عرض مشاركة واحدة
  #142  
قديم 04-04-2015, 12:45 AM
 
الفصل الثامن : [ اليأس : هو يسقط ! ]





لأن كُلَ يومٍ تعيشُ بهِ أنا أموت !
شيءٌ ما داخِلي سيحبُ أن أخاف ..
إستَهلكنيّ إن كان ذلك ما تحتاجه
أربعةُ آلافِ سنةٍ عشتُ في الخوف !
هذهِ الكلماتُ ستأخذُكَ بعيدًا مرتاحًا
لقدَ وجدتَ مهربًا جديدًا مني .. !
لكنهُ لن ينقذكَ أكثر .. أنتَ لي !
أوهٍ ، الهاويةُ التي قدستني مرةً
أحيي المذنبَ الذي تُرِكَ جانبًا
السيوفُ و الرماحُ هما سريرهُ منذُ الأزل
أحدُّ من شعورِه ، وسأفترسُ روحهُ اليوم !
كثيرٌ من الطفيلياتِ يتنافسُون يردودنَ بهذا التاج !
وأنتَ لن تُدِركَ أبدًا كيف باتَ سوءُ السطحِ الآن ..
نموٌ كبير في حجمِ العقول ..
عمرُ البشرِ لشيءٌ وضيع .. بضعفِ شعرة !
مذهلٌ كيف ينجنون .. على الدوام
ولكنهم سيكونُونَ يومًا ما .. من يهلك !
- [ القائد الأعلى ]




الفصل الثامن : [ اليأس : هو يسقط ! ]
[Despair : He Falls ! ]

بقِيتْ العينانِ المُهيبتَانِ تنظرانِ عبرَ الشاشاتِ الضخمةِ مراقبتينِ الإثنينِ على وقعٍ ما ألفهُ قلبٌ وما سبق !
إذ استبدَ بهِ شعورٌ غريب .. الألفةُ الآثمة ، الوقعُ السليطُ للسانٍ حاد .. وحتى قليلٌ من حرارةِ الشمسِ ضاربةً وسطَ دماغهِ على طريقِ النسيان !
أحقَّ عليهِ قول الجنون متأملًا ؟! أضعافًا من عقوباتِ السماءِ المنزلةِ بقطرانٍ و سأمٍ و خِذلانْ ؟!
أم فقط تجاوزَ الحد الدفينَ للأحياء .. متعلقًا على آخرِ حبلٍ للنجاة ؟! تلك بحيراتٌ لا تنضبُ ولا تتعب !
جدرانٌ لا تتصدعُ ولا ترأف .. حياةٌ فوق حياة ، ومماتٌ أسفل مماتْ !
في نفسهِ فكر : أيُ قعرٍ هو الذي بالإناءِ ينضحْ ؟! وأي طريقٍ هو بالنجاةِ يقرح ؟!
رقشاءٌ بضبابٍ هي السماء ، ويبابٌ من عصرِ جاهلٍ بالدخيلاتْ ، مسلماتٌ وبدع وطرقٌ لا تنقحها التُرعْ !
قد يكونُ فقط بمراقبةِ هذينِ الإثنين قد وصلَ لطريقٍ مسدود ، إلا أن خطتهُ قد باتت واضحة .. وتنفذَ جزءٌ كبيرٌ منها .. واهمها لقاءُ من شتتت بينهمُ الأزمانْ !
شبحُ إبتسامةٍ باهت – ولو كان مرعبًا – قد أعتلى القسماتِ الهادئةَ للقائدِ الأعلى المهيب مستمتعًا بحق بهكذا رابطةِ تنشأُ بسهولةٍ بين ما كان في منظورهِ .. بشرًا !
أمسكَ السيفَ بكلتا قبضتيهِ يرخيهِ بقوةٍ كبيرةٍ على الأرضِ واقفًا ، متعمقًا في سبلِ التفكير والتكاثر اللا نمطي لإسهابٍ في التوقعات !
وإذ بالسعادةِ قليلًا تتراجعُ عن قرعِ طبولها عند دخوله ، من ناداهُ قبل هنيهةٍ كي يأتي ويشهدَ الرابطة المتكونة ولو بعدَ سنين ..
فيدخلُ سولومون وينحني إنحاءةً بسيطة ، يكمحُ وجههُ صوبَ سيدهِ ويحتلُ منصةً الكلامِ بادئًا

- ولأي أمرٍ يدعوني سيدي للحضور ؟!

بنظراتٍ بلا معنى نظر إليه ثوانيَ معدودة ، إشتدَ الضغطُ في الجوِ المهيب المحيطِ بالسيدِ الغامض ، التفتَ بعدها بنفسِ قبضةِ يديهِ على السيفِ ومضَى في كلامهِ هادئًا

- ولسوفَ تستعلمُ الأرضَ ومخابئها سولومون ، ألحيثُ الشعورُ لا تدري كيفَ المسير ؟!

فلسفةٌ سيدهِ هذه تجلبُ لهُ الأرقَ حقًا فلا هو – ولا احد في العالم – يستطيعُ إستنباطَ معنًى واضحًا من هكذا كلامٍ معقد ،
عقدَ حاجبيهِ منزعجًا محاولًا ألا يُظهَر لسيدهِ هذا ، نظرَ مباشرةً في الأعينِ المهيبةِ وواصلَ الكلام المقطوع

- إن قصدتَ مشاعري يا سيدي فلا أمرَ لي عليها ، قد خُمِدت حينما زُينَت لي ذنوبي بجمالٍ أخاذ !

إبتسامةٌ جانبية هي كلُ ما ارتآهُ على الوجهِ الجميلِ لسيده ، أعادَ الإلتفاتَ مجددًا ، ثم استرسل بنفورٍ أثاره جدًا

- أنظر لما قد مضينا في طريقِ صناعته ، إلى بهاءٍ زمرديٍ ينتضي البيداء مهابةً !

نظرَ نحو الشاشاتِ كما سيدهُ فعل ، فعيناهُ اتسعتا بعض الشيءِ حالما وقعتا على التي غدرتْ بهِ بطلقةٍ في كتفه ، فقالها متعجبًا

- هايسانث !

