الفصل التاسع : [ سديمُ هجسٍ قد باءَ بأُفُولِ حقيقةٍ فحشاءْ ! ]
دهمةٌ كنودةٌ جاحِدَة وما هامَ فيها من الطوافي الخفية قد زوى بالحقيقةٍ بعيدًا
شنارُ فعلٍ بشريٍ ما فكّرت فيهِ عقولُ الشياطين ، ومكيدةٌ هي برجسٍ مركونة كَمَست برعبٍ في وجوهِ صانعيها
حيثُ ربضتْ روحٌ قلمَّا بعُدت عن جسدها خائرِ القوى ، مكبلٌ ، أسيرٌ ووحيدٌ في رحمِ العتمة
أيما مخرجٌ كان ليكونَ كافيًا وقليلٌ من ضوئها تلك الشمسُ الكابيَة ليكونَ ومِدًا على نفسهِ الباردةِ الرطِيبة
إلا أنهُ هنا بائتٌ ولا مخرجَ لمن وقعَ في مصيدةٍ لعينة ، ولن يخرجَ منها ما دامَ يتنفسُ حيًّا ، وبالٌ عليهِ أُنزل من السماءِ بأسبابٍ واهِنَة ولا يدري إن كان لهُ منها مناصٌ يومًا ما !
مستندًا جانبيًا على الجدارِ ضامًا قدميهِ وقد أكْلَحَ وجههُ ألمًا وتعبًا ومشقةً من مكانٍ عفن ، هذا السجنُ تحتَ الأرضِ الذي بقيَّ فيهِ قرابةَ التسعِ سنوات ..
لم يرى فيها ضوءَ شمسٍ ولا خيوطَ القمرِ اللجينية ، سائت صحتهُ هو الذي عُرِفَ على الدوامِ بضعفِ جسده وسهولةِ إحلالِ الألمِ به
رجفةٌ أليمةٌ في قلبهِ أتتْ متناوبةً على خنقِ تشعباتِ رئتيهِ لثوانٍ فـ كبتَ الأنّة الحائرة الهاربةَ من بينِ شفتيه ،
تعوّدت عيناهُ على الظلمة و لرُبما لهذا السببِ بدأ يرى هلوساتٍ في اعمقِ بقعةٍ فيها
وهمساتُ الشياطينِ قد ملأت عقلهُ تمامًا بما خَبُثَ من الأفكارِ والهواجس ، آليكوس نوكتيس ..
الأخُ الأصغرُ لـ ويليام نوكتيس .. لا ملاذَ لهُ من سجنٍ أبدي .. ولا مفرَّ لهُ من واقعٍ إبتلعَ وعيهُ حيًّا يومًا !
- يا عقلًا سكرانًا ملتخّ .. ألهذهِ الهلوساتِ ترنو طويلًا ؟!
في عقرِ المنظمةِ بقيَّ لفترةٍ ساكنًا وما ناسبهُ هذا طبعيًا أو شخصيةً ،
فقد هدأ فجأةً وما عاد سمجًا يحاولُ العبثَ كما يفعلُ عادةً ، فهل نوى التوبةَ التي لن تنفعَ قلبهُ الآن ؟!
وإلى مطرٍ هابطٍ إستمرَ يرنو فترةً إليهِ كيف اختلطَ في ثَرَاها ، وكم أمتعهُ صوتهُ الذي بشجوِ أرواحٍ خفيةٍ يصرخُ جهارًا !
حتى صدحَ هاتفهُ بأغنيةٍ هادئةٍ يمقتُ وقعهَا على أذنيهِ مقتًا عليلًا !
أمسكهُ بسرعةٍ رامقًا الشاشَة لثوانٍ حتى تبدّلت علُومهُ كُلهَا وأحمّرت وجنتاهُ خجلًا .. إرتجفَ بعضَ الشيءِ يجيب
- ملاكي الجميل .. وكيفَ لا أموتُ مراتٍ وأنا لصوتكِ أستمع ؟!
إبتسمَ الطرفُ الآخرُ بهدوءٍ ثم أجاب
- حقٌ عليَّ أن احذر افتتانكَ بي .. دانتي !
