عواكيس !
بقلمي / عبدالله خضر عبدالله
إعتاد البشر أموراً نمطية ، تجري وفقَ ترتيب خاص أو نسق معين ، ولكنهم ينصدمون من حصول عكس ماكانوا يتوقعون ! ، ثم يتحيرون عندما يكتشفون قانوناً عكسياً مضاداً عجيباً يؤثر في مجريات الأحداث ! .
لا أقصد أن كل شيء يجري في أحداث الحياة يجري وفق هذا القانون العكسي ! ، بل القصد التلميح من جانب واضح الى وجود شيء إسمه العكس أو النقيض .
طبعاً لكل شيء نقيض عُرف أو لم يُعرف ، ولكن هنالك من يتساءل في عمق نفسه مثلاً :
- لماذا يميــــل أكثر الناس الى الشر أو شيء منه رغم ما فطرهم الله من فطرة الخير ؟! .
- لماذا أحياناً يكدّ الشخص ويتعب رجاء حصول شيء ما ولا يحصل عليه إلا بعد اليأس منه وإذا عزم على تركِ تحصيله ؟! .
- ولماذا يحب أكثر الناس الشكل الخداع الظاهري والمظهرة والزخرفة والغلاف الخارجي رغم ما كرمهم الله من نعمة العقل والتمييز ؟! .
- ومن عنده علم صحيح عن أمر ما لاتجد في أكثر الأحيان أن الناس يقبلون عليه كما يقبلون على المتبهرج أو المزخرف ممن يدعيه ! ، لماذا ؟ .
فكيف يكون الحلو بسبب المر ؟ والمر بسبب الحلو؟ والراحة التي تأتي بسبب التعب والمعاناة ؟ والجوع الذي يأتي بالصحة ؟ والشبع الذي يأتي بالسقم ؟ ، ثم كيف تصبح السعادة سبباً في التعاسة ؟ ، والتعاسة سبباً في السعادة ؟؟ ، وهكذا تأتي مثل هذه الأسئلة تباعاً ولا تنتهي ! .
أرفع خلق الله شأناً وهم الأنبياء هم أشد الناس إبتلاءً ، ثم الأمثل فألأمثل !!.
وكما قال قائل : ( تجري الرياح بما لاتشتهي السفن ! ) ؛ فإن في أمور الحياة شيئاً مثل هذا ؛ أن تشرع سفينتكَ فوق البحر تنتظر من الرياح أن تدفعها في إتجاه ما عبر البحر ؛ ولكن تفاجأ أن هذه الريح دفعتها في الاتجاه المعاكس ! .
ليس القصد مما ذُكر الشكوى من القدر ، فالقدر هو القدر ولامفر منه ، إنما القصد هنا هو الاشارة عن تعثّر حظوظ بعض البشر الذين لم يدركوا بعد أنهم يسيرون في خط هو في الحقيقة عكس الخط الذي يريدونه ! ، وأنّى لهم أن يعرفوا ذلك !؟ .
ومن الجانب الآخر هنالك من لايستحق ، وفجأة تجده قد إستحق مالا يمكن أن تتصوره يوماً !! ، وربما عرف البعض شيئاً أو سراً عن هذا القانون العكسي القدري ؛ وتصرف هو بعكس مايريد ليحصل له العكس ( أي ما أراد بأسلوب العكس ! ) ، ولكن هذا يجعله يرى الأمور بشكل مقلوب ! .
يال المفارقات الغريبة !! .
وكم نتعجب إذا رأينا كرة الأرض من بعيد وهي معلقة في فراغ الفضاء ؛ حين نفترض أن شخصاً ما واقف في أسفلها ، سنتصور بطبيعة الحال أنه يرانا بالمقلوب ! ، ولكن الحقيقة أنه يرانا كما نرى شخصاً واقفاً على أرض مستوية ! ، آسف فقد شرحت هذا المفهوم المعقد بأبسط تصور ممكن ! .
وكم حاولت أن أستوعب أن هنالك خيراً يخفي شراً ، وأن هنالك شراً يخفي خيراً ! ، ولكن بدأت أستوعب ذلك عندما فهمت شيئاً عن اللطف الخفي في قوله جل وعلا :
( عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )
وفهمت شيئاً من ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم :
" إتق شر من أحسنت إليه !! "
وأتعجب أكثر عندما أرى شيئين متناقضين يجتمعان معاً ، فمثلاً :
كيف يستطيع شخص أن يضحك مسروراً ويبكي حزناً في وقت واحد ؟ ، نراه حينها عيناً تضحك وعيناً تدمع !!! .
والحياة ترينا جانباً من هذا العكس عندما يخرج الطفل الى نور الحياة الدنيوية ! ، فهو يبكي بشدة ، وأمه تتألم ، ولكن الأم نفسها تفرح في ألمها ، ومن يحيطون بها وبطفلها يفرحون أيضاً ! ، بكاء وفرح ، وألم وسرور ! .
وكثرة النسل تزيد وتزيد في الدول النامية والعالم الثالث لدرجة الإمتلاء والتشبع ، أما دول العالم المتحضر فبعضها تتمنى هذه الزيادة السكانية وسكانها تتناقص وتتناقص ! ، يعني هنا زيادة تحصل في فقر ، وهناك نقصان يحصل في غنى !! ، ولا ننسى أننا نسمع عن فقراء يموتون جوعاً ويزدادون فقراً ، والأغنياء يموتون شبعاً ويزدادون غنى !! ، هذا ملاحظ للمتأمل والمطلع !! .
وقد تأتي ثروة من الميراث ( بسبب الموت ) : فحزن على المتوفى ثم فيما بعد ذلك فرح ( ولو خفي في النفس ) على ما ترك الميت من ثروة أو منصب !! .
والانسان لايستطيع النوم مرتاحاً وهو معلق مقلوب مثل الوطواط ( الخفاش ) ؛ الذي ينام بشكل معلق مقلوب ! .
هنالك أمور كثيرة نتصورها ؛ ولكن حقيقتها هي عكس مانحن نتصوره عنها ، بالإيجاب أو السلب ! ، نحن البشر والخلق في شأن عظيم من أمر الله عز وجل وحكمته في وجوده الخلقي ! .
لايدري الانسان كل الحِكم من وجود العواكيس في القانون الوجودي ، إن عرف شيئاً جهل آخر ، ولله في خلقة شؤون ! .