نوعٌ من الحِدةِ بانَ في العينينِ المهيبتين ذواتِ التأثير المنومِ على الأنفس ، منكرًا مناداةً طبيعيةً كهذه !
ثم ما لبثَ سولومون حتى فهِمَ بمجردِ أن رأى الآخرَ أصهبَ الرأسِ على كتفها مرخٍ رأسه .. سيدهُ ربطَ الإثنينِ برابطةِ الأخوةِ أخيرًا !
تنهدَ مستصعبًا كثيرًا من الأمورِ ، ومستشعرًا خطر وجودهِ بحد ذاتهِ على هذا العالم .. وقد راقهُ ذلك كثيرًا !

- ما رأيكَ سولومون ؟! هل ترى في الخطةِ نجاحًا !

إبتسمَ الإبتسامةَ اللعينةِ التي تهزُ الأرضَ لخبثها ، وتطايرَ الشرارُ من عينيهِ معلنًا

- بالطبعِ سيدي ! لا شكَ في نجاحها ومن يشكُ ولو شطرًا فيها .. لأقتلعنّ رأسهُ بقدميّ !

لا شعورَ في نفسِ السيدِ بان ، ولا أي نوعٍ من مشاعرٍ بشرية بحتة .. إكتفى بالصمتِ رضًا عن إجابةٍ توقعها مسبقًا .. فهذا يكفي له .. كيف يعرفَ الولاءَ من عدمه !
طُرق البابُ بعد فينة .. والرأيُ الحصيفُ وصاحبهُ نامَا في عمقِ روحِ السيد آنذاك .. !
إلتفتَ بإنزعاجٍ هزَّ نفس سولومون بعض الشيء وإذ بالوافدِ الجديدِ يبتسمُ ببلاهةٍ محييًا سيدهُ بما لم يفهم من الطرائق
رفعَ يدهُ وببلاهةِ مضحكة حياهُ ولا يزالُ مصاصُ الحلوى بين أسنانه

- صباح الليل سيدي ! أتيتُ كما طلبَ مني النزقُ سولو !

إبتسمَ السيدُ بلطفٍ بدايةً ولم تكن إبتسامتهُ اللطيفة كبيرةً ولا واضحةً للعيان .. ! رثى في داخلهِ على حالِ كينهيلم المأساوية !

- أتيتَ إذن كينهيلم ، توقعتُ أن تتأخر ساعتين وليس ساعةً واحدة

تأرجح جسدهُ يمنةً ويسرى يعقبُ بفخرٍ أبله

- كيف يمكنني ذلك سيدي ؟ رؤيةُ وجهكَ هي منتهى أملي ومناي ! لن اترك جمالكَ يبتعدُ عني !

تجاهلَ السيدُ العبَارةَ الخرقاء فيما ضرب سولومون كينهيلم دون أن ينظر إليهِ حتى فارتطمَ الأخيرُ بالجدارِ ليتورمَ رأسه !

- هل ستخبرني بالحقيقة كينهيلم ؟!
- أيُ حقيقةٍ سيدي ؟!
- أنتَ تعلمُ ما اتحدثُ عنه .. لا تتغابى ..
- لستُ واثقًا حقً..

وقبلَ أن يُكمَل جملته .. باتَ الجوُ عليهِ ثقيلًا محكمًا كما لو كان في قفصٍ يضيقُ بهِ ملهكًا إياه
على ركبةٍ واحدة ركعَ مستندًا بقبضتهِ على الأرضِ وقد بات الفزعُ والخوفُ واضحينِ على وجههِ وجسدهِ المرتجفْ !
لم يقدر على النظر في العينينِ الظلاميتينِ اللتين استبدتا طغيانًا وجعلت من التنفسِ مستحيلًا تحت وطأةِ عظمتهما !
أحسَ بدنوهِ الشديد من الأرض والجاذبيةُ تجرّهُ نحو هاويةِ النسيانِ شيئًا فشيئًا .. هو يدركُ مهابةَ القائدِ الأعلى .. لكن هذا .. تجاوز التوقعاتِ حقًا !
حتى سولومون الواقف بإنصياعٍ شديد قد توتر و جلَّ ذلك على قسماتهِ المتوترة ، وبالسيفِ النائم في غمدهِ أشارَ صاحبُ السلطةِ لـ كينهيلم الذي ما قدِرَ على رفعِ عينيه لمواجهةِ سيدِ الوحوشِ أمامه !

- الوحدةُ الثانيةَ عشر .. ما الذي حلّ بها ؟!

سقطَ المصاصُ من بينِ الشفتينِ رُعبًا من الآتي ، وإذ باتَ يبحثُ عن ملاذٍ لهُ فلا يجد !

- في الواقع ..
- ماذا ؟

إزدردَ لعابهُ واجابَ على مضض

- في الناحيةِ الشمالية من العاصمة .. وفي المنشأةِ العكسريةِ القديمة يمكثُ أفرادُ عصابةِ فريدريك شال هاتريك سيدي .. وقد ذهبوا للإستطلاعِ دون امرٍ من أحد وقتلوا جميعًا على ما يبدو ..

ضاقتْ العينانُ بتعبيرٍ ميت ، سألَ بشك

- ولما لم تذهب معهم ؟!
- أنا ؟! هذا مستحيل .. من ضربِ الجنونِ هو الذهاب !
- هل حذرتهم ؟!
- كلا .. لأن الإنسانَ العاقِلَ لا يلقي بنفسهِ للتهلكة ..
- اترمي عليهم نعتَ الجنون ؟!
- بالضبطِ سيدي !
- مثيرٌ للإهتمام !

أشاحَ بوجههِ بعيدًا عن الأحمقِ أمامهُ ثم أشارَ إليهِ بالمغادرةِ ففعل ، تقدم سولومون ووقفَ خلفَ سيدهِ مباشرةً يهمسُ في اذنه

- هل تؤمنُ بما قاله ؟!
- بالطبعِ لا !

مستهزءًا أجابه ، يعلمُ جيدًا بإن من كان سببَ التهلُكةِ هو محبُ الحلوياتِ ذاك .. لن يصدقَ أقوالًا تخرجُ من اتباعِ الشيطانِ أبدًا !
إبتسمَ سولومون بشحوبٍ وكأنما الموتُ إختطفهُ لثوانٍ .. استأصلَ الكلماتِ من بين رئتيهِ ناطقًا

- مثيرٌ للإهتمامِ كما تقول أليس كذلك ؟! هل لي بمتعةٍ قليلة اروي بها هذا المللَ السائد ؟!
- افعل ما يحلو لك !

