عرض مشاركة واحدة
  #162  
قديم 06-20-2015, 04:36 PM
 
الفصل العاشر : [ ضربَ الفسادُ أطنَابه ! ]









أميّ هل سمعتِ .. سوفَ أموتُ الليلة
أمي هل عرفتِ سوفَ أقاتلُ الليلة
لقد إخترتهمْ .. أتذكرُ بإني قتلتهم ..
لا تحُاوِلي إنقاذيَ الليلة ..
كلا .. لا تحُاوِلي إنقاذي الليلة .. لأني لا أعرِف ..
وقد تبخرت جميعُ المياه .. اطلالًا على ضفافِ الأمواتْ
زهورًا تنمو على جماجمِ الأحياء .. قبورًا تعزفُ الأصوات
أصواتًا ليست لبني الإنسانْ وهي بما في كلهِ الجمال
ولي من نصيبِ الحكمةِ شطران .. احدهما جنونُ القتلِ الجبار !

- داليا روبنسون



وإذ كانَ جالسًا وسطَ كنيسةٍ قديمةٍ مُتربَة .. تلوحُ في عقلهِ ذكرى ما كانتْ ببعيدةٍ أبدًا


ويفكرُ أبدَ الدهرِ معقبًا على كلِمَاتِ روحه .. يطوفُ سحابًا عليها مطويَّأ ..

أمرٌ ما غادرَ الفصَّ المتبقي من دماغِه ولا علا عليهِ من شطئانِ البغتةِ منال ..

كان ولأولِ مرةٍ حاضرًا في يومِ أحدٍ لمحاضرةٍ في كنيسةٍ قبل خمسِ سنوات ،

جالسًا .. على اهبةِ الإستعدادِ لقتلِ القس كما أوكِلتْ إليهِ هذهِ المهمةُ من قبِل قائده !

وإذ كان يستمعُ للموعظةِ تحرَّكَ قلبهُ تحركًا غريبًا .. أهو للإيمانِ يصبو أم ماذا ؟!

شخصٌ مثله .. ذاق حرارةَ الدماءِ من الوريدِ هل يتسللُ حبُ اللهِ أخيرًا إلى قلبه ؟

تفكَّر في الأمرٍ قليلًا .. حتى أنتهى القسُ من الموعظةِ وخرجَ الناسُ تباعًا كـ الخرافِ المُقادَة

وقفَ إليوت .. واتجهَ إلى الذي أثَّر في نفسهِ بكلماتٍ بسيطة .. وقفَ أمامهُ وسأل



- هل التوبةٌ سهلةُ يا ابتي ؟



جفلَ القسُ والمشيبُ على رأسهِ بانَ ظاهرًا ببياضِ عمرٍ مديد .. إبتسمَ يجيبُ هادئًا



- التوبةُ صعبةٌ يا صغيري .. لا يستطيعُ الجميعُ أن ينالها .. إلا أنَّ الغفران أصعبُ منها بمرات !



أمالَ إليوت رأسهُ بعيونٍ مختلةٍ مظلمة .. يسألُ مجددًا بتهديد



- هل التوبةُ التوبةُ صعبةٌ يا أبتي ؟!



وقد شعرَ القسُ بـ الخطرِ من فتًى ما تجاوزَ السادسة عشرة .. تراجعَ قليلًأ للخلفِ يجيبهُ



- مرادكَ توبةٌ تغسلُ الذنوب ؟ وأيُ توبةٍ بدايتُها ندمٌ كبير وتوقٌ للغفرانِ الأكيد !



قهقه إليوت بـ سيكوباتيةٍ بحتة .. تمايلَ وأهتزَّ في مكانهِ كمن ضربتْ بعقلهِ لوثة

إتسعتْ أعينهُ على إنبلاجٍ مُخيف .. وسكنَ جسدهُ كحجرٍ ميتٍ وحيد

بمرارةٍ في صوتهِ أجابَ منتشيًا بسعادةٍ أبدية



- وكم أتوقُ لتوبةٍ تعيدُ ارواحَ الحاقدين إلي !

توبةٌ .. تجعلهمُ يأتونَ طلبًا للإنتقام .. ليجعلوني أجثو على الأقدام

ويحيلون حياتي لجحيمٍ وعذاب .. ولسوفَ اضحكُ جهارًا عليهم

أراهم يحاولونَ الوصولَ إلي .. وأنا للهِ أدعو كل ليلةٍ لنيلِ الغفران

إلا أني سأقتلهمُ مرارًا بـ إسم الإيمان .. ولأبكينَّ لنيلِ السماحِ والسلام

أنا .. تائبٌ وعبدٌ خاضع يقتلُ بلا ندمٍ أو عِتَاب .. إلا إني سأنالها .. توبةٌ ما نالها

اخوةُ يوسفَ بسبعِ كلمات !



إرتجفتْ أوصالُ القسِ الكهلِ محاولًا أن يعرفَ مغزًى عقيمًا من كلماتهِ المبهمة .. فما نالها

رصاصةٌ في منتصفِ جبهتهِ أستقرتْ .. راميةً الجسدَ النحيلَ على الأرضِ الصلبة

وبقي إليوتْ جاثيًا على ركبتيهِ ضامًا نفسهُ .. يضحكُ بهستيريةٍ مناجيًا ربَّه



- إلهي .. توبةٌ نصوحٌ أريد .. وللعودةِ إليكَ أنا بـ مُريد

إلهي قد ضاقتْ بي الدنيا بكلِ العداء .. فـ أمنحني منها الخلاص

وإن كان من اجل الحصولِ عليها سفكُ الدماء .. لأقتلنَّ البشريَة لكَ بإخلاص !



وإن لم يكُ تعسيفُ هذهِ الذكرَى لهُ مثيرًا للشهواتِ كما كان سابقًا .. إلا أنهَا لا تزالُ مثيرةً

للتساؤلات .. فهل نالَ الصفحَ والعفو من السماوات ؟ .. أم أنهُ لا يزالُ في صحيفةِ المذنبين ؟

متى يشطبُ إسمهُ منها .. لتصعدَ روحهُ للسماءِ محلقةً .. مبتعدةً عن دفقِ الموتِ الأحمر !




