحتان في قلب اليس، لوحة لونت بالوان باردة خاملة تعكس صورة والدة اليس العائلية حيث اختطفها المسرح والموسيقى من عائلتها، ولوحة زاهية رائعة الجمال تصور روعة المغنية امامي كوزوكي الغريبة على اليس، والآن تبلغ سعادة اليس من النشوة ذروتها وهي تنتظر بصبر خروج اماني كوزوكي على خشبة المسرح، يشاركها شوتارو صبرها بينما يسترق اليها نظرات الاعجاب..
كان المسرح حالك الظلام، تعبره همسات الجمهور المتشوق، الى ان تجلت النجمة واشعلت فتيل الاضواء التي انصبت عليها فور خروجها، صخبت القاعة بالموسيقى، واخذت اماني كوزوكي ترقص بخفة مأخوذة بالانغام، كانت فاتنة الجمال بشعرها الليلي الذي شابه شعر اليس، اشتعل المسرح بالنيران للحظة وباشرت كوزوكي بالغناء بصوتها العذب، لم يكن المسرح وحده ما يشتعل فقد اشتعل الجمهور حماساً، البالونات تتطاير في الارجاء متراقصة على انغام الموسيقى، وفي هذه اللحظة رات اليس جانباً مغايراً تماماً لشوتارو، كانت توقن انه احد معجبي والدتها، الا انها لم تدرك انه على هذا القدر من الاعجاب بها، فقد تناسى تماماً وجود اليس التي خبى نورها ما ان ظهرت شمس كوزوكي، كان يهتف ويغني مع كوزوكي كلمات الاغنية التي يحفظها كاسمه، بينما كانت اليس تواجه صعوبة في التركيز على امر واحد من بين امرين، وهما المسرح الذي تغني عليه كوزوكي و المقعد الذي يجلس عليه شوتارو المأسور بأداء كوزوكي..
دام الحفل لفترة من الزمن كان بها جمهور كوزوكي منتشياً بالأداء الرائع الذي قدمته كوزوكي التي غيرت حلتها لثلاث مرات وقامت بتأدية عدد من اغانيها الشهيرة، وبعد انتهاء الحفل داهم اليس شوق لرؤية لوحة والدتها الاخرى، اللوحة العائلية التي لم ترها لأسابيع بسبب انشغال والدتها بجولتها الغنائية للترويج عن البومها الجديد، لذا قررت مقابلتها خلف الكواليس، سوف تلقي على والدتها التحية وتسدي معروفاً لشوتارو بتعريفه لها، استقبلتها مديرة اعمال والدتها التي رحبت بها بحفاوة:
- آرا اليس-تشان! (من ارى هنا اليس؟).. لم تخبرني اماني-سان بقدومك..
ابتسمت اليس للترحيب الذي تلقته وقالت:
- هذا لأنها لا تعلم بقدومي! لقد قررت مفاجأتها مع زميلي..
قالت مديرة اعمال كوزوكي وهي تشير بيدها:
- سوكا (هكذا اذاً).. ستجدون غرفتها على اليسار.. انا ذاهبة لإنجاز بعض الامور مع مسؤولي المسرح..
انحنت اليس باحترام وهي تقول:
- اريقاتو قوزايماس كيدو-سان (شكراً جزيلاً آنسة كيدو)..
وانحنى شوتارو هو الاخر ليذهب الاثنان الى حيث غرفة النجمة اماني كوزوكي، لم يتمالك شوتارو نفسه وقال:
- لا اصدق انني سأقابل مغنيتي المفضلة وجهاً لوجه.. يبدو انكِ ابنتها حقاً..!
- يا لك من غبي! وهل ظننت انهم سيسمحون لنا بالدخول ان لم اكن ابنتها؟
- هذا صحيح.. اتوق لرؤية اماني كوزوكي-ساما خلف المسرح.. كيف هي يا ترى؟
اماني كوزوكي-ساما؟ انه يجلعها تبدو كحاكمة ما، توقفت عن المسير وقالت بضجر:
- انتظر حتى تراها!
وأكملا المسير الى ان وصلا الى غايتهما وهي الغرفة التي تقبع نجمة لامعة على بابها، كادت اليس تطرق الباب الا ان شوتارو استوقفها قائلاً:
- ماتي يو (تريثي قليلاً)..
