عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 06-21-2015, 05:37 PM
 
Talking الفصل الثاني : آسف .. أمي








الفصل الثاني - الجزء الأول - : آسف أمي




آهِ يا قلبي
لا زالت الأحزان تتخذك مسكناً

قال بعد أن أخرج لسانه بعفوية " لقد أنتصرتُ عليك .. مرة أخرى " ،
لاحظ يمآدآ الشرود الظاهر على وجه أعز أصدقائه فلم يفعل شيء سوى
السكون ، لكنه وضع اللعبة جانباً و أمسك بيد يوموميرآ " لا تحزن يوموميرآ
أرجوك " ، أستسلم لدموعه و قال بين شهقاته " لـ لكن كـ كيرو ! " ،
ضغط على يداه أكثر و مسح عليهما بحنان " أنا أثق بأن كيرو سيعود مجدداً ،
أرجوك لا تحزن " ، مسح ما تبقي من دموعه و قال له " ما رأيك لو نلعب
بلعبتنا المفضلة ؟ " ، حرك يومويرآ رأسه بالموافقة و قام متوجهاً لدورة المياه
القابعة خارج الغرفة .


أغمضت عيناها البنيتان ثم أزاحت ثقل ظهرِها من على الباب الخشبي
و أنسحبت بهدوء للأسفل تاركة الحلوى الشهية بالقرب من الباب ، و
إبتسامة لطيفة حزينة ظهرت على وجهها ، فتح الباب بهدوء نظر متمعناً
إلى الحلوى القابعة خارجاً ، نظر مجدداً إلى داخل حيث يجلس يمآدآ و قال له
" يمآدآ أنظر إنها حلوتك المفضلة " ، جلس بالقرب من يمآدآ و نسي أن
يمسح بقايا الدموع المتحجرة ، كما كانو يفعلون قديماً يأكلون الحلوى و يمرحون


" واحد .. إثنان .. ثلاثة .. .." أنهى عده خلال عشر ثواني و ما لبث أن
أزاح رأسه المسند على حائط الغرفة الخشبي ، بدأ بالبحث بهدوء في أرجاء
غرفته بحرصٍ شديد خشية أن يصدر صوت يجعل يمآدآ يهرب من مخبأه أين
ما كان ، جال بنظره في أرجاء الغرفة الزرقاء الواسعة و بحث تحت فراشه
البحري فلم يجده و بحث أيضاً بمكانه المعتاد للأختباء أسفل سريره فلم يعثر
عليه ، قرر الطفل ذو التسع أعوام بأن يبحث خارج غرفته ، و بالطبع قبل أن
يخرج لم ينسى التفتيش خلف الستائر الرمادية و داخل الأكبات ، لا زال محافظاً
على خطواته الهادئة فوق الأرضية الخشبه متوجهاً نحو مُلاذه الأخير داخل المخزن
الموجود في الممر بين غرفته و غرفة والديه ، مد يديه ليفتح الباب و لسوء حظه
جاء النداء من الطابق السفلي " يـــمآآدآ ! ، لقد أتت والدتك لإصطحابك " ، فُتح
الباب بشدة فأرتطم أنفه المسكين بمقبض الباب " آآخ مؤلم " ، أراد وضع يداه
ليتحسس الألم لكن يد ذلك الفتى كانت أسرع لتزيل الدماء التي هطلت من أنفه
بقميصه الزهري " آنـا آسـ سف لم ألحظ وجودك " ، توردت وجنتاه خجلاً
" لا بأس يمآدآ " ،لكن ما لبث أن قُطع تأملهما بصوت الخطوات القادمة من
الأسفل " عزيزي يمآدآ .. لقد تأخر الوقت لنذهب الآن " ، أطلق أبتسامته
المعهودة بعد أن أزاح يديه من أنف يوموميرآ " حاضر ماما " ، أنتبهت للدم
السائل من أنف صديقه فأنحنت لتصل لقامته و أخرجت من معطفها منديلاً زهرياً
" أنت تنزف من الجديد .. مالذي حدث هذه المرة ؟ " ، أجابها بعوفيته
" لقد كان حادثاً " ، " هكذا إذن .. أنتبه لنفسك جيداً" ، أبتسم بهدوء لكن الدماء
أبت إلا أن تظهر لتفسد إبتسامته ، أطلقت ضحكتها الرنانة من جوفها و أردفت قبل أن
ترحل مع ولدها " أحتفظ بالمنديل عزيزي يوموميرآ " ، "حسناً " ،
" أنا حققاً آسف يوموميرآ " قالها مودعاً و هو ينزل السلالم مع والدته


" لمَّ العجلة فلورينآ ؟ .. لقد أعددت لكِ قهوتك المفضلة " قالتها مخاطبة لمن على وشك
الرحيل ، " أوه عزيزتي كلورينآ .. لازلتِ تتذكرين قهوتي المفضلة " ، " بالطبع يا فتاة ! ..
لقد كنا أفضل صديقات في الماضي " ، " كم أحن لتلك الأيام العذبة " قالت جملتها و هي
تخفي حزناً عميقاً ثم أكملت " لقد تأخر الوقت الآن .. لذا سأقبل دعوتك في المرة القادمة " ،
" كما تريدين عزيزتي أنتبهي لنفسكِ جيداً " ألتفت للطفل الصعلوك و قالت موبخة " أما أنت
فلا تخرج من غير إستأذان " ، فقال مجيباً و على ثغره إبتسامته المشاكسه " حاضر .. في
المرة القادمة سأعلق الرسالة على الباب " ، أخرج فمه بعفوية قبل خروجه أما هي فتنهدت
من جديد وقالت " حقاً لا فائدة "