قد فُتحِت عيناهُ بهدوءٍ تامْ .. لا يدري كمْ بقيَّ لابثًا في نومٍ عميق !

جلُ ما يدركهُ أنهُ لم ينلهُ ويذق حلاوتهُ منذُ تسعِ سنواتٍ خلت .. فأيُ راحةٍ كان ليدركَهَا .. في هاويةٍ ضحلة ؟

إستعادَ توازنهُ وتحكّمهُ التام بجسدهِ المرهقْ ، إستندَ بهدوءٍ على الفراشِ وقد زفرَ معلنًا عن ألمٍ

طاغٍ أسفلَ عمودهِ الفقري .. ضحكَ بهدوءٍ يعللُ ذلكَ بسعادة



- ما تعودَ هذا الظهرُ على نومٍ هانئ .. لا عجبَ بالألمِ حقًا !



دُقَ البابُ بوتيرةٍ هادئة .. لمعتْ العينانُ التواقتانِ وأعطى الإذنَ بالدخولِ مُسرعًا .. !

دلفتْ وقد إبتسمتْ لهُ رغمًا عنها .. ما ارادتْ لهُ أن ينخرطَ بمشاكِلَها مع سولومون اللعين .. !

ناولتهُ كوبًا ساخنًا من القهوةِ بالحليب .. التي طالما فضلها إفطَّارًا على الرغمِ من رفضِ الأطباءِ ذلك

تجرعّهَا بشهيةٍ مفتوحَة وقد بقيتْ هايسانث تنظرُ إليهِ بهدوءٍ شديد .. ما استطاعتْ أن تطردَ فكرةَ قتلِ من سببَ زجهُ في سجنٍ عميق كـ ذاك أبدًا !!!



- هل أنتِ بخير صغيرتي ؟ تبدينَ شاردة الذهن !



أعادهَا صوتهُ للواقعِ مجددًا .. تنبّهتْ لنفسها فأجابتْ بإختصارٍ شديد



- أجل بخير .



تلاعبَ قليلًا بكوبِ القهوةِ حتى تبادرَ إلى ذهنهِ سؤالٌ واحد



- أتعرفينَ شخصًا يدعى .. سولومون ؟



رفعتْ رأسهَا بجمودٍ شبحي فـ استطردت تستفسرُ بحدة



- لما تسأل ؟



تبدلتْ ملامحهُ البشوشَة .. فـ باتتْ متحجرةً غير إنسية .. نطقَ بثقلٍ في لسانِهْ



- ظننتُ بإني سمعتُ صوته قبلَ لحظات .. ربما كنتُ احلمُ وحسب

صديقٌ لي هو .. الصديقُ الوحيد الذي لم يتخلى عني .. ابدًا !



وسوفَ تمقتُ نفسها إن تطلبَ الأمرُ ذلك الآن .. سولومون هو صديق عمها آليكوس ؟

لما لم يدهِشها الأمر ؟ ضحكتْ ساخرةً بلذوعةٍ مريرة .. تتفكرُ في نبضِ القلبِ الذي تسارعَ على حين بغتة

ألذكرِ إسم اللعين سولومون هذا القلبُ يخفق ؟! ولِمَا ؟ هل ارتأى فيهِ خلاصًا قديمًا ؟

ولهذهِ المشاعرِ هي بمتجاهلة .. لتطردنَّ فكرةَ بقائهِ في عقَلها ما دامتْ فرصتَها في نيلِ النجاحِ مُحققة !

لامستْ أطرافُ أناملِ آليكوس وجنتهَا .. وسألهَا بقلقٍ شديد



- صغيرتي .. أانتِ بخير ؟



قبلتْ يدهُ كما يقبلُها الأمَراء ، إبتسمت إبتسامةً أخجلتهُ بشدةٍ تردفُ مطمئنة



- لا تقلق .. سيكونُ كلُ شيءٍ بخير .. كلُ شيءٍ سيكونُ بخير !



وكلُ هذا الدفقِ من المشاعرِ التي كُبتتْ على مرِ السنوات .. رؤيةُ إبتسامتهَا هذهِ مرةً أخرى

قد حرَّك فوجًا من المشاعرِ الحارقةِ في صدره ، أحبُ العائلةِ الذي ذبلَ في قلبهِ يعودُ مجددًا

ألا يا يبابُ لا تطفق هكَذا .. ما كانَ قلبُ هذا البشرِ الواهنِ بمتحملٍ مشقةَ البُكاء !

وتقاتلتْ الدموعُ منصبةً من أعينٍ بندقيةٍ فاتنة .. تنهوي على وجنتينِ ورديتينِ كـ التوتِ البري !

مَا غيرَ الإبتسامةِ الهادئة أظهرتْ .. تؤولُ بالقلبِ إلى شاطئٍ آخر .. بعيدًا عن افكارِهَا السوداء

ارختْ رأسهُ على صدرهَا فضمهَا بقوةٍ مخرجًا .. كلَ ما تحشرجَ في قلبهِ من ألمِ عذابٍ كان قمطريرا !




وحيُ الصمتِ الساكنِ قد بطشَ في الجسدِ الذي ما عرفَ السلام من حربٍ مستعرةٍ أبدية

هذا الإلهامُ بالبقاءِ حبيسَ العزلةِ الروحية .. جديرٌ بهِ أن يلقَى على من قرر إعتزالَ البشرية

والبقاء في كهنوتِ الله وحسبْ .. إذن .. كيفَ بمن هو مثلهُ أن يصلَ لحالةِ الصفاءِ الذهني ؟!

أيكونُ متحمسًا ؟ أم متنذرًا بشؤمٍ عتيق ؟ هو لا يدري حقًا .. وقد تصيبهُ رؤيا كما يتمنى

فيعرفُ حينها التفريقَ بين واقعٍ جلل و خطبٍ في سرٍ وعلنْ !

