02-19-2015, 03:10 PM
|
|
الجزء التاسع | | | | ثعلب درمصرنجا (الجزء التاسع) لــــويـــس
في كل مرحلةٍ جديدةٍ يقف المرء على أعتابها , يشرع عقله متمنيًا لحال أفضل و رخاء أجمل , يتخيل فكره و يتوهم بما هو قادم , و يرسم له عقله صورًا من الوهم تطغى على أكنان نفسه حتى يكاد يظن أن هذه الأوهام ستكون حقيقته المطلقة ... و ربما صدمات الحقائق كفيلة بأن تهدم تلك الأوهام...
وقفت على باب الدار مشتت الفكر و مضطرب العقل مترقب لطورٍ جديد من أطوار الحياة , يقودني الحراس الى تلك السيارة الفخمة بيضاء اللون التي تناقض مظهرها مع حقارة الدار خلفي , مكثت أمام باب السيارة الخلفي و تهيأت لأقابل من بداخلها بالإنحناء كما تعودتُ ذلك الفعل من كثرة إجباري عليه طوال الشهر.
فُتح باب السيارة و توقعت أن تصتطدم عيناي بالحاج علي بداخلها الذي توقعت أنه هو من إشتراني و إن كان مظهره المتواضع لا يأهله لأن يمتطي هذا الجمال المتنقل .. ما هي إلا لحظات قضيتها منتظرًا صوت الأوامر التي قد يلقاها سمعي من الحاج علي أو الحراس ... و لكن لم يكن لهذا الحدث موطئًا في ذاكرتي , كان لعقلي ذكرى ذلك الرجل في السيارة الفارهة ذو البذلة الزرقاء التي تلف قميصه ناصع البياض و قد حجبت عيناه نظارة سوداء اللون أخفت بعض ملامحه .. وقفت في ذهول و دهشة فلا يمكن أن يتحول الحاج علي من مظهر التاجر المتواضع الى هذه الهيبة و الرقي .. من خلفي وقف هؤلاء الحراس و في مقدمتهم السيد هانز برهةً من هدوءٍ تام قبل أن يقطعه متقدمهم – "شرفنا حضورك الينا يا سيد مارك و نتمنى أن ينال صبينا إعجابك.."
دون أن يغير الرجل ذو البذلة موضع نظره تهيأ مبتسمًا قائلًا –"أتمنى أن ينال إعجابي لأنه إن لم يكن فستضيع مع إعجابي أعناقكم".
إبتسم السيد هانز بدوره أثناء رحيله إبتسامة صامتة الصوت غامضة المقصد ثم إختفى وراء أسوار ذلك القصر المهيب , وقفت في صمت و تيقنت أنه لا عيون مراقبة أو قيود مكبلة و للحظات شعرت بنسيم الحرية من جديد قبل أن يشعر كتفي بيدٍ ما تلجني برفق , نظرت خلفي في هدوءٍ لأجد بإنتظاري وجه الحاج علي باسمًا و سرعان ما تفوه بهمسات سريعة –" لما أنت ما زلت هنا ألا يجب أن تكون في السيارة ؟! "
ألقيت نظرة خلفي لأجد تلك السيارة فائقة الجمال نفيسة الثمن بيضاء اللون و لكن بكل حال إستدعت نظراتي تلك الشاحنة خلفها التي تكاد تمتنع عن الحركة من شدة هلاكها, بطبيعة الحال فقد تعلمت من العجوز –رحمه الله- مكان من هم مثلي و تيقنت الأمر حال وجدت الحاج علي يتجه نحو تلك الشاحنة فلم يكن بدًا الا أن أتبعه لتلك الشاحنة منكس الرأس.
