.
.
35 ،،
.
~
إبتسم لوي ثم أعقب بوجه جاد و قال: لكن الآن، ما يشغل بالي هو آخر مقطع، يريد أن يتخلص من شخص يريد الانتقام منه؟
أطبق الصمت على المكان لفترة من الزمن، إلى أن سألت متمتمة: من يكون؟
لاذ لوي بالصمت، فأخذ لويس الورقة و أخذ ينظر لها من الخلف و الامام و هو يقول بحيرة: الاهم من هذا، أين والدي الآن؟ أهو هنا في القصر أم في الخارج؟
توجه لوي نحو النافذة ووضع يده عليها و أخذ ينظر للخارج، ثم قال بحدة: أعتقد بأنكما لاحظتما ما حدث ايضاً، بأن لا يوجد أي أحد هنا سوانا نحن.
فقلت و أنا أنظر للباب: صحيح، لم ارى في طريقنا أي خدم.
حك لوي رأسه ثم قال:الاهم الآن، دعونا الآن نخرج من هنا.
. . .
في اليوم التالي، الساعة 2:00 ظهراً
كان لوي لا يزال غارقاً في التفكير الصامت وحده، هو في اللغز الذي نقشه والده على رسالته، من هو الشخص الذي يريد أن يتخلص منه و الاخير يريد أن ينتقم منه؟ كل ما أنظر لوجه أشعر بأنه يعرف ذلك الشخص المنشود إلا انه حائر في دهاليز ذهنه، و نادراً ما ارى لوي ضائع بهذا الشكل.
جلبت له كأساً من الماء البارد، فتناوله و شربه دفعة واحدة ثم وضعه على المنضدة بإنزعاج، فسألته: هل عرفت من الشخص الذي عناه والدك؟
عض إصبعه الابهام بنوع من الغضب و قال: حتى لو سألتني، كلما أفكر و ارى في وجوه الاشخاص الذين في ذهني، لا يظهر أمامي سوى شخصان، لكن شئ يحيرني في الامر ..
سألته بأن يوضح أكثر، فتنهد و قال: الشخص الذي يريد أن يتخلص منه أبي، هذا الشخص يريد أن ينتقم من والدي، لو فكرتي في سبب الانتقام أنت، مالذي يكون في نظرك؟
فكرت قبل أن أجاوب، و قلت له: حسناً، لو سألتني عن وجه نظري، أسباب الانتقام الاكثر شيوعاً سوف تكون بأن شخص ما قتل شخص آخر، و معارف المقتول يريدون الانتقام لقتيلهم من القاتل.
لاذ بجناح الصمت، فسألته: و من هاذان الشخصان اللذان تعتقد انهما يريدان الانتقام من والدك؟
فأجابني بهدوء: كارل أو لوكا.
سوف أكذب عليكم إن قلت بأنني شعرت بالدهشة قليلاً لسبب ما اجهله أنا، إزدرأت ريقي و سألته: مالذي جعلك تفكر هكذا؟
فأجابني: والدة كارل التي تكون خالتي، مما سمعته عن كارل في يوم من الايام بأنها قد قتلت من قبل والدي عندما حاولت أن تحمي أمي.
لاذ بجناح الصمت لفترة ثم أردف: لكن كارل ليس من النوع الذي يحب أن يعلب في المسرحية كممثل، هو يحب أن يراقب كمشاهد لا أكثر، لذا لا أعتقد بأنه قد يحاول الانتقام مع انه يملك الوسائل.
نظرت له و قلت: قل لي، إن كان لوكا هو الشخص الذي عناه والدك، هل سوف تنقذه؟
لاذ بجناح الصمت مرة اخرى ثم قال متغاضياً عن السؤال: لوكا هو الاقرب في رأيي، فهو قد عاد إلى امريكا بعد أن غادر تركيا منذ سنوات، لكن ما هذا يا ترى؟
عندما سألته عن ماذا يقصد، نظر للأرض و قال مغمغماً: الشعور يخنقني مثل حبل قد إنحز في رقبتي.