ولكنَ هذهِ الحالة ما اعجبتْ الذي للتو أدركَ خفوتَ الروحِ في سولومون الصامتْ .. وما ارتأى حكمةً فيه

فتجمعتْ بشريتهُ في حجرةٍ من حجراتِ قلبهِ الأربعة .. مصممًا على أن يدركَ ما يراهُ تابعهُ الوفي !

مدَّ يدهُ إليهِ لتستقرَ على الوجنةِ الدافئة .. بصوتٍ يُخدرُ الجسدَ ناداهُ من عزلتهِ الروحية مبتسمًا



- أيها الديلكتوس .. ما بهَا الروحُ تعومُ على أبوابِ السماء ؟



حركَّ إبهامهُ برقةٍ على وجنةِ سولومون .. الذي عادَ لهُ الوعيُ بسرعةٍ مرعبة

احسَّ بإستقرارِ اليدِ الباردة لسيدهِ على وجنته .. وضعَ يدهُ فوقهَا مغمضًا عينيه مُجيبًا بإمتعاض



- قليلٌ من الخلوةِ الذاتية غير مضرَّةٍ سيدي .. خاصةَ وأنَّ سلب روحٍ

كـ روحِ جاكسون فوتلين .. لهو نذرٌ كانَ عليَّ مضمونًا !



ابعدَ القائدُ الأعلى يدهُ بخفةٍ ولا يزالُ مبتسمًا .. والروحُ الفارغةُ إلا من الفراغِ تستوطنُ منهجَ الخديعةِ

مختارةً .. وما أُكرهتْ قبله سدومُ على المعصية ولا عمورة ولا حتى صبييم !

فلمَا بابل لا تزالُ تقرعُ الماضي ماحقةً الحاضر ؟! أبذنبِ الشيطانِ والنمرودِ هو يخطو الخُطا ؟

ربمَا لا .. وربما نعمْ .. فكلُ ما يشيرُ إليهِ طريقهُ هو الإنهيارُ الذاتي لوسمٍ قديمٍ بالذبحِ والإنكارْ !



- ولسوفَ تسقطُ الأممُ تباعًا .. مخلفةً بابلَ القديمَة مزينةً بالعارِ ذاته

وربمَا .. يكونُ لوسيفر هو قائديَّ في هذا .. مسيرةٌ بشرية مُخطئة !



وقد فكَّر مسبقًا بأفكارٍ قبيحة .. هو الذي ظنَّ أن سلخَ البشريةِ ما كان جزءًا من الخطة ،

عايَنَ سولومون جدالًا في قرارةِ سيدهِ فـ إنتصبْ واقفًا مما اثَار أنظارَهُ إليه

على ركبةٍ واحدةٍ جثى يقبضُ كفهُ أمامَ قلبهِ مُغمضَ العينينِ يعلنُ الولاءَ طواعية



- لتنهارَ السبعُ أراضين ، لتسقطِ السماءُ وتطبقَ الأوبئةُ على البشرية

لتندثر هذهِ الأممُ تباعًا كما اندثرتْ قبلها سبأُ و بابل .. ولكن إعلمْ

أن أندثاري منوطٌ بكَ أنت .. أنتَ من قيدني بولاءٍ سقيم

لأكوننَّ تابعكَ وسائرًا على خطاكَ ما دام في جسدي عرقً نابض

لولائكَ أنا بمُحِب .. ولتمجيدِ ذكراكَ أنا بقائمْ .. فلا فرضَ في الدنيا

عليَّ أنا .. غيرُ إتباعِ من اتخذتهُ سيدًا .. ولو عصيتُ لأكوننَّ من أوائلِ

المندثرين واحقُّ علي بإن ألقى في الجحيم !



قد إهتزَ كيانُ القائدِ الداخلي .. على الرغمِ من أنَ لا تغيرَ في ملامحهِ الهادئةِ ظهَر

دنى قليلًا من الجاثي على ركبتهِ ورفعَ ذقنهُ بأطرافِ أصابعهِ مبتسمًا بخبثِ الشياطينِ والدنيا

بهمسٍ ما سمعهُ إلا سولومون أردف



- وفُلكي هذا ما كان بُفلكِ نوا من شيء .. ولكن إن كنتَ أنتَ راكبه

لأبقى الخمسينَ والتسع مئةِ عامٍ في بنائهِ ما دمتُ حيًا !



وقد إبتسمَ الشيطانُ الأخرسْ بينهمَا .. وصعدتْ ضحكاتُ إنتصارٍ مقيتَة لم يسمعاها نحو السمَاء

فهمَا كانا إثنين .. إلا أنَ الشيطانَ .. كان ثالثهُمَا !






[ بعد عدة ساعات ]

ليلة الأربعاء – 45 : 8 مساءً




وصلَهَا الإتصالُ ممنْ خفقَ قلبُهَا لذكرهِ مؤخرًا .. فـ حدثتهُ ببرودٍ ما استعصَى فهمهُ عليه

لقنَها كُلَ التعليماتِ مختتمًا جملتهُ بقولٍ شيطانيٍ زمهرير



- أحادثُكِ بالتي تظنينَ حُسنهَا .. لنصرٍ أكيدٍ أتوق .. وإلا فلا مجالَ لروحكِ في الصعود !



قد سائهَا كلامهُ المقيتْ ، مشيرةً إلى أنَّ الصعودَ الذي تحدثَ عنهُ ليسَ إلا تهديدًا بالوعيد !

لما عليها أن تعلقَ معهُ في هذا .. وهي التي توقفتْ ظاهريًا عن تنفيذِ أعمالِ الحكومة ؟!

تنهدتْ تستقطبُ الحديثَ من جوفهَا مُرغَمَة



- لكَ ما تريد .. ولا تهددنيَّ بالوعيدْ .. لستُ خادمةً لكَ ولن اكون .. سولي !

- سولي ؟!!



