أما هذه الجولة السادسة مع أستاذي يرحمه الله ( د. مصطفى محمود ) فهي تعلمنا حكمة الإله فيما شاء من تصاريفه على العباد كيف شاء ، إليكم هذه الرائعة أدبية الحكيمة :
الشىء التافه
ما يجرى فى الكون من احداث مرتبطه ببعضه فى سياق دقيق من الاسباب والمسببات كحلقات سلسله ، لا يهم إن كان بعض هذه الحلقات صغيرا او ان بعضها كبيرا . فلا فرق بين انكسار حلقه صغيره او انكسار حلقه كبيرة ، فالنتيجه واحده فى الحالين ، وهى تحطم السلسه وانفراط عقدها .
نحن نقول عن واحد انه اتفه من ذبابه .
هل فكرت ماذا يمكن ان تصنع ذبابه ؟!!!
إن ذبابه واحده تافه يمكن ان تحمل على ارجلها الدفتريا . والسل ، والدوسنتاريا ، وشلل الاطفال ، والكوليرا ويمكنها ان تبيد امه وتفنى جيلا . وتقلب دفه النصر فى معركه .... تفعل كل هذا وهى ذبابه .
إن ميكروبا لا يرى بالعين قتل فى سنه 1919 اكثر من عشرين مليون ضحيه .
وراهب منقطع فى دير تمر عليه وتقول ما اتفه هذا الرجل .. ماذا يفعل فى هذه الدنيا ؟. لماذا لا يخلع ملابس الرهبنه وينزل الى خضم الحياه ويعمل ويؤثر فى الأحداث ... مثل هذا الراهب ليس تافها ، فهو ممكن ان يكون " مندل " الذى اكتشف قوانين الوراثه وهو يلقح ازهار حديقته ويتأمل فى نسلها .
وهذا الكيميائى الذى يترك كل شىء ويكتب بحثا فى العفن . لا تتهمه بالجنون ، لأنه لم يبحث لك كما تريد فى مبيدات قواقع البلهارسيا او دودة القطن .. فالعفن ليس شيئا تافهاً ... الم يخرج لنا البنسلين ؟؟!
وما اتفه الذرة ... اليس كذلك ؟
إنها لا ترى باكبر ميكرسكوب .
وهى ليست سوى فرض من فروض الكمياء .
ومع ذلك فإن تلك الذرة المفترضه هى التى انهت الحرب العالميه الثانيه وجعلت اليابان تركع على قدميها .
وهى التى سوف تقود اول سفينه بشريه إلى المريخ.
والملازم ديغول فعل ما لم يستطيع ان يفعله الماريشال بيتان.
وام بتهوفن لا احد يعرفها وهى فى عصرها كانت امرأة من ملايين لا تقدم ولا تؤخر .
ولكن الم تنجب لنا هذه الام بتهوفن ولولاها لما جاء إلى الوجود . إنها سلسله من الحلقات كما قلت.
سلسله مترابطه . لا يهم ابدا ان يكون بعض هذه الحلقات صغيرا وبعضها كبيرا فبدون اى من تلك هذه الحلقات لا يكون للسلسه وجود.
لا يوجد شىء تافه وشىء عظيم.
والذى يقول لك انت تافه لإنك لم تفعل فى نظره شيئاً ذا بال إنما يدل بكلامه على جهله . فمن يدرى ماذا تفعل غدا . ومن يدرى ماذا يترتب على مجرد وقوفك بدون فعل ، ان عدم الفعل يكون له فى دورة الأحداث اثره مثل الفعل ، والسكوت يكون احيانا اخطر من الكلام.
الحضارة الماديه عظيمه . ألم تصنع لنا القطار والطياره والسياره والراديو والتليفون والتلفزيون والمدفع والقنبله.والحضارة الروحيه تخاريف . هكذا يقول البعض فما هو دور يوجا منقطع لاتأمل فى كهف من كهوف التبت.
ولكن من يدرى ؟
لو كنت حكيما لقلت من يدرى . فقد تحطم هذه الحضارة الماديه نفسها بنفسها . وقد ترسل العالم بقنبله من قنابلها إلى قاع المحيط فتصبح هى ذاتها خرافه مثل خرافه الاتلانتيس القاره التى غرقت بمن عليها فى قاع المحيط ... ولا يبقى للدنيا سوى سلاله ذلك اليوجا تبدأ من عنده المعارف والمدنيه من جديد.
الم تبدأ بشائر هذه المهذله بالفعل ؟ فها هى ذى امريكا وروسيا تتنافسان على اسلحة الدمار.
ساذج العقل من يقول لك انك تافه .
فلكل شىء فى هذه الدنيا خطره مهما كان صغيرا ضئيلا . ولقد تغير انت الدنيا . وقد تفتح عينيك غدا فتكشف شيئاً. وقد تكون وانت الجندى اليوم قائد المعركه غداً.
لا تستخف بذبابه تقف على طعامك . فهؤلاء الرجال كالثيران يدوخون العالم وقد تصرعهم ذبابه .
والاسكندر المقدونى قتلته بعوضه .
إنها ليست نكته ولكنه تاريخ . فالاسكندر الذى خرج من مقدونيا فاتحا وهب على العالم القديم كالإعصار لم يعد إلى بلاده ثانية ، فقد مات بالملاريا فى اثناء عودته من الهند بلذعة بعوضه . ولا احد يدرى اين دفن . وقد تعبث بقدمك تحت شجره غدا فتكتشف قبر الاسكندر وتصبح اغنى رجل واشهر رجل فى الدنيا ، وتصبح حديث الصحف لعدة سنوات .
فلا تقل على احد انه تافه . احترم كل شىء مهما صغر شأنه : الطفل ، والحشره ، وزبال الطريق ، وجرسون المقهى ، وبهلوان السيرك ، ومن لا حيله له ولا صولجان فى يده .
فالله وحده يعلم من فى الغد يكون فى يده الصولجان . إذا فعلت هذا فإنك سوف تخطو او خطوة لتكون رجلاً حكيما..
====================
رحمك الله أستاذي العزيز ،
تلميذك المخلص : عبدالله خضر عبدالله