تشابهت الأيام والتواريخ..ودوائر المعاناه المفرغه بالنسبه اليها..اليوم مثل الأمس..وكذلك سيكون الغد..لا شئ تتوق اليه..سوا ساعات المساء ! .. سوا حروف تسحبها من ارض الواقع..تهديها..مشاعر..ما عادت تحس بها في حياتها اليوميه..."محبه..صداقه..اخوه..ذكريات..سعاده وحزن " جميعها تجسدت في نص كتابي .. ما ان ينتهي..حتي تسكب قلبها في رساله..وتضغط زر الأرسال.. ولكن هذا اليوم كان مختلف عن غيره !.. طرق بابها..مره..مرتان..والثالثه..دخل غاضباً.. والدها وهو يصرخ...فقد ارتكبت جريمه شنيعه ! ..ولم تنل هذا السمستر المرتبه الأولي..تدنت علاماتها قليلاً.." ليس بسبب الأهمال ! بل المرض" ولكن من ذا الذي سيسمعها.. أطلق العنان لاحكامه..مقيداً لعقله..وفي ثوره غضبه تلك التي زادتها هي .. ببرودها..وصمتها المطبق.. دفعها..دفعها لتسقط علي الحاسب خلفها..فيتحطم الي قطع صغيره...اشلاء..مبعثره..خرج بعدها صافعاً الباب خلفه...ظلت تجمع اجزائه..بصمت..وقد قيدت دموعها..بأصفاد كبريائها..همست لنفسها كذباً " ان كل شئ سيكون بخير !" ...بخير ؟! ..متي ؟؟ متي سيأتي هذا اليوم..فمنذ أعوام طويله..والحال علي حاله ! ..لا تذكر متي وصلت هذه المرحله من التعاسه..كما لو انها لم تذق يوما غيرها لتعرف الاجابه ..في محاوله يأسه..لتذكر الماضي السحيق..جلست علي الكرسي..لتعلق ناظريها بالسقف..بينما بدأت تلك الصوره الضبابيه تضح شيئاً فشيئاً.. " كنت طفله لم يتجاوز عمرها الثلاث اعوام..ألعب بدميه صغيره...فجأه تغير منزلي..وتغيرت حياتي..لأكبروأنا أعلم ان هناك خطب ما.. اسئله بلا اجابه..ووالدين يتهربان من الحديث عن الماضي..كلما اوشكت علي تذكر ما حدث..حتي تسلل من بين يدي كحبات رمليه..انا لم أجد تلك القطعه الناقصه من حياتي..الا مصادفه...كنت ما أزال حينها في الصف الثامن..سمعت احدي جارتنا الثرثارات..تتحدث مع والدتي بهمس...عن عمي وزوجته اللذين توفيا في حادث سياره..وكيف انه كان قرار صائب ان قاما بتبني ابنتهما الوحيده..دون اخبارها بما حدث ! ..كنت حينها اكرههما..ولكن..هذا ما اشعل الفتيل..وادي بي الي الأنفجار.. ان ينتزعا من طفله..(حق التعرف بوالديها الحقيقين).. عمل في قمه الحقاره..لم اتوقع منهما – وان كانا بتلك القسوه- ان يفعلا بي ذلك ! ... ومن يومها..أصبحت تلك النقطه السوداء في قلبي..تكبر شيئاً فشيئاً..حتي ابتلعت حبي لهما تماماً.. – هذا ان حدث واحببتهما قط ! - ...مسحت دموعها علي عجل.. لترتمي بعدها علي الفراش..امسكت بهاتفها..فبرغم من تحطم حاسوبها..يظل الهاتف هو الخيط الذي يربطها بقلم بلاك...يا تري ..الي اي عالم سيأخذني قلمها هذه المره ؟! ..تسائلت متناسيتاً ما حدث قبل قليل..لتعلق عيناها بنافذتها الي السعاده ! .. كعادته يقف علي الشرفه..يطل علي غرفتها..وقد اثار صوت التحطم قبل قليل حاسه الشمارات العاليه لديه ...لوهله تمني لو انه قطه..لتسلل الي هناك..والقي نظره.." ماذا يحدث خلف الجدران المغلقه يا تري ؟! " ..تسائل ليبتسم..فها قد وجد عنوان قصته الجديده..سرعان ما بعثره صوت والدته وهي تصرخ ..مهدده اياه بان كان يدخن..فلن يحدث خير !..فيكذب قائلاً..انه يستنشق الهواء فقط..لتجيب بعنادها المعتاد " مااا عافيه ليك ! وانت حتقتلني قبل يومي ! .." ..ليجيبها مطمئناً..انه لا يدخن..