عرض مشاركة واحدة
  #48  
قديم 09-06-2015, 09:53 AM
 


{الفصل العاشِر : أعلَمُ شَيئاً !}

مرَ أيامٌ علي زيارِة رين لها بالمشفي ، مازالت لم تُخبِر أحداً بأمرِ حَملِها هذا ! ولا تدري كيف ستُخبِرهُم فهيّ لا تعلم ماالذي كانَ يحدُث في زَمانِها عندما لم تكُن فيه لكن من الواضِح إنها لم تكُن مفقودَة !!
لكن كيف؟! هل كانَت بِمكانين في ذات الوقت؟! عفواً "زمانَين" ؟! غير مُمكِن!

تتمشي يومياً بالحديقة ثم تعود إلي غُرفَتِها كبقية من دخلوا بمرحلة "التعافي"

كانَت تَقِف أمام زُجاج نافِذِة غُرفَتِها بِهدوء ، تُحدِق بالخارِج بِلا شيء مُعين ، تُمسِك نَفسَها بِذراعيها كامرأة عجوز بلَغَت مِن العُمُرِ أرذَلُه ، أحبَت ! تزَوَجَت ! أنجَبَت ! كَبُرَ أطفالَها ! ماتَ زَوجُها بالحرب ! ولم يعُد ينظُر لها شخصٌ كامرأةٍ من الأساس !! ، هكذا تشعُر سيرين ! بالقِدَم !!

ضوء الشَمس يَنعكِس علي وجهها الشاحِب وعيناها ، ذلك الوجه كانَ خالياً من المشاعِر لكن مُسالِم تَماماً وساكِن ..!
إلي ماذا تنظُر عيناها؟! هيّ تحمل نظرة مُشابِهة لِنَظرِة لاندرين حينَ كان جالِسٌ فوق البُرج ، كيف لها أن تحمِل بعيناها نَظرة مُشابِهة لنظرِة رجُل من العصور الوسطي؟! تلك قِصة أُخري !!

صوت خَطوات ، أحدهم آتٍ ، ألتَفَتَت بِهدوء لِتَجِدُه رين الذي تقدم بثبات أخفي وراءُه شيء من التوتُر ، قد غطَت عيناه نظارَتُه الطبية تلك المرة ، قالَ بِرزانة : أردت أن أعتَذِر عن ذلك اليوم ، قد تخطَيت حدودي ، أنا آسِف !
أقترَبت منهُ قليلاً بهدوء : أنا أيضاً آسِفة !
تعجَب : علي ماذا؟
ردَت بسُرعة وقد خطَفَت نظارَتُه : هذا !!
حطَمتها تحت قَدَمٍ حافية !! ، لا شيء بِرأسها سِوي "أسدينِ خدمة ، حطمي نظارَتُه!!"

أضاءَت عيناه ! بذلك النور ! عكس كُل التوقُعات ! ، أرتَجفَت عائِدَة للخلف ! ، هل كان لاندرين يعلم هذا؟! هل هذا كان مقصدُه من الأمر؟!
أرتجَفَت شفتاها وقد أختفي ثباتُها : من أنت يا هذا؟!!

كانت نظرتُه تائِهة ، قال وقد خَبُت النور : لاندرين !
ليُردِف بسُرعة بعد جُزء من الثانية : رين !!
أمسَكَ رأسُه !! وقد سَقَطَ أرضاً علي رُكبتيهِ أمامُها : لا أعلَم !!

ذلك الشعور ! ، تلفَتَت حولَها ! ، إن تلك الطاقة موجودَة هُنا أيضاً !! في زمانِها !! ، هيّ ترتَجِف بِقوة رُعباً !!

هوَ لا يَفهم إنها تشعُر بالصراع الذي يُعانيه ! ، وجود كِلاهُما في مكانٍ واحِد بتلك الحالة الآن قد يُحدِث كارِثَة !

غطَت عينيها بكفاها وقد بدأ الدَمع يسيل مِنهُما : عُد عندما تعلم من تكون !!

تُري من هذا ؟ تلك الطاقة ! بِمن تربُطها ؟! رين ؟ أم لاندرين ؟! ماالذي يجري !! هيّ نفسها لم تعُد تفهمُ شيئاً !

مرةً تسمعُ شيئاً لكن لا تراه ! والآن تستشعِرُ الأمر لكنها لا تُدرِكُه !

قدَمُها تَنزِف ، زُجاج النظارَة تحتُها ورين تبخَر فالهواء كأنما لم يتواجَد فالمكان قَط !

___

مرَ شهران ، مازالت بالمشفي لِسَبَبٍ ما ، شيء مُتعلِق بالتعافي "نفسياً" لكن لا يُهِم هذا ! ما يُهِم الآن إن بطنها كبُر !!.وقد أخبرن المُمرِضات أبويها إنها بِلا شَكٍ حامِل !

الموقِف سيء ! ، وقَفَ السيد جارود مُكتِفاً ذراعيه علي صدرُه أمامها بينما جلست السيدة سينا بتوتُر علي كُرسي مُجاوِر لسريرها ، جوليو ولوكي أيضاً واقِفان علي جانبي باب الغُرفة بِترَقُب !
-لن أُكرِرها مرة أُخري سيرين !! من والِد الطِفل !!