إبتسمتْ ضاحكةً بشماتةِ العفاريتْ .. بعنينِ غائرتينِ نحو الشرِّ الحقير .. أكملتْ مستمتعة



- ألا يعجبك ؟ دلعٌ وغنجٌ أقدمهُ لكَ على طبقٍ من ذهب .. إغتنمِ الفرصَة سولي

فهي لا تأتي مرتين !



وقد تبسَّم مستاءً ينوي قتلهَا حقًا قريبًا .. هذهِ الطفلة ذاتَ الأربعة والعشرينَ ربيعًا !!

إستأنفَ الحديثَ بإضمارِ قليلٍ من النشوةِ بينَ سطورِ الكلماتْ



- إذن لديكِ ساعةٌ لتنفيذِ المُهمَة .. إن فشلتي يأتي دوري

وإن نجحتي .. حسنًا .. لديَّ من الأمورِ ما يرضيكِ .. حتمًا !



وما ارتاحت - ولن تفعل – لحديثٍ مستهجنٍ كريه !

زفرتْ بقوةٍ جعلتهُ يقطبُ حاجبيهِ مستعلمًا عن السبب فإذا بها تجيبُ قبلَ صدوحِ كلماته



- صوتكَ هذا يلهيني .. دعني أنفذ مهمةً بغيضةً بقلبٍ متوازن .. سولي !



إزدادَ تقطيبُ حاجبيهِ ولم يفهم – أبدًا – ما تعنيهِ هي بهكذا كلماتٍ مُبهمة

تجاهَل مقولتهَا وابتسمَ بقوةٍ يحاورُ عقلهَا دونَ قلبِهَا



- دعيني أرى .. براعَة إبنةِ ويليام .. العزيزُ الذي فقدتهُ بغتةً ولا يزالُ

حيًا في نظري أنا .. الذي ما نسيَّ المغزى من ذلك قط !!



وهي التي تهتاجُ بَرْطَمَةً كُلمَا .. راجعتْ ماضيًا لا يزالُ بخططهِ قائمًا لهذا اليومْ

فـ أوقفتْ أحيحَ روحهَا .. انتهزتْ الفرصَة فـ استنطقتِ الفمَ الراجفَ بهدوء



- وإن كان ثمنُ ذلك رؤيةُ حُمرةِ عينيكَ مجددًا .. فـ ربمَا .. لن يكونَ كريهًا جدًا !



باتَ لا يفهمُهَا حقًا .. أغلقَ الخطَّ في وجههَا دون أن يهتمَ فباتتْ هي تضحكُ كمن أسدلَ

القمرُ عليهمْ من جنونِ الليل شطرا .. وياليتهُ ما كان شطرَ الحبورِ لجنونٍ احقَر من الحياةِ المسلوبة !

بعدمَا إرتدتْ لباسَ دراجتِهَا النارية الخاصْ إتجهتْ مباشرةً للمواقفِ المخصصةِ للمركباتِ

أسفَل البنايَةِ التي تحوي شقتَهَا ، فامتطتَهَا .. دراجة [BMW S1000 rr] غاليَةَ الثمنْ بلونِ عاقرَ دُجنَة الليل عتمتةً و أصيلا !

الخوذةَ وضعتْ .. وانطلقتْ تجرُ ما عزمَ على الإضمحلالِ من النفسِ البشريَة نحو الهاويَة

كما فعلتْ في ليلةِ الأربعاء قبَل تسعِ سنواتْ .. فـ سلبتْ نفسًا .. وامتطتْ التفضيَل على مشاعرِ القلبِ الرهيف !

تذكّرتْ العنوانَ الذي ذكرهُ سولومون لهَا قبل دقائقَ خلتْ ..



- في الساعةِ 30 : 8 سيكونُ اللعين متجهًا لفندقِ الـ [ هوليداي إن ] الواقع في شارعِ لندن القديم بإتجاه EC1V 9LN .. كوني هناكَ في الوقتِ كي تقتليهِ بسرعة !



تنهدتْ متمللةً من هذا البغيضِ الذي يزعجُ قلبهَا ذِكرهْ .. صوتهُ يصدحُ مكررًا نفس الكلماتِ مرارًا

ربما ستقررُ إنتزاعَ دماغِهَا عبرَ فتحاتِ أنفهَا كما فعلَ الفراعنَةُ قبلهَا .. من يدري ؟!

وقد إلتفتْ في الشوارعِ بسرعةِ 120 ميلًا في الساعةِ مثيرةً جلبةً غير محببَة !

متجاوزةً كل السياراتِ في الشوارعِ السريعَة كي تشقَّ طريقهَا نحو الفندقِ بأسرعِ ما يمكنَها !

وردهَا إتصالٌ عبرَ الهاتفِ الذي زودت بهِ خوذتهَا الخاصَة السوداء ، ضغطتْ على زرِ الإجابَة بجانبِ الأذنِ

وأستمعتْ لصوتِ شاهان محدثًا إياهَا بغضب



- أينَ أنتي أيتهَا البلهاء ؟! لقد وصلَ جاكسون إلى الفندقِ للتو ! أسرعي !

- أنا على بعدِ دقيقتين .. ماطلهُ بأي طريقةٍ حتى أصلْ !

- ماذا ؟!!



اغلقتْ الخطَ في وجهه ، زادتْ من سرعتهَا وقد قررَ شاهان المجازفَة وإثارة بعضَ الجلبة في المكانْ

فـ ركضَ مسرعًا أمام جاكسون فـ أرتطمَ بهِ موقعًا إياه .. رجلٌ في نهايةِ الأربعيناتِ من عمره

بنيُ الشعرِ أسودُ العينين .. ذو بنيةٍ رياضية ومظهرٍ مهيب !

سقطَ الإثنانُ فصرخَ الحراسُ الشخصيون لـ جاكسونْ مرعوبين ، وقف شاهانْ وساعدَ جاكسونْ

على الوقوفِ مبتسمًا ببلاهةٍ مصطنعة معتذرًا



- آسفٌ يا سيدي ! كنتُ في عجلةٍ لأن زوجتي على وشكِ وضع مولودنا الأول !