اعطاهُ الإذنَ بإبتسامةٍ مغزاها كاد ليرعبَ سولومون نفسه ، ترك الأخير يذهبُ دون إيقافهِ ثمّ أمرَ الأتباعَ الباقين بإطلاقِ سراحِ هايسانث وشاهان !
كانَ هلاكًا هذا الهدوءُ الذي سحبها بعيدًا حينما قررتْ ألا تعترفَ بما أراد عقلهَا دحره ، هي قابلةٌ بالذي يكونُ شقيقها ولن تمحو حقهُ في هذا
على الرغمِ من الإستماتةِ بالتفكيرِ إلا أن هذهِ الهواجسَ تفترسُ كلَ شيءٍ بسرعةِ كطفيلياتٍ تتكاثرُ في عقلها فلا تعرفُ الجوابَ الذي تبحثُ عنه
ولكن الحقيقةَ الثابتةَ هي ان شاهان شقيقها حقًا ! هي قد شعرتْ بذلك في اللحظةِ الأولى التي وقعت عيناها عليهِ في المقر .. ودُرِأَ الشعورُ بعدما غادرته ، ربما فقط مسارُ الأحداثِ هذا ما عاد يعجبها !
وما زادَ الطينَ بلةً .. هو إنبلاجُ البابِ آذنًا لهما بالخروجِ من الأسرِ الواقعينِ فيه ، تحمسَّ شاهان بطفوليةٍ يصرخُ بحماسة

- انظري هايسانث فُتِحَ الباب

- أ-أجل

خرجا مسرعين .. وهما لا يدريانِ عمّا كان الهدفُ يدور .. في أن يحتجزا في مكانٍ كهذا لساعاتٍ دون حدوثِ شيءٍ لهما !





على واقعٍ ما انفكتْ تهربُ منهُ لمراتٍ هي عادتْ تفتحُ عينيها البحريتينِ على تدرجِ النورِ ووقعهِ على مرآها بسطوعٍ شديد
إعتدلتْ مباشرةً في جلوسها ترمقُ غرفتهَا محاولةً إستيعابَ كيفيةَ وصولها لهكذا مكان .. فتهاوت الذكرياتُ مسببةً لها صداعًا مريرًا !
مسدتْ جبينها ، تنطقُ منزعجةً من نفسها

- لقد بالغتُ في ردةِ فعلي .. يالي من بلهاء !

أول ما رأتهُ في مخيلتها ، هو وجههُ المتفاجئ لرؤيتها .. لا تدري لما ضحكتْ بشدةِ عليهِ الآن ، وهي بسعادةٍ تنطقُ ساخرة

- ما هذا يا والدي ؟! نفس الملامحِ التي كنتَ تظهرهَا حينما اكسر لك احد مسدساتك !

عاودتَ الضحكَ مجددًا .. وهذهِ المرة انسابت الدموعُ على وجنتيها ريثما تضحكُ بإختلاطِ شعورين .. شعورُ الحزنِ لشوقها إليه .. وشعورُ الفرحِ لرؤيةِ أن جانبًا قديمًا لا يزالُ فيه !

- والدي .. احمق ! لما كان عليكَ أن تبتسم بتلك الطريقة ؟!

شدتْ على غطائها بقوة .. تبكي بمرارةٍ صامتة دون ان تجلب الانظارَ إليها ، وقد شعرتْ في أعماقها .. بإن لها لقاءً أخر معهُ .. قريبًا جدًا !






تخترقُ رصاصةُ أجواءً دينيةً بحتة في كنيسةِ القديسةِ آني ، تتكسرُ النوافذُ الملونة ذاتَ الأعلامِ التاريخية
وتسقطُ القطع متناثرةً ببطءٍ شديد .. كما لو كان تأثيرًا على فيلمِ إثارةٍ وتشويق ..
ترتخي اليدُ الحاملةُ للمسدس ، ويصدحُ إرتطامُ الجثةِ للقسِّ الميت على الأرضِ الصلبة ..
يعمُ السكون .. ويرفعُ إليوت رأسهُ إلى السماءِ مناجيًا بهدوءٍ ما لائمهُ بتاتًا

- إلهي .. ذنبٌ جديدٌ إقترفتْ ، أنّى لي تكفيره ؟!

تبدأُ هلوساتهُ بالعودةِ للحياة ، فترائى إليهِ ملاكٌ بجناحينِ ابيضينِ يحيطانِ بهِ بدفء ، تبتسمُ الملاكُ له .. مادةً يدها لتطهرهُ من الذنبِ الجديد
انشودةٌ دينية سماوية تُعزَفُ خلفها .. هذه الملاكُ الرحيمة ! يبتسمُ هو براحة .. يشجو لنفسٍ أمّارة .. ويجثو على ركبتيهِ منصاعًا !
إحتضنَ نفسهُ في محرابِ الصلواتْ ، أنسى الروحَ المقطّعة إسمها وتوانى عن التفكيرِ في الآثامِ التي ارتكبها

- قريبٌ هو الربُ من منكسري القلوب ويُخلّصُ منسحقي الروحْ !

جنَّ فجأةً فـ قهقه بقسماتٍ مختلٍ قاتل ، لا يهمهُ في هذهِ الدنيا سوى نفسه !
القهقهاتُ الشيطانية قد ايقظتْ ما كان نائمًا ومسبورَ الأغوار من ظلامِ نفسهِ وطسمها ..
وقد ترافقت مع القهقهاتِ كثيرٌ من الدموعِ التي لم يأتى إلا مغزَى الغفران ، وتوالي أحداثِ الآثامِ عليهِ مجددًا

- مرةً أخرى ! مرةً أخرى ليكن السلامُ بجانبي ! انا العبدُ الخاشع الآثم !

عاود القهقهة مع الدموعِ .. وعيناهُ المجنونتانِ تلمعانِ بشرارٍ أحمرَ شيطاني ، ما لائمَتْ كلماتهُ فعله ولا لائمَ فعلهُ روحه !