لا شيء لديها لِتُخبِرُه إياه ! ، "رأيتُ رجُلاً في منام ! هذا والِد طِفلي!!" إجابة غير شافية !!
إذن "والِدُه راهِب من العصور الوسطي!"
غير قابِلة للتصديق أيضاً !!

أستَمرَت بالتحديق في حِجرِها بِصَمت ، تَعصِرُ كفاً بِداخِل الأخَر !
حتي ألتقطَت أُذُنيها ضجيج قادِم من مدخل الغُرفة الواسِعة : من أنت ؟!
كان هذا جوليو يسألُ شخصاً ما لبث أن أنكشَفَت هويتُه ! ، قد دخل في نِهاية جُملِة "من والِدُه" مُصَرِحاً بِشبه صَرخة : أنا والِدُه !!
تلقي علي إثرَها لَكمة من السيد جارود !

ماالذي يفعلُه [رين] هُنا؟! لماذا قالَ ذلك؟! لا شكَ إنهُ أنقذها لكنهُ قد تورَط الآن !! ألا يتذكَر الخِلاف بين العائلَتين؟! لقد ألقي بِنفسُه عن حافِة الهاوية الآن ! ماكسويل سيكرهونُه للأبد !!

-هل يعلَم أبوكَ عن هذا؟!
كانت العصبية واضِحة في صوت السيد جارود ليرُد رين وكأن اللكمة التي تلقاها للتو لم تحدُث : ليس بعد ! سأُخبِرُه !
وفاللحظة أخرَج هاتِفَهُ المحمول ليتَصِل بأبيه ؟!
سَحبَت سيرين نفساً ، إن الأمر يخرُج عن السيطرَة !!

/وجه خالٍ من المشاعِر : نعم ماتيلدا إنهُ أنا ، رين ! هلا أعطيتنِ أبي؟!
قلَبَ السيد جارود وجهُه لجهة أُخري بإمتعاض ! ، أكانَت تلك سيكرتيرة والِدُه؟! لماذا تُجيب علي هاتِفُه الخاص؟!
نِصف إبتِسامة : هيه أبي ! أحذِر ماذا !!
صوتٌ من الهاتِف لم يسمعهُ أحَد غير لازوردي العينان : رين! أنا غير مُتفَرِغ لِهُراء الأطفال هذا!!
جدية مُفاجِئَة : أبي ، إنّ أبنَك علي وشكِ أن يُصبِحَ أباً !! هلا تركت الشِركة وأتيت؟!
صدمة خفيفة علي الجانِب الأخَر : أينَ أنتَ؟!
-سَجِل عِندَك ، مَشفي (.....) الواقِع بشارِع (......) ، غُرفة رقم (306)
نبرَة ساخِرَة : أحضِر أُمي معَك مِن إحدي مُناسَبَتِها التي لا تنتهي !

هل أُغلِق الخَط بِوجهُه الآن؟!/

إنهُ محظوظٌ كون جانِبُه من الحوار وحدُه المسموع !

بعد ساعتين ، والكثير من الثرثرة الغير مُتفَق عليها !! كان رد السيد ماكسويل الأخير إنهُ لن يوافِق علي تسجيل الطِفل بإسم إبنُه إلا بعد تحليل الحِمض النووي وقد كانَ ثابِتاً جداً حينَ قالَ هذا !!

أما رين فَزَفَر وكأنهُ يتسائَل "لِماذا عليهم أصلاً أن يتدخلوا؟! ألسنا كِباراً بما يكفي لِنختَر بأنفُسِنا كيف نَقضي أعمارُنا ؟!"

-هل يُمكِنُنا الآن أن نتحدَث علي إنفراد؟
نهضَت السيدة سينا لِتَسحَب زَوجها من يدُه بينما رَشَقَت حرم السيد ماكسويل إبنها بنظرة مُشمَئِزَة كالخنجر القاتِل ! ، لم يتوقَع شيئاً أقل من سيدِة المُجتمَع الراقي والطبقة الأرسطوقراطية !

ثوانٍ وخلَت الغُرفَة ليُغلَق الباب خلف الراحلين !

جلسَت بِترقُب ، بقي صامِتاً ! ، أمتَدَت يدُه لِتُرَبِت علي يَدها فما كانَ مِنها إلا أن سَحبَتها بِذُعر ! : من أنت؟!
ألتَمعَ بريقٌ من الأمل في عينيها : هل أنتَ لاندرين؟!
مازالَت تأمل هذا رغم كَون كُل الأدِلة تُشير في إتِجاهاتٍ أُخري !
أخفَضَت بصرها لِحِجرَها مرة أُخري : أم رين؟!!
دُعاء قَلبِها لا ينقَطِع راجياً ألا يكونَ رين !!

قلبَها ينبِض بِقوة وكأنهُ يودُ الفرارَ مِن سِجن الضلوع والخروج للركض بحُرية فالكون الواسِع !
بِماذا سيرُد!! ، ثوانٍ بدت كأعمار أُخري علي عُمُرِها شَيبَتها !!

