عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-18-2015, 11:37 AM
 
_1_


كانت الساعة الواحدة ليلاً حينما نطق فمي بآخر معلومة من كتاب الفيزياء المعقد ، أعدت كتابي الى مكانه ونظرت من جديد ناحية باب المنزل يشتد بي قلقي على أخي الأكبر "حسام " .
لقد انتقلنا أنا وأخي حسام الى "بريطانيا" بهدف أكمال الدراسة الثانوية بعد أن أصر خالي على قدومنا ، ونحن نعيش الآن بسكن لطلاب الثانوية فقط فقد وفرت الحكومة البريطانية كل ما نحتاجه لا ينقصنا شيء ولله الحمد .
حسام يبلغ من العمر 18 بينما أنا أصغره بسنتين ، نملك ذات الشعر الأسود الناعم والأعين السوداء، لكن ما يميزه عني هو سمرته الجميلة بينما أنا أبدو أشد بياضاً منه ، لدينا ذات الجسم النحيل ، المتوسط طولاً !

أعددت حقيبتي المدرسية كما ينبغي بحسب موادي الدراسية التي سندرسها في الغد وقبل أن أقذف بها بجانب الطاولة دلف حسام الى المنزل وهو يسعل بشدة ، توجهت ناحيته وأنا أقبض على أصابعي خشية صراخه وتجاهله لي ثم قلت بعد تردد :
-لقد قلقت عليك جداً ، أرى بأن الجو أصبح أكثر برودة الليلة ..
ثم أكملت بلطف :
-هل أعدّ لك كوباً من القهوة الساخنة ؟!
لم أجدّ جواباً من المعني ولكن جوابه المعتاد هو أطلاق نظرات كراهية ناحيتي وملامح متضايقة من وجودي .
تنحيت بجانب الجدار ومازال يسعل بشدة ، أسرعت الى علبة الأسعافات الأولية وأخرجت دواء السعال وقلت له بقلق :
-أعتقد بأن الدواء مهما كان مراً إلا أنه يساعد على التخلص من ..
مدّ يده وقذف بي جانباً ثم توجه ناحية الحمام وسعاله يشتد أكثر وأكثر.
نظرت الى زجاجة الدواء التي تحطمت أثر ارتطامها بالجدار ، ونظرت بحزن الى يدي التي بدأت تنزف بفعل الزجاج المتناثر ، لم يكن الألم هو المحفز لتدافع الدموع الى عيني بل تعامل أخي معي .
أنا أحبه جداً ، وكل الأساتذة يحيون فيه روح العلم التي يتمتع بها لذلك أنا أكون فخوراً به دائماً عند أصدقائي ولكن هو يعاملني بقسوة وعنف ولم يسبق لنا أن تشاركنا بحديث مرح أو جدّي أو لم يسبق له أن شكرني أو يعانقني إن فزت بجائزة ما .
أما بالنسبة لأصدقائه فهو يطلق وجهاً ملائكياً بشوشاً ، أشعر بالضيق حينما يعانق أحدهم أو يتألم من أجل أحدهم أو عندما يطلق ضحكة رنانة على قصة يلقيها أحدهم !
انتبهت بأنه خرج من دورة المياه ، فأسرعت لتنظيف الفوضى التي أحدثها دون المبالاة بأن يدي مازالت تنزف .
كان ذلك شاقاً ومع ذلك لم أعترض مطلقاً ، نظرت الى يدي التي امتلئت بالدم فاستدرت ناحية صندوق الأسعافات الذي يخصني .
هذا واقعي ، فأنا وأخي لا نتشارك صندوقاً واحد بل لدى كل شخص صندوقاً خاصاً به .
حينما توجهت ناحية صندوقي ، لم أجد لفة الضمادة التي تخصني فتذكرت بأني قد أعطيتها لصديقي "جون " حينما أصيب برأسه !
أصابني الحزن من جديد وقبل أن تتكون بعقلي ردّة فعل أخي أجابة لطلبي استدرت ناحيته وقلت بأرتباك :
-إن يدي تنزف هل أستطيع أن آخذ بعضاً من ضمادتك ؟!
لا أجابة بل كان يقوم بترتيب سريره استعداداً للنوم ، عدت أدراجي ووقفت بجانب صندوق الأسعاف الذي يخصني وأخرجت مطهراً وبعض القطن وبدأت بتطبيق ما تعلمناه بدورة الأسعاف التي تقوم بها مدرستنا سنوياً !
أحضرت ورقة من المحارم ولففتها على يدي .
وتوقف الدم عن النزيف ثم بقيت أحدّق على يدي وتمنيت أن تكون جروح القلب كجروح اليد يسهل تضميدها والتئامها دون حصول أية شقوق أو آثار !