إبتسامةُ السعادةِ اللطيفَة ما فارقت شفتيهِ أبدًا يجيبها بحبٍ كبير
- الحذرُ مني واجب .. أنا الشيطانُ الذي يتربصُ بكِ سوء العاقِبة !
ما اهتمتْ لكلامهِ هذا وباشرت حديثًا آخر مختلفًا
- سمعتُ بإنكَ عثرتَ على معلوماتٍ شيقة .. عن آلكيوس نوكتيس !
لمعتْ عيناهُ بغرابةٍ ليغمضهمَا بجديةٍ ما راقتْ الأخرى
- أجل نوعًا ما .. لن يعجبكِ الأمرُ بتاتًا ..
صمتَ لدهرٍ يفكرُ بكيفيةِ إخبارها .. عن وحشيةٍ سقطتْ على الخطيئةِ من العمل ،
تنشقَ عبيرَ المطرِ ثم أجابَ يستندُ على الجدارِ بخمول
- آليكوس نوكتيس .. في سجنِ ديبرا .. عزيزتي !
لم تخفى الدهشةُ البادية على الأخرى والتي كانت أشدَّ مما توقعَ حقًا !
كزّت على شفتيها تعلنُ غاضبة
- اتعني أنهُ ولتسعِ سنوات .. بقي حبيسَ باطنِ الأرض ؟!!!
هدأت بزفرةٍ حادة ، أشاحتْ بعينيها تسيرُ فوقَ الجثثِ التي نكلتهَا توًا ،
سيجارةٌ من بين طياتِ ملابِسَها اخرجت لتشعلها وتضمها بين شفتيها منزعجَة
- لا بأس أرسل المعلوماتِ لها .. عليها ان تحرره !
إبتسمَ بتقطيبةٍ مستسلمةٍ لحاجبيه ، ثم أجابَ يتنهدُ عبثًا
- لا المنطقَ من الكلامِ تقولينَ مجددًا .. عجيبةٌ أنتِ يا ملاكي !
- سأفعل .. من اجلكِ أيُ عملٍ هو جنة !
- مخيفٌ أنتَ حقًا .. دانتي !
- لونج وي .. ناديني بهِ كما تفعلينَ عادةً
أخرجتْ دخانَ السيجارةِ بهدوءٍ وعيناها بمهابةٍ شديدة تلمعانِ متذكرتينْ ،
إسمهُ الحقيقي .. لونج وي فال هال .. بمعنى التنينُ العظيم .. كم مرَّ من الوقتِ لم تستخدم فيهِ إسمه ؟!
إبتسامةً ماكرة إبتسمتْ تعيدُ السيجارة إلى شفتيها وتلبي طلبه
- لونج وي .. سأعتمدُ عليكَ في هذا !
أغلقَ الخطَّ لتفعلَ هي المثل ، إلتفتت جانبًا ولا يزالُ المطرُ منهمرًا بشدة ، على جسرِ لندن ، غيومُ سوداءُ قاتمةُ وجوٌ رطب .. وساعةُ بيج بن ترنُّ بقوةٍ وحسب ..
شوارعُ خاليةٌ على غيرِ المعتادْ .. وجثثُ متراميةٌ مصبوغةُ بالإحمرار .. وعليها تقفُ هي مدخنةً بمعطفٍ أسودَ طويل .. !
أعادتْ المسدسَ إلى مكانه .. وسارتْ مع إستمرارِ صدى كعبها الأسودِ العالي ، وخصلاتٌ ذهبيةٌ دخيلة تحركُهَا رياحٌ عصيفة !
ما استقرَ في مكانهِ يذبحُ من كان إرهابيًا بخنجرٍ وحيدٍ بين يديه ، يتفادى بمهارةٍ كلَ الرصاصاتِ إلا التي اصابتهُ بالفعل
وعلى الرغمِ من الألمِ واصلَ الحركة الرشيقَةَ يتقتلهمُ كما الحاصدُ يحصدُ في سوادِ الليل البهيمْ ،
إصطبغَت خصلاتٌ من شعرِ بلونِ الدماء متناسقةً مع العينينِ الحمراوتينِ البهيتينْ ، عاودَ القتلَ بشراهةٍ معتادة ،
فتارةً أمسكَ بضحيتهِ من الخلفِ قاطعًا الرقبَة وتارةً أخرى طعنةً في منتصفِ الرأسٍ تسقطهمُ أرضا !
