عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 09-02-2015, 02:50 AM
 
مغرور جداً - من كتاب : الشيطان يحكم

كم نحتاج أن نعرف حدودنا .. وأن نعرف مقدارنا .. وأن ننحني بخشوع وتواضع لإشارات العظمة الإلهية ... ونحمي أنفسنا من الغرور الإنساني ،،،،
هذه الجولة التاسعة
مع أستاذي يرحمه الله ( د. مصطفى محمود )
يذكر فيها الحِكم والعبر :



مغرور جداً

الإنسان مغرور جدا ينظر إلى نفسه باعتباره مركز الكون ويتصور أن النجوم علقت كالفوانيس في السماء لتضيء له طريق العودة إلى البيت وهو سكران .

واذا كانت في الدنيا بهائم فهي مخلوقات ليركبها .

وإذا كانت للخيول ذيول فليصنع منها المنشآت .

وإذا كانت الزهور تعشش على شباكه فقد فعلت هذا مع سبق العمد والترصد لتقدم له فروض التحية والولاء وتضرب له سلاما .

ودود الأرض منتظر في الطين طول الوقت حتى يلتقطه بيديه الكريمتين ويجعل منه طعما لصيد السمك .

والغزلان الجميلة تسرح في البراري في انتظار رصاص بندقيته المكرمة لتسقط عند قدميه مهللة مكبرة .

والذهب في أعماق المناجم ينتظر بفارغ الصبر اللحظة السعيدة التي يتكوم فيها في خزائنه او يتبعثر على مائدة قماره .

وإبليس نفسه خلق ليكون في خدمته في البارات والنوادي الليلية والبيوت السرية ..
الكل يعمل من أجله .. هو .. سيد الخلائق .. الذي خلقه الله على صورته ..
ومن الطبيعي أن يفكر الفلكيون البسطاء في العهد الغابر بنفس الطريقة فيتصورون أن الكرة الأرضية هي أيضا مركز الكون تدور حولها الشمس ونجوم الفلك العظيم كله .

ولكن الأمر تغير كثيرا حينما انطلق التليسكوب الحديث يتأمل السماء وبدأ الانسان يبحث عن مكانه الحقيقي في هذه المتاعة التي اسماها الدنيا .
ومن هذا اليوم فقد الانسان مركزه وسقط من حالق وصفعته الحقيقة المرة تلو الحقيقة المرة .
اكتشف أن الشمس ليست من توابع الأرض وانما العكس هو الصحيح والأرض هي التي تدور مع ثمانية من توابع أخرى في فلكها ..
ثم اكتشف أن المنظومة الشمسية كلها تدور حول مجمعة نجمية هائلة وتقطع دورتها الكاملة كل 225 مليون سنة حولها ..

هذه المجمعة النجمية الهائلة هي بقية عائلة الشمس من النجوم واسمها المجرة وتتألف من حوالي مائة الف مليون نجم وكثير من هذه النجوم له توابع وكواكب مثل الشمس .

الى هذه الدرجة تضاءلت الأرض نسبة إلى الكون وتضاءل الإنسان من فوقها .. فأصبحت ذرة رمل في متاهه .

ولكن الأمر تفاقم أكثر وأكثر وازداد حال الأرض مهانة وحال الإنسان ذلا حينما راح يبحث أبعد وابعد في أعماق السماء .

اكتشف ان مايراه في السماء ليس مجرة واحدة وانما عديد من المجرات مرتبة في عناقيد ..
عناقيد من المجرات .
عنقود مجرتنا يحتوي على حوالي 17 مجرة وهناك عناقيد تحتوي مئات المجرات .
ويبلغ عدد المجرات التقريبي في مدى الرؤية الممكنة حوالي مائة الف مليون مجرة .
وفي كل مجرة مائة الف مليون نجم ..

ولكل نجم كواكب .

والأرض بجلالة قدرها ليست سوى احد هذه الكواكب .. والانسان ليس سوى أحد المخلوقات على هذه الأرض .
وبهذا فقد الانسان كرامته تماما .

لم تبق له الا كرامة إدراك هذا كله .. والا ان يعترف في امانه وصدق بمكانه وقدره الحقيقي في فضاء الكون وقد تضاءل الى برغوث وأتفه من برغوث .. مجرد هيأة معلقة في ظلمة السماء هو والأرض التي يقطن عليها .
والعلم لم يتركه في حاله .

وانما راح العلم يقدم الدليل خلف الدليل على احتمال وجود الحياة في كواكب أخرى .. بل وفي النجوم أيضا .. بل وفي كل مكان .

فهناك كواكب ظروف الطقس والجو فيها مشابهة لضروف الأرض .. ثم انه ليست من المحتم ان تكون كل حياة هي حياة من لحم ودم معتمدة على الأكسجين والماء ودرجة الحرارة المعتدلة ..

من الممكن أن تكون للحياة صور اخرى تعتمد على غازات أخرى لتتنفس وتعتمد على درجات حرارة عالية مناسبة لتقوم بوظائفها .
ممكن أن توجد مخلوقات اجسامها من الالكترونات والايونات والحرارة الملائمة لوظائفها هي الحرارة في جوف الشمس ..

لا توجد حدود لتصانيف الحياة الممكنة .

وليس هناك معنى لان نحدد امكانيات الحياة بخيالنا نحن .. هذا غرور انتهى زمنه .

وهناك علامات تبعث على الشك والريبة . فالنجوم والكواكب كلها ترسل اشارات لاسلكية وبعض الاشارات لها نظام خاص .. ومن الممكن ان تكون شفرة ولغة لا نفهمها .