وضع رأسه بين يديه و كأنه على وشك الانفجار، أوجست خيفه، فوضعت يدي على كتفه لكي أجعله ينظر لي، فإذا به فجأة يمسكني و يحضنني بقوة، شعرت فيه خوفاً دفيناً، و كأن أبواب العذاب قد فتحت مصاريعها مرة اخرى ها هنا، ظل ممسكاً بي لفترة من الزمان حتى شعر بأضلاعي قد تداخلت مع بعضها، كل ما أفكر فيه هو سبب إرتجافه هكذا؟
كسر حاجز الصمت صوت هاتفي معلناً مكالمة لي، إبتعد لوي عني و هو ينظر للأسفل، فتناولت الهاتف للأرى اسم كيفين، فتحت الخط ووضعت الهاتف على اذني، كنت سوف أتكلم فإذا يكيفين يقول بصوت عال يسمع من خارج الهاتف: كاثرين! هل أنت بخير ؟! أين أنت؟!
أبعدت الهاتف عن اذني عندما شعرت بالطبلة على وشك الانفجار، إنتظرت أن يهدأ كيفين ثم قلت له: نعم، و لماذا لا أكون بخير؟ أنا هنا مع لوي.
هدأ فجأة، سمعته و هو يأخذ نفساً عميقاً ثم قال بنبرة مرتاحة :فهمت، آسف على إخافتك.
عندها أخذ لوي الهاتف مني وسأل كيفين: ماذا حدث؟ هل حدث شئ؟
ظل كيفين يتكلم بدون أن أسمع أي شئ، إلى أن قال له لوي بنبرة هادئة جداً: فهمت.
ودعه ثم أغلق الخط، عندما سألته عن ما حدث، نظر لي و أجابني: القصر، لقد إحترق ليلة البارحة.
نظرت له بدهشة، كنت مندهشة لا أكثر، ما أقصده بأن ذلك القصر الكبير، يحترق! تخيلت ألسنة النيران و هي تندلع منه و من نوافذه، تخيلت غرفه سوداء و الاثاث الفاخر متفحم، من عساه يفعل شئ كهذا؟ أو بالاحرى كيف فعلها؟ أكان يملك الاصرار و العزيمة لهذه الدرجة للإحراق قصر ضخم ؟!
فقلت للوي: م-من احرقه؟
أسند خده على يده يفكر و قال: أعتقد بأنه ذلك الشخص الذي ذكره والدي في رسالته، بمعنى آخر لوكا.
فقلت له بإندفاع: لكن لوكا عاد لتركيا عندما قتل والده أليس كذلك؟ لماذا قد يعود الآن بالتحديد للإنتقام؟
نظر لي بحدة و قال: لا تنسي بأنه كان صغيراً آنذاك، ربما انتظر أن يكتسب القوة ثم يعود لامريكا مرة اخرى لانتقام.
شعرت في صوته نوعاً من الغضب، أهو بسبب أسئلتي الكثيرة؟ أم بسبب انه غارق في التفكير؟ أم بسبب لوكا؟ لا أعلم، ما أعلمه هو بأنني في تلك اللحظة نظرت له بهدوء و قلت له: الصداقة هي هدية ثمينة جداً، لا تتوقع الحصول عليها من أناس رخيصين.
نظر لي بتعجب، فأردفت قائلة: أعلم بأنه الضوء الحي الذي تركك وحيداً مع انك كنت تحتاجه، أعلم بأن والدك هو من قتل أب لوكا، أعلم بأن لوكا لم يفكر فيك، لكن، هل أنت من الناس الرخيصين؟
غيرت نبرتي و قلت له بإندفاع: هل سوف تتركه يموت و أنت تعلم بأن هنالك شخصاً يريد أن يأخذ روحه ؟! هل سوف تتخلى عنه مثلما فعل هو؟ هل أنت هذا النوع من الاشخاص؟
عندما رأيته قد لاذ بجناح الصمت الابدي، هدأت قليلاً و قلت له و أنا ابتسم: ماذا سوف تفعل، لوي؟
نظر لي بحيرة، ثم قال بعد أن تنهد: دعينا ننتظر للغد.
. . .