وحينما يقررُ البدأ باللعبِ الحقيقي ، يخرجُ مسدسهُ بسرعةٍ خاطفة على إثرهَا يطلقُ رصاصةً واحدة
لكلٍ منهم نصيبٌ من الفوهةِ السوداءِ لمسدسهِ هذا ، رصاصةُ واحدة في جسدِ كلِ واحدٍ فيهمْ ، تقتلهُ مباشرةً ..
وإن أراد .. سيعذبُ الضحية بوابلٍ من الرصاص دون أن يسمحَ لهُ بالموتِ المباشرِ المسالِمْ
سولومون كومباتلويس .. لا يهرجُ ابدًا إن كان الأمرُ في قتلِ إرهابيٍ قذر أو مجرمٍ فار
إنتهى من عمله . أنشأ بركةَ الدماءِ التي لا يرتاحُ ضميرهُ حتى يراها ، رمى المسدسَ جانبًا وبات يسيرُ فوق الجثث يدوسهَا دون رحمةٍ أو شفقة
قابضًا يديهِ خلف ظهره ، سائرًا في طريقٍ مستقيم ولا ينظرُ يمنةً أو يسرى .. فقط للامامِ يسير
- إن كانت العقلانيةُ أساسَ كل شيء .. فما يقودُ إليها هو الجنونُ المحض
إبتسمَ بخبثٍ ليقهقهَ بعدما أنتشى بمقولةٍ يحبُ التصديقَ بها ، قهقهتهُ مجنونةٌ مرعبة ، وملامحهُ أشدُّ رعبًا إن شاهدتَها !
توقفَ بعودةِ وجههِ جامدًا بلا شعور ، إلتفتَ بإحتدادِ عينيهِ القرمزيتينْ ، شعر بحضورِ شخصٍ ما ..
- هل كانت مخيلتي ؟!
إحتقرَ الأمرَ بصوتٍ خفيض ثم عاودَ السير خارجًا من وكرِ الشر الدفين ، لديهِ مقابلةٌ الآن .. لا مانعَ لديهِ من الظهور في التلفازِ هكذا .. ملطخًا بالدماءْ !
وإذ وقفَ معهُ يجري تجاربَ الإختراعِ الجديد ، يعلمُ تمامًا أن هذا ليسَ بالأمرِ الغريبِ على الصغيرِ كوديليوس ،
حالمَا يخترعُ سلاحًا جديدًا .. فإنهُ يريهِ أولًا لـ دانتي ! قدوتهُ في كل شيءٍ يفعله !
والأخيرُ مبتسمٌ لهُ بهدوءٍ ما راقَ لـ كوديليوس ، يقرأ مخططاتٍ الأسلحةِ التي رسمهَا تلميذهُ الصغيرُ للتو
لمعتْ عيناهُ بفخرٍ وربتَ على رأسهِ قائلًا
- احسنت كودي . عملٌ ممتاز !
توردت وجنتاهُ يغمضُ عينيهِ خجلًا معقبًا
- هذا كلهُ بفضلكَ دانتي ! علمتني الكثير .
ربما .. سوادُ قلبِ المعني ما اكترثَ بتاتًا برأيِ المراهقِ الصغير ، فـ نافقَ مبتسمًا يواري ضَحَلَ قلبهِ خلفَ طيبةٍ مزيفَة
عاودَ النظرَ للنماذجِ الأولية .. اسلحةٌ جيدة إلا إنها ناقصة ! ربما يستفيدُ منها لاحقًا في أمرٍ ما !
كوديليوس بقيَّ متحمسًا وحسب ، يهتزُ في مكانهِ كالأطفالِ راغبًا بالمزيدِ من مديحِ معلمه ، إلا أن دانتي تجاهلهُ تمامًا غير آبهٍ برغبتهِ تلك !
بغتةً فُتحَ البابُ كـ الصاعقةِ المدمرَة ، انتفضَ كودي على إثرها وما أهتمَّ دانتي لها وبقي مقطبًا حاجبيهِ مفكرًا !
حالما فكَّر بإن يهتمَ اكمح رأسهُ صوبَ الباب فاتسعتْ عيناهُ يرمي الأوراقَ راكضًا صوبَ من دلفَ للتو !
