عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 03-18-2015, 12:01 AM
 


الفتنة في زمن سيدنا عثمان بن عفان ::
الشيخ محمد حسان .
عبد الله بن سبأ اليهودي هو من أثار الفتنة على عثمان رضي الله عنه ..

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيأيها الأحباب! أعيروني القلوب والأسماع؛ لنعيش بعض الدقائق مع هذه الفتنة الحالكة التي انتهت بمقتل الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه. نشأت الفتنة على يد اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ المكنى بـابن السوداء ، هذا الرجل الذي دخل في الإسلام في ظروف غامضة! وانتحل الإسلام، وادعى حرصه وغيرته الشديدة على قيمه وحدوده وحرماته! وانطلق ابن السوداء إلى المدينة المنورة؛ ليدرس أحوال المدينة في صمت وخبث ودهاء، وليتسمع أخبار الأمصار والأقاليم، وليرسم خطته بإحكام وإتقان، ولما انتهى من رسم الخطة انطلق في الأمصار وفي البلاد؛ لينفث سمومه الكبيرة! ووجدت هذه السموم بعض الآذان الصاغية من الموتورين! وهؤلاء لا يخلو منهم زمان ولا مكان، حتى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وانطلق هذا الرجل الخبيث بهذه العبارة الخطيرة، وبهذه الفتنة الكبيرة التي بدأها بالطعن في خلافة عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وقال عبارته الشهيرة: إن لكل رسول وصياً، وإن علياً وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عثمان وثب على الأمة، وأخذ الحق من صاحبه! هذه هي بداية الفتنة، وانطلق في البلاد والأمصار، فبدأ بالبصرة، ثم ذهب إلى الكوفة، ثم إلى الشام، ثم إلى مصر، ونجح ابن السوداء في أن يستقطب بعض الموتورين من ضعفاء النفوس وأصحاب أمراض القلوب، واتفقوا جميعاً تحت هذه المظلة التي تخدع الكثير والكثير في كل زمان ومكان! ومما قال لهم محبباً لمنهجهم: تظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -انظروا إلى المنهج!- لتستميلوا الناس إليكم! وابدءوا بالطعن في أمرائكم، وقولوا: إن علياً وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عثمان قد اعتدى عليه، وأخذ الحق من صاحبه، فانهضوا؛ لتردوا الحق إلى أهله! واتفق هؤلاء على أن يلتقوا جميعاً بالمدينة المنورة، وخرجوا وقد تظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبلغوا الناس أنهم ما خرجوا إلا للقاء عثمان رضي الله عنه وأرضاه؛ ليستعفوا بعض عماله، ووصلوا إلى المدينة المنورة في أعداد تقل قليلاً عن ثلاثة آلاف رجل، في الوقت الذي كان فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في البعوث والغزوات، بل ومنهم من خرج إلى حج بيت الله الحرام. ولما سمع عثمان الخبر أرسل إليهم رجلين من بني مخزوم من رجاله، فوصل الرجلان إلى القوم فعلما حقيقة الأمر، وأن القوم ما خرجوا إلا لأمرين: إما لخلع عثمان ، أو لقتله.

