عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 09-05-2015, 04:28 PM
 
ظِلالُ مشرَّدة :: الفصل الأول |1|























الفصل الأول
|4|



استيقظتُ على ملمس شيءٍ لزج على وجهي ، فَتَحْتُ عيني بتعبٍ ،أشعر بأن الجاذبية تتحداني ... مع ذلك قاومت النعاس لأن الفضول كاد يقتلني ؛ لمعرفة ما الشيء الذي على وجهي ، مهلًا جسم يملؤه الفراء ؟


ـ مياو


سمعتُ صوت القطة ، جزعت من المقعد أمسح لعابها المقرف ، بدأتُ بالجري صوب أي مجرى مياه ، الأمرُ أنني أتحسَسُ من هذهِ الحيوانات ، ولعابها يسبب حكًّا غير مريح.


توقفت أمام إحدى نافورات ماء في الحديقة العامة ، و بدأت بغسل وجهي ودعكه بأقوى مالدي ـ أشك بأنني اقتلعت جلدي ، مع غسلتي الثانية دفعني شخص ما وشعرت بجسدي يصطدم بالماء البارد ، شرَقْتُ على الماء قليلًا من ثم رفعت رأسي لأرى مجموعة فتيان يركبون لوح التزلج ويضحكون ، حمقى !


وقفت على أقدامي أحاول عصر الماء من ملابسي المغمورة ، كم أود خوض عراك معهم ... ولكنني عكرة المزاج في الصباح !


قفزت من تلك النافورة ومشيت عائدةً للمقعد ؛ فقد تركت حقيبتي بغباء، فتحت الحقيبة باحثةً عن بنطال وقميص لتبديل


{ الثانية عشر }


رأيت هاتفي ينبض لآخر مرة قبل الإقفال، غريب كيف لهاتف أن يبقى صامدًا حتى الآن ؟ من الجيد بأنه تماسك حد اليوم ، كان علي استخـ ... تداركت الأمر ! لقد تأخرت عن أول يوم عمل


أمسكتُ الحقيبة والملابس الجافة بيداي ، بدأت بالجري كالمجنون ... كم أنا حمقاء ، سيرفضني لوي الآن ، يا إلهي ، لما لا أفكر ؟ أحتاج لعلاج للغباء !


تزحلَقْتُ عددًا من المرات ووقعت على مؤخرتي جراء الحذاء المبتل ، لم أكترث للأمر أو للألم ففكرة التأخر الملحوظ هذا ... سبب رئيس لفشلي في الحياة!

...


وقفت أمام شركة { ريد فيلفيت } بعد نصف ساعة من الجري المتواصل ، كمرات في كل مكان، صحفيين بمايكروفونات ، مجموعة هائلة من الحضور كانت تصرخ وتشتم وبيدهم لوحات، ماذا يحدث؟


تقدمتُ للبوابة أشعر ببعض الخوف ، أيعقل بأن لوي سلَّط أتباعه لقتلي بسبب التأخير؟

لا أظن ذلك ـ ليس بهذا النفوذ ، ولكن أشعر بأنني لن أعمل اليوم !


تقدمت لفتح البوابة مثل العادة ، ولكن جسد مفتول وقف أمامي ، معيقًا طريقي ... لما أشعر بأن هذا الشخص المألوف


ـ مازلتي تائهة يا صغيرة؟


رفعتُ ناظري، وذكريات البارحة بدأت تحيطني ، حارس حانة جو الأسمر ، أطلقت تنهيدة قبل أن أزمجر بإنزعاج ... أنا لا أحتاجه الآن !


ـ أريد الدخول ، لقد تأخرت عن العمل !


حاولت المرور ولكنه تحرك مع حركتي ، بدأت بدفع جسده من جميع الجهات ، ولكن جثته مثل صخرة تبلغ 100 طن على الأقل


ـ ليس اليوم ! أحتاج لبطاقة العمل


قالها بطريقة مستفزة ، يده الضخمة تُمسِكُ رأسي لأتوقف عن الحراك ، حسنًا ... فقدت الأمل.. لن أشم رائحة العمل ... وداعًا أيها المستقبل الباهر ، ما كنت لأصدق بأنني حصلت على عمل دون شهادة ، لم أكن محظوظة يومًا ! لما ظننت بأن الحظ قد يتغير لمشردة مثلي؟


تمهلوا ! ... هل هذه غليندا موش التي أراها من بعيد ؟ نعم إنها هي !


كانت تصارع الحشد من أجل الدخول ، ملابسها تغيرتْ لِقَمْيص أحمر وبنطال أبيض ولكن التسريحة والمكياج كما هم


ـ غليندا ... أرجوك أدخليني ، تحدثت مع السيد آدمز وقَبِل توظيفي!