وقد تركها منذ وقت طويل !! .. " تعلم انه اكتسب هذه العاده بعد موت والده..ورغم ذلك..اخر ما تريد رؤيته ان يسرق المرض ابنها هو الاخر ".. اخرج علبه سجائره من جيبه..ليلقي بها علي الأرض..يحدق بصفحه السماء..بهدوء لم يعكس صخب افكاره وضجيجها..ما ان بدأت الفكره تتضح بداخل رأسه..حتي قاطعه صوت والدته مره اخري" يا ولد..انت اليوم كلو متنح من البلكونه دي..نعرس ليك بت الجيران ؟!"..قالتها مازحه..ليطلق هو ضحكه مدويه...عاد صداها بدعاء صادق..بدوام صحتها وعافيتها...فوالدته العزيزه...كان بالنسبه له الطريق الي الجنه ! ..قرر ان يبرها ما استطاع .. -وشتان ما بين حياته وحياتها - نظر الي علبه السجائرعلي الأرض..وبدأ يصارع في نفسه..ليستسلم ويلتقطها..فتدعس علي كبريائه..ليلقيها غاضباً..من الشرفه..ثم تجحظ عيناه ..فقد ارتطمت خطئاً..بنافذه الغرفه الغامضه –كما يسميها هو .. لفتت الطرقه نظرها..فقامت بفتح النافذه..ثوان واغلقتها مره اخري .. أما هو فأحمر وجهه ..ومثل طفل صغير وجد نفسه قد اختبا تحت السور –لا شعورياً - ...عاتب نفسه قليلاً..بينما قام بتهدئه دقات قلبه المتسارعه..قلبه الذي لم ينبض هكذا منذ الأمس..فبالأمس ..اخيراً...تجرأوفعلها... " باح لها بكل شئ..اخبرها كيف يضيع في حروف كلماتها..بل ان قلبه يتوقف بين فاصله واخري !..لايعلم..ان كان الحب يعتبر حباً من خلف الشاشات..ولكن ايا كان هذا الشعور..فهو قطعاً..لن يتكرر في حياته قط.." بالتأكيد..لم يملك الشجاعه الكافيه..لارساله اليها كرساله..فاكتفي بتغليفها كنص كتابي ! ..كان عنوانه غلف حروفه بغموض شديد..جعل من قصته شيفره..لن يستطيع احد غيرها تفكيك ما فيها...احزنه وبشده..فكره انها غالباً..ستتوقف بعد هذا عن ارسال تعليقاتها اليه.. وربما حتي ستكرهه..هو لم يكذب..لكنه اخفي الحقيقه..وكلاهما وجهان لعمله واحده.. أخذ نفساً عميقاً ..ليردد بسخريه " حقاً ..من الحب ما قتل ! " ..قالها ليزفر..مطلقاً سراح احزانه...فلطالما كان يردد.." يكمن سر روعه اللقاء الاول..في اناقه الفراق لاحقاً " .. –ليستنكر صديقه دوماً– وما جمال النهايات الحزينه ؟! ...فيجيبه بنصف ابتسامه.. " انت حتماً ستنسي انك ابتسمت اليوم..ولكن..هل يمكن لدموع ذرفتها يوماً..ان تغادر ذاكرتك؟! .. هبت رياح بارده..لتعبث بشعره الأسود..أحس بالبرد..فدخل..مغلقاً الباب خلفه..ومن سخريه القدر..انه لوانتظر قليلاً بعد..لأبصر للمره الأولي..غرفه تلك الفتاه..بأنوار موقده ! .. لم تصدق..ما قرأته عيناها للتو..صارت..تمشط الغرفه جيئه وذهاباً..تجلس وتنهض..توقد الأنوارلتطفئها..تتحدث وتصمت ! ..اصابتها حاله من الهستريا..تضحك..وتضحك..وتضحك...تريد ان تصدق ما قراته وفي نفس الوقت يبدو لها كقصه خياليه !..وسرعان ما تحول الضحك..الي احمرار وجهها..ما ان تذكرت رسائلها..تلك..هي حينها لم تكن تفكر كثيراً..فقط تسكب كل ما جال بخاطرها وترسله..احست بالجدران تضيق..برئتيها تصغران..وقلبها يضخ بدماءاكثرمن اللازم !... ردد عقلها – اكرهه ياله من وغد حقير ! – بينما اجاب قلبها هامساً –كاذبه ! -...ارتمت بعدها علي الفراش..علقت ناظريها مطولاً ..وقد كتب امامها في شاشه هاتفها .. “Delete acount ?! Yes\No” لم تحس بالوقت يمضي..حدقت بالشاشه ما يقارب الساعه..وما ان اشارت عقارب الوقت الي منتصف الليل..