إبتسمَ جاكسون رغمَ الغيضِ الذي اضمرهُ في نفسهِ وقبِلَ إعتذار الشابِ المجهول



- لا تقلق .. عليك بالإسراعِ لحيثُ زوجتُك !

- ش-شكرًا لك !



إبتعدَ شاهان حالمَا شاهد هايسانث تدنو مرتديةً فستانَ حفلاتٍ احمر قصير وتضعُ من

مساحيقِ التجمل ما لائمهَا وفتنَ قلبَ كلِ من شاهدهَا .. إلا أنهُ صرخَ ببلاهةٍ في داخله



- كيف فعلت هذا في بضعِ دقائق ؟!!!



وقفتْ أمامَ البوابةِ التي تخصُ الفندق وقد اخرجتْ بطاقةَ الدعوةِ للحفلة التي تقامُ اليومَ في الفندق

وقفتْ بجانبِ جاكسون متظاهرةً بتفاجئهَا الشديد



- يا إلهي ! السيد جاكسون فوتلين ! مرتْ فترةٌ طويلةٌ جدًا !



بأنوثةٍ بحتة رددتَها وبقي جاكسون ينظرُ إليها معجبًا ومتعجبًا .. سألَ بفضول



- هل اعرفكِ أيتها الآنسة الجميلة ؟!



قرَّبت يدها من فمها وضحكتْ بخفةٍ تجيبُ بغموض



- يالكَ من مشاكس .. تنساني بهذهِ السرعة ؟ لم تمرَّ سوى تسعُ سنواتٍ وحسب



قطبَ حاجبيهِ مستفسرًا



- ماذا ؟! تسعُ سنوات ؟



تظاهرتْ بدوارٍ مفاجئ .. وكادتْ تسقطُ إلا أنهُ امسكَ بهَا فـ استغلتْ الفرصةَ وأخرجتْ

مسدسهَا المزود بكاتمِ صوتٍ .. واطلقت مباشرةً في منطقةٍ حيويةٍ قاتلة

أجابتْ بإحتقارٍ شديد



- إبنةُ ويليام و أسيدانس كونتس ايها اللعين ! كيف تجرؤ على النسيان ؟!



سقطَ على الأرضِ وسطَ ذهولِ الجميع ، فيما حاولَ حُراسهُ الشخصيون أن يتحركوا إلا

أن رصاصاتٍ متتالية من قناصٍ على أحدِ السطوحِ قد قتلتهم جميعًا .. خلال أقلَّ من دقيقةٍ واحدة !

وهم لمْ يكونوا بـ الكثيرين .. أربعةُ حراسٍ وحسب !

توقفَ شاهان عن إطلاقِ النار متنهدًا ببلاهةٍ شديدة ومحدثًا نفسهُ بصوتٍ عال



- الأعمالُ الصعبَة تُرمى علي دائمًا .. يا سوادَ حظي اللعين !



أغمضتْ هايسانث عينيهَا بهدوء .. ثم رفعتْ رأسهَا ترمقُ سولومونْ الواقف على سطحِ مبنى

منخفضٍ قريبٍ من الفندق بجمود .. كان يبتسمُ إبتسامةً فاتنة .. فاتنةً بحق

وقد خلعَ قبعتهُ بيدهِ ووضعها على صدره محنيًا رأسهُ بإحترامٍ لهَا .. مما جعَل وجهها ثليجيًا غير مكترثٍ حقًا

تجاهلتهُ سائرةً نحو دراجتهَا بأسرعَ ما يمكنهَا .. قبلَ أن تأتي سياراتُ الشرطةِ والحكومَة

وقد إتصلتْ بـ شاهان قبل أن تختفي فقالتْ لهُ ببرود



- أحسنتَ العمل ، حريٌ بكَ أن تكونَ فخورًا بقدراتِ التصويبِ لديك !



وكم شعرَ بالفخرِ والغرور .. وقد شمخَ أنفهُ عاليًا في السماءِ كما انفُ بينوكيو !

وهي .. فقط قد باتتْ تجولُ في المدينَة .. واثقةً من أن سولومون سيغطيَّ الفعلةَ كاملةً بنفوذهِ الكبير !






[ بعد ساعات ]

قبل الفجرِ بساعتين




ما استمالَ شيءٌ هذهِ النفسَ التي يمتلكُهَا .. وما عرفَ قط قحطًا أشدَّ فتكًا من قحطِ المشاعرْ !

وقد المَّت بهِ الذكرى كلمَا تذكرهَا .. الكيانُ السائرُ وسطَ لهيبِ النيرانْ !

أغمضَ عينيهِ بقوةٍ كبيرة يرجو محو هذهِ الصورةِ بكلِ ذرة إيمانٍ يمتلكُهَا .. الأمرُ الذي ما استطاعَ فعلهُ ابدًا

وقد باتَ يرمقُ راحةَ يدهِ بعمقٍ وكره .. يرمقُ أثرَ الحرقِ فيهَا .. بخمولٍ وشرودٍ شديدينْ

آهٍ من تلك الذكرى .. وألفُ آهٍ من ذلكَ اليوم البغي !

كمْ فسُدَ من عملهِ قبلًا ؟ .. وهو بكونهِ فريدريك شال هاتريكْ .. ما ارتكَبَ إلا ما عرفهُ صحيحًا

يتسائلُ دومًا .. لما لا توجدُ ذرةٌ من المشاعرِ في هذا القلبِ النابض ؟ مشاعرٌ لهُ نسيهَا

قبل أوانِهَا بكثير .. ولولا الحقدُ لكان محى ذكرهُ من نفسهِ ابدَ الدهرِ وما بعده

ولكان معلقًا على حبلِ المشنقةِ رقبتهُ الخاصَة .. متحللًا من كلِ وزرٍ على عاتقيه

إلا أنهُ وفي خضمِ الليل ورحمهِ مولدِ الوحوشِ يقفُ أمامَ قبرِ ويليام محدثًا إياهُ كما لو كانَ من الأحياء



- لو كانَ بإمكاني قتلُكَ لفعلتُ يا ويليامْ .. لفعلتُ منذُ امد.. وهذا القبرُ لأدمرنَّهُ كي أصلَ لذلك

ما بقيَّ في هذا القلبِ حبٌ من بعدِ ذاكَ اليوم .. كرهي لكَ قد بلغَ أشدهُ

كما اينعت الثمارُ وآن اوانُ قطفهَا .. سأدمرُ إرثكْ .. وأمحو ذكركَ وذكرَ الخيرِ فيك

هذا هدفٌ علمني إياهُ الشيطان .. وانا لهُ بمتبعٍ لآخرِ الزمان !