في اليوم التالي، الساعة 6:00
بدأت الشمس بالغروب في ذلك، و قد أخذت معها ما تبقى من ثلج باقي في الطرقات و على النباتات، نعم، الربيع يطرق الابواب، اتمنى أن يطرق بابنا معه هذه المرة، أخذت الشمس تختفي رويداً رويداً، و أضوائها تختفي مثل سيف مسلول أخذ بالتلاشي، أصبح الجو منعشاً و نقياً يوماً بعد يوم.
كنت في الشقة أنظر من النافذة، إلى أن سمعت صوت هاتف لوي، توجهت له حيث كان يجلس على الاريكة كالعادة، جلست بقربه، بينما هو فتح الخط و قال: مرحباً.
قلت له بأن يشغل مكبر الصوت لكي اسمع المحادثة، عندما شغله سمعت صوت كارل يقول: مرحباً لوي! كيف حالك؟ مر وقت طويل!
تنهد لوي و قال: ماذا تريد؟
أطلق ضحكة خفيفة و قال: لا، يبدو أنك بجانب كاثرين.
ثم أردف: كما قلت لي راقبت والدك و ذلك المدعو مايكل، يمكنك التأكد الآن بأن ما يسعى إليه والدك هو قتل لوكا.
ثم قال بإندفاع: لقد كنت مندهشاً، من كان يتوقع بأن ذلك المدعو لوكا سوف يحرق ذلك القصر الضخم، يمكنني أن أقول بأنني أتوقع هذا من صديق لوي ابن خالتي.
واصل كلامه بدون توقف قائلاً: لا أعلم إن كان يعلم بأن لم يكن هنالك شخص في القصر، فعمليات البحث عن الجثث في القصر لا تزال مستمرة لحد الآن بسبب ضخامة القصر، لكن من حيث ملامح وجه يبدو بأنه يعتقد بأنه قد نجح في قتل والدك.
فسأله لوي بهدوء: هل أنت تراقبه الآن؟
أطلق ضحكة و قال: نعم، هو يتوجه الآن إلى المقبرة ،لا تقلق فأنا أراقبه من مبنى بالقرب من المقبرة، معي منظار.
ثم قال بنبرة مرحة: حسناً، يمكنك الاتصال بي متى شئت، للأنني سوف اظل أراقب هذا الشخص!
ثم أغلق الخط، نظرت للوي و قلت له: ماذا سوف تفعل؟ هل سوف تذهب؟ أم تبقى؟
أسند ظهره على الاريكة و قال: لا أعلم،فوق هذا ينتابني شعور غريب، لا، شعور سئ جداً.
نظر لي، أمسك يدي و قال: دعينا نبقى.
نظرت له بحدة و قلت: أرفض.
ثم أردفت: لقد كنت أعاتب لوكا للأنه قد تخلى عنك، صرخت في وجه مع انه انسان قرأت عنه في دفتر مذكرات و قابلته للأول مرة، لذا لا أريد أن أعاتبك أنت كذلك.
إلتزم الصمت، فإنتصبت على رجلي ثم أمسكت يده و جعلته يقف على رجله هو الآخر، نظرت له و قلت بإبتسامة: لو انتهى كل شئ بسلام، من المحتمل أن تعودان كأصدقاء مرة اخرى، ألا تريد أن تشعر بتلك العواطف مرة اخرى؟
إبتسم بحزن و قال: أنت دائماً تنظرين للجانب المشرق، لا أقول لك بأن هذا شئ غير جيد، لكنك في بعض الاحيان يجب أن تنظري للجانب الواقعي.
نظرت له بحيرة و إستغراب، فرفعت يدي و أمسك رأسه حيث وضعتهما فجأة على خديه بشدة و قلت: مالذي أنت خائف منه يا ترى؟
توسعت عينه لكنها سرعان ما عادت لوضعها الطبيعي، أصبحت نصف مفتوحة بطريقة غريبة توحي بعاطفة معينة، ماذا كانت تدعى يا ترى؟ الحنين؟ الشوق؟ الخوف؟ لا أعلم.
وضع يده على يدي التي كانت على خده و قال: لا أعلم، لذا لا تسألي هذه الاسئلة المبهمة.
أخذت نفساً عميقاً ثم أعقبته بزفرة طويلة، أبعدت يدي عنه بخيبة أمل، تراجعت للوراء قليلاً و قلت له: فهمت، يالخيبة الامل.