قام بترتيب ربطة عنقه واعاد قبعته الى مكانها الصحيح بتذمر من اليس التي طرقت الباب بضع طرقات بعدها، جاءهما صوت كوزوكي:
- كيدو-سان الم اخبرك انني لا اود مقابلة المعجبين الآن؟
ادارت اليس مقبض الباب هدفها مفاجأة والدتها، والحماس يتقد في عينيها، فتحت الباب لتقع ابصارها على منظر قبيح جمد اوصالها، وخمد معه حماسها المتقد، والدتها تقبع بين احضان رجل غريب، كانت لتغفر لها لو انها جاءت لرؤية النجمة كوزوكي الا انها جاءت لرؤية والدتها، والدتها التي سلبتها النجومية منها، والان سلبها هذا الرجل من والدها، اخذ صدرها يصعد ويهبط بسرعة جنونية تصاعدت معه ابخرة انفاسها، التفتت كوزوكي لباب عندما لم تسمع صوتاً لمن قام بفتحه، فاذا بالصدمة تكتسحها عند رؤيتها لابنتها، انتشلت نفسها من احضان الرجل وهتفت:
- اليس! ما الذي اتى بك هنا؟
اوصال اليس مجمدة بصقيع الصدمة، شعرت بارتطام لوحة والدتها المعلقة في قلبها وتهشمها على الارض، توقف عقلها عن العمل وشوتارو يقف باستغراب منتظراً دوره للترحيب بكوزوكي، تحطمت لوحة كوزوكي الام في قلب اليس التي همست بانكسار:
- داري قا سونو اوتوكو؟ (من يكون هذا الرجل؟)..
وكررت سؤالها بانهزام بصراخ هذه المرة:
- داري قا؟! (من يكون؟!)..
احست بعدها بكف شوتارو يجثم على كتفها، وهو يقول من خارج الغرفة:
- دوشتانو؟ (ما الامر؟)..
اخر ما ينقصها ان يرى شوتارو والدتها منفردة برجل غريب، شلال من الخيبة بللها استدارت خارجة من الغرفة وهي تدفع شوتارو:
- ابتعد..
تريد من والدتها ان تختفي، ان تتلاشى من هذا العالم دون ان يراها شوتارو فتحل العواقب عليها هي وتصبح كمنكرة من افعال والدتها القبيحة، هربت من نظرات والدتها ونظرات شوتارو ومن مشاعر الكره التي تملكتها، اجفل شوتارو عن الحركة ما ان وقعت ابصاره على ما عصف باليس، استنتج فوراً ان هذا الرجل ليس والد اليس وزوج اماني كوزوكي، وادرك الالم الذي اعترى اليس لحظة رؤيتها لهذا المنظر، ان كانت صورة كوزوكي تحطمت بداخله فصورتها بداخل اليس تحطمت اضعاف ذلك، القى بنظرات معاتبة على كوزوكي التي لم تبدي اي ندم، لم يتوقع ان يكون اول لقاء له بها بهذا الشكل، جرى متتبعاً خطى اليس التي يبدو انها خرجت من المكان برمته، رآها تقف وقد غلبتها الدموع تحاول دس نفسها بين المعجبين حتى لا يراها، صرخ بها:
- اليس-سان!
صرخت وهي تخفي وجهها بين يديها:
- تشيكادزكو ايكاناي (لا تقترب)..!
- لماذا تفعلين هذا بنفسك؟ انتي لم تفعلي ما هو خاطئ!
- لا اريد اي شفقة منك! كنت تتودد الي لأنني اشبهها.. سوشتي ايما وا (و الآن).. ايما وا (والآن)..
اخرستها شهقاتها المتتابعة، فاستجمعت ما بها من نفس وزجرت:
- انا لست مثلها.. لست مثلها لذا كف عن التودد الي.. انها لا تستحق ان تكون من معجبيها!