قررَ الرحيلَ .. بعدما بقيَّ يناجي صاحبَ القبرِ لساعاتْ .. وضع وردةً سوداءَ على القبر

وسارَ غير مدركٍ للقائدِ الأعلى الذي .. سمعَ كل كلمةٍ مما قاله .. وقد سرّهُ الأمر

حتى باتَ يبتسمُ بلمعانِ الشرارِ في عينيه قابعًا في حياةِ جوفِ الديجور الاسودْ !






الساعةُ الـ 30 : 5 فجرًا

عند شروقِ الشمس




عبَر المُحيطِ الأطلسي شقَّت سفينةٌ تابعةُ للقواتِ الأمريكية طريقهَا صوبَ ميناءِ ليفربول

ما كانَ كيانٌ على قيدِ الحياةِ فيهَا مستيقظًا إلا هي .. التي تتوقُ للوصولِ لليابسةِ قريبًا

على مقدمةٍ السفينةِ وقفتْ .. والربَّانُ يحذرُهَا من خطرِ الإنزلاق .. فتاةُ الخامسةِ والعشرين

مجنونةٌ بحق .. بعينينِ زرقاوتينِ خاليتينِ تقريبًا من الإدراك و شعرٍ برتقاليٍ كما الشروق

لخطِ الأفقِ ترنو بعمق .. مراقبةً الشمس وطلوعهَا المهيب .. كم يخفقُ قلبهَا لهذا دومًا !

كيف أن النورَ يبددُ الظلامَ في النهارِ كما يبددُ الظلامُ النورَ في الليل !

هذا التعاقب .. يثيرُ نشوتهَا .. يحدُ من بصيرتهَا وقدرتِهَا على التفكيرْ .. مهيبٌ هو الكونْ !

ضحكتْ بإختلالٍ واضح .. تغني بقوةٍ كبيرة أغنيةً قديمة



Mary is dead .. I killed her "

To no one know I burned her

Mary was killed .. I killed her

To no one know .. I stained her

" ماري ميتة .. لقد قتلتُهَا

حتى لا يعرفَ أحد .. قد حرقتُهَا

ماري قد قُتِلتْ .. أنا قتلتُها

حتى لا يعرفَ أحد .. قد وصمتُهَا "



توقفْ تدورُ حولَ نفسِهَا مستمتعَة .. وتتذكرُ وجههُ الذي تعشقُه



- إيليا .. سأصلُ إليكَ قريبًا .. اعدك !



تعالتْ ضحكاتُهَا .. والربَّانُ الذي كان واقفًا خلفهَا .. خشيَّ حقًا على صاحبِ الإسمِ المعني !

داليا روبنسون .. عميلةٌ أمريكية .. تتوقُ بالفعلِ كي تبدأ مشوارهَا في بريطانيَا العُظمى





لا تدري لما قادتهَا قدماهَا إلى منزلهَا القديم .. أو اطلالهُ المحترقَة على أيةِ حال ..

بقيتْ واقفةً تراقبهُ لساعاتٍ طويلة .. كلُ هذهِ الأنقاض .. كلُ هذا الرمادْ .. لما لم يتمَّ إزالتهُ للآن ؟!

قد يكونُ طلبًا من إيليا الذي .. فضَّل بقاءَ كُلِ شيءٍ على حاله .. ليبقى الألم ويخلّدَ اليومُ الملعونْ !

ما تحملّتْ .. سيجارةً أخرجتْ وبدأت تدخن .. هذهِ العادة التي تركتهَا – بإعتقادها – لأجلِ المستقبل

يدُهَا ترتجفُ تحملُ السيجارةً وتنفثُ الدخانَ سريعًا من بين شفتيهَا المطبقتينْ

لا تدري سرَّ هذا الخمولِ الذي يتحركُ من جذعهَا العلوي وصولًا للسفلي .. جلُ ما تدركهُ وقائعُ حدثتْ وأنتهَى أمرُهَا منذُ زمنٍ طويل ..



- لقد وجدتكِ وجدتكِ ..



نطقَ بها ثُعبانٌ بينَ الأنقاضِ يجلس .. بسرعةٍ حولت ناظريهَا إليهِ ترمقهُ ببرودٍ شديدْ

إليوت الجالسْ وسطَ البيتِ المحترق متربِعًا يهتزُ في مكانهِ كـ البِنْدول !

كيفَ لم تنتبه عليه إلا الآنْ ؟! .. تسائلتْ في أعمَاقِهَا عن ذلك .. كما لو كانَ شبحًا هذا الفتَى

في لحظةٍ كانَ واقفًا أمامهَا .. يبتسمُ بعينيهِ الخاليتينِ من العقلانيةِ والإدراكْ

سألتهُ بلا إهتمامْ



- ما الذي تريدهُ ؟



عيناهَا الحادتينِ وإستعدادُهَا التامُ لقتلهِ أثارهُ حقًا .. ضحكَ بسعادةٍ بالغة يجيبُ بهز رأسه



- أتيتُ لأخذكِ هايسانث .. أنتِ لي لي !

- لك ؟



تسائلتْ غير مُكترِثةٍ على الإطلاق .. تنعي بذلك بقايا العقلِ – إن وجدت – في جمجمةِ الفتى أمامهَا

ما انتظرَ حينمَا ألقى بـ السِيجَارةِ من بين أصبعيهَا وجرهَا بقوةٍ معهُ ناحيةَ تلةٍ قريبة

ما قاومتْ .. وما شعرت برغبةٍ في ذلك أصلًا .. فـ اكتفتْ بكونهَا ماشيةً تُساقُ لحيثُ يريدُ راعيهَا !

