عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 07-21-2015, 10:50 PM
 

{الفصل الثالث : أقديسٌ أنتَ أم مُذنِب ؟ }

في مكانِِ يبدو كسِرداب, خافِت الإضاءَة باهِت لَون الجُدران وقف أربعة شُبان يتدربون, إثنان مُلاكمةََ وإثنان مُبارَزَةََ.
صاح شاب ناري الشعر بأخر بحري : أوشين! لستَ تُبارِز طفلاََ!
ليرُد عليه صاحب البحر كشعر! عابِثاََ : أعلم فلايمور! حتي الأطفال لهم أسلوب مُبارَزَة أكثر أحتيالاََ! هل يُمكِنَك أن تكون أكثر وضوحاََ في حركاتَك؟!
رد صوت ثالِث كان يُتابِع الحوار : هيه! لا يُمكن أن يكون فلايمور بهذا السوء, أعني, أنظُر إلي كلاود! أكاد أسقُط نائِماََ في مكاني!
تلقي عُشبي الشعر بعد جُملتِه هذه لكمة أسقطتهُ أرضاََ من فتي يبدو أصغر منهم جميعاََ تلون شعرُه بلون الغيوم .
-كلاود! هذا مؤلم!
-أنتَ من طلبها جريستن!
نفض عُشبي الشعر المدعو جريستن ملابسُه ناهِضاََ بإبتسامِة مُتحمِس ليُعاوِد التدريب!
فالواقِع لم يكُن أياََ منهم سيئاََ, علي العكس كانوا جميعاََ مُحترفين بِكُل حركة.

وسط ضجيجهم هذا تَربَعَ شاب خامِس أرضاََ, مُغمِضاََ عيناه, يتفادي ركضهم وقفزهم حولُه بِسهولة مُثيرة للريبة مُعاوِداََ تمرينُه الغريب الذي لا يفهمه أحد المرة بعد الأُخري بصبر وتركيز عاليان يوحيان للناظِر وكأنه يستمع لنبض قلبُه أو همس أشباح من عوالِم أُخري!
قد تجمعت بعض قطرات العرق علي جبهتُه بينما سقط البعض الأخر من نهايات خُصل شعرُه الفاحِمة , حاجِباه مُقضبان.
كفاه ملفوفان بِشاش أبيض تماماََ كقدميه, قد وضعهما علي رُكبتيه المُتواريتان في بنطال أسود جلدي بهدوء.
لا شيء يدُل علي إنّ نفساََ تسكُن هذا الجسد! سِوي حركة خفيفة لِصدرُه المكشوف تكاد لا تُلحَظ!

فتح عينيهِ الزرقاءِ فجأة كمن أستفاقَ مِن الموت : أحدهم قادِم! علي الأرجح الأمير جوليان, نفس خطواتُه.
سحب قميصاََ جلدياََ أسود بلا أكمام أو أزرار من علي حقيبة رملية تستخدم فالركل.
ألقي فلايمور السيف من يدُه بملل : إغتيال مُجدداََ؟
رفع أوشين حاجِباََ : أحد السياسيين الفسَدَة ؟ !
سُمِع صوت جلوس فحمي الشعر أرضاََ ليرتدي حِذاءََ ذو حِبال لكن لم تكُن حركة أحدهم يوماََ بالشيء الذي يوقف تحاورهُم!
قفز كلاود ناهِضاََ عن الأرض التي كان قد أوقعهُ عليها جريستن : أتمني! لا أدري كيفَ يُصدِقهم العامة! ولا كِلمة واحِدة تخرُج من أفواهِهم تمُت للصِدق بِصِلة! كُل همُهم الإطاحة بالمَلِكَة!! كِلاب مسعورَة!!
أرتكز جريستن بمرفَقُه علي كَتِف كلاود كعادَتُه حين ينطِق بشيء أكيد فلم يعترض ثلجي الشعر : العامة, إن وافقوا السياسيين علي سخافتهم فسيجنون علي أنفُسهم! ولن يجدوا اللُقمة بسقوط المَلِكَة!
سادَ المكان صمتٌ لثواني حتي إنهم توقفوا عن الحركة إلا من أزرق عيون يرتدي قُفازاََ جلدياََ فوق الشاش الأبيض غطي طول نصف الأصبع.
-لاندرين!
أتي صوت جوليان المرِح ليتقدم لاندرين بإبتسامة صادِماََ! ذراعُه الأيمن بِذراع الأمير الأيسر كنوع من السلام المُتعارَف عليه بين كليهُما.
أستمرت الثَرثَرة السعيدة حتي : مُهِمة من المَلِكَة نفسها ؟ !
أومأ جوليان بجدية دون النُطق بِكَلِمَة ليُردِف لاندرين : حسناََ, سألحق بِك!
دار الأمير عائِداََ من حيثُ أتي في حين قام لاندرين بإرتداء معطف أسود طويل مُلحقٌ بِهِ قلنسوة كبيرة قد أسدلها علي رأسُه فلم يبين منهُ بسببها سِوي أنفُه وفمُه.
ضَحِك فلايمور : راهب مُجدداََ ؟
ظهرت إبتسامة جانبية علي شفتي لاندرين الدقيقتين لا تنُم إلا عن إمتعاض قوي : تعلم, اُناس هذا الزمان يُبالِغون في مُقت السَحرَة وكذلك! يُبالِغون في تقديس الرُهبان!
قال هذا وقد أحاطتهُ هالة غريبة من الظُلمة تجعلك تتساءَل ما إن كانت القلنسوة التي أرتداها مُجرد قلنسوة عادية غير مسكونة بكائِن غريب, شبحٌ مثلاََ!وقد تلبسهُ للتو!
تعجب أوشين : تتحدث وكأنك مِن زمن أخر!
هنا تمتم جريستن : أو أسوء! تتحدث كمُتنبيء!!
تابع كلاود جُملتُه : وتعلم ما يُفعل بهؤلاء!
غمغم لاندرين : ألم أقُل للتو أن هناك خطبٌ ما بِهذا الزمن!

