عرض مشاركة واحدة
  #141  
قديم 03-01-2015, 09:10 PM
 
- 42 -

كليمات من القلب



حسناً..
اليوم... لن أبدأ برواية حكاية..
ولن أترك الفتاة تعترف قبلي.. لأني أريد أولاً أن أتحدث معكم قليلاً.. عن بعض القصص الأخيرة.. وعن ردود فعل بعضها..
وعندي كليمات دارت في عقلي وقلبي وأحببت أن تشاركوني بها..


يسألني الكثيرون دائماً هل هذه القصص التي تروينها حقيقية..؟

وأنا أقول.. كل قصصي هي من رحم الواقع.. من أرض الحياة الحقيقية.. لكنها ليست بالضرورة صوراً أصلية..
هذه الاعترافات هي لقطات من حياة حقيقية لطالبات وزميلات وصديقات.. قصص عايشت أطرافاً منها.. أو سمعتها شخصياً من أصحابها مباشرة.. ثم أضفت لها لمسة من خيال..
هي قصص ترتكز على جذع من الواقع.. وربما أضفت لها بعض الأوراق وشذبت لها بعض الأغصان..


أهدي قصصي لكل من تعني لها شيئاً.. وما أردت قوله دائماً هو.. أننا جميعاً عانينا ونعاني من الآلام في حياتنا..
ليس هناك من شخص يعيش السعادة الكاملة في هذه الدنيا..
السعادة الحقيقية هي في الإيمان بالله والرضا بواقعك مهما كان.. والأروع هو شكر الله وحمده بصدق على ذلك الواقع سواء أكان ابتلاء أم نعمة..


لن أطيل كثيراً..

فالحديث في غير القصة لا يروق لكن كثيراً.. أعرف ذلك.. لكن.. لا يزال هناك شيء هام أريد قوله اليوم..

قبل فترة.. كتبت قصتين عن حالات طلاق..
إحداهن.. (ذهبت ولن تعود)..
والأخرى.. (ليس ثمة بكاء تحت الباب)..
وقد تلقيت العديد من الرسائل حولهما..
الأولى عن زوج يشكو من سوء خلق زوجته وإهمالها.. يقول أنه كان على وشك طلاقها.. لكن قراءته للقصة الأولى جعلته يتخيل أن (منال) هي ابنته الصغيرة.. جعلته يتخيل ألمها ووحدتها وفراقها عن أمها حين تكبر..
ويقول أنه أبعد فكرة الطلاق عن رأسه تماماً بعدها.. وهو مستعد لتحمل كل شيء من أجل طفلته الصغيرة.. ويسأل الله أن يهدي زوجته العنيدة التي لا تحترم أحداً حسب قوله..


والرسالة الثانية.. هي من أب رحيم.. يتفطر قلبه على أبنائه الذين تركتهم أمهم لديه منذ عدة أشهر.. أشبه بالأيتام.. وهو لا يزال متردداً في اتخاذ قرار الطلاق حتى لا يهدم حياة أطفاله.. ويتمنى لو عادت أمهم إليهم.. لأنهم ضائعون دونها مهما حاول هو تعويضهم..
يقول.. بعد قراءتي للقصة أصبحت أنتبه حتى لطريقة تمشيطهم لشعورهم.. ولتعابير وجوههم.. وأخشى أن يتألموا كما تألمت (منال) في القصة دون أن أشعر بهم..