امسكَ بهِ جيدًا يصرخُ قلقًا
- اوديسيوس !! ما الذي جرى ؟!!
إستندَ على الجدار لاهثًا ، والدماءُ من رأسهِ وعينهِ اليسرى تنهمرُ غزيرًا .. جسدهُ إمتلأ بالكدماتِ مجددًا
و لا يكادُ يبصرُ شيئًا لغشاوةٍ حاوطتْ بصيرته ، بالكادِ قدماهُ تحملانهِ و إصفرارُ وجههِ لم يكُ خافيًا على أحد !
كوديليوس فقط .. لم يتسطع أن يتحركَ خوفًا .. من تكرارِ الأمرِ مجددًا !
بعصبيةٍ رد أوديسيوس
- اللعنةُ عليكَ دانتي .. أترى خيرًا في حالي هذه ؟!
بقيَّ صامتًا ، ينظرُ إليهِ بجديةٍ مخيفة ، إلتفتَ نحو كودي آمرًا بمهابةٍ كبيرة
- كوديليوس إجلب الدواءَ في الحال !
- ح-حاضر !
هرعَ جالبًا دواءَ أخيهِ من المختبر ، ساعدَ دانتي المصابَ على الوصولِ لأقربِ كرسيٍ فجلسَ أوديسيوس لاهثًا من الألم
ضاقت عينا دانتي بإنزعاجْ ، يتذكرُ الوتيرةَ في حدوثِ هذا الموالِ لمراتٍ ومراتْ !
تأثرَ جسدُ أوديسيوس في حربِ فيينا ! مسببًا لهُ حالةً طبيةً غريبة .. بين الفينةِ والأخرى يصابُ بهكذا أعراض ..
وكأنما الحربُ تأبى التوقفَ في زمنِ حياتهِ .. تستمرُ للأبدِ في إيلامه وفتحِ ذكرياتهِ القاتمَة !
جلب كودي الدواءَ فارتشفهُ شيقيقهُ بسرعةٍ كادَ يختنقُ على إثرهَا ، زفرَ دانتي ثم إبتعدَ يقولُ بعصبية
- كم مرةً أخبرتكَ بضرورةِ الإلتزامِ بـ حبوب الدواء ؟! لا احبذُ أضطرارنا لإستخدامِ الشرابِ ابدًا !
اشاحَ بوجههِ بعيدًا بغرور ، أوديسيوس الذي يرفضُ كبريائهُ القدومَ لدانتي على الدوام !
- أخرس وحسب . لا اريدُ الحديثَ في الموضوع !
بانَ الغضبُ على وجهِ دانتي الذي جرَّ ياقةَ أوديسيوس دافعًا إياهُ بقوةٍ للأمام
بعينينِ أخافتا الأخير أردف
- وإن كابرتَ هكذا .. فـ الموتُ لا يعرفُ قدركَ سيدي نائبَ القائِد !
دفعهُ بقوةٍ وسارَ خارجًا من المختبرِ بسرعةٍ كبيرة ، يكرهُ أن يرى أوديسيوس في هكذا حال
ولكن الأخيرَ لا يدركُ هذا .. ويستمرُ على عنادهِ دومًا !
ومن حولهِ الأجواءُ الثقيلةُ تحوم ، وجودهُ المهيبُ وحضورهُ ذو السلطةِ المتينَة
إكفهرارُ الهواءِ وجلبُ المآسي في شراكِ العناكب ، تحويلٌ أحمر لخطِ إنتاجِ الحياةِ والمماتْ
وربما هو فقط بعقلٍ مختلٍ يحومُ باحثًا عن شقوقِ الأرضِ الخفية .. الأسرارُ الدفينة
والمصائبُ الجارية في عصورِ البشرِ الأولى والحاليَة .. هل هو بالماضي والتاريخِ مهووس ؟!
أم إنتفضت نفسهُ بتكرارٍ لما في العقود ؟! أي غيٍ بهِ يلوذ ؟! و لما يجبلُ على القولِ الحقود ؟!
دومًا يتسائلُ ولا إجابةً مثلى يجدُ في معمعةِ البحار .. وصرخاتِ الأطفالْ !