حتي ضغطت علي زر الموافقه !..كان هذا اصعب قرار اتخذته في حياتها..فهاهي تودع..دقائق السعاده...وسبب عودتها الي المنزل كل يوم ! .. مرت الأيام..الأشهر...ثم عام كامل !! .. ومثل اي يوم أخر..عادت تكر حقيبتها في الدرج..الا ان والدتها استوقفتها.. طالبه منها ان ترتدي ملابس انيقه..وان تحرص علي النزول عندما تطلب منها ذلك.. لم تسأل..فهي كان تتعلم السيناريو الذي اوشك ان يحدث..منذ مده..ووالدها يردد انه قد حان الوقت لتتخلص منها..وانه ينوي تزويجها..لاول شاب ميسور الحال..يطرق باب منزله ! .. ولابد ان –ميسور الحال– هذا قد اتي اخيراً..انا لا انوي ان اعترض..قطعاً لن افعل...قالتها وهي ترتدي في اجمل فساتينها ..مع ساعه انيقه..وهي تردد " ربما سيكون هو خلاصي اخيراً..ربما تجسدت دعواتي تلك..في شخص سيأخذ بيدي ليرحل بي من هذا العذاب..وربما ..انا حالمه لا غير ! .." ايا كان ما سيحدث..فليس اسوأ من الذي اعيشه...سأبتسم..سأتظارف..سأتظاهر بالسعاده..سأرتدي قناعي المعتاد...وان لم يعجبني...لاحقاً... سأتصنع امامه الجنون..وقد اروي له بضع قصص خياليه...وان اضطررت لن اتواني حتي بتهديده بالقتل ...لقد عشت بتعاسه ما يكفي..ان لم يكن سيدخل السعاده الي حياتي من اوسع ابوابها..فمن الأجدر له ان يغادر من حيث دخل ! .. ما ان سمعت صوتوالدتها...حتي تسلحت بسوره –يس- بينما نزلت الدرج بخطي بطيئه..اتجهت الي المطبخ...حملت كؤوس العصير الكريستاليه...وقدمتها اليهم..بلطف.. وما ان حمل الكوب..حتي همست والدته ب شئ ما ..حاول كبح جماح ضحكه..لم يرد لمنظره ان يكون بيشاً..فبلع ابتساماته مع رشفات العصير..اختلس النظر اليها..بدت مختلفه..عما تخيلها..تصغره بأربعه اعوام وربما خمس..بدت لطيفه..ولكن عاده ما تاتي الملامح الجميله مع سلاطه اللسان..اسرها..لنفسه...ليبتسم..منذ مده والدته تلح عليه بالزواج..رأته يقف علي الشرفه كثيراً..فظنته معجباً بأبنه جيرانهم..كانوا من اسره مرموقه لهم سمعه طيبه ! ..الحت عليه بخطبتها..استعملت اسلحتها السريه من " عاوزه اشوف احفادي قبل اموت..انت ما ناوي تفرحني قريب ؟!" وما الي ذلك..كما انه وجد من السخافه..ان يتمسك..بصوره وهميه لفتاه غادرت حياته منذ أكثر من عام ! ..فقبل .. هاهو الأن يتقدم لفتاه لم يرها قط ..ينوي التعرف بها اولاً..ثم ان وافقت..ان يتزوج بها نهايه هذاالعام الجاري..تحديداً..في عيد الفطر المبارك ! .. لم تكن مثل فتياتا لعصر..لم تهتم بترهات مثل الحب..وتلك الأحلام الوهميه..التي رسمتها المسلسلات التركيه في مخيله الكثيرات ..وجدت فيه الشاب المناسب..مرح لطيف..وذو خلق عالي..ماذا يمكنها ان تطلب اكثر ؟! ..ثم الا يكفي انه سيخرجها من هذا السجن..سيكون الفارس الذي يكسر قيودها..ويحررها من البرج العالي .. وفي طريقهما الي ايطاليا... علي متن الطائره التي كتب عليها بخط احمر " الخطوط الجويه الأمارتيه".. جلس قرب النافذه يعبث بهاتفه... وهي بجانبه كعلبه صلصه ..اثار غضبها.. فخطفت الهاتف من بين يديه.. لتلمح..في حسابه..كلمتان.. لتضحك بعدها بهستريا..وتجعل كل من في الطائره ينظر اليهما بدهشه.. احمر وجهه وهو يطلب منها ان تصمت..ما المضحك ؟! .. فقد كان هذا انتقامها لما فعل .. وكما تنتهي القصص الخياليه.. انتهت قصتنا هذه ب " عاشا بعدها بسعاده للأبد ! " |