أعطيته ظهري ثم شققت طريقي بنفسي وحدي راحلة، سألني إلى أين اتوجه، فقلت له بنبرة مطلقة: لا تتبعني.
خرجت من الشقة ثم توجهت للشارع، شعرت بخطوات لوي السريعة و هي تلحق بي، و لحسن حظي كانت هنالك سيارة اجرة قريبة، دخلت فيها و قلت للسائق بأن يقلني للمقبرة، عندما إنطلق كان لوي قد وصل للتو، نظر للسيارة و أعينه توشك أن تخرج من مكانها، و كأن سيفاً ما قد طعنه في قلبه ليقطع الشرايين و الاوردة التي تحمل دم الحياة فيه، ففرغ من الروح، حاول اللحاق بنا إلا انه كان يتهاوى في مشيه، كنت اراه، و للأول مرة اراه بهذه الحالة، هل شعر بهذه الحالة أكثر من مرة؟
شعرت بعض الشئ بالندم، شعرت بأنني حمقاء نوعاً ما، ساذجة، حالمة، لا أعلم، ما أعلمه هو بأن عبرات قد سالت على خدي بشكل مؤلم حيث كانت تقطع قلبي، دموع ماذا كانت؟ لا أعلم،تكورت مكاني ووضع يدي على صدري و أنا أقول و اكرر في جوفي: أرجوك بأن تسامحني، لوي.
كنت أريد أن أعيد علاقة الاثنان فحسب، أتذكر بأنني كنت أتشاجر مع لورين في بعض الاحيان أو نتخاصم، في فترة الخصام أشعر بضيق شديد و كأنني في غرفة تتقلص جدرانها لتسحقني، لذا رؤية هاذان الاثنان في مثل هذه الحالة حركت فيني هواجس كانت مدفونة، لوي و لوكا هما من ايقظاها، لا أعلم إن كنت سأنجح أم لا، ربما يفوت الاوان كذلك، جميع الاحتمالات واردة، إلا انني سوف أخسر شيئاً ما فيني إن لم أحاول.
مسحت دموعي و نظرت من خلال النافذة بينما كنا عالقون في الزحام، فإذا بقطرة ماء قد سقطت على النافذة، نظرت للسماء فوجدتها رمادية ملبدة بغيوم سوداء لطالما كرهتها، إلا انني أحببت أمطارها، أمطار الربيع تطرق الابواب، الربيع يطرق الابواب.
زاد المطر في الهطول رويداً رويداً، و معه زاد الزحام، عندما ذقت ذرعاً ألقيت مبلغاً من المال على السائق و خرجت من السيارة أجري إلى المقبرة، هناك حيث أبي.
ظللت أجري تحت الامطار، شعرت بملابسي قد تبللت و تشبعت بالامطار، شعرت بشعري و هو يسقط على عيني و يلتصق بظهري، رجلي و هي تنزلق فوق الارضية المبللة مخلفة وراء كل خطوة إنفجار ينتج عنه تبعثر و تشتت قطرات الماء بشكل جميل، تصدر صوتاً يجري في الاذن.
وصلت لبوابة المقبرة و أنا ألتقط أنفاسي، لكنني سرعان ما دخلت، نظرت في الارجاء، بحثت و بحثت، رأيته هناك، عند قبر والدة كيفين، إنه لوكا، إبتسمت بإرتياح عندما رأيته بخير و توجهت له، إلتفت لي و قال بعد أن أظهر معالم الدهشة: أنت كاثرين، أليس كذلك؟ مضى وقت طويل، ماذا تفعلين هنا و في هذا الوقت؟
كنت لا زلت ألتقط أنفاسي تحت زخات المطر التي ملأت المكان، قابلني بالكامل حيث اعطى القبر ظهره، كنت على وشك أن أتكلم إلى أن سمعت صوت لوي يناديني من الخلف، إلتفت فوجدته يجري نحوي، جمدت مكاني إلى أن وصل لي، وقف بجانبي ثم وضع يده على كتفي و إبتسم، شعرت نوعاً ما بالراحة عندما رأيت إبتسامته لي.