وعلى المريخ خضرة تنحسر تبعا لفصول اشبه بالربيع والخريف عندنا .. وفيه طواقي من الثلج تذوب من على القمم في فصل الصيف .

وفي أعماق السماء وبين النجوم والكواكب التي لا حصر لها تتباين الظروف في تباديل وتوافيق لا حصر لها أيضا ويمكن ان تنشأ حيوات من كل جنس ونوع .

وفي الكون الأصغر ما هو أعجب من الكون الأكبر . في قطعة حديد لا تتجاوز رأس الدبوس حجما عالم من الذرات كل ذرة اشبه بفلك مصغر نواة تدور حولها الالكترونات مثل الشمس وكواكبها .. وفيها قوة لو انطلقت يمكن ان تغرق قارة بأسرها في قاع المحيط .

ثم ان نواة الذرة ليست مجرد نواة بسيطة كما كان معتقدا .. وانما هي منظومة شديدة التعقد مؤلفة من أكثر من 32 جسيما مختفا .

ثم هناك أكثر من نوع من المادة شكرا للعلم الذي عقد لنا المسائل أكثر فالمادة في نظره لم تعد هي المادة الواحدة وانما هناك مادة موجبة ومادة سالبة .. مادة عادية ومادة مضادة .

والمادة المضادة لها قوانين مضادة لكل ما نعرف من قوانين فاذا كانت تفاحة نيوتن تسقط من على الشجرة على الأرض تبعا لقانون الجاذبية فإن التفاحة المصنوعة من المادة المضادة تطير مبتعدة عن الأرض وملقية بنفسها في الفضاء في لحظة انفصالها من شجرتها وتبعا لقانون الجاذبية أيضا .. لأن قصورها الذاتي سالب وليس موجب .. الخ .. الخ .. الخ ..

وهكذا يمكن أن تتخيل لنفسك عالما عجيبا من المادة المضادة يسير فيه كل شيء بالعكس حتى الزمن يسير بالعكس فيتطور الى الماضي بدلا من المستقبل .

والعلم يمكن ان يقودك الى الجنون اذا لم تترفق بنفسك وتأخذ منه جرعة حسب طاقتك .

***

والعلم لا يستبعد احتمال ان تكون الأطباق الطائرة هي بداية غزو فلكي للأرض من العالم الخارجي .. محاولات أولى استكشافية . وكل شيء أصبح ممكنا بعد ان سقط الانسان من برجه العاجي وفقد غروره الساذج الذي كان يتصور فيه انه جالس على عرش الكون .

وغريب ان يظل الغباء مسيطرا بعد كل هذا ويظل الانسان يتصرف بعقلية ارضية محلية فيقاتل جاره على قطعة أرض .. وتذبح دول كبرى غنية دولا صغرى فقيرة لتستعمرها وتحتلها بينما كنوز الكون كله مفتوحة أمامها والعلم مفتاحها السحري في يدها .. وفي امكانها ان تمتلك المحال وتغزو المجهول وتضع يدها على التراث اللانهائي للقوة والمعرفة .

ولكن يبدو ان ذلك المغرور بالرغم من كل شيء لم يفقد غروره بعد وهو أكثر من مغرور .. فهو غبي أيضا محدود الأفق .. جاهل بالرغم من وسائل العلم في يده .

الطاقة الذرية التي اكتشفها سوف يقتل بها نفسه بدلا من ان يفتح بها الكون ..

ووسائل الدمار سوف يوجهها الى نفسه بدلا من ان يوجهها الى المرض والوباء والشيخوخة .

واذكر الآن كلمة لحكماء اليوجا الهنود .. ان العالم مبني على العدل ولا ظلم هناك .. وما ينزل بالانسان من قدر هو بالفعل يستحقه .. وكما يفكر الانسان يكون .. وكما تضمر في نفسك تسير حياتك ..
فهل سوف نثبت بأفكارنا وأفعالنا نحن المغرورين الأغبياء اننا لا نستحق الحياة.
وهل نحن ننزل بأنفسنا العقاب كل يوم وننفذ بأيدينا ناموس العدالة .
وهل جنسنا الى فناء .

أم ان المنقذ سوف يظهر في اللحظة الأخيرة .

المخلص الذي سوف يسمع الكل كلمته .

ان اجراس العلم تدق الانذارات كل يوم ولا اذن تسمع .. والمفكرون يدقون على القلوب .. والقلوب مغلقة .. ربما لأن ضمائر هؤلاء المفكرين انفسهم يسكنها نفس الزيف والنفاق والغرور .. وشعاراتهم لا تنفذ الى القلوب لأنها شعارات المرتزقة وأكاذيب المنتهزين .

والانسان يتحدث بغرور عن الأغبياء والأذكياء .. عن البيض والسود .. عن المتقدمين والمتخلفين .. وهو لا يدري ان الكل سود والكل اغبياء والكل متخلفون والفرق بينهم هو فرق عدد المخالب التي يقتل بها كل واحد نفسه ويقتل بها أخاه .

العلم ينبت مزيدا من المخالب .

والتقدم ينبت مزيدا من المخالب .

واذا كان العلم يعطي مزيدا وفائضا من القمح فإنهم يلقونه في البحر حتى يزيد سعره .
وهذه هي أخلاق إنسان هذا العصر .

متى يفيق هذا الانسان ويعرف نفسه ويعرف الهوة التي يسير إليها !



====================
رحمك الله أستاذي العزيز ،
تلميذك المخلص : عبدالله خضر عبدالله

رد مع اقتباس