هذه جولة ثالثة رائعة مع أستاذي يرحمه الله ( د. مصطفى محمود ) ، إليكم بعض روائعة الأدبية والعلمية الخالدة :
يد الله
هل فكرت مرة في نفسك ؟
في جسمك وكيف يعمل ؟
ان علوم التشريح والفسيولوجيا فتحت اعيننا على عجائب ومدهشات يقف امامها العقل مذهولا .
نعلم الآن بالحساب والأرقام ان الرئتين فيهما من وسائل تنقية الدم وتهويته سبعة اضعاف الحاجة .. أي ان الله وهبنا منذ الميلاد سبعة اضعاف ما نحتاج اليه من النسيج التنفسي ...
وبالمثل في الكليتين احتياطي فائض عن الحاجة سبعة اضعاف اللازم لحفظ الحياة ...
ونجد هذا الكرم والسخاء ايضا في نسيج مثل الكبد وعضلات القلب وكرات الدم الحمراء وكراته البيضاء ...
ومن الحيوانات المنوية نقذف ، في المرة الواحدة أكثر من مائة مليون حيوان منوي اي ما يكفي لإنجاب شعب كامل ... ومن هذه المائة مليون ينتخب واحد هو أقواها ... وهو الذي يصل الى مبيض الأنثى قبل زملائه فيكون تلقيح البويضة وانجاب الوليد من نصيبه .
هنا شيء أكثر من السخاء والكرم ...
هنا يد الخالق وحكمته ومحبته مبسوطة على آخرها .
ويقول لنا التشريح أيضا ان العصب البصري فيه أكثر من مليون خط عصبي تتشابك كلها لتصنع شبكية هي قاع العين حيث تقع الصورة ويتم التقاطها في دقة فائقة .. وحيث نرى العتمة واحيانا في الظلام ونميز بين درجات اللون الواحد وبين أخلاطه ما يذهل .
أما قدرة الأذن على التمييز بين درجات الصوت ونوعياته فمعجزة تفوق معجزة الإبصار .. فالأم تعجز عن تبين وجه طفلها الضائع في الزحام ولكنها تستطيع ان تميز صوت بكائه من ألف صوت ...
بل أن الأذن تستطيع ان ترسم صورة كاملة لشخصية انسان من صوته ونبرته ولهجته ...
بل هي تستطيع ان تسمع الغيب وتصغي الى الهواتف التي تعبر اليها من عالم المجهول ...
وقد القي الأمر الى الأنبياء سمعا .. كما نعرف ..
فاذا وصلنا الى المخ فنحن امام خارقة الخوارق ...
فها هنا مجمع خطوط عصبية اشبه بسويتش هائل يلتقي فيه أكثر من مائة مليون خط عصبي كلها تعمل معا وفي وقت واحد في تلقي الرسائل وتحليلها والرد عليها ...
في كل لحظة يصل الى المخ شلال من الاحساسات من الجلد والأحشاء والعين والأذن والأنف واللسان والعضلات والغدد ويخرج من المخ في ذات اللحظة طوفان من ردود الفعل في كابلات عصبية توصل كل رسالة الى مكانها .
جميع العضلات تبعث الى المخ في ذات اللحظة تفاصيل غاية في الدقة عن ما يطرأ عليها من توتر وانقباض وارتخاء وعلى المخ ان يرد في ذات اللحظة بالتعليمات المطلوبة للحصول على أي وضع نريده ... وهكذا نستطيع ان نقف على رأسنا أو نمشي على أيدينا أو نحفظ توازننا على قدم واحده دون ان نقع .
وهكذا نجد ان عميلة حفظ التوازن هي عملية معقدة من آلاف الضوابط .. كل عضلة لها مخ الكتروني صغير ومركز تنظيم في الدماغ ... والمراكز العديدة لها مجمع ترابط ينظمها جميعا ... ثم يخضع كل هذا للإرادة والإختيار .
فإذا عرفنا أن فوق المخ شيء أعظم هو العقل ، وان المخ ليس الا الجانب الآلي من عملية شديدة الغموض .
وان العقل هو السيد .. هو الذي يأمر وهو الذي يتكلم من هذا السويتش العجيب ... فنحن في النهاية أمام معجزة أكبر ... ذلك العقل الذي حاربنا به الميكروب وروضنا الأسد واصطدنا الذئب وأخضعنا وحوش الغاب ...
ذلك العقل الذي بنينا به الأهرام والسدود ونقلنا الجبال من مكانها وهدمنا إمبراطوريات وأقمنا إمبراطوريات ...
وأخيرا صعدنا الى القمر وسبحنا الى النجوم .
ها نحن كلما اكتشفنا آية من آيات كرم الخالق قادنا تأمل هذا الكرم الى كرم أكبر وعطاء أكبر ...
ومن وراء العقل يقودنا التأمل الى الروح .. سر الأسرار ... وذروة العطاء الرحماني ...
وهنا يعجز القلم ويسكت الفكر حياء أمام نعمة لا يملك الخيال ان يحيط بها .. اذ يصفها الخالق بأنها فيض منه فيقول عن خلق آدم " فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " ... فهي نور من نوره ..
تعالى وتبارك في سماواته الذي خلقنا باسمه الكريم الوهاب وتناهت عطاياه فما تناهت ...
وما استطاع قلم ان يحيط بكرمه او يحصر افعاله .
====================
رحمك الله أستاذي العزيز ،
تلميذك المخلص : عبدالله خضر عبدالله