رد عثمان على الشبه التي نقموا عليه بها
وأُخبر عثمان بذلك، فجمع عثمان الناس في المسجد، وقام على المنبر خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وأخبرهم بحقيقة القوم، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار: اقتلهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (من دعا إلى نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله، واقتلوه)، أتدرون ماذا قال الحيي التقي النقي؟ لقد قال: (كلا، بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهلنا، ولا نقتل أحداً حتى يرتكب حداً أو يبدي كفراً) ثم بدأ عثمان يرد على المسائل التي نقموا عليه فيها، ويرد اتهامات القوم، ويرد إشاعات الناس؛ لأنهم قالوا: إنه خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وأتم الصلاة في المزدلفة في الحج وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقصر الصلاة وأبو بكر وعمر ، فقال عثمان : (أما وإني قد أتيت بلداً فيه أهلي فأتممت الصلاة لذلك -وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه- ثم التفت إلى القوم وقال: أكذلك هو؟ قالوا: اللهم نعم. ثم قال عثمان : وقالوا: بأنني أحميت الحمى -أي: كثرت أموالي وكثرت المراعي الخاصة بي- أما والله لقد وليت عليكم وليس في العرب من هو أكثر مني بعيراً وشاة، وأنا اليوم لا أملك بعيراً ولا أملك شاة إلا بعيرين اثنين لحجي، أكذلك هو؟ قالوا: اللهم نعم. قال عثمان : واتهموني بأنني أكثرت العطاء لـعبد الله بن أبي سرح، ووالله! ما أفأت عليه إلا بما أفاء الله عليه من قبل، وإلا بما فعله أبو بكر وعمر ، أكذلك هو؟ قالوا: اللهم نعم. وقال عثمان : واتهموني بأن القرآن كان صحفاً فجعلت القرآن كتاباً واحداً، ووالله! إن القرآن لكتاب واحد نزل من عند واحد ولم أفعل إلا ما فعله صاحباي: أبو بكر وعمر ، أكذلك هو؟ قالوا: اللهم نعم. وقال عثمان: واتهموني بأني أحب أهلي وأعطيهم من مال المسلمين، أما والله! إن حبي لهم لم يملني معهم على جور، وإنما أقمت حقوق الله عليهم، وأما عطائي لهم فمن مالي، ووالله إنني إلى يومي هذا ما أكلت من مال المسلمين، وإنما آكل إلى اليوم من خالص مالي!). وفند عثمان رضي الله عنه هذه الشبهات، وهذه الأقاويل والافتراءات، وهذه الادعاءات، وهل نصدق أحداً بعد عثمان رضي الله عنه وأرضاه؟!




هدف الخارجين على عثمان رضي الله عنه
وظن عثمان أن الناس قد انطفأت نار الفتنة في قلوبهم، ولكنه نسي أن هؤلاء ما خرجوا لله، وما خرجوا للدار الآخرة، وما خرجوا ابتغاء مرضاة الله، وإنما خرجوا لنار تتأجج في قلوبهم، وتشتعل في صدورهم، وعاد القوم وقد اتفقوا على أن يعودوا مرة أخرى لحصار المدينة، ولو أرادوا الخير لعادوا إلى أوطانهم، ولو أرادوا الحق لانشرحت صدورهم بعد هذه الحجج، ولكنهم عادوا وما جاءوا إلا بما عادوا به، وما عادوا إلا بما جاءوا به. واتفقوا على أن يعودوا إلى المدينة مرة أخرى، واصطبح أهل المدينة ذات صباح بهؤلاء الثوار الموتورين المسلحين وهم يحاصرون ا لمدينة من كل جانب، وينتشرون في شوارعها، ولم يراعوا حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حرمة خليفة رسول الله، ولا حرمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل وحاصروا بيت الخليفة، ومنعوا عنه زواره، ومنعوا عنه الطعام، بل ومنعوا عنه الشراب وهو الذي اشترى بئر رومة من خالص ماله رضي الله عنه وأرضاه!

عدم دفاع عثمان عن نفسه وورعه عن إراقة الدماء
وذهب بعض الصحابة إلى عثمان رضي الله عنه؛ ليعرضوا عليه الأمر في خفية، فقالوا: يا خليفة رسول الله! أرسل إلى البلاد أن يبعثوا إليك مدداً لقتال هؤلاء، أتدرون ماذا قال؟! قال بيقين وثبات عجيبين: (ما أحب أن ألقى الله وفي عنقي قطرة دم لامرئ مسلم) يا سبحان الله! فأشاروا عليه مشورة ثانية فقالوا: فلتخرج إلى الشام إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه؛ فإن الأمر في الشام على خير ما يرام. فقال: (والله! ما كنت بالذي يختار جواراً على جوار رسول الله) فأشاروا عليه أمراً ثالثاً أشار به معاوية فقال: أرسل إليك جيشاً من الفرسان لحفظ حياتك؟! أتدرون ماذا قال؟! قال: (يزاحمون أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار في المدينة؟!). فقال معاوية : إذاً: ستغتال! فقال عثمان : (حسبي الله ونعم الوكيل!) الله أكبر!

