يا بني ، الكل في رحلتنا تلك مجروح وإن بدا لك غير ما ترى .. الناس تتفاضل وتختلف في إخفاء وجعها ووأده ، وليس بيننا من سلم من الجراح ، أو حُصن من الكدر..
وكل جرح يا بني به وجع ، وكل مصيبة يعقبها ألم .. بيد أنه شتان بين جراحك في سبيل الحق ، ومثيلتها في طريق الباطل ، الأولى توجع لكنها تُحتمل .. إن سلواك وقتئذ تكون كبيرة ، وطمأنينة روحك توفر لك الصبر الذي يخفف عنك ما تجد وما تلاقي ، أما الثانية - أعاذك الله - فلا احتمال لها.
جراحك وأنت تدافع عن الحق هو تذكير متكرر - مع ما به من وجع وألم - على أنك الإبن البار لحملة الحق طوال التاريخ ، أنت من نسل الأنبياء ، وسليل الصالحين ..
وتلك أربع لا تنس منهما شيئاً مهما طاش سهم تركيزك ..
اما الأولى ، لا تُعن أعدائك عليك ، لا تُعطهم من صفاء روحك بالتفكير في شذوذ تصرفاتهم ، ولا تُقرضهم من نبل موقفك بالنزول معهم في مستنقع الشر الذي ألِفوه ، ولا تُرح لهم بالاً بأن تريهم انشغال ذهنك بالتفكير فيهم .. لتكن سهام نظرك مشدودة نحو هدفك الأسمى ، وغايتك العظمى.
والثانية ، لا تُعن نفسك عليك ، تلك التي تخوفك ، وتبث اليأس فيك ، لا تدعها تُحكم سيطرتها عليك ، ستخاطبك في لهجة حنون أن رفقاً بنفسك ولتهنأ قليلاً ، لا تُصدقها أبداً ، كن أنت قائدها ، ومُسيرها..واعلم أن النفس خوانة ، غدارة ، وكثير من الناس حولنا ما أقعدهم عن نصرة الحق إلا نفوسهم التي خوفتهم من المخاطرة ، ومنتهم بالأمان والراحة والنعيم.
والثالثة يا بني ، أن الله غير غائب -حاشاه- إنه يُهمل ليتوب البعض ، ويُمهل ليستدرج البعض ، ويُهمل ليزيد الظالم في ظلمه حتى إذا ما أخذه جعله عبرةً ومثالاً ، لا يداخلنك اليأس من تأخر النصر ، ولا تستبطئ كلمة الله ، إن له في الكون تدبير ، وله جنود لا نعلمها ، وحكمة لا ترتقي لفهمها أذهان البسطاء.. كن وائقاً فيه ، متكلاً عليه ، مؤمناً به.
أما الرابعة ، فالابتلاء ليس عقاباً ، كما أن النصر ليس دليلاً على صحة الأمور ، ومن أراد الحق فأخطأه لا يتساوى مع من أراد الباطل فأصابه ، ومرد كل أمر إلى نية المرء ودوافعه ، فأصلح نيتك ، وتقبل بعد ذلك قضاء الله وقدره ، حلوه ومره .
الهزيمة للمؤلف كريم الشاذلي