إبتسمَ بلطفٍ للتي أتت للتو معترفةً بمشاعرِهَا ، لم يُرد ردها خائبًة إلا أن هذا واجب !
ففعل . سارت عنهُ منكسرةً . وانتهى . !
لا يكفُ هذا الحدثُ عن التكرر ، وليسَ بمريدٍ لهذا النوعِ من العلاقاتِ التي ستجبلهُ عن الضعفِ فيما يلي من الوقت ..
مطّ يديهِ بإرهاقٍ يحاولُ تذكر آخر مرةٍ أخذَ فيها قسطًا كافيًا من الراحة .. سولومون قد توعدهُ بالكثيرِ من العمل .. ولكن هذا فاقَ الحد حقًا ! كم يمقتُ رئيسهُ في بعضِ الأحيان !
مرتنحًا بغباء ، والسيجارةُ تتأرجح في فمهُ بلا توقف .. كالزومبي يسير ، هاقد عاد مجددًا للمعشرِ الذي ينتمي إليه ،
ألقى بنفسهِ على ظهرِ إيليا ، ماسحًا وجههُ عليه .. قال بكسلٍ كبير

- إيلي .. إحملني .. لا طاقةَ لي على السير

قطبَ المعني حاجبيهِ متسائلًا .. لأي أمدٍ سيبقى هذا الأحمقُ بهذا الكسل ؟! ألن يتعلم ابدًا ؟! لطالما كسّر سولومون عظامهُ دون فائدةٍ ترجى !

- اتوقُ لمعرفةِ كيفية انضمامكَ للجيش .. كارل !

عادت الحياةُ لتدبّ في جسدِ كارل ، لمعت الاجواءُ من حولهِ نامّةً عن الثقةِ المفرطة .. اجابَ يمسكُ بسيجارتهِ بغرور

- هذا شيءٌ طبيعي إيليا .. في الواقع اخفيتُ هذا السر عنكَ .. اعتذر ، حقيقةً أنا اكونُ إبن سوبرمان ! .. حقًا آسفٌ لإخفاءِ هذا الأمر عنك طوال الوقت ..

نظرَ إليهِ بنفسِ الإبتسامةِ الواثقة وإذ بإيليا يكلمُ شخصًا آخرَ بإندماج .. ولم يستمع لأيِ كلمةً مما قالها كارل !
بكى بحرقةٍ يلقي بسيجارتهِ على إيليا الذي تفاداها برشاقة ، صرخ غاضبًا

- تبًا لكَ إيليا !! أستمع لما يقولهُ الوسيمون !
- من ؟! أنت ؟!
- أجل ومن غيري ؟!
- آهه .. كارل عزيزي .. لا اريد تخييب ظنك ولكن ..
- لا تقلها !!!

سيجارةً أخرى أخرجَ يشعلها بولاعتهِ ويبدأ يتدخينها ، إلتفت لـ إيليا سائلًا ببرود

- هل عثرتَ على اختك ؟!

إحباطٌ جليٌ ظهر ، أشاحَ وجههُ بركودٍ مفاجئ ثم اجاب

- كلا ، لأني لم ابحث من الأساس !
- لما ؟!
- ستأتي هي إلي .. إن ارادتْ رؤيتي !
- هكذا إذن ..

بات يدخنُ وحسب .. رامقًا السماء من وسطِ ساحةِ التدريبِ الخارجية بصمت
اغمضَ عينيه ، ثم سارَ يربتُ على كتفِ صديقهِ مرددًا

- لا عليكَ إيليا ، المهم انها حية .. وتحبك ، أليس كذلك ؟!

إتسعت عينا إيليا ، إبتسمَ بعدها إبتسامةً ساحرة يجيب

- أجل .. هذا صحيح !

طلقةٌ غادرة .. شقت طريقها خادشةً قدمَ إيليا عند الأعصابِ تمامًا ! فقدَ توازنهُ تحت صدمةِ كارل الذي ما توقعَ هذا بتاتًا !
سقطَ أرضًا متألمًا بعض الشيء ، أكمح رأسهُ باحثًا عن مطلقِ النار .. فضربهُ الخمولُ بردائهِ البحت !
إتساعُ العينينِ بالصدمة ، و إنكارٌ لما في الواقعِ والخيال .. التصديقُ السهل مرارة والتكذيب جحيمٌ لا يطاق !
إذ انها قبلًا اخبرتهُ : افتقدكَ حقًا .. إيليا !
إذًا لما هي تقفُ .. تطلقُ النار بعينينِ خاويتين هكذا ؟!
ناداها بصدمةٍ وإنكسار : هايسانث .. !!
تقدمتْ ولا تزالُ تحملُ المسدسَ الموجهَ صوبَ شقيقها مباشرةً ، إنفجرتْ اعصابُ كارل واشهر سلاحهُ كما هي ووقفَ أمام إيليا مدافعًا عنه !

- توقفي ! إياكِ والإقترابُ منه !

لم تهتمَ حقًا لكلماته ، واكبت السير البطيء نحوهُ دون هوادة ، ليست بالتي تخافُ من طلقةِ الزنادِ أبدًا !

- اطلق إن اردت .. لن اتزتزحَ قبلما ارى اخي جثةً هامدة !

إتسعتْ عيناه على صدى كلمةِ " أخي " ! نظرةً سريعة لإيليا الهادئ أخذ وقد بان التوترُ بشدةٍ على محياه

- إيليا هل ما تقولهُ الفتاة صحيح ؟!

طأطأ رأسهُ للأرض بإنكسار ، وبكل رجفةٍ أصابتْ جسدهُ قال

- اجل .. هي اختي !

أعاد كارل الإلتفات ، إزدردَ ريقهُ يجبرها على الإنصياع بإن اطلق رصاصاتٍ تحذيريةٍ عليها .. لكنها لا تزالُ تسيرُ دون أن تقلق من إصابتها حتى !

- تبًا يا فتاة توقفي ! لا أريدُ أن اصنع حمامَ دماءٍ هنا !
- أفعل ما يحلو لك ..

كالشبحِ ظهر وفوهةُ مسدسهِ تلتصقُ برأسِ كارل من الجانب ، وبنبرةٍ غير بشريةٍ يحدّث

- إبتعد عن طريقها .. وإلا ..

