إستحلَّ الإنحطاطُ قلبهُ مذ وافتهُ شياطين الموتِ , لم تعد لهُ حياةٌ يَملِكُها
إسمهُ يُسقى بدم قتلاه , هيّمَت غشاوة سوداء على عينيهِ وأغطية صمّت أُذُنيه ..
لا يسمعُ حشرجاتهم , صرخاتهم وغوثهم .. أيّانَ لهُ ذلك وقد إبتاعَ الظُلمةَ منه .
كأيّ صباحٍ كان , وكما إعتاد يفعل عادةً .. كأسَ النبيذ لا يُفارِقُ راحة يدهِ
تُقَدَمُ كلُّ انواع الأطعمة إليه وهو الجالس على مائدة الطعام الطويلة تُناسِبُ
حديقةَ قصره الفخمة , أنهى وجبتهُ .. مُكَلِماً بعدها كبيرَ خدمهِ وذراعه الأيمن
ــ [أكويا]! إلغِ جميع جداول اعمالي اليوم , فهو يومٌ خاص جداً !
ــ سَمعاً وطاعةَ .
إنصرف فور إعتِدالهِ في وقوفهِ , والأخر تبسّمَ بخبث , تداعتْ خصلات شعره
السوداء أماماً بنسيمِ هواءٍ بارد , غطّى عينهُ اليُمنى بكفهِ , وقد أُحيلتْ نظرته للكرهِ
الدفين , همسَ مُخاطِباً نفسهُ : من التالي يا تُرى؟
__
قبل عدّة ايام ..
أحياء فقيرةُ المباني , بعيدة كل البعد عن الحال الجيّد , دلفتْ شابة في مقتبل العشرين
الغرفة , ترتدي ثياب شُبهَ رَثّة .. وفي طريقها للرف المقصود حيّتْ أخيها القعيد
إبتَسَمتْ لهُ : أمير , أبي كلّم اخي اليوم , قال إنّه بحال جيدة , كم أحسده يستطيع الدراسة خارجاً
بينما أنا محبوسة في جدران هذا البيت القديم والفقير !
لم ينبس بحرف , فقط بادلها الإبتِسامة .. هي لم تذق معاناته كي تعرف معنى البأس ..
تحسدهُ على شيء تكرهُ فعله , تركت المدرسة منذ المرحلة المتوسطة بينما سامر تابع الدراسة
واجتهد في عمله الجزئيّ حتى حصل على مُنحة دِراسية من جامعة في فلسطين ..
حرّك كُرسيه مُتجِهاً للخارج مُتجاهِلاً إياها , حكّت شعرها البنيّ الأشعث بِـ إنزعاج
أعادتْ الكؤوس على الرف الخشبيّ القديم , فجأةً سَمِعتْ صوتَ جرس الباب , إستغربتْ
قليلاً فوالدها لن يعودَ حتّى الغداء , وأمّها في العمل .. ليسَ هُناكَ زائرٌ لهم في العادة .
ترددتْ قليلاً في فتح الباب , فهي وأخوها وحدهما في المنزل ناهيها عن كون أخيها عاجز
في السير , إرتَدَتْ نِقابها ثم العبائة سائرة بتردد ..
وما إن فتحت الباب شَهُقَتْ , تسمّرت , مالذي يفعلهُ هُنا؟ .. إبتسمَ لها قائلاً بمرح
ــ ما بكِ أُختاه , هل هذا ترحيبٌ يليقُ بـ أخيكِ المسافر؟ الى متى سأبقى واقِفاً على الباب؟
أفاقتْ من شرودها , فنزعتْ النِقابَ مُدخِلةً إيّاه , هي لا تضمّهُ في العادة بل هو من يفعل
لكن لِمَ هذه المرّة إكتفى بالتحديق في أرجاء المنزل , وكأنّه باحِثٌ عَنْ شيء !
ــ أبي وامي ليسا هُنا , والأهم كيف لك أن تعود والعامُ لم ينتهِ ؟
ــ آه .. بشأنِ سؤالكِ فـ .. صحيح أخذتُ إجازة وأتيتُ لأراكم , مضى وقتٌ طويل .
شكّتْ في إجابته , التوتّر بادٍ عليه , يتحاشى النظر إليها ! دخل غُرفةَ آمير تارِكاً
إيّاها على عتبة الباب , حيّاهُ بصورة طبيعية , تبادلوا الحديثَ إلى حلول الليل وقد
سُرَّ والداهُ برؤيته .. وما أسعدهما هو خبر الرحلة لليابان .
