.. اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
.. سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ..
امسك سايتو عود غزل البنات من عند البائع و قدمه لي ثم احضر اثنتين له و لنات
و بينما نحن نبتعد من المحل الذي اشترينا منه استوقفنا رجل قائلا بمرح
"صورة للعائلة الصغيرة ^__^"
أشاحت نات بوجهها بعيدا و سددت نظرات خجلة إلى الأرض بينما سعل سايتو بارتباك و وراح يحك وجنته بطرف سبابته
كنت أتوسطهما و انظر إليهما باستغراب إلى أن نطق المصور من جديد
ـ هيا انتم في وضعية مناسبة الأهل على الجانبين و الطفلة الصغيرة في الوسط لا تنقصنا سوى ابتسامة
رفع كاميرته و نظر عبر العدسة و هو يقول
سحبت كلا من نات و سايتو و أحطت ذراعيهما و ابتسمت للمصور
ـــ جيد جدا و الآن ابتسمووووا
لا أزال إلى حد الآن احتفظ بها !
حل الليل و كنا قد عدنا للدار حوالي الخامسة مساءا مع بعض التوبيخ الخفيف من قبل المالك, فهو لا يتجرا على معاقبة نات كونها ورقته الرابحة مثلما يظل يردد...
...تلقى الأمر مسبقا لكنه لن ينفد ..!!
انسل من بين الظلام و دفع باب تلك الغرفة فاستقبلته ملامح المغدورة و هي تغط في نوم ملائكي , اقترب منها و راح يوقظها بهدوء
فتحت عينيها ببطء لكن سرعان ما اتسعتا و هي ترى مارك أمامها, فسارع الأخير ليضع كفه على فمها مرغما إياها على الصمت
نظراته القلقة لم توحي بنوايا سيئة و لم ترى فيهما المكر فارتخت مستسلمة لما سيقوله :
و همّ ساحبا إياها فاستوقفته بهلع:
ـــ و لكن مارك .. إلى أين , لماذا أتيت ؟؟!
ـــ يجب أن نهرب من هنا و إلا سيقتلونك , سيصلون في أية لحظة!
فجأة تسللت إلى أعماقهما هفوات الرجال العابرين للحديقة و المتجهين صوب المدخل مباشرة, فهرعت من سريرها معه و لا فكرة لديهما إلى أين سيذهبان, شدته و قالت:
ـــ مهلا... يجب أن أحضر أختي !
ـــ مستحيل يجب أن آخذها معي!
و بينما هما يتجادلان في الرواق صدرت الخطوات الصامتة التي تتسلق درجات السلم فدخلا غرفة كانت فارغة و اقفلا بابها
فتش الرجال الذين وصلوا إلى الطابق الأول المكان غرفةً غرفة و امتدت يد احدهم إلى المقبض الباب الذي يخفي نتاشا و مارك و سرعان ما فتحه حتى تلقى ضربة قوية بعصي غليظة على رأسه أفقدته الوعي تماما, كان مارك قد وجهها له فور دخوله.
انتبه الرجال الآخرون للضجة فاتجهوا نحوها و هناك وجدوهما , لم يتراجعوا و لا خطوة كانوا كالآلات المبرمجة
"تخلصوا منها" هذا جل ما فكروا فيه و هم يهاجمونهما دفعة واحدة .
جهز احدهم مسدسه بكاتم الصوت و وجهه نحو المجموعة التي تسدد اللكمات هنا و هناك, ارتبك أين سيصوب إلى أن بان له كتف مارك فأطلق الرصاصة الغادرة لتصيبه و تمكن ثلاثة من السيطرة على نتاشا و افقدوا كليهما الوعي
تلقت عيناي منظرا لن أنساه أبدا , النيران في كل مكان تلتهم كل ما يعترض طريقها و مارك و نات يتوسطان هذا الجحيم الأحمر و من بين أوج اللهب صدرت تلك الصرخة المنبهة و محذرة
ـــ اهربي يا جوليا ... هيا اركضي بعيدا ... اذهبي...
فتحت عيني في المشفى و كل لحظة انحفرت في ذاكرتي ..
ترسخت في ذهني صرخات نتاشا و هي تطلب مني الركض و الهرب بعيدا , و الصورة المشوشة لمارك و هو يحاول جاهدا فك الرباط لا تفارق خيالي .
احترق الميتم بالكامل و نجا الجميع إلا أختي و مارك , لقد قتلوها الأوغاد, احرقوها , قتلوها بأبشع طريقة و حرموني من اعز إنسانة علي , فكرت كثيرا كيف سأعيش من دون نتاشا و هي التي كانت كل حياتي, مصدر اطمئناني و ثقتي و أختي الكبرى التي أحبها.
