عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-30-2014, 11:00 AM
 
























تمهيد

بدأ الأمر كله باتصال هاتفي عشوائي..

حديث طفولي مسلي..

ثم صداقة مجهولة الأطراف..

لازلت أذكر تلك الليلة التي تعرفته فيها أول مرة، معرفة صوتية إن أمكنني القول!

لكنها معرفة أضفت نكهة على حياتي، وذكرى لازلنا نحتفل بها أنا وهو..
كان أبي منزعجًا ليلتها، أخمن الآن حين أتذكر تعبير وجهه بأنه كان يتذمر شاكيًا من صعوبة عمله كأب وحيد..




"لا تلمسي شيئًا.."
هتف بي محذرًا، وأضاف:
"سأعود خلال دقائق قصيرة.. اجلسي كفتاة عاقلة في غيابي ولا تلمسي شيئا!"
توقف عند الباب ونظر إلي، مفكرًا ربما إن كان عليه حقًا الإقتناع بتعبير الأدب المرتسم على وجهي، لكن الحاجة إلى شراء مستلزمات العشاء فاقت قلقه علي..
ألقى نحوي نظرة أخيرة ثم خرج مغلقًا باب المنزل خلفه، وما إن رأيت من النافذة سيارته الحمراء القديمة تغادر، حتى أسرعت جريًا إلى القبو.

كنت قد قررت تلقائيًا أن استخدم أدوات أبي وبعض ألواح النجارة هناك لبناء منزل للعصافير.
التقطت المطرقة بتردد، كانت أثقل بكثير مما تبدو، لكن لم يفترض بالأمر أن يكون صعبًا.
أخذت قطعتي خشب صغيرتين ووضعتهما معًا على الطاولة، وكما راقبت والدي يفعل عددًا من المرات، رفعت المطرقة وأغلقت عيني، ثم ضربت الخشب بقوة.. لكن الضربة أصابت اصبعي!
أطلقت شهقة صدمة، وتجمعت دموع الغضب والألم في عيني، مسحتها سريعا، ثم ألقيت الأدوات جانبًا... أدركت وسط نقمتي أن بناء بيوت العصافير كان شيئا سخيفًا لا يستحق العناء!
صعدت الدرج الى الأعلى بسرعة، وفعلت كما علمني أبي أن أفعل إن حدثت مشكلة بغيابه.
التقطت الهاتف، وحام اصبعي حول الأرقام استعدادًا للإتصال بوالدي...