ولمحت سائقها الخاص يقف بالقرب من سيارتها، فقد اتصلت به ما ان خرجت من الكواليس، هبت اليه وصعدت السيارة دون ان تنظر للوراء، غادرت الحفل بعد ان اجتاحها اعصار مدمر، وصرح كامل انهد بداخلها بما فيه من مشاعر، غادرت وقد دفنت والدتها هناك، كيف ستواجه والدها بهذه الحقيقة؟ وكيف ستواجه نظرات شوتارو فيما بعد؟ ماذا عساها تفعل؟
العاب
ركن سيارته الرياضية التي تعبر عنه في عصريتها ولونها الاحمر الصارخ، وترجل منها محمولاً بكم من الاحاسيس الدافئة، فها هو ذا يعيش شعور ان ينتظره احد في المنزل بعد ست سنوات، داني الصغير خطف لنفسه زاوية خاصة في وجدان آيدن ببراءته، وكأنه القطعة الناقصة من الاحجية التي كان يبحث عنها آيدن مطولاً ليظفر بها بعد سنوات من الانتظار ويحل الاحجية، وصل شقته بعد ان سابق الزمن على غير عادته، فتح الباب بمفتاحه الخاص، ودخل دون ان ينبس ببنت شفة، ما من شيء حصد له من السعادة مؤونة عام كامل سوى ارتماء داني عليه فور دخوله الشقة وهو يقول:
- كنت في انتظارك!
طوقه آيدن بذراعيه ليفاجئه بقطعة شوكولا اخرجها من جيبه واهداها له وهو يقول:
- لقد احضرت لك هذه!
شقت ابتسامة واسعة وجه داني وكأن وابلاً من امطار الفرح لثم وجهه وهو يستلم الشوكولا من آيدن، ضمها بين كفيه بعناية وبرقت عيناه بسرور وهو يقول:
- انا احبك!
بهتت ملامح آيدن لوهلة وقد تلقى كلمات داني كمن فاز بأكبر جائزة في اليانصيب، وهو يحصد حب الصغير بقطعة شوكولا، احكم قبضته على الصغير وهو يضمه اليه يشبع روحه من براءته وهو يقول:
- وانا احبك كذلك داني!
من ثم انزله ارضاً وهو يقول:
- اين هي ماما؟ دعنا نفاجئها!
صاح داني وهو يشير الى الدرج المكشوف المؤدي الى الطابق الثاني:
- انها في الاعلى!
- ششش! فلتخفض صوتك..
ودس كفه الصغير في كفه واخذا يصعدان الدرج بهوادة، درجة درجة في تماشي مع خطى داني الصغيرة، كان آيدن كلما صعد درجة اتضح له صوت والدته أكثر، بدا له انها تتحدث على الهاتف، سمع رنين ضحكتها المميزة التي اشتاقت اذناه لسماعها، وفي جملتها التالية خال له انه سمعها تقول اسم مورينو، طليقها او كما ادعت، لم يكن طبعه التنصت على مكالمات الآخرين فقد ولد نبيلاً وعاش نبيلاً، الا ان الكلمات التي نطقتها والدته شقت طريقها الى مسامعه دون ارادة منه:
- الامور تسير كما خططنا لها عزيزي مورينو... لقد امر بشراء المنزل.. بالطبع سأسكن فيه مع داني ولكن بعد ان يتم تأثيثه بأفخم الاثاث..
ضحكت واردفت:
- وهل تظنني غبية لهذه الدرجة؟ سأعيش فيه مدة من الزمان ثم ستصلك امواله.. وانا اشتقت اليك ايضاً... اه داني اظن انه مع مربيته انتظر سآخذ الهاتف اليه..
كانت كل كلمة، لا بل كل حرف تنطقه ينغرس في قلبه كسكين دامية، ياه من عدد السكاكين التي ادمت قلبه بسبب مكالمة واحدة، يحتاج لمن يسعفه فوراً، لكن من؟ انه يستشعر الخيانة من داني الصغير حتى! انطفأت الاحاسيس بداخله، واشتعلت محلها نيران تسعر احرقت ما بجوفه، رآها تخرج من الغرفة وملامحها تتغنى بالخبث، اوشكت على ان تنادي داني فاذا بالصدمة تخرسها وهي ترى آيدن، يقف مسلوباً من اية تعابير، الجمود هو ما تجلى على وجهه كآنه جلمود، أفلت يد داني ونزل الدرجات وحده هذه المرة تاركاً وراءه نداء والدته وشهقات داني الباكي، اخرج هاتفه من جيب بنطاله، كبس بعض الازرار بأنامله المرتعشة، فجسده تخدر تماماً من الصدمة، وضع الهاتف على اذنه ليجيبه الطرف الآخر في ثوان:
- هاي آيدن-ساما.. (اجل سيد آيدن؟)..
