مدينة تيمقاد درة اثار الحضارة الرومانية في الجزائر إذا كنت من عشاق التاريخ وذكرياته، المواقع الأثرية ومعالمها وتصميماتها، وإذا كنت ممن يهوون مشاهدة فنون الحضارة الرومانية، فأنت على موعد مع واحدة من أجمل مدن الرومان في أفريقيا والتي سترى فيها آثاراً شاهدة على روعة الفن المعماري الروماني ودقة تنسيقه، وهي مدينة تيمقاد الجزائرية التي وصفها تقرير اليونسكو بالمستعمرة الرومانية القوية والمزدهرة.
تعتبر تيمقاد، والتي عرفت بمدينة الأثار الرومانية، المدينة الوحيدة من مدن الرومان المحافظة على هيئتها وتصميماتها الأولى في قارة أفريقيا إلى الآن.
تعتبر تيمقاد واحدة من المدن الرومانية القديمة المحتفظة بكثير من معالمها
تعتبر تيمقاد واحدة من المدن الرومانية القديمة المحتفظة بكثير من معالمها
تقع مدينة تيمقاد الأثرية على بعد 36 كيلومتر شرق ولاية باتنة، و418 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة، بناها الرومان في سنة 100 ميلادية في عهد الامبراطور تراجان لأغراض عسكرية ودفاعية، ولكنها ما لبثت أن تحولت فيما بعد إلى مركز حضاري وتاريخي.
أمر تراجان ببناءها على شكل لوحة شطرنج مقسمة إلى طريقين رئيسين يخترقهما طرق فرعية موازية لهما تشكل عند تقاطعها مربعات، وخُصصت المربعات لبناء المنازل، إلا أنه ومع تطور المدينة تم هدم الأسوار التي كانت تحيط بها ليحل محلها أحياء جديدة يضمها جدار كبير.
وظهرت أحياء سكنية جديدة وشيدت المعابد خلال النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، وبعدها بُنيت العديد من المنشىت كالسوق والعديد من المساكن الأكثر رفاهية ليمثل القرن الثالث الميلادي أوج الحضارة المعمارية والفنية لمدينة تيمقاد، إلا أنه ومع قدوم الاحتلال الوندالي إلى المدينة في القرن الخامس الميلادي بدأت المدينة في التدهور، واستمرت هذه الحالة خلال الاحتلال البيزنطي، وبعد الفتح الإسلامي اكتسبت المدينة أسماء أخرى مثل عطاي ونيكة.
ولم تعود المدينة إلى الأذهان مرة أخرى إلا مع تنقيب الفرنسيين عنها في عام 1880 بعد أن غمرتها الأتربة ليتم اكتشاف المدينة الأصلية في عام 1962، واعتبرتها منظمة اليونسكو إرثاً ثقافياً عالمياً.
ويتسم تصميم الرومان لتيمقاد بالجمال والفخامة، فالمدينة يمر فيها شارعان رئيسيان ينتهي كل منهما بباب ضخم مصنوع من الحجارة الرومانية المنحوتة بأجمل النقوش والرسوم، ويزينه عدد من الأعمدة التي لازالت تحتفظ ببهائها إلى الآن، ويمثل هذان البابان البوابات الرئيسية للمدينة والتي قد تقف عندها في اندهاش وذهول من ضخامتها وجمالها بالإضافة إلى تناسقها.
المسرح الروماني في تيمقاد
المسرح الروماني في تيمقاد
ويمكنك أن تشاهد العديد من الآثار الرومانية الجميلة في هذه المدينة ومنها (الفورم) الساحة العمومية في وسط المدينة، والمعروفة بساعتها الشمسية الضخمة المكونة من خطوط طويلة متعامدة تحدد الوقت بانعكاس أشعة الشمس عليها، ويحيط بالساحة المجلس البلدي ومعبد الإمبراطور وقصر العدالة، بالإضافة إلى السوق العمومي الذي يضم مجموعة من المحال التجارية التي تجد على أبوابها وجدرانها العديد من النقوش التي تؤرخ لها والتي تعتبر شاهد على نمط معيشة الرومان وحياتهم اليومية.
ولك أن تعلم أن دورات المياه الرومانية كانت واحدة من الأماكن الرئيسية في الحياة اليومية في الإمبراطورية الرومانية، وقد كانت علامة من علامات الحضارة والرفاهية في العهد الروماني القديم، ويمكنك أن تستدل على هذا الأمر من خلال التصميم والتنظيم وكذلك التناسق الهندسي الذي يبدو جلياً في الكثير منها والبالغ عددها 14 دورة مياه.
شُيد "قوس تراجان" في القرن الثاني الميلادي تخليداً لانتصارات تراجان
شُيد “قوس تراجان” في القرن الثاني الميلادي تخليداً لانتصارات تراجان
ولا يفوتك أن تزور “المكتبة العمومية” التي تتكون من ثمانية أرفف، وكانت ثاني مكتبة رومانية في العالم آنذاك، ويمكنك زيارة ما يسمى “قوس تراجان” الذي شيد في القرن الثاني تخليداً لانتصارات تراجان، والذي يعتبر من أجمل الأقواس التي عرفتها الامبراطورية الرومانية. وخلال زيارتك لتيمقاد ستتمكن من مشاهدة “مبنى الكابيتول” المبني على منصة يمكن الوصول إليها عبر درج شيد خصيصاً لهذا الغرض. |