عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-06-2015, 10:39 AM
 
موضوع الحوار الثالث: ميراثنــــــا العاطفي ..




كثيراً ما نتعرض لبعض التجارب القاسية.. تجارب من ذلك النوع الذي يكشف لنا معادن الناس.. ويظهر لنا خبايا سرائرهم ومكنونات نفوسهم..
تحل بنا المحن ونعاني الشدائد.. ثم نلتفت حولنا فلا نجد أحداً..

فصديق الأمس هو عدو اليوم..
ومن كنّا نظنه قريباً ونعده فرداً من الأسرة وواحداً من الأهل.. اختفى مع غيره وتركنا نقاسي وحدنا..
ومن كان يظهر الاهتمام بنا ويصافحنا بحرارة ويسأل عنّا بسبب ومن غير سبب.. أصبح وقت الشدة وكأنه لا يعرفنا..
وكثيرون هم الذين يحضرون مآتمنا ويواسوننا في مصائبنا ودموعهم تسبق خطواتهم.. ثم ينصرفون وهم شبعى من لحومنا..
والأكثر منهم هم أولئك الذين يتملقون لمرءانا ويفرحون لفرحنا.. ومشاعر الحقد والحسد تكاد تقتلع قلوبهم.. ولو كان الأمر بأيديهم لمنعوا عنّا الهواء وقطر السماء!!

فما سر هذا التناقض العجيب بين المظهر والشعور الحقيقي؟؟
ولماذا يتكلفون زخرفة مشاعرهم بهذه الطريقة العنيفة؟؟

وواقع الحال يقول أن أمثال هؤلاء الذين يلجأون إلى زخرفة عواطفهم بالكلمات المثيرة والحماس الخارجي الحاد.. هم في الحقيقة أبعد الناس عن العاطفة الصحيحة الصادقة.. وهذا ما أكدته التجارب الإنسانية على مر العصور وما تزال تؤكده..
فالعاطفة -كما يصفها الكاتب رجاء النقاش- "بأنها جمال وزخرفة طبيعية للحياة.. وهي تعطي صاحبها اكتفاء وسعادة داخلية.. ثم تخلق فيه احتراماً لهذه العاطفة.. فلا يمكن أن يبعثرها في مناسبات مبتذلة.. بل ينتظر دائماً الفرص الحقيقية للتعبير عن عاطفته في بساطة صادقة"..

وما قيل عن عاطفة الفرد قد ينطبق بشكل أو بآخر على عاطفة الجماعة.. وهذا التطابق يثير سؤالاً هاماً عن أيهما هو المؤثر الفعلي على الآخر؟؟
أو بمعنى أوضح أيهما يؤثر بشكل أكبر على الآخر.. عاطفة الفرد أم عاطفة الجماعة (المجتمع)؟؟

هناك اعتقاد شائع بأن الشعوب العربية شعوب عاطفية تتميز بالانفعال الشديد.. لكنها تترجم هذه العاطفة بطقوس وبروتوكولات اجتماعية عنيفة..
وهذا يظهر جلياً في حفلات الأفراح ومآتم الأتراح ومواسم الأعياد ...وغيرها.. والتي تثبت أن الطقوس الخارجية عندنا أهم من المشاعر الداخلية الهادئة.. أهم من العاطفة الذاتية التي يشعر بها الإنسان وحده أو يتشاركها مع عدد قليل من المقربين إليه..

بإختصار هذا هو ميراثنا العاطفي.. عاطفة زائدة غير ناضجة ولا متزنة.. تتركز في المظاهر الإجتماعية.. وتعتمد على الزخارف في الكلمات والتصرفات.. ولا تعتمد على الشعور الشخصي الذي يحس به الإنسان عن صدق واقتناع..

إذاً فكيف هو السبيل إلى عاطفة ناضجة وصادقة.. تعبر عن نفسها تعبيراً سليماً بعيداً عن التناقضات والمظاهر الصاخبة؟؟


ومع ذلك فهناك من يؤيد ميراثنا العاطفي.. فهو يرى أن هذه الانفعالات الخارجية.. المتمثلة في اللمسات الإنسانية والمظاهر الإجتماعية.. هي من أهم ما يميز الإنسان العربي.. فهي تضفي على علاقاته بعداً إنسانياً فريداً.. وبها تزداد مودات القلوب وتتعانق الأنفس والأرواح بلا تحفظ أو سابق موعد..
وعن ذلك يقول الكاتب كريم الشاذلي "أن اللمسا ت الإنسانية لها مفعول ساحر.. وأثر مدهش على نفسية الناس.. وتستثير بداخلهم طاقة جبارة من الحب والمودة والامتنان"
كما أن البشر مخلوقات عاطفية بالفطرة.. تألف من يظهر الإهتمام بها ويبادلها هذه المشاعر.. فالعلاقة بينهما تكاد تكون طردية.. فكلما كانت المظاهر الخارجية أكبر كان ذلك دليلاً أكبر على الإهتمام.. وأما من يقتصر على مشاعره الداخلية فإنهم ينفرون منه وإن كان صادقاً..


فهل أنتم من مؤيدي ميراثنا العاطفي أم من معارضيه ؟؟





"من لا يشكر الناس لا يشكر الله"

فهذا
شكرٌ خاص أخطُّه بمداد البحر لمشرفنا المتألق الأخ مهدي.. على توجيهاته وإضافاته القيمة.. التي ساهمت في إخراج الموضوع بهذا الشكل..
وأيضاً على جهوده المبذولة لإنجاح المسابقة والرقي بقسم الحوار..
والشكر موصول لكم أيضاً رواد القسم



__________________










رد مع اقتباس