كرهٌ وحبٌ ينموان ، أملٌ وخلاصٌ في عنفوان .. أكيدٌ هو تواترُ الأحداث ومخيفةٌ هي الذكرياتْ
يتأملُ ساكنًا .. من اعلى التلِ لمقبرةٍ قديمةٍ لجنودٍ أوفياء ،
هم من قاتلوا في حربٍ كانت أشرسَ من المماتْ ، اصولها معدومةٌ ووجودهَا فرضٌ لا يزال
يدركُ تمامًا انهمُ هم الأموات .. شهداءٌ لا يدعوهم على الإطلاق ولرغبةٍ في الضحكِ هو يزال
المقبرةُ القديمةُ المكسَّرة ، اطلالُ خرائبَ معمَّرة .. هادئٌ هو جدًا .. راحةُ عويصةٌ في قلبهِ تركنُ ساكِنَة
كونهُ القائدَ الأعلى .. يوجبُ عليهِ الفرارَ من معتقداتٍ باتت بالية ويحتمُ عليهِ المضي وفقًا لهواجسَ حامية !
ولم يثر حفيظتهُ إلا قدومُ ضيفٍ من العدوانِ صديق ، إحتلَ مكانًا بجانبهِ يبتسمُ بذلٍ عتيق
نظرَ إليه مبتسمًا .. يحتقرُ ما في جوفهِ من المسير و الأسيل ، رفع حاجبيهِ متفجرًا بضحكٍ غبي
والقائدُ واقفٌ بجمودٍ كالتماثيل ..
إليوت وحسب وجدَ من الممتعِ أن يسخرَ من عديمِ الحياةِ هذا .. وكأنما الموتُ لا يرجو بهِ خلاصًا من واقعٍ حوشي !
- غريبٌ أنتَ لستَ بالحي ولا الميتَ أيها الأصيل .. تحاولُ الولوجَ للطيفِ الأخير ؟! أم أن مرارةَ الفقدِ قد اذاقتكَ الويل الطويل ؟! جراحًا تنمو على قبورِ الأولين ..
يناشدهُ بلغتهِ التي لا تفهمُ رغمَ المحاولات ، يائسٌ هو من طفلٍ أرعنَ كهذا ، تجاهلهُ مغمضًا عينيهِ
مستنشقًا عبير النسيانِ لهذهِ القبورِ الوحيدة ، صمتَ إليوت .. ترنحَ كما السكارى فجأةً
يبكي بإبتسامةٍ متألمة ، صرخَ بنفسِ الحالِ للسماءِ شاكيًا
- إلهي أرأيتَ ما احدثهُ الجنسُ البشري ؟! يبابٌ أصابَ عقولهم بلوثةٍ حقيرة حتى باتَ تجاهلُ الحقِ هو الوسيلةٌ المثلى .. لذوي فاقدي القربى !
العيونُ الحادةُ للقائد منتصبةُ على مرأى الفتى أمامه ، تعجبهُ عقلانيتهُ الفريدة .. ويعجبهُ التفكيرُ الغير متوارثٍ الذي يظهرهُ لهُ الآن
- يا فتى .. أتحاول ان تشكيني للقدير ؟! ولما تفعلُ أمرًا يناهزُ عمركَ في وقتٍ عقيم ؟!
ما فهِمَ حقًا سؤاله – ولا يريد ان يفهم – إلا أنهُ أجابَ على قدرِ فهمهِ ناطقًا
- الأمرُ يسيرٌ وعسير ، الطريقُ الذي تتخذهُ مملوءٌ بالحصير و الصديد ، أشرابُ جهنمَ تنوي على نفسك ؟!
يحاورهُ بالتساؤلاتِ كذلك .. إبتسمَ على ذلكَ مرغمًا ، وكزهُ على جبينهِ ناطقًا
- على الرغمِ من بلاهةِ الحديث ، أجد فيكَ الكثير من العسرِ السقيم ! هنيئًا لكَ الجنونُ الأكيد .. فأنتَ قد تكونُ اعقلنا .. نحنُ حفنةُ المجانين !
سارَ تاركًا إياه يرمقهُ بعيونَ مرعبةً لإتساعها الشديد ، ما ابتسمَ إليوتْ بعدها .. وقليلٌ من الويلٍ في وريده يعيق .. مجرى التفكير !
لم يكُن من الضيرِ لها ان تتحققَ صحة المعلوماتِ التي وصلتها من مصدرٍ غريب ..
خاصةً وأنها تتحدثُ بوضوحٍ عن عمها العزيزِ الذي اختفى فجأة قبل تسعِ سنواتٍ بعد مقتلٍ والديها !
بدونِ أي تفكيرٍ هرعتْ بسيارتها نحو السجنِ المنسي ، الواقعُ في تخومٍ قديمةٍ غير مأهولةٍ بالساكنين ..
كم افتقدهُ حقًا .. ذاك العمُ الذي شاطرهَا على الدوامِ التفكير ، الوحيدُ الذي نظَرَ لها معترفًا بكلِ قدراتِهَا
الوحيدُ الذي فهِمَ على الدوامِ ما تفكرُ فيهِ حتى وإن لم يظهَر عليهِ ذلك . مخيفٌ هو لكنها تحبه !
سجنُ ديبرا .. سجنٌ قديمٌ جدًا أستخدمَ في تعذيبِ المساجينِ تحتَ الأرضِ حيثُ لا تصلُ لهم أصواتُ الأحياءِ ولا صيحاتهُمْ !
لن يفكَرَ أحدٌ بالبحثِ في ذاك المكانِ المهجورِ أبدًا .. من وضعهُ هناكَ يعرفُ كيف ينجزُ عملهُ حقًا . اخافتها الفكرةُ للنخاع !
لا تزالُ تنزلُ الدرجاتِ الممتدةِ عميقًا إلى باطنِ الأرض ، تضيءُ طريقها بإستخدامِ هاتفها النقّال !
وما إن وطئت الارضيةَ المبتلةَ حتى إهتزَ قلبها لظلمةِ المكانِ وجوره ! أهنا كان أحبُّ الخلقِ إليها محبوسًا طوال سنوات ؟!
كيف يمكنها أن تقبَل بحقيقةٍ نكرَاءَ كهذه ؟! مريضٌ هو ولن يقوى على البقاءِ حيًا طويلًا ..
وكم أرعبتها الفكرة وانتفضتْ اوصالهَا تفكرُ بإن جلَّ ما ستجدهُ هو جثةٌ متعفنة .. إرتعشَ كيانُهَا و نفضتْ الأفكارَ من عقلها
وعاودت السيرَ بهدوءٍ تحملُ هاتفها المضيءَ في يدهَا وتصلي داخليًا .. بأن يكونَ حيًّا !
وكما يجلسُ هو متألمًا .. يسمعُ وقعَ خطواتٍ تدنو منهُ رويدًا رويدًا ، تتسعُ عيناهُ ولا يدري هل بالخلاصِ هو يشعر ؟!
أم بالرعبِ لفكرةِ من قد يأتي لهكذا مكان ؟! .. ضاقتْ عيناهُ يحاولُ كبتَ الألمِ أكثر على الرغمِ من المحاولاتِ العديدة الفاشِلَة التي قام بهَا سابقًا !
سطعَ ضوءٌ أبيضُ في عينيهِ من اللامكان فأجبرهُ على إغماضِ عينيه ، كلُ ما أتى على مسمعيهِ تاليًا كان صوتًا مصدومًا مألوفًا
- عمي .. آليكوس !
إنبجلتْ عيناهُ بمشاعرَ مختلطَة ، أحالَ بصرهُ لصاحبةِ الصوتِ المألوف ..
مهما تغيرتْ .. ومهما كبُرت وطالت وغدت مختلفةً فهو سيتعرفُ عليها دائمًا .. الصغيرةُ التي تعلقَ بها جدًا !
لن تخفى عليهِ التموجاتُ المميزةُ لصوتها ولا العينانِ الزرقاوتانِ اللتينِ أحبهما !
إغرورقت عيناهُ بالدموع ، انتفضَ قلبه ، أرتعش جسده ، ورأى خلاصًا لم يعتقد أن يوجد ..
وبمرارةٍ بكى حسرةً على سنواتٍ تسع .. قضاها حبيس السجونِ والوحدة .. المًا على ما حلَّ بهِ من فراقٍ وفقدٍ كثير .. !
هو ما توقعَ أن يأتي أحدٌ لنجدته .. صدَّق بإنه سيبقى هنا .. تحتَ رحمةِ من قامَ بسجنهِ .. للأبد !
- ه-هايسانث !
تكأكؤ صوتهِ قد احزَنهَا والألمُ الواضحُ عليهِ خدرها ، بقوةٍ دفعتْ البوابةَ الصدئةَ ففُتِحتْ ، وركضت إليه غير مهتمةٍ بسقوطِ هاتفها على الأرضِ الصلبة ،
عانقتهُ بقوةٍ كبيرة تحاولُ ألا تبكيَّ كذلك ، تشبثَ بها .. بآخرِ قطرةِ خلاصٍ بقيتْ في نفسه ..
وقبيلما تتحدثُ إليه .. يسقطُ مغشيًا عليهِ بين يديها !
هبطَ الليلُ بغشائهِ مدلهمًا ، آمرًا نوائبَ الدهرِ بالإنتظارِ لفجرٍ جديد ،
ليلٌ ثابت الأطناب طامي الغوارب ، مستأثرٌ بحندسٍ وهّابِ الذنبِ واقعِ الكرى ملمول العينينِ أسير !
هذا الليلُ مخلتفٌ بالنسبةِ له .. هو الواقفُ على سطحِ بنايةٍ مراقبًا من كان تحت مسمى ضحيةٍ قادمة
عينهُ التي شوهتهَا نيةٌ لا يدري معنَاها تخترقُ الليل بسهولةٍ .. ومن خلالِهَا يرى كل شيءٍ صباحا !
وقد تسائلَ شاهان حينها ، لما عليهِ أن يراقبَ من بالحياةِ يراهن ؟! أليس من الممتعِ ان يجلعهُ يراهنُ على حياتهِ كذلك ؟!
فأشهر المسدسَ راجيًا أن تصيبهُ الرصاصةُ التي سيطلقها ، إلا أنَّ يدًا أوقفتهُ فجأةً فألتفتَ إلى صاحبها ببرودٍ يسمعُ حديثه
- لا داعي لهذا شاهان .. لم يحن الوقتُ بعد !
أنزلَ سلاحهُ صامتًا ، ولم يحدث من كانَ معهُ منذ البدايَة ، الآخر إبتسمَ بحنانٍ يربتُ على رأسه مردفًا
- أربعٌ وعشرونَ عامًا هو عمرك .. لا أكادُ اصدقُ بإني ما عرفتُ وجودكَ قبلًا !
ضربَ شاهان يدهُ بقوةٍ سائرًا بعيدًا عنه ، والآخرُ على نفسِ الإبتسامة بائتْ ، أجابَ بعد برهَة
- كان من الجميلِ النظرُ إليكَ كاذبًا .. تحاولُ الكيدَ بنفسكَ إلى نجاةٍ لا وجودَ لها !
حادُ الطباعِ معهُ على الدوام ، لا يدري العلّة في هذا .. إلا أن المحبةَ للأمرِ لم تنمو في قلبهِ أبدًا
- أحمايةُ الأعزاءِ لي ذنب ؟! حتى وإن كذبت ؟!
توقفَ اصهبُ الرأسِ صامتًا للقمرِ يرسلُ عينيهِ رانيًا ، إلتفتَ نصفَ إلتفاتةٍ ثم اجاب
- الذنوبُ بمختلفِ أسبابِها تبقى ذنوبًا .. لا وجودَ لكذبةٍ بيضاء
ضاقت عينا الأشقرِ أسًى على إجابةٍ ما انتظرها حقًا ثم إبتسمَ بهدوءٍ متناسيًا ، ومراقبًا و حسب .. كما امرتهما هي قبلًا !
طببتهُ على قدرِ إستطاعتهَا ، تاركةً إياهُ نائمًا على فراشِهَا الخاص ،
خرجتْ من غرفةِ نومهَا ، تتنهدُ بعدما قبلتهُ على جبينهِ المرهق تعرقًا !
ولم تكد تحصلُ على الراحةِ حتى ظهر هو جالسًا فوقَ الطاولةِ واضعًا قدمًا على الأخرى بهدوءٍ كبير
لا تدري متى وكيف .. حصلَ على كوبِ القهوةِ ذاك ، كلُ ما تعرفهُ أنهُ من أكوابِهَا الجديدَةِ الغاليةَ ..
إحتدَتْ عيناها بغضبٍ واضح إلا أنها لم تتكلمْ أبدًا .. سولومون فقط تجاهلَ غضبها قائلًا
- ظننتُ بإنكِ خارجَ المنزل .. وتخرجينَ فجأةً أمامي .. تخيفينني في بعضِ الأحيان !
أليستْ هذهِ جملتها ؟! الجملةَ التي يجبُ ان تقولها لهُ هو الذي يقتحمُ منازلَ الآخرينَ دون دعوة ؟!
إستطاعَ أن يشعر بإنها تخفي أمرًا ما ، ضاقت عيناهُ سائلًا
- ما الذي تخفينه هايسانث ؟! لستُ مرتاحًا !
سيستمرُ في سرقةِ جملها إذن ؟! لعينٌ حقًا هو هذا الـ سولومون الغريب !
تجاهلتهُ سائرةً تندبُ حظهَا الذي اجبرهَا على اللقاءِ بـ غريب أطوارٍ مثله ، أنزلَ كوبَ القهوةٍ على الطاولة
وبحركةٍ سريعة كان قد وصلَ إليها تحت صدمتهَا دافعًا إياهَا للجدارِ بقوة !
سألَ يضيقُ الخناقَ عليها
- الم أخبركِ بإبقاءِ الشقة نظيفة ؟! لما نشرتي الفوضى فيها ؟!
هذا ما يهمهُ من بينِ كلِ الأمور التي يجبُ ان يسألَ عنها .. تضايقتْ من سؤالٍ تافه
ركلتهُ بقوةٍ إلا أنه لم يتزتزح على الرغمِ من قسماتِ الألمِ الظاهرةِ على وجهه ، سأل مجددًا
- على ايةِ حال .. هناك طلبٌ أريدُ أن اطلبهُ منكِ
ضاقت عيناها تستطردُ بحذر
- ما هو الطلب ؟!
إبتسمَ بخبثٍ ما راقَ لها ، واقتربَ منها جدًا عاصرًا جسدها بجسده ، بصوتٍ شيطاني إستأنفَ
- أريدُ منكِ .. أن تقتلي شخصًا ما من أجلي ..
ضاقت عيناها بجديةٍ هزتْ نفسهُ الثابتة ، النظراتُ الميتةُ لقاتلٍ مأجور .. لوحشٍ مسعور
قد فاجئتهُ بعضَ الشيء لإشتهائهَا القتلَ عميقًا من الداخل !
- من يكون ؟!
- سمعتِ به ربما .. جاكسون فوتلين .. السياسيُ الفاسد !
تسائلت عميقًا .. لما عليها هي ان تقتله ؟! ، بحدةٍ رمقتهُ تستفسرُ غاضبة
- لما أنا ؟!
إتسعتْ الإبتسامةُ الشريرة ، أجابَ بنبرةٍ لعينة
- أريدُ أن ارى .. كيف تقومينَ بعملكِ هذا !
أغمضتْ عينيها ، هزت رأسهَا موافقةً إلا أنهُ فقط زادَ من الضغطِ عليهَا ، تضايقتْ من هذا
دنى من اذنها ، همسَ بشيءٍ ما .. ثم قامَ بعضِ الأذنِ بقوةٍ حتى أدمتْ !
تركها مبتعدًا تغطي أذنها التي تنزفُ بيدها ، ارسلَ لها قبلةً طائرة في الهواءِ بنفس قسماتِ الشياطينِ تلك ،
ثم خرجَ من شقتها ، يضحكُ بهستيريةٍ بحتة !
الإسم : آليكوس نوكتيس
العمر : 29 عامًا
الحالة : على قيدِ الحياة
نبذة : من كانَ مريضًا على الدوام ، رافقَ المستشفياتِ دومًا
وما خرجَ كثيرًا من منزله ، وإن خرجَ فإن حراسةً مشددةً تتبعهُ أينما ذهب
لطيفٌ جدًا ، متفهم وذو أحاسيسَ قوية !