جيفةٌ مرمية على أول الرصيف ، في فصل من فصول الصيف ، يسكنها جمعٌ غفير من الذباب ، يتفرقون إذا مرّ عليها الأصحاب .
نظر إليها الأغراب ، من دون فعل الصواب ، أو تغطيتها بشيء من التراب ، حتى تقدم إليها ذلك الشاب ، وهو أشجع الشباب ، وغطاها بخرقةٍ قد أكل عليها الدهر وشاب ، فابتعد عنها الذباب ، وهاجر كل الأحباب ، تاركين تلك الجيفة في مكانها بعد أن رحل النهار وغاب .





ركوبنا الحافلة وتحركها كناقةٍ محملة ، ومشيها بين الأزُقات والأسواق ، جعلت التعب يسيل منا كسيل لعاب الجائع .


داهمنا التعب قبل الركوب ، وبعد ركوبنا ، عادة الراحة إلى قلوبنا كالمياه إلى مجاريها عندما رأينا الطبيعة التي تُريح الدم عند جريانه ، وترخي الأعصاب عند تشنجه .


جلوسي بجانب النافذة ممتع ، ولكن عيناي لمحت منظراً يدعوا للحزن من أجله والفرح أيضاً .


وقوفها خلف نافذة المنزل ، ولبسها البسيط والجميل وشعرها الطويل المتقلب بلونين وإيتسامة ( الموناليزا ) المرسومة بدقة على مبسمها ، جعلتني متحيراً فيها ، حدث إنقلاب ميداني في رأسي ، هربت أفكاري وتخبطت في جدران الجمجمة ، البعض منها أُصيب والبقية سالمون ، والخسائر بسيطة ، حاولت تجميعهم ، فلم أستطع ، لأن الرحلة إنتهت .





دخلت إلى مطعمي المفضل ، لأني أجد الراحة في هذا المكان الهادئ جداً ، فقط السكاكين والأشواك هم المتحدثون الرسميون فيه ، أما الحظور فلا صوت لهم إل بالهمس .


جلست أنتظر ما طلبته من قائمة الطعام ، وأثناء ذلك ، دخل رجل وإمرأة ، دخلا بهدوء موحش ، والتقيا عند طاولتهم ، فحيتهم الكراسي كتحية الأمراء ، وجَمُدت في مكانها ، إحتراماً لهم .


جلسوا ، وتكلموا كالأغراب ، أسئلتهم لبعض أتت بلا جواب ، كلامهم البارد ظهر بلا معنى ، بااااااااااارد كالجليد .


اختراعهم لأنواع من الضحكات لم تنجح ، جميعها فشلت ، لأن نظراتهم والحديث بينهم يدور ، جعل الجميع في حالة ذهول ، فشربت كأس الملل منهم .


لم يستطيعوا الصبر على ذلك ، فتحركوا لأنهاء هذا اللقاء ، بعد أن كانوا على صفاء ن نهضوا وودعوا بعضهم ، فأتى الجرسون مسرعاً ، فدفعوا له قيمة الفشل .



رأيت جثةً متحللة ، بجانب حاوية القمامةِ مرمية ، تُمسكُ بدفترٍ صغير ، فيها كلمات كثيرة مسجلة ، كُتب في مطلعها ..
( عشتُ ولم يهتم فيني أحد ، ربيتُ وكبرتُ ولم يسأل عني أحد ، تهت بين الجميع ولم يحتويني أحد ، وها أنا أموت هنا كما جيفةٍ في الصحراء مرمية ، ولن يمشي في جنازتي أحد .... ) .



أمام المدفأة أجلس أُفكر في هذا زمان ، أسقي النار حطباً ، وهي تأكل بشراهة الجوعان ، لا تشبع ولا تقول كفي يا فلان ، وكلما زدتها حطباً ، إزدادت فيها النيران ، فتُحرق نفسها من كل مكان ، وتحرق ما حولها من دون حسبان ، وظلت على ذلك أزمان وأزمان ، فذكرتني هذه الأفعال بطواغي هذا الزمان .



في الجلسة الأولى ، لم يتوصلوا إلى إتفاق ، لأنهم إختلفوا في ما بينهم ، أما في الجلسة الثانية ، تم الإتفاق على أن يضعوا النقاط على الحروف .


طالبهم الجمع المتمركز أمام المبنى بأن يستعجلوا في أخذ قرار وضع النقاط ، لأن الأمر لا يتحمل التأخير .


أتى المصورون وتناثرو في كل مكان ، والصحافة معهم أيضا ، والكل في انتظارهم لكي يضعوا النقاط على الحروف .


أتوا مبتسمين للمصورين ، وفتحوا الستارة بعد خطبةٍ مطولة ، وإنهال التصفيق بحرارة بعد تلك الخطبة التي تفنن فيها قارئها ، ثم وضعوا النقاط على الحروف تاركين الفلاشات تنير المكان ؟! .


جوٌّ جميلٌ ومشمس هذا الصباح ولكنه تغير في عيني عندما رأيتها, تلعثمت فيها خطواتي وتعثر بسببها لساني فجرى قلبي بشدة حتى سقط الدم في رجلي ولم يستطع النهوض .
حاولت أن أًغضض من بصري فلم أستطع, شدني منظرها فأرتعش جسمي حتى جمد .
كل من كان حولي أصابه ما أصابني ,حاولت الاقتراب منها فلم أستطع,تسمرت في مكاني ,وتعلقت الدموع في عيني عندما قالوا لي ( ماتت ) .
( إن شاء الله تعجبكم ، ولا تبخلون علينا بالردود والآراء ) ...