لكنني شعرت بالذنب حين تذكرت طلبه مني...
كان يفترض ألا ألمس شيئًا، ولم أثق بقدرتي على الإعتراف بأنني عصيته!
عضضت شفتي، وألهمني منطقي بعد لحظات بأن اضغط أرقامًا عشوائية وأن آمل الأفضل.
"5..3..4..1..1..4..."
رحت أردد لنفسي بينما أضغط الأزرار... بدأ الخط يرن، وتساءلت إن كان الاتصال بغريب فكرة جيدة، لكن قبل أن أتردد أكثر سمعت تكة ثم شخصا يجيب:
"أعجوبة البيانو يتحدث..."
الصوت بدا لطفل صغير مثلي فاسترخيت قليلًا.. تقنيًا إذا كان طفلًا فهو ليس غريبًا.. الراشدون وحدهم من يعدون غرباء!
"مرحبا.. لقد آذيت اصبعي..."
أعلنت عبر الهاتف، الألم النابض في اصبعي مازال مستمرًا، والآن بعد أن وجدت أُذنًا تسمعني اندفعت الدموع لعيني من جديد..
"ضربته خطأ وهو يؤلمني جدًا.."
انتحبت فيما أتابع شرحي:
"لا أعرف ماذا أفعل؟ لأن بابا طلب مني ألا ألمس شيئًا وأنا لمست مطرقته..."
شهقت وغطيت فمي:
"سأقع في كثير من المتاعب حين يعود للبيت!"
"عفوًا يا آنسة، أنا طبيب أيضًا إلى جانب كوني أعجوبة في البيانو، قد أستطيع مساعدتك."
باغتتني الحازوقة فجأة، وضحكت... من الواضح أن الطفل كان ذكيًا.. انتظرت لحظات حتى أهدأ ثم سألته:
"كم عمرك؟"
لا يمكنه أن يكون في مثل سني ويعمل طبيبًا!
"ثمانية سنوات وربع..."
أجاب بفخر، أكبر مني بسنة وربع!
"هل أنت طبيب حقًا؟ تبدو صغيرًا قليلًا."
سألته من جديد، تردد الصوت ثم أجابني معترفًا:
"لا... لكن أبي طبيب ويمكنه أن يساعدك، أخبريني ما اسمك؟"
شعرت بالقلق فجأة.. إن كانت القاعدة الأولى (عدم الحديث إلى الغرباء)..
فالثانية هي (لا تقل اسمك لغريب أبدًا أبدًا)!!
"ما اسمك أنت؟"
"قال لي أبي ألا أخبر الغرباء باسمي أبدًا."
أجاب الصبي بثقة، وكان بإمكاني تخيله يبتسم بغرور تقريبًا!
على الأقل كنّا متافهمين في هذا.
"وأنا أيضًا."
تمتمت بحزن، أردت حقًا لهذا الصبي المذهل أن يعرف اسمي..
"هيه.. أتعلم ماذا؟"
شعرت بالبهجة حين جاءتني فكرة:
"ما رأيك أن نمنح أنفسنا ألقابًا بدل الأسماء؟"
"مثل الأبطال الخارقين؟"
هتف الصبي بحماسة، وأردف بسرعة:
"عظيم.. يمكنك أن تكوني ديساستر (كارثة-disaster")
"ماذا؟ ولماذا ديساستر؟"
"اتصلتِ بي بعد أن آذيتِ اصبعك... لابد أن تكوني خرقاء قليلًا.."
ضحك مضيفًا:
"قوتكِ الخارقة هي أنه.. كلما وقعتِ أرضًا تسببين زلزالًا كبيرًا!"
"حسنًا كما تشاء.. والآن أخبرني شيئًا عنك لأختار لك اسمًا أنا أيضًا."
كنت مصرة على ألا أُهزم من قبل صبي يستخدم كلمات كبيرة كـ(أعجوبة) مهما كان معناها!
"هممم.. تقول أمي دومًا بأنني سأكون (محطم قلوب) عندما أكبر.."
تردد قليلًا:
"مع أن ذلك لا يبدو جيدًا، فهذا يعني أنني سأحطم قلوب الناس ومن ثم يموتون.."
قلبت عيني لغبائه..
"(محطم القلوب) تعبير جميل أيها الساذج، إنه يعني بأنك وسيم... وجدتها!"
أشرق وجهي ابتهاجًا..
"سأدعوك أدنيس!!"
قال غير واثق:
"أدنيس.. وماذا يكون هذا؟ نوعًا من التفاح؟"
"لا لا لا.. روت لي خالتي مرة قصة جميلة عن شاب يوناني وسيم جدًا وكل الفتيات كن يقعن في حبه، قالت أن اسمه أدنيس!"
سألني بارتياب:
"إذًا قدرتي الخارقة هي جعل الفتيات المجنونات يركضن خلفي؟"
"كلا.. أنت ستُشَتِتُهم وأنا أسقط أرضًا.. ثم تحدث هزة أرضية ضخمة ونفوز!"
وافقني بحماس:
"هذا يبدو منطقيًا!"
"أجل.. آه سيعود بابا قريبًا.."
تمتمت بحزن، لم أرغب أن أغلق الخط مع أدنيس، لقد كان أكثر تسلية من الأولاد في مدرستي الذين كانوا يجعلونني أتعثر وأقع بإستمرار.
"ديساستر؟"
بدا صوته مرتبكًا.
"نعم؟"
"أترغبين في أن نصبح أصدقاء هاتف؟"
عبست، سمعت عن أصدقاء مراسلة لكن أصدقاء هاتف؟ بدا ذلك جديدًا ومثيرًا.
"وكيف يكون ذلك؟"
أجابني متحمسًا:
"نتصل كلما احتجنا الحديث إلى شخص ما.. سيكون ذلك ممتعًا، ولن نعرف هوية بعضنا البعض لذا لن نقلق من معرفة أهلنا، فربما لا نقيم في المدينة نفسها حتى!"
ابتسمت ابتسامة واسعة.. قد يكون ذلك ممتعًا بالفعل.
"إذًا.. هل أخبرك بمشاكلي وتحلها لي؟"
"أجل، وأنت تساعدينني بمشاكلي."
كانت نبرته سعيدة، أمكنني أن أتصوره يبتسم فخورًا بخطته.
"حسنًا أدنيس.."
سمعت صوت سيارة تتوفف أمام البيت وبدأت ارتعب.. اتسعت عيناي..
"يا الهي.. بابا قد وصل، سنتكلم لاحقًا أدنيس، حسنًا؟"
تقافزت في مكاني بعدم صبر منتظرة رده، كنت أسمع خطوات أبي تقترب من عتبة الباب..
"حسنًا.. إلى اللقاء (دي)!"
"إلى اللقاء."











b r b

رد مع اقتباس