مشي خارِجاََ عن السرداب وخلفُه الأربع شُبان الذينَ أختفوا! ما أن لمسهم ضوء الشمس كالنينجا! وبقي وحدُه سائِراََ.

___

ركَعَ شابٌ مُتَشِحٌ بالسواد علي رُكبة أمام الملِكَة ليظهر خلفُه أربعة شُبان أخرون من اللا مكان : الحُراس الخمسة بقيادِة لاندرين الثاني في خِدمة جلالتكُم!
-هناك فتاة, برتقالية الشعر أريد منك التأكُد إن كانت ساحِرة أم لا, لن يكون إيجادُها صعباََ فهي ترتدي ملابِس غريبة!
صمت لجُزء من الثانية, هوَ لا يؤمِن بهُراء القديسين والمُذنبين هذا الذي يُقال في كُل مكان, الجميع في زمانِهم غير معصومون وهذا كُل شيء بالنِسبة له! لِمَ لا يستطيع أحد فهم هذا ؟ !
أراد الرفض, لكنه قال "أمر جلالتكم!" بصوت خالِِ من المشاعِر أو لنقُل أراد تصفيتُه من المشاعِر حتي لا يخرُج كصوت شخص فقد شهيتُه للطعام للتو ويُريد التقيوء!

تلك المُهِمة "لا تُناسِبُه البتة !"

___

لم تكُن تري بوضوح فقد سارَت ليومين متواصلين بدون طعام أو شراب أو حتي توقُف!
كانت لتدفع كل ما معها في سيارِة أُجرة! لكن أين هيّ السيارَة؟
بدأت تقتَنِع إنها بالفِعل بالماضي, لكِن كيف ؟ !
غمغمت لنفسها : رُبما تلك العاصفة كانت عاصِفة كونية؟
سألت لترُد علي نفسها بنبرة معتوهة نوعاََ ما كغولوم من مملكة الخواتم! : أجل أجل! عاصِفة كونية! وقد سقطت الطاقة الكونية عليَّ لتنقلني عبر الزمن!

لم تكُن سيرين من مهوسي سِلسِلة "حروب المجرات" ! والأشياء من هذا القبيل لكنها أحتاجت تفسيراََ! وَبِسُرعة! وإلا فقدت عقلها المُتعب الذي يدور في حلقة مُفرَغَة مُنذُ ساعات!
وإن لم تفقد عقلها فإن الصُداع يؤدي وظيفة جيدة فالفَتكِ بِهِ!