حركّ مقتليهِ لترتطما بعينيّ شاهان الدمويتين .. توترَ جدًا وكلُ المجندين واقفون بلا حراك كما لو كانوا اصنامًا .. لم يلمهم حقًا كونهم مجرد مبتدئين .. إلا أنه ندم على قدومهِ لساحةِ تدريبِ الأطفال لهذا اليوم !
تحرّك كارل تحت تهديدِ السلاح ... وقفتْ هايسانث أمام إيليا مباشرةً وقد افزعته عيناها الباردتان
بنبرةٍ جليدية أستكملت حديثها

- لم اتوقع اسبابًا كالتي قالها لي سولومون .. في النهايةِ سأقتلك عليها !
- إذن فقد .. عرفتي الأسباب ..

لا يدري إن كان هذا الإحباطُ مقدرًا له من البداية ام ان تخطيط القدرِ قد تغير حقًا !
لكنه يعلمُ جيدًا بإن الألمَ الذي يعتصرُ قلبهُ لمعرفتها .. لهو اسوءُ من الموتِ بمراتٍ مضاعفة !
عاود النظر إليها بإبتسامةٍ راجفة على الحالِ التي وصلَ إليها في النهاية

- هذهِ نهايتي .. أليسَ كذلك عزيزتي هايسانث ؟!
- آه .. هذا صحيح !





أنهى للتوِ تكسيرَ عظامِ كينهيلم ، وكم كانت مهمةً مرهقةً للقضاءِ على وباءِ الغباء القاتِل الذي اُصيبَ بهِ هذا المسكين حينما أسقطتُهُ أمهُ على رأسهِ حالَ ولادِتهْ !
إستخرجَ كافةَ المعلوماتِ التي يريدُ الوصولَ إليها ، وخرجَ من حدودِ لندن قبل نصفِ ساعةٍ تقريبًا بسيارتهِ الخاصة لذا يجبُ عليهِ الوصولُ خلال دقائِق !
لم يفهمْ الرغبةَ العميقةَ في الحديثِ معها .. مع الإبنةِ التي تعني لهُ العالمَ وما فيه .. ظنَّ بإن هكذا رغبةٌ ماتت في النفسِ الخاصةِ بهِ حينما همّ بقتلها مع زوجته !
ولكنهُ كان مخطئًا .. وإن لم يهتمَ لزوجتهِ – فهو لا يندمُ على قرارٍ اتخذه – مستحيلٌ ألا يهتمَ بالصغيرةِ التي غيرتْ مجرى حياتهِ حينما أنارتْ دنياهُ بقدومِها

- لديَ جانبٌ إنسانيٌ مرعب .. حقًا !

توقفَ بعيدًا عن المقرِ التابعِ للمنظمة ، ترجّل من سيارتهِ وسار مباشرةً إليهِ دون أي تردد !
فإن كان مقر فريدريك حقًا .. فسيتركُ البابَ مفتوحًا لأنها عادةٌ لديه .. احمق !

- السببُ الأول في ضعفِ الحراسةُ هو أن لا احد يتوقعُ قدومَ اي شخصٍ لمنشأةِ ملوثة بالإشعاعات ! هه فريدريك تفكيركَ بسيطٌ حقًا !

إلا انه قد كان مخطئًا في هذا .. حالما عبر الباب ودخل .. إنطلقتْ صافراتُ الإنذارِ في كلِ مكان ، أغمض عينيه واكمل الطريقَ ببرودٍ دون أن يتهم

- هكذا إذن .. تطور عقلكَ البدائي !

بقيَ يسيرُ وحسب .. متجاهلًا أصواتَ الأقدامِ المهرعةَ في كل سبيلٍ من المقر ، لم يكلّف نفسه عناء إخراجَ سلاحهِ حتى .. فحشراتٌ كهذه سيكسرُ رقابهم بيدهِ إن تطلبَ الأمرُ ذلك !
ولكنهُ توقفَ حالما سمعَ صوتها المألوف .. الصوتَ الذي يحفظهُ حتى لو مرت مئاتُ السنين ، كانت تنادي .. متسائلةً عن الوضعِ الجاري ، قليلٌ من الغضبِ سار في عروقهِ يحدّثُ نفسه

- لو لم اكن انا .. لقتلكِ من كان مكاني ، أيتها الخرقاء !

فتحَ الباب بهدوء ، ودخلَ بسرعةٍ كما الأشباحُ حتى أنه لم يتركْ لها فرصةً كي تتفاجئ حيثُ غطى فمها كي لا تخرج الشهقةُ المصدومة من بين شفتيها !

- إبقي هادئة فيميليا !

هزّت رأسها بتفهّم ، حررها ونظرَ مباشرةً في عينيها فصمتتْ ترتجفُ بوهنٍ شديد .. يقتربُ منها جدًا .. يقتربُ منها وهذا ارعبها لحد الممات حتى إذا أقتربَ اغمضت عينيها خوفًا
فما شعرتْ إلا بجبينهِ الذي حطّ على جبينها مغمضًا عينيهِ كذلك ، فتح عينيهِ الميتتين مرددًا

- لديكِ حمى .. هذا ليسَ جيدًا إذ لطالما كانت الحمى ملازمةً لك !

على الرغمِ من برودِ صوته .. وخفوتِ المشاعر في كلماته إلا أنها استطاعت – ولو قليلًا – ان تلتمس إهتمامًا لحالها في طريقةِ حديثه
نظرتْ إليه مشدوهةً بالذي تسلل كي يراها وحسب ! ، بحماسٍ طفولي قالت

- و-والدي !

ببرودٍ أحالَ عينيه إليها وسألْ

- ماذا ؟

إبتسمتْ ببلاهة ، شدّت على الملاءةِ ونطقتْ بحماسٍ ما قلّ عن سابقه

- ه-هل اتيتَ لرؤيتي وحسب ؟!

ضاقتْ عيناه ، وكزها بقوةٍ كبيرة على جبينها ثم اجاب بحدةٍ جعلتها تنتفضُ من الخوفِ والسعادة

- ولما قد آتي لمكانٍ قذرٍ كهذا إذن ؟

توردّ خداها بطفوليةٍ وسعادة ، ضمت يديها والإبتسامةُ تشقُ وجهها شقًا من فرطِ المشاعرِ المتدفقة !
بسخريةٍ وجمودٍ سألها

- الن ترتعبي كما حدث في المدينة ؟!