توقفَ عند تلةٍ مرتفعَة .. اجلسَهَا بالإرغامِ وجلسَ بقربهَا ينظرُ لإمتدادٍ حقلٍ أخضرَ قريبٍ من الحيِّ الراقي

وفي ثوانٍ معدوداتٍ ارخى رأسهُ على كتفِهَا .. وشعرَ براحةٍ ما شعرَ بِهَا قبلًا قط

اغمضَ عينيهِ والسِنَانُ يستللُ إلى جفونهِ سارقًا وعيهُ الذي يحتفظُ بهِ بالكادِ في اغلبِ الأوقاتْ



- أحبكِ حقًا .. سرقتِ اللبَّ من عقلي ..

- وهل لديكَ عقلٌ من الأساس ؟



ضحكَ بخفة .. يلقي بثقَلِهِ كلهِ عليهَا مُجيبًا



- أنا كذلك .. اتسائلُ في بعض الأحيان .. إن كنتُ عاقلًا بذاتي أم لا !



لمعتْ عيناهَا .. وبقيتْ تستمعُ لبقيَةِ حديثهِ بوجومٍ تام



- وهذا البصرُ أُعطيَّ لي لسببٍ لا يُعرف كنهه .. اقفُ بين حشودِ الناسِ واتسائل

أانا مثلهم ؟! لما أنا مختلفٌ جدًا ؟! .. هذا الجنون .. هذا الإنفصامُ لما اصابني ؟

اكرهُ هذهِ النفسَ التي تسمى بـ إليوت .. واتوقُ لأتحررَ منها

يكرهُني الجميع .. ما تقبلني أحدٌ أبدًا .. إلا شخصٌ واحدٌ مات .. !

جميعهمُ يشيدونَ بجنوني .. يحاولون أن يفنوني من حياتي الفانية

أنا لستُ بوحشٍ كما يعتقدونني .. أنا مجردُ إنسان .. إنسانٌ خطى خطواتٍ فاسدة

ويحتاجُ للإنقاذ .. إلا أنَّ لا احدَ حاول إنقاذي .. ابدًا .. ابدًا .. وحيدٌ أنا على الدوام

وإن حاولتُ أن احب احدًا .. يتركني وسطَ الظلامِ وحيدًا .. خوى جسدي وخوتْ روحي

باتت الرياحُ تصرُّ وتخورُ داخلي بعواءٍ متألمٍ أليم .. أناجي بهِ كل من يسمعني

لما عليَّ أنا ان اكونَ وحيدًا .. على الرغمِ من أني أحب البشر .. احبهم جميعًا

لا اريدُ البقاءَ وحدي .. وحيدٌ أنا هايسانث .. يائسٌ من كلِ شيءٍ أنا .. أحتاجكِ أنا

إبقي بقربي ..



كم رثتْ لحاله .. وآلمهَا قلبُهَا لمصابِه .. دفعتْ رأسهُ برفقٍ إلى حضنهَا معانقةً إياه

وقد كادت تبكي حقًا .. لنبرتهِ الباكيةِ في هذا الإعترافْ .. ما عرفتْ بهكذا جانبٍ من إليوت قبلًا !



- إليوت في الواقع ..



اوقفَهَا واضعًا سبابتهُ على شفتيهَا .. مبتسمًا بإفتتانٍ تامٍ بهَا .. كفهُ على وجنتهَا وضع

ينظرُ لعينيهَا مباشرةً بهيامٍ تام .. حتى ودونَ أن تدركَ هي كيف .. قبلّهَا بحبٍ كبير

ما بادلتهُ هي تلك القُبلَة .. بقيتْ عيناهَا على جمودٍ قاتلٍ وحسب .. لحين إبتعدَ بإبتسامةٍ منكَسِرة

وأعقبَ بنيةٍ غريبة



- قد اقولُ وداعًا ولكني غير واثق .. قد أُعتقُ نفسي من كلِ شيءٍ

ولكني ضائع .. هايسانث .. تذكري إني عشتْ .. تذكري هذا الجانبَ مني

لا تنسي وجودي .. تذكري أن إليوت نايتمير كان حيًا يومًا !



رمى نفسهُ في حجرهَا دافنًا رأسهُ في صدرها بقوةٍ حتى التصقَ عبيرٌ عطرهَا بملابسه

بقيَّ هكذا .. لخمسةَ عشرة دقيقة .. وبعدهَا وقفَ منتصبًا .. وابتسمَ مودعًا إياهَا

وهيَّ فقط .. ما فعلتْ شيئًا غير التدخينْ !






وقد عادتْ للتوِ لا تدري .. ما الذي جرَى مع إليوت ذاك .. غريبٌ ما قامَ بهِ حقًا

أهو جادٌ بحبهِ لهَا ؟ أم هي مجردُ نزوةٍ عابرة ستزولُ بمجردِ رحيلهَا .. قريبًا ؟!

يضعونهَا في دواماتٍ لا خلاصَ مِنهَا .. هؤلاءِ المجانينُ اللذينَ لا تستطيعُ ان تمتَ لهم بصلة

ما دخلتْ الشقة .. تخشى ان يكونَ الأحمقُ سولومون قد تسللَ إليها مجددًا .. ما عادتْ تشعرُ بالأمانِ في منزلهَا !

ضربتْ رأسهَا مرارًا في أولِ جدارٍ شاهدتهْ .. حتى شعرتْ بصداعٍ قاتل ،

سمعتْ قهقهةً شامتةً حقيرة سولومونية ! .. إلتفتتْ بتكشيرةٍ مُرعَبة والآخر لا يزالُ شامتًا عليهَا

توقفَ عن الضحكِ حالمَا شاهدَ وجههَا .. سيصابُ بـ الكوابيسِ هذهِ الليلةَ بلا ريب

تنحنحَ مغيرًا الموضوع وقد حبسهَا بيدٍ واحدة عند الجدار ، سألتْ بسخط



- اصبحَ حشري عادةً عندك أليس كذلك ؟



إبتسمَ إبتسامةً فاتنةً يميلُ رأسه مُجيبًا بسلامٍ داخلي



- من الممتعِ حشرك .. تبدين كـ حشرةٍ ضعيفة !



