أمسَت وأصبحَت وهيَ لا تزَال جاريةً فيِ دربٍ لَم تعرف له نهايةً, أحسَت لكأن تلك الدقيقتين
غدتا دهرًا , زمنًا طويلًا غير منقطع ! جرَت وهيَ عالمةٌ بأن لا مهرَب لهَا, غريزتهَا التي تحثها
علَى الحياةِ هيَ منجدهَا الوحيد, ككُل البشر هيَ لن ترضخ للموت بسهولة, المقاومة صفة
بشريَة بحتة اختص بهَا ذاك النسَل الخارج عن المألوف, يهربُون من فكرة المَوت لكأنهم خالدون
أبدًا , وهُم كَالماء لَا بل أشد هشاشة ! حادثُ طريق أو سقوطٌ بسيط لهُو كاف بأن يقتل كِبر
أشد الأمراء بطشًا وخيلاءً , حينمَا يقترب الموُت يخضع البشَر لأي السبل التي كانَت قادرة
على إطالة مدة بقاهِم على سطحِ الأرض, مَع أنهُم عالموُ أنهم ليسُو بماكثيِن غيرَ بضع سنين
لَم تكن شيئًا نسبةً للكون, وكأنها دقيقَة واحدة, إلا أنهَا أحسَت بأن تلك الدقيقَة غدت دهرًا كعمر
الكَون , حينَها اقتربَت مِن نهاية الطريِق, حينمَا كان جمعٌ مِن البَاحثين يطاردونَها, كلَا, هيَ لَن
تستَسلم, كَانت العزيمة والفخَر لدى الإنسَان أقوى مِن الخوفِ من المَوت, فليخسأ المَوت !
إن كانت ستصبَح أحدً من عبيدِهم , إن كانت ستنسَى مَن هيَ , ستنسَى جميع ذكرياتهَا القيمة
ذكرياتهَا التي كانت مِن زمن بعيد, زمَن غدى كأنه منذ قرون غابرة مِن الزمان , لَن يفرقهَا عن ذكراها
لوجوه أعزِ ما لديها في الكَون, سوى الموت ولا شيءَ إلاه , سترحب به, حينمَا وصلت إلى تلك
الحاَفة , لَم تنظر ورائهَا , وأمست صرخاتهُم المنادية هباءً مَع الريح, قفزَت نحو النهايَة , نحوَ
الصندوق المظلم القابِع بالأسفل, ابتسمت حينمَا هَب الهواَء متدفقًا يخترقهَا من سرعة سقوطهَا ,
وفيِ ذلك الجزء مِن الثانية , لَم يصبح أمامها سوى وجهه المبتسم تحتَ ضياء الشمس, في
الحقوُل المخضرة حينمَا كانَا هاربين , هذِه هي النهاية ! سقطتَ في جوفِ الظلام الدامسِ !
.. لكِنها مَا كانت ترى الأسود, قد كان ضوءُ الشمس من ذكرياتهَا يغطي كُل ماعداه, الظلاَم
غدى نورًا, والحياةُ أمست إلى الموت.
|