{الفصل الثاني : ماذا الآن}
كانت سيرين تسير مع ذلك الشاب الذي يرتدي ملابس غريبة دون أي مُقاومَة تُذكر.
كان تفكيرها مشغولاََ بـ أين هيّ الآن بالتحديد؟
من المُفترض أن الطائِرة سقطت في نفس بَلدِها الأم وهي دولة ذات نظام جمهوري, لها رئيس لا ملك لكن كيف تُساق الآن إلي المَلِكَة؟
لا بُدّ إذن إنها في مكانِِ أخر, لكن أين؟!
كُل الدول المُجاوِرة جمهوريات أيضاََ, أيُمكن إنها سقطت في إنجلترا؟ لكن إنجلترا بعيدة!
لم تكُن تشعُر بجسدها علي الإطلاق حتي سُحِبَت من ذِراعها ما تحت الكِتف بقوة, كادت تنظُر للشاب مُتسائلة لولا إنها رأت موكباََ قادِم, فالواقع موكبين, واحِدُُ من جِهة الشرق والأخر من جِهة الغرب, لا بُدّ أنهُ جذبها كي يبتعدا عن الطريق.
لا تستطيع سيرين إنكار إنها أستمتعت بالمشهد, فرحة الناس, الموسيقي المعزوفة بالأبواق, الورود التي كانت تُقذَف.
أمالت علي شابة كانت بجوارها برغم كون يدها الأُخري ممسوكة بقبضة من حديد : ما مُناسبة هذا الإحتفال؟
نظرت لها الشابة بإستغراب : هل أنتِ غريبة؟! إن الأمير الأصغر جاء لأستقبال أخاه الكبير بعد عودته من البلد المُجاور وقد عقد الكثير من المعاهدات التي ستضمن لنا فالمستقبل الكثير!
كانت الشابة سعيدة بينما أخذت سيرين تُفكر من جديد وكأنها أُحجية. "بلد لها أميران أحدهما كان بالخارج, ما تلك البلد؟"
بدأ الأمير العائِد يظهر من بعيد علي حُصانُه الأبيض, شعرُه أشقر طويل ضارِب علي بياض قد رفعه لأعلي بربطة شعر بُنية , بشرة ثلجية ولم تستطع تبيُن لون عيناه حتي أقترب أكثر فوجدتها زرقاء كعينيها, لكن ما صدمها كان : يا إلهي! لوكي! مُستحيل! هل هذا لوكي؟!!
هُنا عَنفَها الشاب : تحدثي بإحترام عن الأمير لوكاس!
فنظرت له وعيناها متوسِعتان كمن يقول "هل أنت مجنون؟ أنهُ أخي!"
ما هي إلا ثواني وقد نزل الأميران عن أحصِنَتِهما وضما بعضهُما وكانت ما تزال عيونها مُسمرة علي المشهد الذي يحدُث أمامها نظراََ لأن الأمير الأصغر لم يكُن سِوي جوليو.
توجهت بكُل جسدها للشاب الذي يُجاوِرها : وهذا؟
نظر لها بسُخرية كمن يقول "ماذا تُريدين منه؟" لكنه أجاب بلا تفكير : الأمير جوليان
فجلست علي الأرض أو بالأصح سقطت وقد تربعت ساقيها : لقد أثر تحطُم الطائِرة علي رأسي! لا بُدّ أنني جُننت أو أني نائِمة في مكانِِ ما وأحلُم!
-ماذا بِها يا حارِس؟
رفعت عيونها للمدعو لوكاس بشك, هي لن تقفز وتضُمَه كما فعلت مع الحطاب, هذا أمير! قد تُقتَل! لكن كيف تُقتَل في حُلم؟!
نهضت بتثاقُل ناظِرة للشابة التي بجوارِها : لو سمحتِ أقرُصيني!
قالتها بإبتسامة عجيبة تنُم عن الجنون ليرُد الحارس : لا أعلم! جلالة الأمير, كانت طبيعية حتي رأتك, رُبما أصابتها ضربة شمس فأنا أسير بها منذ مُدة طويلة.
-إلي أين تأخُذها؟
-إلي المَلِكَة.
-إذن هيّ في طريقي! أعطني الفتاة وأنصرِف!
فعل الحارِس كما أُمِر بدهشة وأخذ الناس فالتهامُس وأشار جوليان لأخاه "ماذا تفعل بحق الرب؟!"
قال بدبلوماسية : لا تستطيع السير كل تلك المسافة, هل نقتُلها؟
ثم نظر لها بلا مُبالاة : أصعدي علي الفرس.
نهضت لتركب بِشَك ويركب خلفها!