نفخت خديها بإمتعاضٍ منه ، اجابتْ بغرور

- تلك كانت حالةً خاصة ، كنتُ متفاجئةً وحسب !

اغمض عينيه متنهدًا ، نظرتْ إليهِ متعجبةً من الكيسِ الذي يحملهُ بين يديه ! ، يحاول إخفائهُ لكنهُ لم ينجح في هذا !
بفضولٍ قاتل سألت

- ما الذي تحملهُ بين يديك ؟!

إمتعض قليلًا حتى اهتزَّ حاجبهُ بشدة ، زفرَ بحدةٍ جعلتها ترتجفُ كما السنجاب ، دفع الكيس عليها بدون أي تفاهمٍ ثم أردف

- تحبين فطيرة التفاح أليس كذلك ؟! ظننتُ بإنها ستعجبكِ !

إنبلجت عيناها .. تنظرُ إليهِ غير مصدقةٍ لما قاله .. هو يتذكر .. يتذكرُ ما تحبه !! هو لم ينسها !! لطالما توقعت بإنهُ سينساها كما لم تكن موجودةً أصلًا .. لكنهُ خالفَ توقعاتها ! كلُ شيءٍ مغاير لما كانت تعتقده
باتت ترتجف وتبكي وإبتسامةٌ حائرة على محياها ظهرت ، إحتضنتْ الكيسَ بقوةٍ تتحدثُ مخرجةً أساريرَ قلبها

- لطالما ظننتُ بإني حالما اراك لن امتلكَ الجرأة للحديثِ معك بل سأبقى مرتجفةً أبكي وحسب ! ظننتُ بإنكَ لن تهتمَ بي .. لن تتذكرني حتى .. إذن لما .. لما غايرتَ كل توقعاتي بهذا الشكل ؟! .. لم اتوقع بإني .. سأناديكَ بوالدي أمامكَ مجددًا .. ابدًا .. ابدًا ..

لم يتغير جموده ، فقط جلسَ على طرفِ سريرها مربتًا على رأسها بهدوء ، تمسكتْ هي بقميصهِ وقد واصلَ حديثه

- لما أصبحتِ مشلولة ؟! ..الجروحُ التي اصبتكِ بها لم تكن عميقةً لهذا الحد !

كفّت عن البكاء تمسحُ دموعها بيديها ، لم تنظر إليهِ وهي تجيب

- لم تكن جروحًا بليغة .. إلا أن طبيبنا رجحّ أن الصدمةَ النفسية كانت عاملًا مساعدًا ، فقد اصبتُ بالشللِ من صدمةِ لقتلكَ أمي .. والجروح التي سببتها لي بمسدسك !

بان الفهمُ على عينيه ، أشاح بوجههِ بلا إهتمامٍ ثم وقفَ مغادرًا وهو يضيفُ إلى حديثهِ السابق عبارة

- إن كانت صدمةً نفسية فعلاجكِ ممكن .. سأقومُ بسؤالِ بعضِ معارفي من البلدانِ الأخرى

لم تستطع أن تقولَ شيئًا ، فقد خرجَ دون أن يسمح لهَا بالتعليقِ حتى على كلماتهِ الأخيرة المفاجئة !
وريثما يهمُ خارجًا .. توقفّ على نظرةٍ مصدومةٍ القيتْ عليهِ فجأة .. فأكمح رأسهُ لصاحِبها بإبتسامةٍ حقيرة !

- فريدريك .. سعيدٌ لأنكَ حي !

إماراتُ الصدمة ما غادرتْ محيا الذي توقفَ كالأمواتِ عن الحراك ! شدّ على قبضتهِ يسألُ بغضب

- ما الذي فعلتهُ بـ فيميليا ؟!!!

ملامحُ غيرُ متأكدةٍ بطابعٍ كوميدي قد احتلت وجهه يحاول تذكر ما فعله

- لا ادري حقًا ..

صرخ فريدريك غاضبًا فأهتزَ كيانُ سولومون قليلًا

- سولومون !! إن لمستَ شعرةً منها فسأقتلك هنا والآن !!!

تنهد عاقدًا حاجبيهِ بوجهٍ كوميدي ، سارَ نحو فريدريك وربتَ على كتفهِ قائلًا

- سوف تشيخُ بسرعةٍ يا صاحبي ، لا تغضب كهذا !

سار تاركًا إياهُ في موجةِ غضبه ، وقد التفت إليهِ فريدريك بعدها قائلًا ببرود

- مرادك رأيتها ؟! هل تعني لكَ شيئًا حتى ؟! يا من باع قلبهُ للظلام !

لم يتوقف عن السيرِ إلا أنه اجاب بخفيضِ الصوتِ حتى لم يسمع الآخرُ إجابته

- وكأنكَ تعلمُ شيئًا ..

هذه المرة .. استوقفتهُ ضربةٌ قوية حطت على جبهتهِ من قبضةٍ فولاذية معقودة ، فسقطتْ قبتعهُ واتسعت عيناهُ بدهشةٍ مضحكة

- أ-أختي ..

كم اثار اعصابها حتى عضت ملابسها وجرتها تحاول كتم الصرخةِ العصبية من الخروج

- تبًا لك سولي !! ما الذي اتى بكَ إلى هنا ؟!! بل كيفَ أكتشفتَ مكاننا ؟!!

تلمّسَ الضربةَ الحمراءَ على جبهتهِ بلا إهتمامٍ بأسئلتها ! ثم أغمض عينيه يلتقطُ قبعتهُ مردفًا

- من غيرِ الجيد الكلامُ مع من ليسوا في عقولهم ، أختي سوف تموتينَ بالضغطِ قريبًا ! أنا واثق !

تجاهلها بعدما تحجرتْ من العصبية وسقطتْ على ركبتيها ، وقد حاول فريدريك كتمَ ضحكتهِ عليها على الرغمِ من الغضبِ الذي استولى عليه
إلا أنه بصوتٍ عالٍ ردد قبلما يخرجُ سولومون من المكان

- لنا لقاءٌ آخر سولومون .. وفي المرةِ القادمة سأنهي كل شيء !

إبتسمَ الأخير مسدلًا قبعتهُ على عينيه ، ومترقبًا حصولَ ذلك على احرِ من الجمر !