ربما هذه هي الحياة و تلك هي قواعدها , فأنت حين تطلب الشئ منها لا تجد تلبيةً و لكن حين تغض الطرف عن طلبك و تظن أنه لا سبيل اليه تعاندك الدنيا فتلبي جزءًا من رغبتك , و ما كان أحب الرغبات الى قلب طفل صغير تحمَّل عناءً لا يقوى شاب و لا شيب أن يتحمله إلا بشق الأنفس من أن تلج قدمه مثل هذه السيارة البيضاء و ما أسعده حين يخبره مثل ذلك الحاج بأن مجلسه ليس في تلك الشاحنة البالية و انما حجز له مكان بجانب السيد مارك في تلك السيارة بالأمام .. توجهت نحو السيارة البيضاء و قلبي يرفرف فرحًا تارةً و خوفًا تارة أخرى في هذا الحال , تقدمت أناملي ببطئ نحو باب السيارة اللامعة في تردد من الأمر قبل أن يمنعني من ذلك في رفق سائق السيارة و يرسل أنامله لتحل محل سابقتها المترددة و تفتح يده الثابتة بابًا للسعادة أمامي .. دعاني السائق للدخول فتقدمت برفق و هزت جسدي تلك الرعشة الغريبة التي تجمع بين الرهبة و السعادة و التي تلج الأجسام حين يعاملك شخص ما – على غير العادة – بإحترام طال غيابه عن شهور ذلك الطفل .. جلست بجانب السيد مارك متأملًا لعلامات وجهه المريبة التي منعت بعضها من الظهور هذه النظارة السوداء على عينيه ... أغلق السائق باب السيارة برفق إثري , كنت في حيرة من أمري لا أدرك ما الذي ينبغي عليّ فعله في مثل ذلك الحال , لم يسبق لي حتى في سنوات عزي أن ركبت سيارةً كهذه أو عوملت بجلال كذلك .. ركب السائق في المقعد الأمامي للسيارة وإنطلقت هي بدورها بثلاثتنا و تبعتها شاحنة البؤس تجر عجلاتها من خلفنا ..
إنتظرت طويلًا حديث السيد مارك الغامض الذي لم أسمع لصوته نبرةً وُجهت لي حتى الآن و كدت أبدأ الحديث طلبًا لنبرته بالظهور و لكن مشاعر الخوف ثبتت لساني على حاله , الخوف من فقدان المكانة الجديدة أو ربما الخوف من أن يقذف بي في الشاحنة خلفنا بسبب لساني فآثرت السكوت و السكون في مقعد السيارة الخلفي المريح و أن أقنع بلحظات الهدوء و السكون و الراحة حولي ..
أخذت السيارة تشق الرياح في طريقها , كنت لا أدري كم من الوقت مرَّ و لا حتى كم من المسافات قطعنا و لكن كانت أفكار الأمل في الطور الجديد تطغى على عقلي و تسيطر عليه و لم ينقطع عقلي عن تلك الأفكار الا حين نبهه سمعي الى وصول ترددات لصوت السيد مارك يتحدث بلهجةٍ عربية متقطعة في هاتفه . -" مرحبًا .... اذًا كل شئ على ما يراد .... أرسل لي الأوراق الى مكتبي و رتبها.."
أغلق السيد مارك هاتفه و تفاجئت كثيرًا حين توجهت نحوي نظراته و رأيت علامات الابتسام على وجهه قبل أن يحدثني قائلًا – " مبارك ابني العزيز لويس مارك ".
في بادئ الأمر توقعت أنه يتحدث مع ابنه لويس ربما في جهاز صغير في أذنه من الإختراعات الحديثة التي تُوصِل الأصوات فأنا حسين و أبي جمال و لا تشابه بين الحال و الحال و ربما العين وحدها تستطيع أن تفرق حسينًا البائس عن لويسًا المنعم .. و لكن كانت الدهشة كل الدهشة عندما تيقنت حقيقة الأمر ... لا جهاز حديث و لا إختراع خبيث فقد كان الحديث معي و كنت انا ذلك الـ لويس .... بقلمي / MnsMas ملحوظة : ربما كان هذا الفصل ضئيلًا حجمه و لكن المتابع للرواية يجد الكثير من الغموض فيه فكل كلمة في هذا الفصل سيكون لها تأثير جم في ما هو قادم بإذن الله , أتمنى أن تكونوا إستمتعتم بالفصل و أشكر كل مشجعٍ جليل . | | | | | |