عرض مشاركة واحدة
  #146  
قديم 03-01-2015, 09:31 PM
 
- 47 -

الاعتراف الأخير..



هذه المرة..
هي اعترافاتي أنا..
أسردها لكم بكل صدق..
تحملوا طولها.. فهي الأخيرة..
قبل سبع سنوات..
كنت لا أزال طالبة تتعثر خطواتها في حرم الجامعة الفسيح.. تحمل ملازمها وكتبها الثقيلة من قاعة لأخرى..
لا تعرف كيف تقسم ساعات يومها بين الاهتمام ببيتها وطفلتها الصغيرة.. ودراسة اختباراتها التي لا تكاد تتوقف.. ولا تعرف كيف ومتى تجد الوقت لتجلس على جهازها وتعمل على المشاريع المعقدة..
كنت أواجه التعب والإرهاق في كل دقيقة من يومي..
في خضم تلك الزوبعة لمعت نجمة غريبة في سمائي..
كانت (حياة) تطل علي بخجل..
كانت لا تزال جنيناً في رحم الغيب..
فكرة مشروع جميل تحملها أمواج الخيال نحو شاطئ الواقع..
أسرتني بحبها منذ أن تحدثوا عنها.. قبل أن أراها.. أو تراها أي فتاة أخرى..
كانت لا تزال (مشروع) حلم.. لم تكتب له الحياة بعد..
وكان الخيار..
(أكون مسؤولة تحرير؟؟) هه.. هكذا..؟! لا أصدق.. كيف..
أنا.. أنا مجرد طالبة..!!!
دعونا نعود للماضي قليلاً..
لأحكي لكم ما حدث.. قبل ثلاث سنوات من هذا العرض..
كنت لا أزال أحاول التكيف مع عالمي الجديد.. مع الجامعة.. العالم الكبير الرائع..
لا أزال في سنتي الأولى (المبهرة) بعد الخروج من قمقم المدرسة..
ورقة بيضاء.. معلقة بإهمال على جدار في ممر المبنى الإداري..
(مسابقة القصة القصيرة)..
شدتني قليلاً.. أحب كل ما له علاقة بالقصة.. يبدو مثيراً..
لكني.. لم أكتب قصة من قبل..
(لعلي أحاول..) خاطبت نفسي..
كان اطلاعي على موعد المسابقة متأخراً للأسف.. ليس أمامي الآن سوى أسبوع واحد.. فقط..
لكن سأحاول..
آخر محاولة أدبية لي كانت موضوع تعبير أعجب معلمتي في الثانوية.. أعجبها إلى حد أن أهدتني طوقاً من الفل.. ودرجة كاملة في الاختبار النهائي للتعبير (يوم كنا نختبر في مادة التعبير!)..
ممم.. ماذا غيرها.. نعم.. قصة حاولت نشرها.. وأرسلتها لأكثر من مجلة.. دون جدوى.. بل دون حتى رد صغير..!
هذا كل ما لدي!
لكن.. سأحاول..
أشركت إحدى صديقاتي بسري..
(سأشارك في مسابقة القصة بإذن الله)..
(ماذا؟؟!!..) شهقت وهي تنظر لي.. (خبلة!!) قالتها هكذا!!
(والاختبارات والبرامج اللي علينا تسليمها..؟؟!)
شعرت بالصدمة.. ابتلعت ريقي.. وندمت أني أخبرتها..
(ما أدري.. يمكن.. لست متأكدة)..
انشغلت خلال الأيام المقبلة.. وحين لم يبق سوى ثلاثة أيام على انتهاء المسابقة.. بدأت أكتب قصتي.. الأولى..
جلست طويلاً في غرفتي.. وانعزلت عن أهلي لساعات طويلة..
وفي النهاية اكتملت..
سلمتها يوم الأربعاء.. الساعة 12 ظهراً.. الموعد الأخير للتسليم تماماً..
وبقيت أنتظر بصمت.. قررت ألا أخبر أحداً أني شاركت (بعد إحباط صديقتي)..
كنت أعلم أني شاركت كمجرد محاولة لصقل نفسي..
كنت أعرف أنه من الصعب أن أفوز بأي مركز..
لا زلت مستجدة.. في السنة الأولى من دراستي..
والمسابقة على مستوى جامعة الملك سعود بأكملها.. وهي إحدى أكبر جامعات العالم.. بين عشرات الألوف من الطلبة.. شباباً وفتيات..
احتمال فوزي أقل من ضئيل كنت أعرف هذا جيداً..
سألتني تلك الصديقة عن قصتي التي شاركت بها.. وطلبت مني أن تقرأها..
أحضرتها لها.. وأخذتها معها لتقرأها في البيت..
وفي الغد قالت لي.. (بصراحة نوف.. القصة مدري.. ركيييييكة مرررة!!)
شعرت بالصدمة..
فأكملت حديثها وهي تحركها باستخفاف في يدها: (حتى أني عرضتها على أخي.. وهو معيد في قسم اللغة العربية.. وكان كلامه مطابقاً لما قالته.. القصة فيها عبارات ركيكة جداً.. و.. بصرااااحة: كيف شاركت بها بالمسابقة؟؟
مستواها ضعييييف!!)
ابتلعت ريقي.. وأنا أكاد أذوب من شدة الخجل..
كنت لا أزال مشوشة وفاقدة للثقة بنفسي تماماً..
كدت أموت خجلاً من قصتي البائسة.. شعرت بأنها مخجلة ولا تستحق المشاركة فعلاً..
وفي البيت شعرت بالكآبة والحزن والخجل.. ولمت نفسي كثيراً لأني شاركت..
ثم.. أخذت أفكر.. وخاطبت نفسي فجأة..
توقفي لحظة! ما الذي يمكن أن يحدث يا ذكية؟!
أسوأ ما يمكن أن قصتك لن تفوز.. ثم ماذا؟.. لن يعرف أحد.. لا أحد يعرف أني شاركت بالمسابقة أصلاً.. هه بعد أشهر..
نزل إعلان في رسالة الجامعة.. كان يحوي أسماء الطلاب العشرة الفائزين بمسابقة القصة القصيرة على مستوى الجامعة.. ولكن دون ترتيب المراكز..
شعرت بالشغف لأقرأها.. كنت متأكدة أني لن أفوز..
ولكن أردت أن أعرف من الذين فازوا بها..
لم أصدق..
قرأت الإعلان عشرين مرة.. لأتأكد.. يا الله..
اسمي كان هناك!..
صغير.. لكنه موجود..
شيء عظيييييييييم..
الحمد لله.. أنا موجودة.. ضمن العشرة.. هذا شيء رااااائع.. يا الله لا أصدق..
كنت متأكدة أن مركزي هو العاشر.. أو التاسع..
لم يكن الاسم واضحاً بحيث يقرأه أحد..
في الأسبوع التالي.. نزل الإعلان... بترتيب المراكز..
كنت أنتظره على أحر من الجمر..
هل أنا في المركز العاشر أم التاسع..
وقرأت العنوان العريض..
و.. كنت هناك..
المركز الأول..
قصتي (لن أنساك أبداً) كانت الفائزة..
الجميع أخذ يهنئني.. الطالبات.. الأقارب..
وحين نشرت القصة بعد أسابيع في رسالة الجامعة..
بدأت ردود الأفعال تأتي من كل مكان..
الطالبات.. الأساتذة.. الدكاترة.. حتى الطلاب.. البعض كتب تعليقه عنها في الصحيفة والبعض وضح كم تأثر بها..
وكتب رئيس قسم اللغة العربية على ما أعتقد تعليقاً رائعاً عنها..
كان ذلك كثيراً بالنسبة لطالبة في سنتها الأولى.. تشعر بالخجل من مشاركتها الأولى..
وأخبرتها زميلة أن قصتها (ركييييكة جداً)!!
أصبح الأساتذة يسألون عني في القاعات الدراسية بعد أن كنت طالبة عادية..
وحتى سنتي الأخيرة في الدراسة حين كان يدرسني أستاذ جديد كان يسأل عن اسمي.. هل أنت التي كتبت قصة (لن أنساك أبداً) يا ابنتي؟..
في السنة التي تليها.. اخترت العمل التدريبي كمحررة في رسالة الجامعة.. كنت أكتب بعض الأخبار البسيطة.. وأجري اللقاءات..
استمتعت كثيراً بالعمل الصحافي.. وتعلمت أساسياته.. رغم كثرة ضغوطي الدراسية..
هناك كانت بدايتي..
ومنها... بعد زمن.. كانت مشاركتي الأولى في حياة.. كعضوة مع فريقها الذي كان قد أعد العدد رقم (صفر).. قبل نزوله للأسواق.. وقبل ظهور الفسح الإعلامي..
حين رأيت العدد الأول.. كان لا يزال.. طرياً.. بسيطاً.. لكنه مميز جداً.. جذبني بتميزه.. مجلة خاصة بالفتيات! أمر رااائع..
وأنا.. مطلوبة للعمل فيها؟؟!!
وكمسؤولة تحرير؟؟؟
ياااه.. يبدو أن أمي قد دعت لي..
هكذا فكرت..!
لكن بعد فترة.. عرفت أن العمل ليس تجربة بسيطة.. ولا مجرد نزهة ممتعة..
بدأنا العمل الحقيقي.. وكنت لا أزال طالبة..
وكنا بحاجة إلى أن نثبت وجود المجلة.. وأن نضع كل طاقاتنا وإمكاناتنا
لنجعلها تظهر في أجمل وأبهى صورة..
كنا نكافح.. ونجمع المعلومات..
ونكتب.. وننسق.. ونتابع الإخراج..
وكنا نعمل من منزل مديرة التحرير التي كانت لنا بمثابة الأخت والأم والصديقة..
وبعدها بأكثر من سنة..
انتقلنا إلى مكتب صغير متواضع..
وكان العمل يصبح أكثر ضغطاً يوماً بعد آخر بسبب كثرة رسائل القارئات والحاجة الماسة إلى المتابعة.. نرد على الاتصالات.. ننسق.. نرد على الشكاوي.. نستقبل الاقتراحات..
نصحح.. نراجع.. نقوم بعمل كل شيء تقريباً.. وعددنا لا يجاوز أصابع اليد الواحدة مع مديرتنا والسكرتيرة!..
في خضم العمل.. مررت بسنتي النهائية.. وبمشروع التخرج.. كنت أعمل مع زميلاتي صباحاً على مشروع تخرجنا.. ومساء على المجلة.. كنت أوزع أعداد مجلتي الصغيرة في الجامعة.. وعلى الأستاذات.. لأعرفهم بطفلتي التي أفخر بها (حياة)..
واجهت ضغوطاً كثيرة في تلك الفترة.. لكنها كانت مسألة تحدٍ.. وأنا قبلته..
بعد فترة.. لم أستطع أن ألتزم بما تتطلبه مني المهمة.. طلبت أن أكتفي بالتحرير فقط.. وكان لي ذلك..
كان بابي الأول..
أروقة الجامعة.. وأحببته وكنت أنقل فيه القصص والحكايا التي عايشتها وعايشتها زميلاتي ومن أعرفهن في الجامعة..
هذا سوى أبواب أخرى..
ثم.. بعد سنوات.. كان هذا الباب..
اعترافات فتاة..
استقيته من قصص صديقاتي وطالباتي.. ومن التقيتهن في بحر الحياة..
كان –ولا يزال- لدي الكثير من القصص التي أود أن أكتب عن أبطالها.. عن كل وخزة ألم عاشوها ولم يشعر بها الآخرون..
عن فتيات رائعات استطعن تحقيق نجاحات رائعة رغم ظروفهن المؤلمة..
عن فتيات يواجهن مشاكل وضغوط ورغم هذا لا زلن يعشن بيننا..
كنت أتمنى دائماً من خلال هذا الباب..
أن.. نشعر بما خلف الوجوه المبتسمة..
بما في تلك القطعة الحمراء التي تنبض بالحياة.. القلب.. من مشاعر وآلام وهموم..
ليتنا نتخيل ما يمكن أن يحتويه قلب كل إنسان قبل.. أن نحكم عليه..
لذا كانت (اعترافات).. لأنها حديث حول ما لا نراه.. حول ما يدور داخل حجرة القلب.. ويخرج اعترافاً.. بين السطور..
بطلات اعترافات فتيات درستهن بنفسي.. أو دربتهن.. أو صادقتهن.. أو راسلتهن..
هي قصص حقيقية تماماً.. وبطلاتها قد يكن حولكن.. في المدرسة..
الجامعة.. وربما البيت..
أحببت اعترافات.. لأني أحببت بطلاتها الرائعات فعلاً..
لكنها مشيئة الله.. أن كل شيء.. لا بد أن ينتهي..
سنة بعد سنة.. تزداد المهام..
وعملي في التدريب والتدريس يأخذ من وقتي وجهدي الكثير..
فقدت صديقات رائعات.. تركن أجمل الآثار على جدار ذكريات المجلة..
كانت عائشة الرائعة هنا.. ثم أرسلت (الفاكس الأخير) على صفحات المجلة..
هديل الندية.. مرّرت كموجة بحر هادئة.. دون ضوضاء..
فداء المثابرة كم أوحت لي بالصدق والجد.. لكنها غابت دون ضجيج أيضاً..
وجاء دوري اليوم..
لأضع أمامكم (الاعتراف الأخير) وأنسحب..
أعتذر.. لأني وصلت لمرحلة.. لا أعرف كيف أصفها..
لكني..
لم أعد قادرة على العطاء أكثر..
حالياً..
الظروف لا تساعدني في كل الجهات..
أجدني مضطرة للتوقف.. ووضع القلم..
والوداع..
أردت أن أعترف..
أني أحببتكم كثيراً..
أحببت كل من أرسل إلي.. وكل من دعمني في يوم من الأيام بكلمة أو عبارة..
وأعتذر من كل من لم أرد عليه دون قصد (لأني أحاول أن أرد على كل بريد يصلني قدر الإمكان)..
أشكرك أستاذة إيمان لصبرك.. وطيبتك.. ودعمك لي حين كنت على حافة الانهيار طوال السنوات الماضية.. تحملتني كثيراً.. أشكرك من كل قلبي..
أشكرك سارة.. كنت دائماً مصدر إلهام رائع.. روحك الساكنة تبعث في نفسي الطمأنينة دائماً..
أشكرك هند.. مرحك وحكمتك مزيج مميز جداً.. لك أثر في نفسي أكبر من أن تمحوه الأيام..
أشكرك نوير.. ليت القارئات يعلمن أن سواليفك في الحقيقة أروع من كتاباتك الرائعة بكثييييير.. أشكرك للوقت الرائع الذي قضيته معك.. أتمنى أن تكوني أقوى مني في الأشهر القادمة..!
أشكر كل من راسلني..
أحبكن كثيراً قارئاتي.. كنتن مصدر إلهام ودعم رائع لي..