قد عمّ الصمتُ والسكونُ حتى أن الأشباحَ لن تجدَ لها مكانًا هنا كي تظهرَ فيه ، بعدما تمَ إخلاءُ الجميعِ وانتشرَ الجنودُ في كلِ مكانٍ مهددين الإثنينِ اللذين يحتجزان الرهينتينِ تحت تهديدِ السلاح !
هي .. بالفعلِ قد فرغّت المسدسَ من الرصاص وما زالتْ لم تصبهُ حتى الآن .. جميعُ الطلقاتِ جرحتهُ جروحًا طفيفةً وحسب
وهو من جهتهِ لا يزالُ غير قادرٍ على الفهم .. لما هي مترددةٌ هكذا ؟!
بإتساعِ عينيها الجنوني وجحوظها ، بإرتجافها الشديد وكزّها على شفاهها !! إلى أين تريدُ الفرار بنفسها ؟!

- هايسانث ..
- اصمت !!!

صرختْ بغضبٍ على نفسها .. لأنها لم تقتلهُ بعد ، هدأتْ ملامحهُ وكلمها بهدوء
- الا تريدين قتلي ؟! هيا إفعلي ذلك .. عزيزتي هايسانث !
ترتجفُ كما لو كانت وسط عاصفةٍ جليدية وقد جرحتْ شفاههَا من ضغطها عليها بأسنانِهَا !
- لا تتكلم وحسبْ .. ارجوك ..
شاهان يمسكُ بـ كارل موجهًا المسدسَ لرأسهِ مباشرةً ومن غير الممكنِ ان يتحركَ الأخيرُ من مكانهِ لهذا ، فبقي يراقبُ بقلق ما يجري مع صديقهُ على بعدِ أمتارٍ عنه !
باتتْ تنظرُ عميقًا في العينين ، في عينيهِ اللتين عكستا عينا والدتها .. لم هي مترددة ؟! ولا تجرأُ على سلبِ حياتهِ منه ؟! .. قتلت الكثيرينَ قبلًا .. قتلتهم بدمٍ بارد ولا إنسانيَة !
لما اضحى من الصعبِ عليها أن تفتكَ بهذا الذي فتكَ اسرتها وهتكَ حرمة روابطها ؟!!
لم تتمالك نفسها .. وقد تدافعتْ الذكرياتُ من كلِ حدبٍ وصوب إلى مخليتها مرةً أخرى ، تريها السعادة التي كانت لديها لبقائها معه !!
وتحتَ وطأةِ السعادةِ القديمة ألقتْ مسدسها .. سقطتْ على ركبتيها تكفكف وجهها بيديها الباردتين ، صرخت وبكت حسرةً وحسب .. ترددها بكلِ قوتها

- لا يمكنني أن اقتلك !! ظننتُ الأمرَ سهلًا ولكن هذا مستحيل !! لا أقدرُ على فعلها .. لا اقدر ..

هي فقط لا تزالُ متعلقةً بشدة بهذا الأخِ اللعين ! لم تكن تعرف مقدار حبها له حتى اللحظة !
وكم آلمَها هذا الحُب .. كم جعلهَا ضعيفةً في تحصيلِ إنتقامها من مغتالِ عائلتها !! الحسرةُ في بكائها قد كسره ، مدّ يدهُ نحوها إلا أنه تراجع خوفًا من ردةِ فعلها
ما تحملَ الأخُ الآخر ، دفع كارل وسار مسرعًا يحتضنها بقوةٍ كبيرة دافنًا رأسها في صدره ، ناظرًا نحو إيليا بقليلٍ من الغضبِ والحزن !

- هيا بنا هايسانث .. لنخرج من هنا !

وقفَ إيليا ، وهو لا يدري لما قد غضبَ من هذا الفتى الذي ظهرَ فجأةً بنظراتِ التحدي هذه ! ، حاوطهم الجنودُ فصرخ إيليا بأمرٍ مطلق

- اتركوهما ! سأتحملُ أنا المسؤولية
- ولكن سيد إيليا ..

حدجهُ بنظراتٍ اخرستْ كل الموجودين ، ريثما امسك شاهان بـ أختهِ وسار بها خارجًا ، منهارةٌ هي من نفسها ! ما توقعت ضعفها هذا ابدًا !!
لن تقدرَ على قتلِ أخيها .. آخرِ فردٍ في العائلةِ التي كانتْ تعرفها !






[ ويليام نوكتيس ] [ أسيدانس نوكتيس ]

قرأَ الإسمينِ المحفورينِ على الشاهدينِ الضائعين في مملكةِ الأمواتْ !
بقي بهيبتهِ واقفًا ، بالصولةِ التي امتازَ بها على الداوم .. حركّت الرياحُ خصلاتهِ الشقراءَ مظهرةً الملامحَ التي تاقَ الدهرُ لدفنها مرارًا
التغيراتُ الحتمية في نفسه ونفس الموجودينْ ، التسلسلاتُ العنكبوتية والشقاقُ المرجانيةُ في الوانِ العذابِ المختلفة !
إنكسارٌ واضح .. طغيانٌ جامح وأمرٌ راضخ !
الصورة جليةٌ واضحة ، والهدفُ واحدٌ محدد .. فلا ريبَ بإنهُ لم يتردد لحظةً منذُ الواقعةِ قبل تسعِ سنوات !
ولن يتردد ما دامَتْ أنفاسهُ على هذهِ الأرضِ مخلّدة ! وقد يرتطمُ هذا السيل ويجتحفُ وادي ذكرياتهِ يومًا
إلا أن هذا الأمدَ بعيد و صوت صداهِ أبعد وأقربُ للمنية ويبابِ الخرابِ الأكيد !
تحرّك الرداءُ الذي يرتديهِ بسرعةٍ على إشتدادِ الرياحِ العاتية ، اثابَ شعرهُ للخلفِ بيدٍ واحدة وتركَ الأخرى متمسكة بالسيفِ الذي يحبُ الإتكاءَ عليهِ أثناءَ وقوفه
وإذ فاجئهُ الغرُّ الذي ظهر لحظتها ، واضعًا الزهورَ على قبريهما وواقفًا يدعو لهما بالرحمة ، سخرَ من فعلتهِ وسأل بعصبية

- لأي هدفٍ تصبو ؟!