هنئوهُ فرداً فرداً بتهللٍ فَرِحٍ في تعابيرهم بِـ إستثناء كوثر الّتي حاولتْ كبح جِماح
غيرتها وغيظها . وفيما حكوهُ .. ترسّلَ ابوه المسن في الحديث
ــ حقّاً أنا فخورٌ بِكَ , سيطُ إسمِكَ سيرتفعُ بين الناسِ يوماً ما , عندما تغدو طبيباً
ناجِحاً , لو كان الأمرُ بيدي لذهبنا جميعاً لليابان لكن التذاكر مُكلِفة .
ــ إن شاءَ الله , شُكراً لك أبتاه .. كُلّ هذا بفضل الله ثم أنتَ .. بالحديثِ عن التذاكر
فلديّ تذكرتان معي , إظافيتان منه .. [شيوا] قال أحظر من تشاء معك ..
صحيح هُناك إشاعات حولهُ لكن الإشاعة تبقى إشاعة , إذن من منكم يأتي معي
فأنا لم أكوّن صداقات قويّة في الجامِعة بسنغافورة , وأنتم أولى بالآياب ..
إنبلجتْ عينا كوثر , لو كان بيدها لقفزتْ صائحة "أنا اريد الذهاب" !
تمالكتْ نفسها قليلاً إلى إن أتى الفرجُ ونطق الأب : خذ كوثر فقط .
تسائل سامِر وليس شخصاً واحِدا من أراد : لِمَ وآمير؟ أعلم إنّهُ غير قادر على
المشي لكن هكذا ستذهب التذكرة الاخرى هباءاً ..
ــ هو مُرهقٌ والسفرُ يُرهِقهُ أكثر , لذا خذ كوثر فقط , فأنا وأمّك لا نريدُ السفر .
إنتهتْ المحاورة , فغادرَ كُلٌ لغرفته .. أوّصَدَ سامِر البابَ قطّب جبينهِ
ناظِراً بحنق , هكذا راحتْ إحدى الفرائِس لكن ما بيدهِ حيلة ..
همسَ بصوتٍ خافِتْ : كوثر او امير او حتى انا .. من يهتم! المهم سنُرضيه!
وبعدَ يومين إنطلقا للمطار , وكأيّ وداعٍ كان .
عادَ الأبُ للمنزل وحين همَّ بفتحِ البابِ , رنَّ صوتُ هاتِفه وكان المتصلُ الراحلُ
توّاً إلا وهو سامِر , أجاب مُتعباً من اجواء السيّارة
ــ سامر , هل حدثَ مكروه لك كي تتصل , لقد اقلعت طيّارتك الآن كيف لك المقدرة
على الإتصال؟
لم يفهم سامِر شيئاً , جلسَ على سريره بقلق
ــ أبي , ما الذي تتحدثُ عنه؟ أين سافرت , وأيّ طائرة؟
ــ الطائرة الراحلة لليابان , قلتَ إنّ المدعو [شيوا] عرض الرحلة عليكَ وأخذتَ
كوثر معك لإن شيوا أرسل لك ثلاث تذاكر , وقد إنطَلَقتْ طائرتك قبل عودتي للمنزل .
إرتجفَ بدنُ سامِر , هو لم يُخبر مخلوقاً بأمرِ الرحلة , كيف لوالدهِ أن يعرف!
ــ وكم مضى وانا في فلسطين معكم؟
ــ ما بك أسئلتك غريبة , لا اذكر كم بالضبط فأنا رجل كبير في السن , لكن يتجاوز
مدّة إسبوع على ما اعتقد .
ــ حسناً , في حِفظ الله .
أغلق الخطَّ في وجه والده , هو لا يريدُ سماع المزيد! خاطبَ ذاتهُ بعصبيّة
ــ لا ريب في كونه يُمازِحَني ! أسبوع؟ وأخذتُ كوثر , ما هذا بحق الله !
لم أغادر سنغافورة حتّى كي أرجع وانا في منتصف العام الدراسيّ , لكن لحظة!
ابي قال إنّ كوثر سافرتْ لليابان ومعي أنا؟ هُراء!
رمى الهاتفَ غاضِباً على سريرهِ , يكادُ عقلهُ ينفجرُ مِنْ شدّة التفكيرِ فيما قال
والده الذي لا يكذب وليس له هدفٌ من الكذب هكذا , هو لم يخطئ الرقم بالتأكيد .
عزم على السفر فـ هو لا يعلم مالذي ينتظرُ أُختهُ هناك ومع شابٍ غريب ليس هو!
___
^ ينفع مقطع للجني لو لأ؟
![ص7](images/smilies/tty.gif)
بلا ضحك ادري خايس والاسماء اخيس