ويسير حصانا الأميران علي خطين متوازيين.
__
تائِهة أم لا, لا تُنكِر إنبهارِها بالقصر, تلك أشياء تراها فالعُمر مرة!
الأبواب وحتي الحوائِط منقوش عليه ورود ذهبية, المكان مفروش بسجاد أزرق والمزهريات في كل مكان كذلك الحُراس وكأنهم جُزء من ديكور القصر.
كانت تسير بين الأميران, علي ما يبدو قد خشيا أن تهرب منهُما لكن حقاََ من بالغباء الكافي الذي يجعله يهرُب من أميران قد حظيا علي أعلي تدريب مُمكن؟!
كان جوليان يتجاهل وجودها أو حتي أعتبر رأسها البرتقالي وسادة لمرفقُه! بينما يتحدث لأخاه.
لم يُزعجها قصر قامتها يوماََ كاليوم!
___
أنحني لوكاس علي رُكبة أمام المَلِكَة بإبتسامة : سينامون! أيتُها الجميلة, قد أحضرت آه..
تلعثم وهو ينظُر لسيرين لا يدري حتي لماذا تُريدها والدتُه! فهو كان بالخارِج لشهور! ليهمس لهُ جوليان : أبنة العرافة!
ليُتابع بنفس الإبتسامة : أحضرت أبنة العرافة كما أمرتِ جلالتكم!
كادت تقفز المَلِكَة عن العرش عندما رأته, أنهضتهُ عن الأرض لتضُمُه بسعادة مُتناسية المسرحية التي يدخُل بها دوماََ : حبيبي لوكاس! أشتقتُك كثيراََ!
وقف جوليان نافِخاََ وجنتيه بغيرة طفولية : أنا من سيُسافِر المرة القادِمة!
بدت السعادة جلية علي وجه المَلِكَة, الوجه الأبيض المُرصع بلؤلؤتان عسليتان ومُحاط بشعر بلون غروب الشمس!
أبناها أميران خارج القصر, فقط طفليها بداخلُه وهذا كُل شيء!!
كانت سيرين تُحارِب نفسها حتي لا تقفز في حُضن المرأة التي تكاد تكون نُسخة عن أُمها إن تغاضينا عن الأكليل الذهبي الذي توَج رأسها وتداخل في شعرها عند نهايتيه!
-بالمناسبة, لِمَ تُريدين تلك الفتاة؟
قال لوكاس هذا وهو يُشير إلي سيرين الواقفة بجانب جوليان الذي رفض تركها! وحدها.
-أوه! إنها أبنة العرافة وقد هربت من زنزانتها بالأمس.
هُنا صاحت سيرين : أي عرافة؟! وأي زنزانة؟!
تم تجاهُلها تماماََ ليُتابع لوكاس : لماذا سُجِنَت أصلاََ؟ لمُجرد إنها أبنة العرافة؟! هيّ لم تُمارِس السحر! لا يبدو عدلاََ يا أمي!
تعجبت المَلِكَة منهُ : نعم لكن..
قاطعها : أمي.. لقد أتيت من مكان المشانق مُعلقة في كُل أرجاءُه! للساحِرات!, كان هناك الكثير من الرماد!, لقد حرقوهُن بعد شنقِهن!
صمت قليلاََ كمن يُعيد تكرار الحياة في صدمة : لا أُريد أن نكون مثلَهم! هُم لن يُحارِبونا أبداََ لأنهم يُحارِبون بعضهُم!
فكرت المَلِكَة قليلاََ : ماذا كُنتِ تقولين قبلاََ؟!
لم تستَطِع سيرين إبعاد شفتيها عن بعضِهما لثانية, الساحِرات يُحرقن؟ ماالذي جري للدُنيا؟ : أنظُروا, لا بُدّ أن هُناكَ خطئاََ ما, أنا لست من هُنا! أمي ليست عرافة! وهيّ لم تُحرق!
قال جوليان بتلقائية : بلي حُرِقت مُذ عشرونَ عام!
قالت بعصبية : أمي ليست ساحِرة ولم تُحرَق!, فالواقِع أمي تُشِبِه أُمَك!! وقد سقطت طائرتي فالغابة وقابلني حطاب وَ..
هُنا تمتم لوكاس : هل كانت محبوسة طوال عشرين عام؟ لا بُدّ إنها قد جُنَت!
لكن جوليان كان مُطرِقاََ : هُناك حطاب واحد بالبلد, قد أعتزل الجميع الحِطابة وأشتغلوا بالتجارَة!
ردت سيرين بسعادة : نعم! جارود!