نطق حروفه بصعوبة فقد عسر تنفسه:
- اخرجها من شقتي..
افاق من صدمته حينها وصرخ:
- اخرجها حالاً.. اعطها المبلغ الذي تريده واخرجها.. لا اريدها في شقتي! لا بل في اليابان بأسرها!!
اغلق الخط بعدها، وغادر الشقة بخطوات سريعة، يريد الهرب من الزيف الذي عاشه لأيام، كيف طاوعها قلبها؟ كيف؟
العاب
حرك سيارته بجنون، كجنون المشاعر الذي داهمه، لم يعد يسمع ما حوله، فقد سلبت منه حاسة السمع، ولم يعد يرى سوى الظلمة فقد سلبت الصدمة منه عيناه ايضاً، قلبه ينزف، احاسيسه تستجدي، ولكن ما من مسعف، ما من مسعف! ظن انه سيتخلى عن قناع المرح لأنه سيعيش المرح في جو عائلي، حطم قناعه حينها غير مدرك ما في جعبة الايام من صدمات، من اين له قناع الآن؟ هل سيجبر على الظهور على حقيقته؟ لا يزال السؤال يصدح في كوامنه "كيف طاوعها قلبها؟" أحس بسائل حار يسري على وجنته، انه يبكي، طعنته طعنة لن يشفى منها! ظنت منه طفلاً صغيراً تسترق منه ما تشاء من اموال وتهرب على متن اول طائرة لإيطاليا، دمرت مشاريع حياته، التي كان اولها الانتقام لها من مورينو ظناً منه انه دمر حياتها، فاذا بها هي من تنتقم منه لذنب لم يقترفه، هل كونه وريث للملايين خطر لدرجة سلب روحه منه كما حدث معه الآن؟ كفكف دموعه وزفر أساه وهو يتذكر ان امامه مائدة كاملة من الذكريات، هو ليس بحاجة لها على مائدته، هو بحاجة للجوع فقط، جوع وجودها في حياته ليباشر بالتهام الذكريات بحلوها ومرها، تمتم:
- ماذا عن داني؟
لم يلحظ في دوامة اساه وغيمة الدموع على عينيه انه عبر اشارة حمراء، اضطربت حركة السير بعدها كما اضطربت يداه على المقود، وفي لحظة لم يعي بها ما حدث، اغتاله السواد من عالمه بعد ان ارتطم رأسه بنافذة السيارة بقوة..
في الوقت ذاته كانت هيميكو تسير الى اوسترايا عائدة من محطة القطار بعد ان ودعت هاتوري، ضج الشارع من حولها وهب الجميع محمولين بفضولهم الى مكان ارتطمت فيه سيارتين، وكما حدث مع الجميع دنت هي مقتربة من موقع الحادث، ومع كل خطوة سارتها اتضحت لها السيارة الحمراء الرياضية أكثر، وغمرتها الشكوك الى حد ارتجفت معه اوصالها، تمتمت بفزع:
- ايعقل ان يكون..؟
زاحمت الحشد فاذا بأبصارها تقع على من يقبع خلف زجاج النافذة المحطمة، كادت لا تتبينه ووجهه مضرج بالدماء، جفناه مسدلان على عينيه بسكون كسكون جسده المخيف، اندفعت نحوه وقد اضطرب تنفسها لتصرخ:
- آيدن!!
العاب
الأسئلة:
- ظهر والد هيميكو اخيراً فأي التغيرات التي سيحدثها في حياتها؟
- كيف ستكون ردة فعل توشيرو بعد ان علم الدافع الحقيقي وراء ظهور اكياما في حياة ايانو؟
- كيف بدت لكم دوتونبوري مدينة الاضواء؟
- كيف ستؤثر الصدمة التي تلقتها اليس على علاقتها بشوتارو في اعتقادكم؟ وهل سيكون لميكوتو دور في علاقتهما؟
- تعرض آيدن لحادث مروري بعد انكشاف الحقائق.. هل سينجو منه؟ وكيف سيؤثر ذلك على حياته مستقبلا؟ وكما قال ماذا عن داني؟
- ما هي افضل شخصية؟ وما هو افضل مقطع؟
لقاءنا في البارت العاشر بإذن الله حب2
العاب