نظر للوكا الذي كان لا يظهر أي ملامح، ثم قال بجدية: اسمعني يا لوكا، الامر عائد لك إن كنت سوف تصدقني أم لا، لكن-
انقطع كلامه عندما سمعت صوت طلقتان من مسدس، كانت طلقتان بالضبط، و هاتان الطلقتان جعلتا لوي يجلس على الارض يصرخ، و الاخرى جعلت لوكا يسقط للوراء ،فسقط و إصطدم بالشاهد الخاص بقبر والدة كيفين، حيث كان ظهره مسنداً على الشاهد بينما باقي جسمه يعانق الارض.
ظللت فترة من الزمن أحدق في الفراغ أحاول إستيعاب ما حدث بالضبط، إنتفضت مكاني و نظرت للوي، كان ممسكاً فخذه الذي قد أصابته الرصاصة، تفجرت الدماء و لونت بنطاله، حاولت الكلام لكنني عجزت، فنظر لي لوي و قال بوجه يصارع الالم: لا تقلقي، إنها في فخذي فقط لذا ليست مميتة.
عندما نظرت للوكا، رأيت دمائه التي قد تفجرت من وسط صدره، سالت إلى الارض مثل عين قد سالت من على سفح جبل، تسسللت بين الحشائش و لونت العشب فغدا احمر اللون، ألوان وجه تختفي و تبهت رويداً رويداً لكنه لا يزال واعياً و تنبض فيه الروح.
نظرت للخلف فرأيت مايكل يقف ممسكاً مسدساً، و الابتسامة الصفراء لا تزال على محياه، اعطته الامطار نوعاً من الهيبة و الشكل المخيف، و كأنه حاصد الارواح مرتدياً اللون الاسود، يحمل منجلاً أسفل وابل من الامطار التي تمهد للربيع.
تقدم و هو يقول: قال لي العجوز بأن أقتل المدعو لوكا فقط، لكن بما أنكما هنا سوف ألعب قليلاً.
تقدم و أمسكني من قميصي من الخلف، أخذني و قذفني نحو شجرة ذات جذع ضخم مغروس في الارض، ثم أطلق على ساقي النار فسقط صارخة من الالم الذي إعتراني في ساقي آنذاك.
ثم توجه للوي، أطلق النار على فخذه الآخر فعانق الارض، بعد هذا كاد أن يتوجه للوكا الذي كان لا يزال يصارع الموت، لكن لوي أمسك كاحله و هذا التصرف قد فاجئني منه و نظري قد كان مشوشاً في تلك اللحظة، نظر مايكل للوي من الاسفل بأعين غريبة مخيفة قد بعثت التشاؤم في نفسي، ثم رفع رجله و ركله في وجه! فوضع لوي يده على وجه بعدما أحس بسيل من دمه قد خرج من رأسه و سال على جبينه.
ترك كاحل مايكل بشكل لا إرادي بعد أن خارت نصف قواه، أما مايكل الذي كنت اتوقع بأن يتوجه للوكا قد وقف مكانه وسط وابل المطر يبتسم بشكل غريب، لقد فكرت في هذا الشئ من قبل لكنني الآن أصبحت متأكدة منه، إنه يعاني من خلل في العقل، فوقوفه هكذا وسط الامطار بملابسه السوداء و مسدس في يده، بجانب خصلات شعره الفحمية التي قد تدلت لتغطي عينيه و الابتسامة الصفراء على محياه، منظر لو أحضرت أعظم فنان في العالم لما إستطاع إيصال الهواجس التي شعرت بها في تلك اللحظة.
نظرت للوي و أنا أمسك ساقي بكلتا يدي، وجدته لا يزال يعانق الارض، لكنه فجأة أخذ يزحف إلى حيث لوكا القابع هناك حيث قبر والدة كيفين، فقد التحكم بأطرافه و عيناه قد أصبحتا خلف شعره الاحمر الناري، كل خصلة مثل شرارة على وشك الاضطرام تأبى أن تموت أسفل زخات أمطار الربيع، بينما لوي كان يزحف و يزحف، مثل شخص قد فقد ساقيه في معركة لكنه ظل يزحف متجهاً لمناه، هذا ما رأيته و ما تصورته.
