الفصل الثاني : آسف أمي الفصل الثاني - الجزء الثاني - : آسف أمي
طلع الفجر بهدوءه الساحر و الضوء الخافت يُنير السماء الصافية ، على الأقل لا زالت الغيوم تنعم في سبات تنتظرل شمسها لتحيطها من كل جانب ، أرتدى مُعطفاً أبيضاً دافىء ليغطي وجهه من لفحات النسيم و خرج بحذر من منزله نحو أدغال الغابة المغطاة بالثلوج البيضاء و لم يلتفت لتلك العبارة المكتوبة على لوحٌ خشبي منسدل من أعلى الشجرة مُغطى ببعض بقايا الثلوج [ خطر ! ] ، تقدم بخطواته المترددة نحو أعماق الغابة ، و كلما تذكر إبتسامة صديقه المؤلمة أزداد إصراراً للتقدم أكثر و أكثر و هو يهتف منادياً " كيرو ؟ أين أنت " ،قاربت أشعة الشمس على الظهور شيئاً فشيئاُ ، بينما عيناه قاربت على الإستسلام لنوم فلم ينعم بنوم هنيء منذ خروجه من منزل يوموميرآ ، شعر بأن الهواء العليل يزداد برداً فقرر التراجع و العودة في وقت لاحق ، ولكن من غير شعور قادته قدماه نحو تلك الزهرة المتراقصة مع أنغام الرياح ، تذكر سعادة والدته عند رؤيتها للزهور ، وفرحِها عندما كان والده الراحل يحضر لها باقة الزهور البراقة ، شعر بالدموع تحرق عيناه الناعستان و لكن هذا الألم لم يكن أقل ألماً حينما رآى دموع والدته لفراق أبيه ، أستمد قواه من ذكرياته و خطى خطوة للأمام فغاصت رجله اليمنى بين الثلوج و عندما هم بأن يخرجها خلعت فردة الحذاء ، كاد أن يبحث عنها لولا صرير الرياح التي بات يشتد مع خروج أشعة الشمس ،نظر للغيوم السوداء التي تقترب فعجّل من سيره نحو تلك الزهرة ، أمسك بها مندفعاً بفرح شديد ، و ما لم يكن يدركه هو أن ذلك الغصن الذي يحتضن الزهرة كان قريباً من المنحدر فهوى الغصن و هوى هو معه ! ، متمسكاً بزهرته *** فزعت من نومها و عرق جبينها ، أشتدت طبول قلبها من هذا الكابوس المزعج ، و من غير تردد توجهت نحو غرفته القابعة في نهاية الممر الطويل و قبل أن تطرق الباب وجدت ورقة معلقة ، كُتب عليها بخط طفولي [ أمي ، سأعود قريباً لا تقلقي ^^ ] ، من دون أن تتأكد إن كان فِعلاً لا يزال خارجاً أم لا ، حملت نفسها و خرجت حافية القدمين تصرخ بقوة " يَــــمـــــآدآ !! " و الدموع منهمرة على خديها ، تدافعت بخطواتِها نحو منزل يوموميرآ الذي يبعد عن منزلهم ستون متراً ، ولم تدرك بإنها لا زالت ترتدي ملابس النوم ، لاتقي حتى من لهفات الهواء ، و لكن كل ما كانت تفكر فيه يمآدآ و فقط يمآدآ كيف ستجيب على زوجها الذي أوصاها قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بأن تهتم به فهو فعلاً لم يرث شيئاً من والده غير تصرفاته الشبيهة له ، متهور دائماً و لربما كان هذا سبباً للقاء حتفه بين المواجهة التي حدثت مع الأعداء . *** عتابٌ أوجهه لكَ
يا من أخذت صفات ولدتك الشكلية
وأخذت مني صفاتي الفعلية ،!