تلقفتها فجأة شابةٌ من كتِفيها حين كانت تسير بترنُح كالسُكاري لِتَضُمها بدورها بعد نظرة علي وجهها : لورا! كم أنا سعيدة برؤيتك! أنا متعبة جِداََ!! لن تُصدقِ ما حصلَ لي!!
قاطعتها الشابة أخيراََ بعد أن توقفت عن اللهث فقد جاءت لها راكِضة : أسمي لورانس! لكن هذا لا يُهِم الآن!, جميع نِساء القرية لا يُريدون الإعتناء بشقيقيَّ! حتي اُحضِر المياه من النهر وأنا لا أستطيع تركهما وحدهما! ولا مياه فالمنزل مُنذُ يومان!
كانت سيرين ترمش مُحاوِلة إبقاء عيناها مفتوحتان وقد لاحظت الفتاة هذا, رُبما لهذا أختارت غريبة مثلها؟ لإنها تضمن إنها لن تخطِف الطفلين ورُبما لأنها تستطيع تنويمهم بالإيحاء؟!
نطقت لورانس فجأة : إذن؟
نظرت لها سيرين بلا فِهم لِتُعيد : أتُجالسينهما فقط حتي أعود؟
ردت سيرين بإبتسامة خفيفة مع العيون المُتعبة : أجل أجل! أي شيء للورا!

فجأة وجدت نفسها تتربع الأرض أمام منزِل بسيط وعلي فخذيها طفلان! : أنتُما توأم؟
قفز أحدهما : أنا موري! وهو مارو!
نظرت للطفل الأخر مُحاوِلة تبيُن الإختلاف لكن لا جدوي : كلاكُما أسود الشعر؟
سألت بغباء ليميل كُل منهُما برأسُه في جهة : ههه بالطبع كلاكُما أسود الشعر! كلاكما أرجواني العينين كلورا؟ أعني لورانس!
ضيق الطفلان عيونهما بصمت في مُحاولة لِفهم سيرين : لا تهتما!
رُبما كان الإختلاف الوحيد بينهما أن موري مفرط الطاقة ومورا؟؟
طفل؟ قد تشبث بها مُعطيها إحساساََ وكأنها أصبحت "أم الأولاد" فجأة!
-ماذا! هل ستنامين؟! لقد أتفقنا أنكِ ستحكين لنا حِكاية!
-حسناََ! أجلِس بهدوء كأخيك!
لم تكُن سيرين تذكُر أي حِكاية من حكاوي أمها لها في وقت النوم لذا قررت إختلاق واحِدة : كان ياما كان في.. حديث الزمان!
-قديم الزمان؟!
-أنا لا أحكي الماضي!
-إذن ماذا تحكي؟
همست لهُ بنُعاس : المُستقبل!
ما هيّ إلا ثواني حتي أصبح الطفلان ينظُران لها بإنبهار كما لو كانت الشمس ذاتها! وتُشِع جمالاََ : وماذا فعلت سيرينا بعدها؟!
-أسمها سيرين! أستقلت الحافلة!
-ما الحافلة؟
-تُشبه السيارَة لكن أكبر!
-السيارَة؟
-إنها وسيلة نقل!
-حِصان؟

أطرقت لثانية تُفكر فالرد التالي فرأت شخصاََ ظنتهُ أول الأمر عفريتاََ! فقد كان مُحاط بالسواد من كُل الجهات, يستند بقدمُه وظهرُه علي حائِط قديم مُقابل لهم وفي يدُه كتاب عليهِ علامة الصليب!
راهِب؟ لا ليسَ راهِباََ! من المُغتالين ؟! تذكرت من التاريخ الذي كانت تدرُسُه أن المُغتالين كانوا يتنكرون في زي الرُهبان!
أستفاقت من نُعاسَها بِهَذا! , هدَأت نفسها "تسبقينُه بخطوة"
تابعت التفكير , هل تأخُذ الأطفال وتهرب الآن؟ لا! سيبدو واضِحاََ إنها هربت بعدما رأتهُ! عليها الإنتظار قليلاََ إذن؟ ماالذي أحضرَهُ أصلاََ إلي هُنا؟! لا بُدّ وإن مذبحة علي وشك الحدوث!
أعادت النظر للطفلين لتجدهما يؤلفون حِكاية اُخري.
-سيرينا ساحرة!
تابع أخاه : إبنة العرافة!
توسعت عينا سيرين, لا! ليس هذا! أكان يجب فعلاََ أن يؤلفاها هكذا؟ الآن سيبدو الأمر وكأنها الساحِرة, فهِمت سيرين في تلك اللحظة أن ذلك الشاب لم يكُن في تلك القرية لأمر غيرها!
أعادت النظر إليه فوجدته يقترِب منهم! تباََ! لا بُدّ وإن التُهمة قد ثبُتَت عليها الآن!!