قالت أسم والدها تلقائياََ ليُتابع ناظِراََ إليها بغرابة : تقصدين جرين؟
بلا مُبالاة ردت : نعم هذا!
هُنا صفقت المَلِكَة ليظهر أحد الحُراس : أحضر جرين الحطاب!
جلست سيرين علي وسادة كانت فالأرض بتوتُر مُنتظِرة حضور جرين الذي لم تَدرِ بما سيُفيدَها !
بالتأكيد ستأخُذ المَلِكَة شِهادَتَهُ.
كانت تنظُر لحذائِها الرياضي الأبيض والخطوط الوردية التي عليه ثم تنظُر لأحذية الأميران البنية الطويلة حتي أسفل الرُكبة!
وإلي الجينز الأزرق الفاتح ثم.. هل هذا سيف المُتدلي من حِزامُه؟!
لَمت شعرها البُرتقالي علي الجانب الأيمن لرقبتها بتوتر وأطالت الحملقة فالأرض!
-ما هي الطائِرة؟!
أنتفضت من مكانِها ليُردف بسُرعة : أهدئي!
نظرت للوكاس الجالس القُرفُصاء أمامها وقد نزع سيفه واضِعاََ إياه إلي جوارُه وشعرُه ساقِط بين كتفيه علي الأرض خلفُه, هوَ وسيم, رُبما كانت لتتوتر أي فتاة في حضوره لكن.. ليس هيّ!
فهي لديها أخ نُسخة من هذا!!
-إنها شيء معدني... ضخم..
-معدني؟ ويطير؟
-أمم, بالمُحركات...
-مُحرِكات؟!
أصبحت في حيرة من أمرها لكنها كادت تُعاود الشرح لولا إنهُ وقف فجأة وقد ضاقت عيناه بحزم : لا تتحدثِ!
وصل أخيراََ جرين, كانت سيرين تُتابع الموقف كمن يُشاهِد التلفاز!
أباها وأمها يتحدثان برسمية! ما هذا الهُراء؟!
-إذن أنت وجدت هذه الفتاة فعلاََ فالغابة؟
-نعم جلالة المَلِكَة!
-هل رأيت.. جسم معدني ضخم؟
أطرقت سيرين تتذكر, لا بُدّ وسينفي! فقد قابلها بعد مسير ساعة من الطائِرة! وفعلاََ قالَ : لا!
-بإمكانك الإنصراف, شُكراََ لشهادَتِك.
أعطاها العجوز الحطاب أبتسامة صغيرة بادلتهُ إياها علي الفور وهوَ خارِج.
قالَ جوليان بمرح : حسناََ! هيّ ليست كاذبة! لكنها فقط مجنونة!
هُنا تابع لوكاس : لا تبدو كالمجانين أطلاقاََ! لقد رأيتها وسط الناس, ليست مؤذية!
زفرت المَلِكَة : هل تُريدون أخباري بتركِها؟
وضع جوليان يدهُ علي كَتِف لوكاس ليقولا معاََ : بالضبط!!
ليُكمل لوكاس بلا أهتمام موضِحاََ الواضِح : أنا الأمير لأن أمي المَلِكَة وهيّ ساحِرة لأن أمها عرافة!! تلك سَخافَة محضة وهُراء خالِص!
حل الصمت علي المكان حتي أشارت المَلِكَة سينامون لسيرين بصولجانِها أشارة لم تفهمها : أخرُجي يا فتاة! أنتِ حُرة!
لم تكد تُصدِق سيرين نفسها, لكن إلي أين تذهب وكل من تعرفهم هُنا؟ "هُم ليسوا هُم" ذكرت نفسها وهي تبتعد ببلاهة مُتعجبة من لين عريكة هذه المَلِكَة, الملوك ليسوا هكذا عادَةََ.
___
بعد أن أبتعدت سيرين عنهم همست المَلِكَة لجوليان : أذهب لأحضار (......) لديهم مهمة!
إلي من أرسلت الأمير بنفسُه؟!
___
وقفت سيرين أمام القصر تنظُر لأرتفاعُه وتنظُر للبلدة أمامها علي مد البصر, تلك البلدة التي لا تعلم عنها شيئاََ وكأنها ليست علي الخريطة.
نظرت لأعلي, مازال شكل السماء نفسُه ومازالَت الشمس نفسها.
تنفست بعُمق وقد أعطاها هذا شعور بالإطمئنان : علي الأقل مازلت علي كوكب الأرض!
دارت حول نفسها لا تدرِ أين تتجه لِتُبعثر شعرها : ماذا الآن؟!
-أنتهي الفصل الثاني. |
التعديل الأخير تم بواسطة imaginary light ; 09-22-2015 الساعة 06:26 PM |