ضاقتْ عيناهَا .. ركلتهُ بقوةٍ إلا أنهُ تفادى الركلةَ بإن تراجعَ القهقرى للخلفِ مُسرعًا

ضحك مستمتعًا وقد بدا الأمرُ مضحكًا لهُ حقًا



- جيد جدًا .. حاولي ضربي اكثر !



إستفزهَا هذا .. فتوقفتْ تحكُ رأسهَا كـ المجانينِ و تضربُ رأسهَا في الجدارِ بقوة !

جاءَ محاولًا إيقافهَا .. فـ أشتعلتْ أعصابُهَا نارًا وما كانَ منهَا إلا أن لكمتهُ بقوةٍ على وجههِ

مسببةً لهُ كدمةً حمراءَ مؤلمة .. لأولِ مرةٍ صرختْ بعصبيةٍ مُضِحكَة



- لا تقترب مني أيهَا المُتحرش وإلا قاضيتكَ قريبًا !!



دلفتْ لشقتهَا .. وسطَ إتساعِ عينيهِ المصدومتينِ وملامحهِ المضحكةِ الجامدَة

فجأة صدحتْ ضحكاتهُ المستمتعة .. مستمتعٌ بحقٍ هو ، آلمهُ بطنهُ من الضحكِ فـ استندَ

على الجدارِ بيدهِ والأخرى على بطنهِ تقبع ، تورّدت وجنتاهُ بشدة

و قد بقيَّ يضحكُ لقرابةِ الخمسِ دقائق .. حقًا كان سعيدًا .. لأولِ مرةٍ من فترةٍ طويلة



- هايسانث .. المستقبلُ بين ايدينا .. وما في إنائنا لا ينضحُ ابدًا للحياة !





على سطحِ بنايةٍ شاهقةِ الإرتفاعِ بقيَّ ينظرُ لمدينة لندن الكبيرةَ .. اصواتُ الحياةِ فيهَا

كأزيزِ الذبابِ الذي .. لا يكفُ عن إزعاجهِ ابدًا .. كانَ حريًا بـ بريطانيَا أن تسقطَ قبل قرونٍ سحيقة

حريٌ بـ التاريخِ أن يسجِّل واقعَ دمارِهَا .. ان يناشدَ ملائكَة العذابِ كي يفنوهَا

هذهِ الأرضُ المدنسَة ، قوامهَا على الدماءِ قائم وحيواتُهَا على المعاصي باقيَة .. يجرهُ

الألمُ كثيرًا كي يفكرَ بـ واقعِ الحياةِ التي يعيشهَا .. لأي مدًى سـ يبقى الواقعُ يضربهُ بسوطهِ الحاد ؟

وهل لأزيزِ الذبابِ هذا من نهايةِ قريبة ؟

العلاقةُ الطردية بين الدمارِ والنجاح والتوافقُ الغريب بين الغربانِ والحياة .. أغريبٌ هذا المقال ؟

سكينةٌ مزيفةٌ في عروقه .. تعريفٌ خاص لمعنى الإنتقامِ ينضحُ في روحه

آه .. هذهِ الروحُ الممزقةُ لأشلاء .. هذا الإعتكافُ في محرابِ الضحايَا المنكوبينْ .. ولكم من قبيلةٍ

هي التي تستوطنُ عقلهُ الآن .. وكلُ واحدةٍ فيهم تخبرهُ برأيَها عن المنال ؟

آلافُ الأصواتِ في عقلهِ تترددُ على الدوام .. حاثةً إياهُ على خطبٍ واحد .. على الرغمِ من الإختلافاتْ !

وقد إتفقَ العربُ على ألا يتفقوا .. كم ينطبقُ هذا المثلُ عليهِ وعلى نفسهِ الغارقة في مستنقعٍ موحل

يتمرقُ بالوحلِ تدريجيًا .. حتى تختفي معالمُ إنسانيته .. إبتسمَ بالشرِ مجددًا

وقد نطقَ بهدفهِ الحقيقي صارخًا :



- بريطانيا !! دماركِ على يديَّ قائم .. سأمحقكِ من الوجود !!



ضحكَ ضحكات الشيطان .. بثَّ كلماتهِ عبرَ أحبالهِ الصوتية .. والقائدُ الأعلى

على دمارِ بريطانيا .. عازم !




[ ملابس هايسانث الخاصة بـ الدراجة النارية ]




دراجة [ BMW S1000 rr ]





[ سدوم وعمورة ]


بحسب ما جاء في القرآن [بحاجة لمصدر] والعهد القديم هي مجموعة من القرى التي خسفها الله بسبب ما كان يقترفه أهلها من مفاسد وفق ما جاء للنصوص الدينية. القصة مذكورة بشكل مباشر وغير مباشر في الديانات السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية. يعتقد كثير من الباحثين وعلماء الدين أن القرى التي خسفها الله تقع في منطقة البحر الميت وغور الأردن. بحسب المصادر العبرية القرى هي : سدوم، عمورة، أدومة، صبييم. صب الله غضبه على هذه القرى وخسفها بأهلها حسبما جاء في النصوص الدينية، بسبب سوء خلقهم واتيانهم الذكور من دون النساء.

[ الديلكتوس | dilectus ٍ]
كلمةٌ لاتينية تعني حرفيًا : العزيز أو الغالي







الإسم : داليا روبنسون
الجنسية : أمريكية
العمر : 25 عامًا

نبذة : هي التي جسّدت جنونًا أنثويًا بحتًا ، مختلةٌ جدًا وتتوقُ كل يومٍ لمشهدِ الشروق !






__________________