نهضت بسُرعة تحمل مارو في حُضنها وتسحب موري من يدُه مُبتَعِدة عن القرية!
بعد قليل من المشي بالخطوة السريعة تعثر موري في حجر فعادت للخلف لِتُنهضُه فأرتطمت جبهتها بشيء أسود صلب, أتسعت عيناها في شيء من الجزع وقد خرجت ضِحكة خفيفة من صدر المُغتال متبوعة بـ : ستأتين معي!
قالها وقد جَذَبَ ذِراعُها ما تحت الكتِف بقوة!
-أنتظِر! سأشرح لك! أنا لستُ ساحِرة! أنا من المُستقبل!
ضَحِكَ ساخِراََ : صحيــ..ح!

لِسَبَبِِ ما شعرَت وكأنهُ مألوفٌ فطرقت قلنسوتُه بسبابتها اليُمني بلا تفكير لِتسقُط وينكشِف وجهُه!
صُدمت بينما تسمر في مكانُه فلم يسبِق أن أخترَق أحدٌ مساحتهُ الشخصية بِهذا الشكل! فالناس عادَةََ يتجنبون الرُهبان إحتراماََ, من تكون تلك الفتاة؟!
نطقت سيرين بِبُطء : رين؟!
لِتُكمل مُحاوِلة التظاهُر بالطبيعية : لم أعلَم إنَكَ فظَاََ!
أضاءَت عيناه وأعني أضاءَت حقاََ!
فَعقد حاجبيه بِشَك : لاندرين! هوَ أسمي!
أشارَت علي عيناه بصدمة أكبر : أنت! ماالذي حدث للتو؟!
أيُمكِن أن يكون سبب أخفاءُه لعيناه أمر أكبر من مُجرد التنكُر؟!
إزداد أستنكارُهُ لها, هوَ أُرسِل ليُحقِق في أمرِها وليس العَكس!

أتت لورانس علي عجل لتضع دلوان من الماء من يديها : لماذا أبتعدتِ عن القرية؟!
أشارَت سيرين علي قطعة من الفحم : كُنت أهرُب من هذا!
-مِمَ؟ الراهِب؟!
-هوَ ليسَ راهِباََ! هوَ مُغتالٌ!
صدقتها أم لم تُصدِقها قد دعمتها بلا شَك! : هيه! أترُك صاحِبَتي!
قالت هذا وقد جذبتها من يدها إلي جوارِها, لورا أم لورانس أنها نفس البلاهة!

أخذ يُفكِر, إن لم يترُكها فسينكشف تنكُرُه وإن تركها فقد تركها!, رُبما يجب عليه إرسال الشُبان في أثَرِها وسيكون من السهل إمساكُها ما أن تُصبِح وحدها!
جز علي أسنانُه بصوت لم يسمعُه أحد : لِهذا لا أُحب التعامُل مع الأهداف التي يُفترض أن تبقي من الأحياء!
هم بِتركُهم لولا : موري؟! أين موري؟!

أخذت سيرين تتلفت حولها كصقر يبحث عن فريستُه, وكادت تُقَسِم ثلاثتهم في ثلاثة جِهات للبحث عن موري بِرَوحِها القَلِقَة, لا عِلاقة للأطفال بكُل هذا الهُراء!!
لمحتهُ في أعلي تلة مُرتَفِعة نسبياََ لِتَركُض له.
كانَ تحتُها شلالاََ يصُبُ في بُحيرة كبيرة.
أقتربت بحذَر : موري حبيبي تعال هُنا!
وخلفها لورانس ولاندرين جامدان في مكانيهما خشية مِن إخافتُه فيتراجع للخلف أكثر ويسقُط!
-أخي! أستَمِع إليها!

سارَ بخطوات صغيرَة إليها لِتَنكسِر الأرض تَحتَهُما! وتأخُذُه في حُضنِها ويسقُطا معاََ!
لم تتوقف سيرين عن السقوط بعد لمسِها المؤلم للماء كصفعة! بل تابعت للصخور المُدببة فالأسفل ليدخُل أحدها في ظهرِها خارِقاََ بطنَها!
وتملأ دِمائَها البُحيرَة وقد طَفي موري وسطها علي سطح الماء!

-نهاية الفصل الثالِث.

التعديل الأخير تم بواسطة imaginary light ; 09-22-2015 الساعة 06:30 PM
رد مع اقتباس