لأجد نفسي أتذوق طعم اليتم للمرة الثانية لكن بجرعة أكثر مرارة!..
و كم كنت ضعيفة , لم أتمالك أعصابي من هول الصدمة لما أعلموني بموتها و هذا ما أودى بي إلى أن أصبح احد مرضى المعالجين النفسيين في احد مراكز الأطفال , وقد تم الاعتناء بنا بعدما تدمر ملجأنا الوحيد ..
هناك من وجد عائلة للتبني و هناك من نقل إلى احد المياتم , أما بالنسبة للمالك فقد تم القبض عليه و سجن بتهمة استغلال الأطفال و القصر , و أنا انتهى بي الأمر هنا على الأقل أفضل من الزريبة التي كنت فيها .
لم تكن جلسات العلاج تفيد بشيء , بقيت قليلة الكلام , قليلة الأكل و كأنني صرت من جنس اللاموتى
إلى أن تلقيت زيارة من احدهم...
لم أتوقع أن أراه مرة أخرى , آخر مرة كانت يوم جنازة نتاشا و مارك , دخل علي و قد بدا من حالته انه بلغ أقصى حد من الانهيار , شاحب , غير مرتب عكس ما عهدته و قد نمت له لحية ذقن شقراء خفيفة و كان يرتدي ملابس واسعة و سترة ذبل لونها الأخضر لما مر عليها من الوقت
تقدم نحوي بينما أنا أنظره بصمت
و أخيرا نطقت و تكلمت, فابتسم و بعثر شعري:
ـــ لا جوليا يجب أن تكون حالتها ممتازة
فرديت بهدوء: ـــ كانت نتاشا تقول لي ذلك دوما
آه كم شعرت بألمه و هو يخفض رأسه و يسحب يده و كأن ذكر اسمها زحزح شيئا ما بين أضلاعه, فاستدرك محاولا تغير الموضوع:
ـــ اخبريني أنت تدرسين الآن, كيف هي علاماتك
ـــ لا باس بها, ابذل ما بوسعي
ـــ جيد , اعلم انك صلبة و ستحققين ما تطمحين إليه
ثم أردف و يده يربت على كتفي: ـــ اسمعيني جيدا... نتاشا فعلت كل شيء من أجلك,
أحسست بنبرته الهادئة التي غلب عليها حزن مرير و هو يواصل كلامه:
ـ حتى أمر الانضمام إلى المنظمة كان فقط لتوفر لك ما لم تحظى به, لذلك لا تخيبي ظنها
هذه كانت الحقيقة... نات فرد من أفراد منظمة إجرامية !!
الان بت اعلم من اين كانت تأتي بكل ذلك المال ..
لكنها كانت اطهر انسانة على وجه الارض ..انا لهم بان يفتحوا افواههم بكلمة لا تليق بها !
سألته باستغراب : ـــ أتعلم بأمر المنظمة ؟؟
ـــ الأخبار تنتشر بسرعة و مثلما سمعت و صلني ذلك أنا أيضا , صدقيني لست نادما على تعرفي على نتاشا , كانت أول امرأة أحبها من كل قلبي و لا أظنني سأحب غيرها و لا تجعلي كلام الناس يؤثر فيك فأنت وحدك تعلمين حقيقة نتاشا و جوهرها
حينها علمت سبب زيارته , فقد بدا الكل يتكلم عن المجرمة التي ماتت في الميتم المحترق و نعتوها بألفاظ بشعة
لم يكتفوا من قتلها بل شوهوا سمعتها أيضا!
و بعد أن اطمأن علي ساي وجدته قد قام ليرحل , فاتجهت صوب النافدة لأراه و هو يذهب لكنني رأيت شيئا جعلني استغرب , مضى سايتو في طريقه نحو سيارة شرطة مركونة بالقرب من سور المركز و ركبها و انطلق ؟!!
منذ متى يقود ساي سيارة شرطة ؟!
و بطريقة ما بدأت حالتي تتحسن شيئا فشيئا , لقد كان لزيارة سايتو نفعا كبيرا و دفعة قوية لأتمالك نفسي و أحاول العودة إلى حياتي .
هذا ما اعتقدته في ذلك الوقت رغم صعوبة تصديقي لرحيل نات و للأبد , فان سايتو الذي كان بجانبي أشعرني بالراحة و الطمأنينة , كنت أرى أختي في لمعة عينيه , أحب عندما يحدثني عنها , كيف يذكرني بها و أحب الحب الذي أكنه لها و التي اعلم جيدا أنها بادلته نفس الشعور ..
تم و الحمد لله