تَمَّسَكْتُ بِذِراعِها الأيمن كطفلة مُتِيمة بوالدتها ، ضَحِكتْ غليندا بطريقة ساخرة من ثم حركت خصلات شعرها الجافة بعيدًا عن كتفيها و سحبت ذراعها من قبضتي بقرف

ـ آه يبدو بأنك لم تسمعي الأخبار يا فتاة!


قالتها بتعالٍ تحاول البحث عن شيء في حقيبتها العتيقة ، على الأغلب بطاقة عملها ... لم أعطِها ردًا ، اكتفيت بنظرات تسائُل جعلتها تكمل الحديث


ـ لوي خسر كل شي ! رُفِعت قَضِيَّة عليه في التاسعة وخسر كل ممتلكاته ... هو مشرد مثلك الآن يا حلوة!


قالتها بطريقة بسيطة تعلك بطريقة متفانية ، كما لو كانت بطلة العُلك في كتاب جينس ، أخرجتغليندا بطاقة العمل المألوفة وسلمتها لذلك الحارس


ـ مـ ... ماذا؟ كيف ؟ ولما؟


تعثرت على كلماتي ، أنا في حالة صدمة ... أيعقل بأن أفكاري الباطنية حسدته ؟ أعني رددت بأنه غني ويملك مالًا ... ولكن لم أرد يومًا إفلاسه


ـ اتضح بأن مجموعة الشباب الخالد قِمَاشُها رخيص ويسبب الطفح الجلدي لكونه مرشوش بمادة كميائية للحفاظ على لمعان المجوهرات ولون القماش !


قالت كلماتها ساحبةً بطاقتها من الحارس ووضعها في الحقيبة ... على الأغلب مصنوعة من جلد تمساح أو سحلية على كلا الجهتين كانت عتيقة و البربرية تصف سبب شرائها لهذا النوع من الحقائب !


ـ انتظري ... أين هو الآن ؟ أعني إن أفلس أين ذهب ؟ هل عاد لإنجلترا؟


رشَشْتُها بأسئلتي ، أطْلَقَت غليندا تزفيرة ملل ، قبل أن تفتح أبواب الشركة وتنظر لي لآخر مرة


ـ لوي آدمز أفلس ... لا يملك سنتًا واحدًا ، عائلته تبرئت منه ، أما عن موقعه فقد تجديه بقرب مكب نفايات على الأغلب!



شعرت ببعض الإهانة بالنيابة عن لوي ... أعني لما قد تقول هذا عنه ، ليس إنسان سيء في الحقيقة لوي إنسان جيد ، دخلت غليندا الشركة وتركتني في حيرة من أمري ، مالذي حدث لتو؟


صحيح أسحب كل شيء قلته عن غليندا موش ... إنها أفعى بربرية تشبه إحدى دمى السحر!

...


بدأتُ بالمشي في أرجاء المدينة بعشوائية ، أحاول فهم ما قد حدث ، لوي أفلس ! وعائلته لم ترد عودته ... ورفعت عليه قضية وخسر كل شيء ، يعيش بلا منزل الآن ...


ياإلهي يبدو يومه سيء !


جلستُ على إحدى عتبات مبنى لبيع عقارات ،و شاهدت العالم من حولي يتحرك بعجلة من أمرهم مثل العادة ...


توقفوا .... لما لا تكترثوا بأمر لوي ، لقد خسر ماله وحياته بلمح البصر وأنتم تتحركون هكذا دون اهتمام ؟


مهلاً


لمـــا أنا مهتمة بـ لوي هكذا؟

ربما لأنه لم يشِ بي للأمن عندما اقتحمت غرفته ، أو لأنه قَبِلَ توظيفي في شركته رغم أنني غير مؤهلة ... و ربما لأنه عاملني كإنسانة وليس كمشردة دون مال !


يا ترى أين هو الآن ؟ إن خسر ماله فقد خسر غرفة الفندق وسيارته الفارهة كذلك ... أين يمكن أين يكون ؟ فهو زائر في هذه المدينة ... لا يملك مال للعودة لبريطانيا !



وااه مشكلته عويصة ، تنهدتُ مرةً أخرى معطيةً الملابس التي بيدي نظرة ، لقد سحبت بالخطأ قميصي الأبيض ... ربما لأنني خلعته البارحة بعد تناول المقرمشات مع لوي في مصف السيارات المجهور ووضعته في الحقيبة ... مهلًا مصف السيارات ! ربما يكون هناك ذاك الأخرق ، فهي المنطقة الوحيدة التي يعرفها

...