صباح آخر يعم بالنشاط والحيوية ، يستيقظ أخي حسام قبلي دائماً
وأرى بأنه قد تناول فطوره وقد ذهب الى المدرسة .
وروادني ذاك الأحساس من جديد .
دائماً في كل صباح أتخيل بأن أخي يوقظني لتناول الأفطار معاً ، أنهض متكاسلاً وحينما أفتح عينايّ أجده غاضباً يشير الى الساعة ويضربني بعنف على ظهري ، وحينما يشعر بأني غاضب يبدأ بالضحك وأبادله أنا الضحك نفسه وبعد الأفطار يمسك بيدي خوفاً عليّ من الأذى بما أننا بدولة أجنبية ونذهب الى المدرسة معاً .
لكني أعود الى الواقع وأصعق كوّني قد تأخرت كثيراً .
وأركض كالمجنون في أنحاء الغرفة أبحث عن ملابس المدرسة ، وجواربي .
ولا تنتهي هذه المعركة الدائمة ألا بتعبي وخروجي سريعاً وأنا التهم رقاقة من البسكوت الأسمر .
أصل متأخراً دائماً ، قد غادرت الحافلة !
في حدود الساعة الثامنة كنت قد وصلت الى المدرسة وأنا أحاول ألتقط أنفاسي ، أجر قدمي للوصول قبل أغلاق المدرسة .
وأنجح في ذلك بصعوبة ، امتدت يد أمامي وتخيلت لدقيقة أنه حسام ولكن استدركت نفسي لأجد صديقي جون يجرني من يدي ونسرع الى قاعة الدروس .
كان جون شاباً طويل القامة شأنه شأن الأجانب ، يملك شعراً ذهبياً وعيناه الزرقاء التي تتقد ذكاءً وعطف تثبت أنه فرنسي أصيل !
جلست على المقعد بأنتظار حضور المعلم ، تمتد أناظري الى فتيات المدرسة ولا ألبث أن أعود الى رشدي لقد أوصانا والدي قبل ذهابنا أن نجتنب كل ما يمس الدين والشرف وألا نقع في المحظورات .
ستكون هذه السنة قياس لمدى قوة الأيمان الذي رسخ بقلوبنا ، فأنا بالسنة الأولى بالثانوية بينما حسام سينهي سنته الأخيرة في هذه السنة والفتيات هنا شديدات الجمال والفتنة –فليحفظنا الله - .
استمتعت مع جون كثيراً في هذا اليوم ، ولكن بنهاية الدوام بدأ الحزن والألم ينتشران ببقعة قلبي الخاوية وقد كان كل ذلك بسبب موقف بين جون وأخيه .
حضر "ويليام " الشقيق الأكبر لجون قلقاً الى القاعة الدراسية وتوجه ناحية جون وعانقه بقوة ثم نظر أليه وقال بحزم :
-أياك أن تكرر هذه الفعلة من جديد كدّت أن تقع من السطح !
ابتسم جون وقال له متظاهراً بالقوة :
-تلك المناطق المرتفعة لا تخيفني كما أني قد خبرت رياضة التوازن !
وحينها نطق ويليام بجملة فجرت براكين الألم والحزن بداخلي :
-أنا أحبك جون ، ومن شدة حبي لك لا أريد أن أراك تقف من جديد على حافة السطح !
لقد كنت مع جون في لحظة وقوفنا على السطح وقت استراحة الغداء وبما أن ويليام كان يتنزه مع أخي حسام إلا أن حسام لم يأتي أليّ يوبخني -حتى لو كان قاسياً- كما يفعل ويليام الآن .
وفكرت بأن أخي حسام يرجو موتي !
غادرت المدرسة برفقة جون ، وأثناء سيرنا تطرق جون لحادثة مرعبة ومثيرة
لقد بدأ خوض الحديث فيها بتردد ولكنه قال بعد أن استوقفني :
-رامي ..لقد اتنشرت أشاعة خطيرة تقول بأن مدير المدرسة يقوم بالنفقة على ناد ليلي خبيث !
كان يتكلم وهو يزدرئ لعابه بصعوبة فأجبت عليه بثقة :
-إن منظر المدير نفسه يولد في نفسي التقزز وشعور بالتنافر لذلك ليس مستغرباً أن يقوم بذلك !
أمسك جون بكتفي وقال بصرامة غير معهودة منه :
-لكن هل تعلم أن بعض طلبة مدرستنا أصبحوا ضحايا لناديه ؟!
وجمت مكاني عندما قال وهو يخفض رأسه الى الأسفل :
-قيل لي بأن أخاك حسام وُجد بالأمس بقرب ذاك النادي !
تساقطت الكتب التي كنت أحملها بين يدّي وخارت قواي واتسعت عينايّ بعنف حتى شعرت بخروجهما ، أمسكت برأسي وأنا أهزه بعنف غير قابل التصديق بتلك الحقيقة ، حينما شعر جون بأني سأفقد صوابي قال بسرعة وهو يتلفت يميناً ويساراً :
-ربما يكون ذاك القول غير صحيح !
أخرجت الكلمات بصعوبة من فمي :
-مجرد قول ..أليس كذلك ؟! ، ليس له صحة ؟!
أمسك جون بيدي وقال وأسنانه تصطك :
-نعم ، لا أعتقد بأن ذلك حقيقي !
حدثت نفسي باثاً فيها بعض الطمأنينة :
-ليس صحيح ، يجب عليّ أن أكون واثقاً به !
لكن تأخر حسام ليلاً ..جعلني أرتعد وأفكر بعيداً وأصدّق ذاك القول !
أخذت كتبي وجريت بأقصى ما أستطيع وجون يصرخ يحثني على التوقف ، ولكن لم أجدّ مخرجاً من هذا الموقف إلا الهرب !











Happy2~آمل استمتاعكم ~ Happy2


.




_
__________________
/

التعديل الأخير تم بواسطة نقآء! ; 03-18-2015 الساعة 12:11 PM
رد مع اقتباس