مقتل عثمان رضي الله عنه
وفي الليلة الموعودة أيها الأحباب! يأتيه حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه ويقول: يا عثمان! أفطر عندنا غداً كما رواه الإمام الطبري بسند صحيح، وذكره الإمام ابن الأثير في (الكامل)، واطمأن عثمان ، وعلم أن الحياة إلى زوال، وأن الحياة إلى فناء، فابن الثمانين ماذا يريد بعد ذلك؟! وهو الذي تربى في مدرسة النبوة، وهو الذي كان يردد دائماً قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [الكهف:45]، فاطمأن عثمان ، وعاد إلى كتاب الله الذي خطه بيمينه المباركة، فجعل يقرأ؛ ليخالط القرآن روحه، وليخالط القرآن دمه كما خالطت آيات القرآن روحه من قبل. ودخل هؤلاء الموتورون على عثمان من دار أخرى إلى جوار داره، فلم يلبث أن رآهم أمام عينيه، فلم يتلفت ولم ينتبه! وإنما انكب على كتاب الله يقرأ آيات الله، ويرتل قرآن الله جل وعلا، فانقض عليه الوقح الغافقي ، ونظر إلى عثمان وبيده حديدة، فضرب عثمان بالحديدة في رأسه! وركل المصحف برجله! فاستدار المصحف وعاد بين يدي عثمان مرة أخرى، ويأبى إلا أن يخالط دماءه كما خالط روحه وقلبه! فبالله عليكم! أهؤلاء قوم يريدون الله والدار الآخرة، وهم يركلون كتاب الله بأرجلهم! ويدعون أنهم يريدون الله ورسوله؟!! ويأتي التجيبي -عليه من الله ما يستحقه- بالسيف مخترطاً ليضعه في بطن عثمان رضي الله عنه! فتأتي زوجته الصادقة المخلصة؛ لتخلص زوجها، فيقطع هذا الوغد يدها! ويضع السيف في بطن عثمان رضي الله عنه وأرضاه، فيقتله! ويأتي الأحمق الآخر عمر بن الحمق ليطعن عثمان رضي الله عنه بعد هذا كله تسع طعنات في صدره! ويقول: طعنته ثلاثاً لله! وستاً لما كان في صدري عليه! ولو صدق عدو الله لقال: طعنته تسع طعنات لما كان في صدري عليه، ويأتي واحد منهم؛ ليجرد البيت من كل شيء حتى الملاءة التي كانت تلتف بها نائلة رضي الله عنها، فيأخذ الملاءة من على جسدها، فتظهر عظامها، ويظهر جسدها، فيقول الخبيث الوقح: ما أعظم عظامها! فتقول المرأة الذكية النقية: يا سبحان الله! إن القوم لا يريدون الله والدار الآخرة، وإنما يريدون الدنيا، فهل هناك رجل يريد الله والدار الآخرة يقول هذه القولة الخبيثة في زوج خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويزداد ورعهم الكاذب والخبيث، فيقفون على الطرقات؛ ليمنعوا عثمان أن يدفن في مقابر المسلمين، وقالوا: عثمان لا يدفن في البقيع، ولا يدفن في مقابر المسلمين! أيها الأوغاد عثمان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب بئر رومة، ومجهز جيش العسرة، وزوج أم كلثوم ورقية لا يدفن في مقابر المسلمين؟!! نعم! إنه الورع الكاذب المدعى! والورع المفترى؛ لأنهم تظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليستميلوا الناس إليهم، ويدفن عثمان في حش كوكب في مكان خلف البقيع، ولما تولى معاوية رضي الله عنه أدخله في مقابر المسلمين في البقيع، وأمر الناس بالدفن حول قبر عثمان رضي الله عنه وأرضاه. أيها الأحبة! ماذا نقول؟! لا نقول أكثر من قولنا: جزى الله عثمان عن الإسلام والمسلمين خير ما جزى صالحاً أو مصلحاً. وأسأل الله جل وعلا أن يجمعنا مع عثمان ومع صاحبيه، ومع أستاذهم محمد صلى الله عليه وسلم في مستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير. اللهم هيئ لأمة التوحيد أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك والقادر عليه. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم أصلحهم يا رب العالمين! وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل هذه البلاد سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم اقبلنا وتقبل منا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم. هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد كما أمركم الله جل وعلا بذلك في محكم تنزيله فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه! والحمد لله رب العالمين.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس