عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-11-2015, 07:48 PM
 
البارت الأول : [قشعريرة !]




في ذلك الكوخ الريفي .. انطلق صوت رجولي قائلا :
ــ <ساري> ! . هيا لنذهب للعمل بسرعة !
خرجت ذات الشعر الأزرق المائي بابتسامة مجيبة أباها :
ــ ها أنا يا أبتي .
تقدمت منه و أمسكت يده فسارا معا نحو الحقل المقابل ..
نظر الأب لابنته السعيدة قائلا :
ــ أتذكرين يا ساري ؟ . اليوم الذي جئت فيه لهذا المكان ؟
فجأة تغيرت ملامح ساري كأنما تذكرت آخر ما قد ترغب في تذكره .. أغمضت عينيها و ضغطت على يد والدها ثم فتحت عينيها و بأمل نظرت لوالدها :
ــ ما الذي تقصده ؟ . أظن أني ولدت في هذا البيت . أنا لا أتذكر أني غادرته حتى تسألني هذا السؤال !
ظهرت على الأب ابتسامة خفيفة و قد ضيق عينيه السوداوتين . كانت نظراته تقصد الحقل شكليا بينما هو شارد في بعض الذكريات المؤلمة :
ــ على الأقل أنت لا تدرين ..
نظرت التي تبدو في العاشر من عمرها لأبيها الشارد و همست :
ــ ماذا ؟ ما الذي لا أدريه ؟
ــ الأب ــ
توقعت سؤالها .. توقعته و رده لدي من سنين ..
نظرت لوجه البراءة بحزن مصطنع :
ــ عنيت .. أنك لا تذكرين والدتك .. التي توفيت قبل سنوات ..
قاطعتني ابنتي بجانبي قائلة :
ــ لا تقلق يا أبي . حتى لو تركتنا أمي فنحن بخير صحيح ؟
ــ أجل !
كان هذا ردي و أنا حتى لا أعرف ما عنته !
ــ ساري ــ
أبي لا يعلم أني أعلم .. أعلم أنه ليس متزوج ..
بصراحة أنا أذكر كل شيء لكن ..
لا أريد إزعاج نفسي بهذه الأمور .. فالماضي قد انتهى بالنسبة لي رغم هذا ما زلت أشعر بالألم في كل مرة أذكر ما حدث ..
...................................
و بينما يسير الأب و ابنته في الحقل انطلق ذلك الصوت المخيف الذي جعل الطيور تهرب ..
صوت محرك سيارة تعبر طريقا مخصصا لها في الحقل .. و بعد لحظات توقف الصوت فنظر الأب لساري قائلا :
ــ لا بد أن السيد أتى ! ، تعالي معي دعينا نلقي عليه التحية .
أومأت ساري بثقة و هي لا تزال تمسك يد أبيها و ذهبا كلامهما حيث يوجد صاحب الحقل ..
بعد دقيقة من المشي وصلا حيث وجدا سيارة و أمامها رجل في الأربعينيات يرتدي بزة رسمية زرقاء اللون و يمسك تمرا و يأكله ..
تقدم والد ساري منه مبتسما :
ــ صباح الخير يا سيدي ! ، كيف حالك اليوم ؟
نظر السيد للأب و مد يده ليصافحه قائلا :
ــ أهلا < ألبرت > ، أنا بخير كيف حالك أنت ؟
انتبه السيد لوجود ساري فأشار بيده أن تقترب منه و عندما فعلت مد لها تمرة فأمسكتها قائلة :
ــ شكرا لك يا <آلمو> .
ابتسم آلمو بينما نظر ألبرت لابنته بغضب :
ــ لا تناديه باسمه ، ناديه سيدي ، أنت لست صغيرة !
نظر آلمو بألبرت ثم وقف و عدل سترته قائلا :
ــ أحب أن يناديني الناس باسمي فأنا مازلت شابا و أريد التمتع قبل أن أهرم !
لم يرد ألبرت بينما نظرت ساري إلى التمرة قائلة :
ــ إذن ، من الغريب الذي زارنا اليوم ؟
نظر كل من السيدان لساري متعجبين فابتسمت و فسرت سؤالها :
ــ أعرف أن معك شخصا هذه المرة !
ــ و كيف عرفت ؟
كان هذا سؤال آلمو متفاجأ فنظرت ساري للنخلة بجانبها قائلة :
ــ التمر و النخل يا سيدي ، لا أرى أي تمر ساقط هنا لذا لا بد أنك أحضرتها من أعلى النخلة و بالتأكيد أنك لن تستطيع تسلق النخلة و لو فعلت فلا بد من أن تترك آثارا على ثيابك و أرى أن ثيابك نظيفة لذا لا بد أن معك شخصا أحضر لك التمر !
بقي السيد ينظر لساري باستغراب و بعد ثوان صفق لها بخفة قائلا :
ــ ذكية و نبيهة ! . تحليل منطقي جدا ، إلا إذا كنت قد أحضرت التمر من حقل آخر .
ــ لا حقل لك هنا غير هذا !
كان هذا رد ساري بكل ثقة و عندها ضحك آلمو قليلا بينما انحنى ألبرت له و رفع رأسه متأسفا قائلا :
ــ عذرا سيدي ! إنها تحب التباهي ، لا تكترث لها !
نظر آلمو إلى ألبرت و بابتسام رد :
ــ لا ، لا ، إنها فتاة رائعة . ابنتك واثقة من نفسها جدا و هي ذكية ، تشبه <إسوهام> كثيرا !
ــ إسوهام ؟
نظر ألبرت لابنته المتفاجئة قائلا : ــ إسوهام هو ابن <دارك>
نظرت ساري بتفهم : ــ إذن حفيد آلمو ؟
ــ أجل حفيدي ، و هو الزائر الجديد !
ــ ساري ــ
في تلك اللحظة لمعت عيناي بشوق ، أخيرا سأرى فردا جديدا من عائلة آلمو !
لا أعرف سوى آلمو و ابنه دارك يأتي قليلا لهنا و الآن سأرى ابن دارك ، إ سو هام ، اسمه غريب قليلا !
لا يهم المهم أن أتعرف عليه ، أرجو أن يكون كجده ، متواضع و كلامه يدخل القلب في رمشة عين ..
التفت حولي كالطفلة و أنا كذلك و بعد لحظات قفز من على النخلة شخص غريب ..
وقع أمامي .. فجأة أحسست بشيء غريب ..
نظرت إلى عينيه الرمادية .. شعره الفضي ..
يبدو غريبا .. بشرته كان أبيض من الثلج .. أيعقل أنه شخص طبيعي ؟
تذكرت فجأة مرضا قرأت عنه في أحد الكتب .. لست واثقة ما كان اسمه ..
لكنه يسبب بياضا شديد للبشرة و الشعر !
تقدم مني الولد الذي بدا أطول مني ربما بسنتيمتر واحد .. تمعنت في شعره .. كثيف و حريري ..
أحسست أن النوم فيه أريح من النوم في سريري ..
تجاوزني و وقف أمام جده قائلا :
ــ جدي ، أريد الذهاب و التجول قليلا . يمكنني ؟
ابتسم الجد في وجه حفيده ثم جثا على ركبة واحدة ناظرا له قائلا :
ــ اذهب و تجول بني . ساري ستدلك على المكان ، سأبقى مع ألبرت .
قابل إسوهام ابتسامة جده بابتسامة أقل اتساعا و حياة .. ثم نظر لي و أخذ يركض باتجاه الحقل بينما وقفت أنا شاردة في شكله ..
نظر لي ثانية من خلفه ثم توقف و لوح لي قائلا :
ــ ماذا تفعلين ؟ هيا لنذهب !
استيقظت فجأة و تبعته بلا أي كلمة ..
....
نظر ألبرت إلى آلموا الذي كان ينظر للحقل بشرود و تقدم منه ..
اتكأ على السيارة بجانبه قائلا :
ــ سيدي ! أعرف هذه النظرة . ما الذي حدث ؟
تنهد آلموا ثم رد : ــ والدة إسوهام !
ــ ما بها ؟
ــ هربت !
تفاجئ ألبرت لدرجة أنه فتح فمه باندهاش و نظر لآلموا :
ــ لا أصدق ! ، لما قد تهرب ؟
تنهد آلموا و رد :
ــ تركت رسالة قالت فيها أنها لم تعد تريد البقاء مع ابني دارك . قالت أنه يهملها و لا يهتم بها و لا بابنها . و أيضا أنها بمغادرتها ربما يشعر بالذنب و يعتني بابنه أكثر !
ــ و ..
ــ لم يهتم دارك رغم أنه تألم ! ، مازال مصرا على طريقته في العيش . أما إسوهام فقد كان تقريبا يتيما الأب و الآن أمه تركته ، لا أريد لحفيدي أن يعيش هكذا حياة ! . أتمنى لو أتمكن من إيجاد حل لهذه المشكلة !
تنهد ألبرت و أنزل رأسه قائلا :
ــ لكل شخص هموم ، يبدو أن عائلتك أنت أيضا و التي يحسدها الناس مفككة جدا !
نظر آلموا له باستغراب : ــ ماذا تعني بـ"أيضا" ؟ ، أعائلتك .. ؟
نظر ألبرت إلى آلموا ثم تنهد قائلا بحزن عميق :
ــ سيدي ، أنت تعلم أني أثق بك ثقة مطلقة لذلك أريد إخبارك بسري ..
...........
عند ساري ..
كانت جالسة عند حافة المسبح تحسب مدة غوص إسوهام بساعتها الرقمية و بعد لحظات خرج إسوهام من الماء و تقدم منها قائلا :
ــ كم ؟
ــ أربع دقائق و ثلاثون ثانية ! مذهل !
خرج إسوهام من المسبح و جلس على حافته قرب ساري قائلا :
ــ ليس مذهلا ! أريد خمس دقائق !
نظرت ساري له و بابتسام علقت :
ــ يا متذمر ! ، اقبل بالنتيجة و لا تطمح بالمزيد !
ابتسم إسوهام ثم رفع رأسه للسماء قائلا :
ــ و لكن على الإنسان أن لا يكون قنوعا ، أتعرفين أنني و أنت مختلفان ؟ ، أنا لا أقبل بوضعي و أطمح لأن أتحسن أكثر !
ابتسمت ساري و ردت :
ــ أنت ابن أبيك ! ، فهو طموح مثلك ..
لسبب تعرفونه أنتم تجهله ساري اختفت ابتسامة إسوهام فمد يده إلى قميصه و ارتداه ثم ارتدى سترته و أخذ يسير في الحقل بشرود ..
ــ ساري ــ
شعرت بأمر غريب ! ، لما غضب هكذا ؟ أقلت ما لا يجب قوله ؟ . أنا شخصيا أفرح حين يقول لي أحدهم أني مجتهدة كوالدي فلما غضب من كلامي ؟ ، لا أظن أن دارك رجل سيء فلما غضب من تشبيهي له به ؟
لكن لا أريد أن يذهب إسوهام غاضبا مني ! ، لا أحب أن يحمل هنا سوى ذكريات جيدة خاصة أنه قد لا يأتي هنا مجددا !
نهضت بسرعة من مكاني و ركضت بسرعة .. بسرعة كبيرة .. هو قد يكون في أي مكان من الحقل ! لذا أول ما خطر لي هو البحث حيث السيارة !
......
وصلت ساري إلى السيارة و هناك رأت أباها مع آلموا فتقدمت منهما قائلة :
ــ أبي ، هل رأيت إسوهام ؟
تفاجأ الجد أكثر من ألبرت فتقدم من ساري بخوف :
ــ لما ؟ أين هو ؟ هل حدث له مكروه ؟
لم ترد ساري إقلاق السيد فابتسمت و ردت :
ــ كلا ، إننا فقط نلعب لعبة الاختباء و أنا أبحث عنه . عن إذنكما علي إيجاده قبل انتهاء الوقت !
ارتاح الجد بعدما سمع كلامها بينما هي تابعت بحثها عن إسوهام في كل شبر من الحقل إلى أن وصلت لبيتها ..
كانت تلهث بشدة فدخلت البيت قصد شرب الماء فإذا بسوهارم يجلس في كرسي خشبي أمام طاولة يضع يديه عليها ..
تقدمت منه فشعر بها ، عندها و بدون النظر قال :
ــ آسف على دخول البيت بلا إذن !
جلست ساري قربه قائلة :
ــ لا عليك ! ، أخبرني ما بك ؟ لما غضبت ؟
لم يجبها و عندها تنهدت و همست :
ــ حتى الصغار أمثالنا يحملون هم الدنيا على أكتافهم !
نظر إسوهام لها باستغراب ثم أنزل رأسه و بيأس رد :
ــ لما نتعرض للألم من قبل من نحب ؟
أجابت ساري بنوع من الكراهية :
ــ أحيانا ، أتعجب ! ، أشخاص رائعون .. فجأة نجد أنهم أقبح شيء من داخلهم . في الواقع ربما أنت تتعرض للألم من قبل من تحب لكن أن تفقد من تحب هو الأمر البشع حقا !
و فجأة ابتسمت و نهضت من الكرسي بمرح قائلة :
ــ دعنا نوقف فلسفة البالغين هذه ! ما رأيك أن نعد شيئا ما اليوم ؟ سنستمتع جدا صدقني ! .
ــ ماذا ؟
أمسكت ساري ذراع إسوهام بمرح و سحبته للمطبخ حيث بدآ بإعداد بعض الأطعمة .
........
بعد ساعتين سمع الاثنان صوت ألبرت و آلموا قادمين يتحدثان ثم دخلا البيت ليتفاجآ بوجود عدة أطعمة على الطاولة ..
اقترب آلموا من المائدة و نظر إلى شكل الطعام الغريب و الأنيق قائلا :
ــ عجبا ! لم أرى هذا الطعام سابقا ، أخبرني من أعده ؟
أراد ألبرت المتوتر الإجابة إلا أن صوت ساري من المطبخ قاطعه :
ــ حفيدك يا سيدي !
نظر الاثنان لباب المطبخ فإذا بساري واقفة مع ابتسامتها المعتادة .تفاجأ آلموا قائلا باستغراب :
ــ من أعده ؟!
خرج إسوهام من المطبخ قائلا ببرود :
ــ لا تصدقها ! هي أعدته بنفسها ، بالنسبة لي فأنا لا أجيد قلي بيضة !
نظرت ساري لإسوهام بغباء ثم بخبث ردت :
ــ لما تخفي الحقيقة ؟! ، أتخاف أن يجعلك جدك تعد له الطعام في البيت ؟ ها ؟
بادلها إسوهام نظرات بلهاء قائلا :
ــ سيفعل إن كان يريد أن يصاب بتسمم !
ضحك الجد بقوة ثم جلس على الكرسي و نظر لألبرت :
ــ تعال يا عزيزي إني أدعوك لتناول طعام أعدته ابنتك و حفيدي !
ابتسم ألبرت ثم جلس قرب آلموا و تقدم إسوهام مع ساري ليجلسا قربهما .
...............
ـــ ساري ــ
بعدما حل الغروب قرر السيد آلموا الرحيل فلا يريد حلول الظلام و هو يقود فبصره ضعيف ..
رأيت إسوهام يشعر ببعض السعادة لأنه قضى وقتا ممتعا ..
لوحت له و هو يصعد السيارة فابتسمت من النافذة و قال :
ــ لا تقلقي ! سأعود قريبا لزيارتك !
ثم انطلقت السيارة خارج الحقل ..
شعرت في تلك اللحظة بنوع من القشعريرة .. ربما بسبب البرد !




التعديل الأخير تم بواسطة ترانيم الأمل | Corsica ; 06-12-2015 الساعة 02:01 AM سبب آخر: خطأ بسيط