والدتك ! ، يكفيها حزناً *** فتح عيناه الحمراء بصعوبة بالغة ، نظر لأشعة الشمس التي تسدل نورها على الغابة ، و لكن مالبثت أن أحاطتها الغيوم الرمادية حولها ، حرك جسمه النحيل محاولاً النهوض لكنه لم يستطع ، حمد ربه بأنه سقط على كومة الثلوج و إلا كان عِظامه الصغيرة متهشمة تهشيماً ، تحسس يداه فوجد بأنه لا زال ممسكاً بها – الزهرة الأرجوانية - ، رفعها نحو مستوى عيناه ، و مرت من خلال ذكرياته صورة والده ذو العينان الأرجوانية الواسعة ، و همس بعد أن ساحت الدمعه على خديه " أنا أسف أبي ! " ، أستسلم للنوم حاضناً تلك الزهرة ، سكنت تحركاته مع تساقط الثلوج ، أشتد أنين الرياح فراحت تضرب النوافذ و الأبواب مخلفةً الرعب في قلوب أطفال القرية . *** أستيقظت أثر صوت طرق الباب الهمجي و النداء من خلفه يصيح " يــمــآدآ .. يـمآدآ " ، تعجّلت في النهوض بعد إيقاظ زوجِها النائم بجانبها و خرجت لترى ابنها الصغير قد أستقظ أيضاّ ممسكاً بوسادته و النعاس في عينيه البحريتان ، طرقات الباب لم تجعل لها وقتاً للتفكير ، فركضت لتفتح الباب لتُصدم برؤية صديقة عمرها بشعرِها الأحمر المبعثر و شفتاها الأرجوانيتان من شدة البرد ،و تلك الملابس قصيرة الأكمام صاحت بخوف " عـ عزيزني فلورينآ ! " ، كان أخر ما سمعته منها بعد أن أغمي عليها " يـ يـمـ مآدآ "
فتحت عيناها لترى بأنها بغرفة ليست بغرفتِها ، و على سرير ليس بسريرها ! ، وضعت يدها على رأسها الذي يؤلمها بشدة ، و ما إن تذكرت – يمآدآ – فتحت عيناها على مصرعيها و أمتلأت بؤبؤتها بالدموع حتى أصبحت الرؤية غير واضحة تماماً ، شلَّ لسانها عن النطق ، ورجلها ما عادت تتحمل الوقوف ، بينما هو لا يزال ممسك بوسادته البيضاء يشدها بقوة و الدموع على وشك السقوط ، ينظر برأفة لتلك المرأة التي تحاول الوقوف بجهد ، هتف بعد أن مسح دموعه " أمي .. لقد أستيقظت عمتي " ، ألتفتت لمصدر الصوت فخُيّل لها بأنها ترى ابنها يمآدآ ، من غير وعي وقفت تمشي اتجاهه ، سقطت على ركبتيها أمامه و حضنته بقوة ، يبكي هو و تجهش هي بالبكاء ، و القلوب منفطرة ، " يـ مآ د آ " غفت على كتفه بعد آخر حرف نطقته ، أما هو فأمسك بها و بكى بكى بحرقة ، أشد ألماً من فراق كيرو !
حركت – كلورينا - يدها على ذراعها الأخرى و نظرت للسقف بعد أن أغلقت عيناها حزناً ، كادت الدموع أن تسيل لكنها مسحتها بسرعة بعد سماعِها لصوت زوجها - ألكس - الهادىء عكس مشاعره المضطرِبة " لقد أتصلت بالطوارئ .. سأذهب أنا أيضاً للبحث عنه " ، أومأت بالموافقة و بعد رحيله أتجهت نحو صديقتها لتعيدها نحو السرير ، نظرت إلى ابنها الذي فعلها في مكانه من شدة خوفه " أُمـ مي .. يـ مآ د آ بِـ خـ يـ ر أليـ س كـ ـذلـ ـك ؟ " ، قالت بإبتسامة صنعتها بصعوبة بعد أن وضعت يدها على كتفه " أذهب للأستحمام .. سأعود لتنظيف المكان " ، رحلت و لم تجبه
أرتفع صوت رنين الهاتف ينشر صداه في الغرفة ، ردت بقلق بعد أن وضعت المنشفة جانِباً " مرحـ حباً " ، خبر نزل كالصاعقة عليها ، سقط الهاتف اللعين أرضاً ، و تاهت الحروف من شفاهِها و هي تنظر للمرأة الواقِفة أمامها " فـ فـ فلورينآ " ، قالت تلك المرأة بهدوء " أين يمآدآ لقد كان في الغرفة قبل قليل " ، لم تعرف ما تصنع غير إنها جثت على ركتبتيها و أطلقت تلك الدموع المحبوسة ، حرقة و آلم هذا ما كانت تشعر به – كلورينا - في تلك اللحظة .
من غير شعور جرت ، نحو الجثة النائمة على الثلوج أقبلت ، كأنه ينعم بالنوم الهنيء ، إبتسامته جمدتها الثلوج و زهرة أرجوانية مترنحة على صدره ، أوصاله مجمده و روحه غائبة ، أطلقت [ آهِ ] حسرة و ندماً ، رفض عقلها القبول ، جسدها أبى الإنصياع و الناس من حولِها يتهامسون " مسكين " ، " لا زال طفلاً " ، لم تعد تشعر بلون الحياة ، لم تعد تشعر بنفسها حتى !
