03-14-2015, 10:43 AM
|
|
عندما عاد رادولف الى الغرفة أخذ يحدق بلين واقفة بقميص نومها الأحمر ويتأمل
جمالها الصارخ من رأسها حتى اخمص قدميها ,
ولاحظت الزوجة الحائرة العروق في عنقه تنبض بعصبية
يا لتناسق لون عينيه مع لون بشرته ولون شعره !
ان رادولف في الحقيقة ينضح رجولة تجعله حلم كل امرأة بشرط ان تنتفى منه واحدة : كونه غجريا
وعندما انتقلت عينا الغجري الى وجهها حيث ما زالت آثار الصفعات واضحة ,
ظهر عليه الأسف والندم الشديدان على استعماله العنف , تماما كما ندمت لين على
استعمالها الطريقة نفسها في الغابة
اقترب منها وأخذ رأسها بكلتا يديه محاولا الأعتذار لأنه ولا بد مدرك انه اخطأ بصفعها بينما هي لا تشاطره الشعور
ذاته , لأنها لا تزال مصرة في نفسها على انها كانت محقة في استعمال السوط لتدرأ خطر الأعتداء عنها
غفت لين بين ذراعيه ورأسها غارق في صدره الوسيع
تذوق للمرة الولى طعم الراحة في فترة " راحتها " القسرية هذه
وتحس بقلبها خاليا من الحقد والمرارة
أيكون العنف جردها من مشاعرها وأضحت دمية نكرة لاتنفعل ولا تشعر ؟
أم تكون العادة سلبتها طعم الحياة فلم تعد تهتم لما يصيبها ؟
أم هو الأستسلام غلبها وأقنعها بأن المقاومة لن تحقق الا المزيد من العذاب والقساوة من رادولف ؟
الشئ الوحيد الذي تدركه في هذه اللحظة هو الأرتياح لأن كل شئ بسلام او يشبه السلام
وذلك بفضل تفهم رادولف لوضعها ولأكتفائه بطبع قبلة خاطفة على جبينها
أمضى الزوجان الشابان معظم النهار في السياره يتجهان الى حيث تجهل لين
تمتعا بالطقس الجميل ساهمت الشمس الدافئة بأزالة حاجز العداء بين لين وزوجها
كما سرت المرأة لوجودها بعيدة في سيارتها عن أي من مظاهر الحياة الغجرية التي
كرهتها والتي اسقط واقعها المر احلاما شاعرية بنتها لها قصص الأدباء وعمرتها
أخيلة الشعراء
لا تستطيع المرأة الأنكليزيه المعتادة على صخب الحياة ان تحيا هكذا وبدون هدف
كنبته طفيلية تعيش على جهد غيرها
لابد لها من هدف واضح في حياتها تصبو اليه وتعمل على تحقيقه ، فالطريق ان لم يفض الى مكان ليس طريقا
وقطار الحياة ان لم يقصد محطة ما يصير خردة معطلة
هدف لين في الحياة ليس معجزا ,
فكل ما تريده ان يكون لها منزل هادئ تعيش فيه بطمأنينة مع عائلة يسود وشائجها الحب ويجمع أفرادها الحنان
والحياة مع رادولف في عربة قذرة انكسار لحلمها وسحق للطموح
كم كان كونيل مهما بالنسبة اليها وكم أحست بالخيبة لأنها ابتعدت عنه ! كان
حلما خرج من العدم ليخصب أرضا جدباء
فاذا بيد رادولف تمتد لتخنق الحلم وهو في المهد ولترمي بلين في مكان جديد لا تعلم ماذا ينتظرها فيه سوى مزيد من
الوحدة والملل
لكن ما أبقى في نفسها اثرا من امل هو تلميح رادولف الى امكانية العودة الى المخيم نفسه في يوم قد لايكون بعيدا
لاحظت لين الغارقة في المقعد الوثير ان رادولف لا يلاقي أية صعوبة في القيادة
مع ان الغجر لا يحسنون عادة قيادة السيارات مفضلين وسيلتهم القديمة للتنقل : الحصان
انتبه رادولف ان زوجته لم تكف عن مراقبته طوال الطريق فنظر اليها وسأل :
- بماذا تفكرين ؟ اراك شاردة في امر مهم
- في الحقيقة كنت اراقب طريقة قيادتك فأنت سائق ماهر على ما ارى
- العادة كفيلة بتعليم المرء كل شئ
- صحيح لكني اعرف انك معتاد على ركوب الخيل خصوصا وانك قلت مرة انك تستعمل
الجياد لا السيارات
كانت لين تشير بكلامها الى جملة قالها رادولف عندما التقيا للمرة الأولى قرب
سيارتها المعطلة
حاول الغجري ان يتذكر ذلك ثم هز رأسه نافيا
- لابد انك واهمة فأنا لم أقل شيئا من هذا القبيل
- أنسيت ما قلته في لقائنا الاول ؟
- نحن لم نتبادل كلاما يذكر في لقائنا الاول يبدو ان مخيلتك واسعة ياعزيزتي !
انبأها حدسها ان رادولف يتحدث عن اللقاء الثاني عندما اختطفها على اثر ضربة السوط
أثار حنقها عدم اكتراثه الدائم بالحادثة الاولى وتركيزه على الثانية
وكأن لين ارتكبت يومها جريمة لا تغتفر محت آثار فعلته البشعة
بعد ما جرى في الامس تحول رادولف بسرعة من رجل شرس الطباع , عصبي المزاج الى
هادئ لاتثور اعصابه لمجرد سماعه كلمة كما كان يفعل في السابق
تذكرت المرأة ما قاله البارحة خصوصا الجملة التي تمتمها ولم تفهم منها سوى : الجانب الاسوأ مني
لاشك في ان لهذه الكلمات أهمية قصوى لأن الغجري كان صادقا عندما تفوه بها كأنه يدلي باعترافات خطيرة يحاول جاهدا ابقاءها دفينة أعماقه ,
لاعبا دور الرجل الشرير الساخر من القيم
أهو مصاب بانفصام في شخصيته يتصارع فيها الخير والشر بعنف يجعله متلونا من ساعة الى اخرى ؟
أيحاول الجانب الخير الأنتصار على الجانب الشرير والافلات من براثن الغرائز البدائية ؟
ان هذا الصراع ينعكس على لين بشكل دراماتيكي يجعلها رهينة مزاج زوجها المتقلب
ما حدث البارحة يعزز اعتقاد لين
فرادولف هدأ بعد ان انفجر بشدة وطغى عليه جانبه الحسن بعد ان بدا نادما على ما فعله بها
حاول التكفير عن ذنبه بملاطفتها وتطييب خاطرها وعندما أفاق في الصباح نظف الفستان الذي رمته لين
على الارض ثم احضره لها والبسها اياه بكل رقة ونعومة
مراع خضراء على امتداد النظر رافقتهما في تجوالهما " تحرسهما " هضاب واسعة
مغطاة بأشجار خضراء عالية تهمس في اذن السماء الصافية اشعارا والحانا
أوقف رادولف السيارة في مكان أخضر فسيح في منطقة تدعى كيلارني
وسار العروسان الى بقعة منعزلة فيها بحيرة جميلة تقع على سفح جبل عال
كادت الدهشة تعقد لسان لين فأخذت تجيا الطرف في هذه الجنة الرائعة تغرف من
جمالها وبراءتها فيفيض البهاء في نفسها عذوبة وصفاء
- ما اجمل هذا المكان ! كيف تعرفت اليه ؟
أجاب رادولف :
- انا اعرف ايرلندا كلها
شع في عيني المرأة الشابة بريق وارتسمت على شفتيها ابتسامة وأحست بنفسها تسبح في بحر من الأحلام
شعرت بالدفء يغمرها عندما طوقها رادولف بذراعيه
ليته يكرر كلمات الأمس بوضوح لتعرف المزيد عنه ترتاح
- تعالي , علينا الا نضيع المزيد من الوقت !
نظرت اليه بحيرة وقالت :
- قل على الأقل الى اين
- ستعرفين عندما نصل
- لن اعرف شيئا فأنا ضائعة
ضحك رادولف وقال :
- نحن في كيلارني وهذا الجبل يدعى الجبل القرمزي
- لم يفدني شرحك كثيرا
- أيهمك الى هذا الحد الاطلاع على التفاصيل الجغرافية ؟
- في الحقيقة ,لا
عاد رادولف بسرعة الى السيارة وجلب سلة مليئة بالطعام .. وأبلغ زوجته كالعادة
انه سرق السلة ومحتوياتها من احد المتاجر .. لكن المرأة لم تقتنع بكلامه
- انت لم تسرق شيئا !
- اتحاولين تبرئة نفسك من وجودك مع زوج لص لا يعرف الا السرقة وسيلة لكسب
الرزق ؟
اصاب رادولف بسؤاله لأن لين كانت تكره فكرة كونه لصا
أرادته رجلا شريفا يحصل على لقمة عيشه بعرق جبينه
ولكن لماذا تجد نفسها مهتمة بسلوكه ؟
ما الفارق في ان يكون رادولف لصا او رجلا شريفا ما دامت ستهرب منه يوما وتسترجع حريتها الغالية؟ |
|