تحت السماء الباكية على ما حدث في من يقبعون في تلك المقبرة و في تلك اللحظة، مشهد لو أحضرت أعظم شعراء العالم لما عرف كيف يكتب قصيدته، تحير المؤلف و ضاع الفنان، تحيرت أنا، عندما مد لوي يده و هو يواصل الزحف إلى حيث صاحبه، همس باسمه، و خط من دمه كان يسري و كأنه يسري من على سفح جبل، بأعين بللت أهدابها الامطار، معانقاً الارض، بينما صاحبه كانت روحه تخرج رويداً رويداً، حاول لوي إمساكها لكن عبثاً للأنها قد أصبحت ضعيفة النسج، مسنداً ظهره على الشاهد الخاص بقبر والدة كيفين، و باقي جسمه كان على القبر نفسه، أعينه كانت تدمع بدموع لم أعرف ماهيتها، ندم؟ حرقة؟ حسرة؟ فرحة؟ شفقة؟ لا أعلم، كل ما اعرفه هو انه بكى عندما رأى صديقه الذي كان يخدمه في السابق يزحف له مثل روح ضائعة قد فقدت أطرافها، فأخذت تزحف باحثة عن النور لكن عندما ظنت بأنها قد وجدته لم يكن، فمات لوكا آنذاك بدموعه بعدما كان آخر من رأه هو صديقه.
كنت أنظر بدهشة، لا، هذه الكلمة لا تكفي، عجزت كلماتي و فشلت في البحث عن كلمة مناسبة في أنحاء جعبتي الصغيرة، ظل لوي مكانه قابعاً ووجه يقابل الارض، أما قبضته فقد كانت مشدودة بحسرة، يده الاخرى قد إنبطحت على الارض بعد أن تملكها اليأس من نيل ما أرادت أن تعيده مرة اخرى، إنطفأت أحد الشموع التي قد أنارت حياة لوي في ذات يوم، لابد انه يتجرع نفس الالم للمرة الثالثة.
إلى أطلق مايكل زفرة طويلة ثم توجه حيث كنت، عندها حاولت الفرار فأطلق النار على ساقي الاخرى فوراً، و كأنه آلة خارقة لا تخطئ في التصويب! تقدم لي، عندها حاول لوي أن يحرك جسمه لكي يأتي حيث أنا، و قد أصبح أسرع من ذي قبل، بينما أنا جمدت خائفة مذعورة بصمت أمام مايكل الذي قال: سوف أرد لك دين آخر مرة، عندما كدت أن تشطري رأسي.
جلس القرفصاء أمامي و هو يبتسم، ثم قال: لكن لماذا أتيت إلى هنا يا ترى، هل أنت حمقاء؟ هل هناك أحد يأتي للموت برجليه؟، بعد أن انهى جملته هذه وقف مرة اخرى ووجه لي المسدس.
كل ما سمعته هو صوت آخر طلقة قد كانت في المسدس، فقدت السيطرة على أطرافي تماماً و كأن الاعصاب قد بترت داخل جسمي، جهدت في فتح عيني التي بدأت تغلق نفسها بنفسها، لكن عبثاً، شعرت بشئ غريب بجانب الالم الذي قد إنتشر في جسمي، وضعت يدي على المنطقة التي كانت أسفل صدري، فشعرت بشئ يتفجر من الفجوة التي قد أحدثت هناك، تسللت الدماء للأسفل حيث كنت أجلس لتمتصها الشجرة فيما بعد، شعرت بخوف كان يلتهمني أكثر من الالم الذي لا يوصف، و كأن منجل قد إخترق صدري!
في تلك اللحظة، كل ما اراه و اسمعه هما شئ واحد فقط، صورة لوي و هو يزحف حيث كنت جالسة مسنداً ظهري على الشجرة، و على ملامحه كان يعلو حزن صارخ قد اطلقه بصرخه مدوية قد اطلقها بين وابل الامطار الكثيفة، خارت قواي و شعرت بأن وعيي يغيب بين الثوان بشكل ملحوظ، تبدل النور في عيني إلى عتمة و لم ارى اي شئ سوى اللون الاسود، رحل الالم فلم أعد أشعر بشئ بتاتاً، و نامت روحي.