أغمضت عيناه بيديها المرتجفتين ، حتى شهق شهقات متتالية " يمآدآ ؟ " ، زاد من نبرة صوته أكثر و أكثر و صرخ بغصة " أأنـــتَ يَمــآدآ ؟ " ، هوى على الثلوج هو و والدته و أكمل من بين الدموع " لمّ لا تجيب ؟ ، أنا يوموميرآ " ، حضنته بحزن عميق تشفق على حال صديقتها التي تُحاكي الجثة لكن ما من جواب يخرج منه
هدأت الرياح ، و لكنَّ المشاعر الفائضة أبت الهدوء ، تجمع الناس أكثر و أكثر تنظر بنظرات الشفقة و الحزن للملاك الصغير ذو التسعِ أعوام مُمدداً على الثلوج البيضاء ، من بعيد جاء جرو صغير بِفراء أبيض بعد أن هرب من الشخص الممسك به و صاح لاهِثاً بحزن على تلك الجثة كأنه يخاطبه ***
- ألا زلتُ على قيد الحياة ! - هي لا تكاد تشعر بنبضات قلبِها ، رحلَ و رحلت الحياة ، ذهبَ و ذهبت الأفراح ، نهضت لتجد نفسها في منزلِها – أكان حُلماً – تسائلت في نفسها ، فركضت مسرعة لنهاية الممرالطويل حيث غرفته هناك تكون ، لا زالت تلك الورقة مُعلقة على الباب ، لكنها كانت تامل بأن يكون كل شيء حلماً حلماً مزعجاً وكفى ، لكن سريره الخالي و الستائر المتمايلة لهبوب الرياح من النافذة المفتوحة أعطتها الجواب الصريح ، - لم يكن حلماً فلورينآ ، لم يكن كابوساً - ، قادتها قدميها لدخول مرة أخرى هي تصرخ كلما دخلت من بين شهقاتِها و آلمِها " ألم تقل بأنكَ ستعود ؟ "
تتبعت مصدر الصوت تاركة الكتاب التي تقرأه بهدوء نحو تلك الغرفة مجدداً ، كانت فكرتِها صائبة للمكوث في منزل فلورينا فهي تواجه وقتاً عصيباً " عزيزتي فلورينآ كفاكِ ظلماً لنفسك " ، " متى سيعود يمآدآ لأخذي ؟ " حضنتها برفق و مسحت على شعرها الذي كساه الشيب " عزيزتي ، لا تقولي كلاماً كهذا ، فهذهِ مشيئة القدر " ، غفت للمرة العاشِرة على التوالي على أحضان صديقتها ، تذكرت بحزن ابنها الراحِل منذ عامين كيرو ! ***
" ما الأمر كيرو ألن تأتي لزيارة قبر يمآدآ ؟ " قال خِطابه موجهاً نحو الجرو العنيد ، أفلت الجرو بقوة صاحبه و توجه بالقرب من المنحدر الخطير ، " هَيي كيرو عد بسرعة المكان خطِر .. تباً جروٌ عنيد .. أتسائل لمَّ أختارك يمآدآ " ، خطى بحذر ورائه وقد كان ذلك الجرو ينبش بين الثلوج ، أخرج حِذاءاً أسوداً من الجلد الفخم و قدمه ليوموميرآ وهو يحوم حوله في دائرة و يخرج لسانه ، قال مُحاولاً كتم أحزانه " أنه الحذاء الذي أهداه أخي الكبير ليمآدآ قبل عامين " ، جلس على الثلوج و نظر للسماء " كيرو .. يمآدآ أرجو أن تكونا بخير " ، حضر في ذهنه صورة أخاه ذو السابعة عشر ربيعاً و قد كان جندياً أيضاً كوالد يمآدآ ، بفضله تعرف على صديقٌ مخلص و وفي و بفضله رحل ! ، مسح على فراء جروه البيضاء و قال " أتعلم لون فرائك يشبه لون شعر أخي و كذلك والدي " ~ تمت ، بعونٌ من الله ~
ليتَ تلكَ الأيام هيَ من تعود
و ليس ذكرياتِهآ ،
[ لم أعد خائِفاً من الموت ]
اللهم صلِّ على محمدٍ و آل محمد ،
آلسسْلآإممْ عَليكُكممْ و رحممةه الله و بركَكآتهه
إن شاء الله صياماً مقبولاً و إفطاراً لذيذاً
قببل مآ أنسى
روايتي الثانية - قيد الكتآبةه ~ || لَــوْن آلتــفآح || ~
+
إنتقأأداتكم الجميلة |
التعديل الأخير تم بواسطة فاطِمةه ; 06-21-2015 الساعة 11:28 PM |