اجتزت نصف المسافة أجري لمصف السيارات ، المنطقة بعيدة عن شركة { ريد فيلفيت } ، كعادتي اصطدمت بأشخاص ولم أملك الوقت الكافي للصراع ؛ نظرًا لكوني مشغولة ، استطعت سرقة بعض من التفاح المعروض ولم يكترث أحد للأمر ... ربما لأنني أركض مثل المجانين



توقفت قبل اجتياز زقاق ضيق بعد رؤيت جسد ، رأيته ! لوي آدمز واقف يركل حصى بقدمه ، يرتدي بنطال جينز أزرق وقميص أبيض بنصف الأكمام لونهم أزرق ، انعطفت لذلك الزقاق ، صوت أقدامي تضرب الأسفلت كان الشيء الوحيد المسموع ، مع ذلك لم يعر لوي أي اهتمام لي ... اقتربت منه بقدرٍ كافٍ لإمساك ذراعه ونشله من عالم الخيال



ـ هل أنت بخير ؟!



قُلتُها محاولةً التقاط أنفاسي ، رفع لوي رأسه ينظر لي ... عيناه كانت محمرة قليلًا والدمع في زوايا عيناه ، مسح تلك الدموع بسرعة وأخذ نفسًا عميق قبل الابتسام لي كالعادة


ـ عوضًا عن خسارة كل شيء ... نعم ، أنا بخير !


تجنَّبَ النظر لي ، أفلتُ قبضتي عن ذراعه أحاول تعديل الحقيبة على كتفي ... حسنًا ماذا أفعل الآن ! موقف غريــــــــب


ـ مع ذلك تخلفتي عن موعد العمل ، أليس كذلك ؟


نظر لي ببعض الحزن ، كما لو أنني خذلته ... احمرَّ وجهي خجلًا عمّا فعلته لم أجد كلمات مناسبة لقولها ، وسرعانما بدأ لوي بالمشي للخروج من الزقاق المهجور


ـ آسفـة ! لم أقصد التأخر ، ولكن لم أجد مكانًا لنوم حتى الخامسة صباحًا


أخبرته أشعر بالإحراج الشديد ، لم أكره كوني مشردة إلا للآن ... لقد أذللت نفسي أمامه ولا أعلم لما ! ربما لأننا في الحالة ذاتها ، لا نملك عائلة ومال ومنزل


ـ أنتِ حقًا مشرَّدة ! أعني ما تفعلينه ليس تمثيل ؟


التف الفضول حول وجهه الذي بدى قلقًا على حالتي الإجتماعية ، طأطأت رأسي كإيجابة ... ليت الأرض تنشق وتبلعني الآن ! تقدمت قليلًا نحو لوي ونسمة من الهواء ضربتنا ، على الأغلب صفعتني أنا ـ لأنني شعرت ببرودة الملابس المبتلة


ـ هل من الممكن إكمال هذا الحوار بعد تغير ملابسي ؟


قُلتُها متجمدةً في مكاني ، ضَحِكَ لوي قليلًا ، من بعدها بدأ بالمشي من جديد ، تبِعتُ خطاه بهدوء أحاول لحاق حركته السريعة ، ولكن من الصعب فعل ذلك ؛ لكون الجينز ملتصق بجسدي ... كيف ركضت نصف المدينة وأنا بتلك الحالة


ـ انتظر ! أنا حقًا لا أستطيع مجاراتك !



أطلق لوي قهقه بسيطة من ثم توقف ينتظر مني أن أجاريه ، بدأنا بالمشي من جديد ولكن بسرعة بطيئة ... و المزعج بالأمر ليس أن ملابسي مبتلة بل لأن لوي الأخرق لم يكف عن الضحك عليّ!

...

ـ اذًا ... كيف بُلِلِتي ؟


عيناه الزرقاء التصقت بالأرض تراقبها كما لو كانت شاشة تلفاز ، حسنًا الأمر أنني طلبت منه ألا ينظر في حين تبديل ملابسي ، رأيته بطرف عيني ، يركل الحصى كعادته ... أظن بأنه يشعر بالوحدة عندما يفعل ذلك !


ـ دفعني شخص في نافورة ماء !


قلتها ساحبةً القميص عن جسدي ... أشعر بالراحة الآن ، ارتديت قميصي الهزلي المعتاد لونه أزرق و صور كاركتير متناثر في المقدمة ، بنطال الأسود الباهت اضطررت لاستبداله ببنطال جينز قصير ، وحذائي الرياضي الرَّث اضطررت لتبديله بزوج من أحذية جلدية قديمة ، لم أملك ملابس كثيرة ... في الحقيقة قميصي الأبيض يعد قميص المناسبات الهامة!