تأمل ظلمة السماء بعيناه الحمراوتين بعد أن أسترق النظر إلى تعابير وجه والدته الهادئة
" أمي ؟ .. هل أنتِ غاضبة مني " ، أبعدت خلات شعرها الحمراء المتطفلة وقالت
بإبتسامة حانية " أبداً .. بني " عادت نظراتها تتأمل الأشجار المغطية بالثلوج و الشوارع
الخالية من المارة بينما هو أكتفى بالصمت مُراقباً يديها الدافئة الممسكه به


***

خرج للتو من عيادة الطبيب البيطري حاضناً الجرو المسكين ، تحسس فروه الأبيض
بدفء فشعر بوجود شيئاً يلف على رقبته " أبي أنظر يوجد طوق حول رقبته " ،
أمسك الوالد بالجرو و أخرج الطوق المختبىء خلف الفراء تمعن جيداً في القراءة
فنطق أخيراً " السكآندر يوموميرآ – 299 - 1950 .. سوف نُعيده في الصباح "


***

تأمل سقف غرفته المرتفع ، و لا يعلم مالذي يحزنه أكثر أبتسامة حزينة من صاحبه
المقرب أم قسمات أمه الهادئة بلا تعبير ، تقلب عدة مرات على سريره الأرجواني لعل
النوم يتسلل إليه ، لكن دون فائدة فلا زالت تلك الذكرى تمنع جفناه من النوم !

ذكرى ~ قبل سنة ~

يومٌ مشمسٌ منير ، خرج من المحل العاشر على التوالي و الإحباط مرسومٌ على وجهه
اللطيف " لم يعجبني شيء " ، قالت والدته بإبتسامة " لا بأس عزيزي لنذهب للمحل
التالي " ، أما ذلك المرافق تصبب عرقاً من جبينه و أردف بتعب " لنعود للمنزل .. لقد تعبت " ،
تقدم إليه ذلك الطفل وقال ببراءة " أبي ، علينا الإسراع عيد مولد يوموميرآ في المساء " ،
بعثر شعره الأسود بضجر ثم نظر إلى براءة عيناه و نطق بأستسلام " حسناً إذن لنكمل قبل
الغروب " ، نظر من خلف الزجاج لذلك الجرو الأبيض الجميل المعروض للبيع ، فشد
على بنطال والده متحمساً " أبي أبي هذا الجرو ظريف " ، " إذن ما رأيك لو أعطيته
يوموميرآ كهدية " ، نطقت فلورينا " فكرة رائعة عزيزي " .


في طريق العودة تأمل أشجار الغابة التي تبدو عملاقة بالنسبة لحجمه الصغير ، قُطعت
سلسلة أفكاره برنين هاتف والده ، أعترت ملامحه بعضٌ من التعجب حينما رأى رقم
المتصل ينظر إلى طفله الممسك بالجرو تارة ، و تارة أخرى ينظر إلى ملامح وجهها القلق ،
أجاب بهدوء على عكس ما يخفيه في صدره " نعم سيدي ! " ، تبدلت ملامحه في ثوان
فأصبح أكثر جدية وقال بإنصياع " ماذا ! ، أنا قادم حالاً " ، أغلق هاتفه بسرعة و رحل
مودعاً زوجته " لقد أصيب العسكر بأمرٌ طارئ علي الرحيل " ، لا تخفي عليكم بإنه قلبها
أنقبض خوفاً ولكنها أكتفت بأبتسامة حزينة " أنتبه لنفسكَ عزيزي ريو " ، و كما كان يفعل
قبل رحيله يقبل ابنه و زوجته على جبينهما بدفء دائماً ، نظر إلى والده و هو يذهب عنه
بعيداً لم يكن يعلم بأنها ستكون أخر قبلة يحصل عليها من والده ! ، " أمي .. أبي ضابط
عسكري من الرتبة الأولى صحيح " ، تمسكت بيديه جيداً وتابعت مسيرها نحو المنزل
" نعم بني .. أبوك شخصٌ رائع "

~ عودة للحاضر ~


هبطت على غفلة دموعٌ حارقه على وجنتيه الحمراوتين ، كتم شهقاته ببطانيته بصعوبة
بالغة ، و من بين أحزانه ردد " أبي لقد أشتقتُ إليك "

بقيت متسمرة خلف بابه تمنع دموعها من أن تخذلها ، مع كل أنين يصدر منه يحترق قلبها
إحتراقاَ أشد ألماً من حرقة النار نفسها ! ، كيف لقلب الأم أن يبقى ساكناً و فؤادِها
يعتصر ألماً و شوقاً لوالده الراحل .









أيها القلب كفى !
أما الأن أوان النسيان ؟
ألم أقل لكَ بأن تنزع ذكراك من قلبي ؟
و تأخذ صورتك من عيني !
فما عدت بحاجة لألام الذكريات !




يُتبع ، قريباً





التعديل الأخير تم بواسطة فاطِمةه ; 06-21-2015 الساعة 08:39 PM
رد مع اقتباس