أما الحالة الثالثة فهي لفتاة يتفطر قلبها حزناً.. جاءتني وهي تبكي..
وتصف حال أختها كما هو في قصة (ليس ثمة بكاء تحت الباب).. والتي تركت بيتها وأولادها.. دون سبب يذكر.. وبتقصير كبير منها..
حيث إنها عنيدة ولا تقبل التفاوض في أي أمر.. وتريد تطبيق ما تريده دون نقاش..
تقول هذه الفتاة..
حين يأتي أبناء أختي كل أربعاء لزيارتنا نفرح بهم كثيراً.. لكن يوم الجمعة.. يصبح يوم البكاء والألم الأسبوعي.. الجميع يبكي.. أنا.. أمي.. أخواتي.. خاصة على الطفلة ذات الأعوام الخمس.. والتي تتشبث بأمها إلى آخر لحظة رافضة العودة لمنزل أبيها..
كلنا نبكي.. إلا أختي.. الأم..
تصوري!!..
إنها تبدي لا مبالاة عجيبة بأبنائها..
بل إنها تقول أنهم يذكرونها بوالدهم لذا فإنها لا تريد أن تتعاطف معهم!!
تخيلي أربعة أطفال يعيشون لوحدهم في البيت مع والدهم أكبرهم فتاة لم تجاوز الثالثة عشرة.. والصغيرة ذات خمس سنوات.. يعانون الألم والمسؤولية عن أنفسهم بلا أم.. ولا جدة ولا حتى خادمة..
ابنة أختي الصغيرة أصبح شعرها يتساقط بغزارة.. وحين نسألها لماذا يتساقط شعرك هكذا؟ تخيلي ماذا تجيب طفلة السنوات الخمس؟ إنها تقول.. شعري يتساقط من كثرة التفكير!!
طفلة لم تجاوز عامها الخامس تفكر؟
في ماذا يا حبيبتي تفكرين؟
فتجيب ببراءة.. أفكر في أمي.. وأبي.. ثم تبكي بكاء حاراً مثل الكبار..
والكل يبكي معها.. إلا أمها.. التي تجمدت مشاعرها تماماً.. ولم يعد يهمها سوى نفسها فقط.. ولا تريد تقديم أي تنازل أو تفاوض..


دعونا نتأمل قليلاً..

هذه الطفلة من يهتم بها؟ من يرحمها إن لم تفعل أمها؟
وأختها الكبرى.. هل ترحمها معلمتها القاسية.. هل تشفع لها إن لم تنجح بسبب سهرها مع أختها المريضة طوال الليل..؟
هل ترحمها مديرة المدرسة؟ هل تقدم لها خدمة معنوية أو لمسة حانية؟ بل هل تعرف بوضعها أصلاً؟


أربعة أطفال يعيشون الألم والوحدة وجفاف المشاعر من الأبوين.. من يقدم لهم لمسة حنان؟

أعرف أننا نقف عاجزين أمام الكثير من الآلام التي نراها في حياتنا..
لكن أيضاً أمامنا الكثير لنفعله..


يبدو أني انتقلت من موضوع لآخر.. لكني أدعو كل فتاة أن تفكر ملياً قبل اتخاذ قرار الزواج.. لأن هذا القرار مصيري.. وعليها تحمل نتائجه لأنه لا يرتبط بمصيرها فقط بل مصير أبنائها الأبرياء.. وأن تعلم أنها لا تدخل نزهة في حديقة وتقرر الخروج منها متى شاءت بكل بساطة..

أدعو كل أم أن تفكر ألف بل مليون مرة قبل اتخاذ قرار الطلاق.. وأن تجرب كل الطرق ووسائل الإصلاح والإقناع والتغيير قبل أن تقرر.. وأن تحسب سلبيات وإيجابيات القرار جيداً.. بما في ذلك ما ستسببه لحياة أبنائها من تدمير وآلام لن يمسحها الزمن..

أدعو كل أم أن تعلم بناتها قيمة الحياة الزوجية.. وكيفية احترامها وتقديرها.. وفن التغاضي عن العيوب والهفوات والبحث عن الإيجابيات في شخصية كل زوج بدلاً من النبش في سلبياته..

أدعو كل معلمة ومربية أن تجعل التربية والإصلاح همها الأول قبل دفتر التحضير وتقييم المشرفة.. أن تمنح طالباتها الحب والحنان قبل المعلومة.. أن تمنحهم الدفء والأمان قبل الدرجات.. وأن تحتسب الأجر في ذلك..

أدعو كل معلمة أن تنظر في وجوه طالباتها.. وتبحث عن المتألمة.. الكسيرة.. الحزينة.. المحتاجة لمسحة على الرأس أو الكتف.. فبينهن اليتيمة.. والوحيدة.. والمسؤولة.. والمتألمة..

لا أعرف ما الذي دفعني لكتابة هذا الكلام..
هي كلمات فقط أحببت أن أشارك قارئاتي الحبيبات بها..


دعونا نمنح الحب لمن حولنا.. لنكن أكثر اهتماماً.. ولنراعي مشاعر الآخرين.. لا أنفسنا فقط..