ـ اذَا ... هل رسمتي شيء من هذه اللوحات ؟


أشار لوي على جدران مصف السيارات ، ربما لم يلحظهم البارحة لتأخر الوقت ، فقد جلبته هنا لتناول المقرمشات ، جميع الجدران حولنا معبئة بالرسومات المختلفة ، أمــا خاصتي فقد أعطى لوي ظهره لها ، ابتسمت لنفسي ـ استطيع كتابة اسمي على لوحتي الفنية الآن ، ولكن بَهُتَ سحرها ليلة هروبنا ! لنجعلها مجهولة المصدر مثل مثيلاتها في أنحاء نيويورك ، استفقت من أحلامي و تنهدت عاصرةً الماء من قميصي الأسود والجلوس بجانب الشاب المفلس



ـ التي خلفك !



قلتها دون اهتمام أحاول عصر الماء بأقوى ما لدي ، هل يعقل بأن علب الرش في حقيبتي المفتوحة بجانب قدمه أفصحت أنني أجيد الرسم ، التفت لوي للخلف ، علامات وجهه تغيرت من ثم نظر لي باستحالة


ـ هل حقًا رسمتيها ؟



طأطأت رأسي وابتسامة اختلست طريقها على وجهي، لم جيدة أكادميًا في صغري ولكن الرسم هو الشيء الوحيد الذي تفانيت فيه ، رأيت تعابير الإعجاب على وجهه من ثم التفت لي مشيرًا على الحائط


ـ ولكن لما لم تضعي اسمك عليها؟



نظر باستغراب هذه المرة ، رميت قميصي الأسود في الحقيبة ومررت أناملي في خصلات شعري السوداء المبتلة



ـ كلُّ مرة أحاول وضع اسمي ، تأتي الشرطة وتفسد الأمر ~


ابتسم لوي من جديد محركًا خصل شعره ،من ثم نظر للأرض ، يفكر بشيء ليقوله على الأغلب في حين لعب بأصابع يده


ـ أنت موهوبة ! لما لم تلتحقي بجامعة فنون ؟



نظرتُ لحائط المصف لأرى لوحتي " آكوا " رسمت شاطئ بحر لوس آنجلوس عليه ... مع أن سنة انقضت منذ أن زرت لوس أنجلوس إلا أنها أفضل رحلة خَضْتُها في حياتي !

ـ ممـ ... أحتاج شهادة ثانوية !


أخبرته بِبَساطة ، هز رأسه بتفهم ـ من ثم توقفتُ على أقدامي ، نظر هو لي باستغراب لما أعفل ، قهقهت قليلًا لتغيره الجذري ، ربما خاف لأنني سأتركه لوحده في هذه المدينة المختلة


ـ اذًا لما لم تكملي الدراسة ؟ أعني الثانوية ؟

ـ يمكن القول بأنه لا يوجد مدرسة تود فتاةً مثلي



قُلتُها بسلاسة وأقفلت سحاب حقيبتي السوداء ، أخرجت هاتفي المطفء قبل ذلك ، أحتاج لشحنه ! أمسكتُ الحقيبة و رميتها على كتفاي من ثم نظرت لزقاق الذي أتينا منه مستعدة لرحيل


ـ إلى أين ؟


توقف لوي بسرعة ، والقلق دار حوله وجهه ... كما لو أنه خسر شيئًا ما من جديد


ـ كم الساعة ؟


نظرت لساعة حول معصم يده ، رفع لوي معصمه كرد ليقرأ الوقت " الثالثة والنصف " أخبرني بسرعة ، مددت يدي لإحدى جيوب الحقيبة لأسحب عشرون دولار مما كسبت البارحة


ـ أظن بأنني سأذهب لتناول الغذاء !


أعلمته بمخططي السريع ، في حين قام لوي بحك ظهر رقبته يدعي اللامبالة وضرب الحصى من جديد ، أقسم أنه مثل جروٍ تائه ... ضحكتُ على وجهه الضائع وضربت كتفه بخفة أمازحه


ـ عادةً لا أرافق أشخاص لإنه يؤخرونني و لا أحب العلاقات ... ولكن أحيانًا عندما تساعد شخص تلك المساعدة تعود!


قلتها مادةً ذراعي للأعلى أشد عضلاتي .. مازلتُ متعبة وأحتاج لنوم ، نظر لوي لي بغباء شديد لا يفهم ما يدور من حوله كالعادة ، أقسم لو أن الحرب وقعت خلفه والصواريخ تتطايرت من فوقه لترك كل هذه الأمور وجلس على العشب يتأمل الفراشات !


ـ ما أعني في قولي يا أحمق ... أنني سأساعدك حتى تتأقلم في هذه الحياة !


شبكتُ ذراعي بذراعه بطريقة خفية وسحبته نحو أقرب مطعم أقدامنا قد تذهب له ، لم يكن من الصعب عدم ملاحظة تلك الابتسامة اللطيفة على وجهه ... ربما أحتفظ به ، تبدو صحبته ممتعة!







BRB
مع المقطع الخامس