وقفَ الفتى تقتحمُ يداهُ جيوبَ بنطاله ، ينظرُ مطولًا للذي سألهُ بغضبٍ مكبوت

- لا هدفَ غير الحبِ وحسب .. كانا مهمين لي !

إبتسمَ إلقائدُ الأعلى إبتسامةً غامضة ، كلمّهُ بفتور

- تحبهما ؟! ولما ؟!

إليوتْ الذي لا يدري لما تلقى اسئلةُ بديهية كهذهِ على مسامعه أجابَ بجديةٍ محبطة

- أنتَ أدرى لما يحبهما الناس .. على ما يبدو !

تجاهل القائدُ كلماتِ إليوتْ ، إبتسم الأخيرُ لهُ إبتسامةً لطيفةً توردتْ وجنتاهُ على إثرها ، ثم سارَ دون أن يتحدث في أي صددٍ مع هذا الرجل !





تركها تسيرُ لوحدها وقد تخلصتْ من إحباطها سريعًا .. نوعًا ما شعر بالخوفِ من القدرةِ الخارقةِ لأختهِ هذه !
إرتجفَ كما القطط وسألها بتوتر

- ه-هايسانث .. أ-أختي .. هل حقًا غدوتي بخير ؟!

لمع الجو من حولها بثقةٍ واجابتهُ ببرود

- أجل بخير !

خاف حقًا وباتَ يبكي مذعورًا مفكرًا من أي نوعٍ من الكائناتِ هي ! إبتسمتْ لهُ بخمولٍ طبيعي ونادتهُ بإسمه

- شاهان ..

إلتفت إليها متفاجئًا وقبلما يتكلم تقبلهُ على جبينهِ وتقول

- شكرًا لك .. ساعدتني هناكْ !

إحمّر وجههُ كله ، تراجعَ عشرةَ أمتارٍ للخلفِ بوجهٍ محمر وصراخٍ أبله

- غ-غبية !! ما الذي تفعلينه ؟!! لا ت-تقبلي الناس فجأةً هكذا !

ضحكتْ بخفةٍ عليه ثم اردفت

- ألستَ أخي ؟! يحقُ لي هذا !

توقفَ عن الإحمرار ، وقد لمعت عيناه لإجتياحِ مشاعرٍ غريبة لصدرهِ الحار ، دفءٌ ما تسلل إلى قلبه فضمّ يدهُ عندهُ متسائلًا عن هكذا نبض !

- أيا قلبُ لا تفعل .. لا تضطرب كما موجُ البحار !

همسَ بها مطأطأً رأسه ، سرعان ما نفضَ كل شيءٍ من عقله وابتسمَ ببلاهةٍ مجددًا ، إلا أنهُ لم يجدها امامه !

- هاه ؟! ..

لم يستوعب الموضوع بدايةً .. إلا أنه صرخ فجأةً كما الأغبياء

- لقد اكلت الأشباحُ هايسانث ! اللعنة كما قال إليوتْ تمامًا !!! تبًا لذاك الملعونِ ينزلُ لعانتهِ علينا دومًا !!

باتَ يبحثُ كـ الكلابِ في البقعةِ التي اختفتْ فيها غير مدركٍ أنها قد جُرتْ من وجهها فجأةً إلى زقاقٍ قريب ضيقٍ مظلم !
أجل .. وضع شخصٌ ما يدهُ من الخلفِ على وجهها فغطتهُ كله وحبست الشهقةَ من الخروج ، لطمَ بها الجدار بقليلٍ من العنف .. جاعلًا من يديهِ حائلًا يمنعها من الإبتعادِ عنه !
نظرتْ إليهِ بعصبية ، سولومون اللعين هذا !!
الزقاقُ ضيقٌ جدًا وهذا القربُ منها وسط إنعدامِ الضوءِ تقريبًا مزعجٌ جدًا !
لم تتحدثْ له ابدًا ، إكتفت بإرسالِ نظراتٍ مفهومها : أبعد جسدكَ الملتصق بي عني !
فهمَ نظراتها وتجاهلها تمامًا يبدأُ الحديثَ بجديةٍ وبرود

- هايسانث .. أردتُ أن اشيدَ بما فعلتيهِ لي بإطلاقكِ تلك الرصاصةً مباشرةً ودون ترددٍ في كتفي !

تسائلتْ لوهلة .. لما تدرج في إستخدامِ إسمها من البداية ! أولًا آنسة نوكتيس .. بعدها آنسة هايسانث والآن هايسانث ؟! امرهُ عجيبٌ هذا الرجل !!
إكتفتْ بالصمت ، أكمل هو مغمض العينين

- كما سمعتُ بما فعلتيهِ لـ إيليا ، فاتني العرض .. لما لم تقتليه ؟!

لمعت عيناها بجدية مع إهتزازِ حاجبيها قليلًا ! .. باتَ ينظرُ عميقًا عبر عينيها حتى وصل لأعماقِ روحها بنظراتهِ الثاقبة .. قالت بإيجاز

- لم استطع وحسب !

إبتسم برضًا تام ، هو كان واثقًا من عدمِ قدرتها على قتله ، والآن قد اُثبتَ الأمرُ له !

- جيد ، هذا ما توقعتهُ منكِ !

تعجبتْ وبان ذلك عليها ، إقترب منها اكثر بإبتسامةٍ خبيثة وقد ضغط جسدهُ عليها كثيرًا ، همس في إذنها بعدها

- لا نزالُ في نصفِ الطريق هايسانث .. واكبي العمل الدؤوب !

امسكَ بذقنها بقوةٍ والإبتسامةٌ الخبيثة قد غدت اكثر خبثًا وقد بدأ يدنو منها دنوًا لم يعجبها ..
توقفَ فجأةً ينظرُ خلفه ، وكما بدى لم يعجبهُ ما رآه فتركها وذهبَ مسرعًا صوبَ السيارةِ الفضية التي وقفتْ تنتظرهُ منذ وقتٍ طويل
وقبل أن يكمل مسيرهُ قال

- لنا لقاءٌ قريب هايسانث ، أرجو أن تبقى شقتكِ نظيفةً حتى ذلك الوقت !

ركِبَ السيارةَ بعدها .. تاركًا إياها تحت تعجبها من أفعاله !








__________________