حتي نطَقَ : كِلاهُما !! أنا كِلاهُما !! وكِلاهُما شَخصٌ واحِد !!

تجاهلَت اللا مَنطِق في كَلامُه بنوع من التحيُز الإنفعالي : أتعني أنكَ لاندرين؟!
-نعم !
كانَ هذا كُل ما أحتاجتهُ لِترمي بِنَفسِها بينَ يديهِ !! ، تمسَكَت بِظهر قميصُه بقوة وكإنها تخشي أن يطير : أين كُنت!؟
زَفَر وهوَ يضُمَها : قِصَة طويلة إختِصارَها "متي كُنت!"

إبتَعَدَت لِتنظُر في عيناه : أشرَح كُل ما تعلَم لأني علي وشكِ أن أفقِدَ عَقلي !!
قامَ بِعدل الوِسادَة خلفَها ليُمسِك بيدها ويُقبِلها بعدها أبقاها بين يديه ! تماماً كما كانَ يفعل لاندرين : مُنذُ عامان كُنا في هاواي نقضي العُطلة ، رَفضت العودَة معهُم وقضيت الليل أمام الشاطيء ، رأيتُ نَجماً .. يَلتَمِع بِقوة ! ، بدا لي الأمر وكأنهُ يقتَرِب ! حتي سقَطَ عليّ !! ، في صباح اليوم التالي كُنت نائِماً علي رِمال الشاطيء ، مُصاباً بالرَشح ولا شيء أخر !! ظننت أنني كُنت أتوهَم ! .. لكن ..

بدا كُل ما قيل وكأن [رين] يتحدَث ! ، وتَرَها الأمر ! فليس هذا من تزوَجَت ! ،أستَشعَر إستغرابِها لكنهُ لم يتحدَث فقد إعتادَتهُ راهِباً بقلنسوة ! كيف يتوقع منها التأقلُم بسُرعة؟!

إزداد تَركيزَها حين وصَل للجُزء الخاص بالتفسير : ما أعلمهُ الآن أن الطاقة التي سَقَطَت عليّ بذلك اليوم قامَت بِقَسمي !! بقي نِصفي هُنا والنِصف الأخَر رُمي بِبُعدٍ ثانٍ !!
تعجَبَت : [بُعد] ؟!
تابَع : نعم ! وقد قامَت نفس الطاقَة بِقَسمِك أنتِ أيضاً !!
قاطَعَت بسُرعة : لا ! أنا لا يوجَد مني إثنان !
أعترَض : بلي يوجَد !! ، لكنكُما تبادَلتُما الأماكِن!/الأبعاد!

وكإن هذا قد أضاءَ مِصباحٌ ما بِرأسَها : أتقصِد إنهُ للشهور الماضية كانَت فتاةٌ من الماضي تَحِلُ محلي؟! أعني! فتاة من [بُعد أخر يُشبِه الماضي] آآآه !! أنتَ تفهم ما أعني !!
نظرَ لها بتمعُن : كُنتِ تتصرفين بغرابَة وكأنكِ لستِ .. من هُنا .. كُنت أراكِ مع لورا ، بدوتِ حزينة مُعظَم الوَقت علي غَير المُعتاد لكني لم أُفَكِر وقَتَها !!
رَبَطَت الأمور أخيراً : لاندرين ! أعني أنتَ فالبُعد الأخَر !! كانَ يعلم كيف يربِط [نِصفاك] !! كانت النظارَة هيّ المِفتاح !!
فرك رين جبهتُه : إنّ لاندرين ذكي جِداً وأصابني معرِفة كُل ما يعرِفُه بالصُداع لأيام !!
قاطَعَت بسُرعة : ماذا عني؟! لا بُدّ أنّ نِصفي الثاني قد عادَت إلي زَمانِها وهيّ مسجونَة الآن !! كيف أتَصِل بِها؟! كيف أعلم ماالذي كانَت تفعلُه هُنا؟! لِماذا قفَزَت من الدَور العشرون؟! أنا لا أفهمُ شيئاً !! يُفترَض إنها أنا لكن أنا ما كُنتُ لِأفعَلَ هذا!!

أستَمرَ بالتحديق في عَينيها لثوانٍ : فقط لو .. رُبما كانَت تقصِدُ شيئاً أخَر مِما فعلَت؟!
صمَت لثانية ثُم تابَع : إن الأحداث في هذا البُعد والبُعد الأخَر مُتزامِنَة !! حين تم سجنِك دخلتِ المشفي هُنا وحين تم إتهامي بالخيانة تم رَفدي من الجامِعة !!
نطقَت بصدمة : رين العبقري تم رفدُه؟!! لماذا؟!
رد بلا مُبالاة : شِجار عنيف مع أحد الأصدقاء القُدامي ، تشادو ..!

سادَ الصمت لثوانٍ : فقط فكري ! لماذا قد تفعلينَ هذا؟!
أغمضَت عيناها بتركيز : قد كُنتُ .. أبحَث عن [مخرج] من ذلك الزمن/البُعد !!
شبه صرخت : فقط كيف وجدَت في [هذا] مخرجاً؟! حقاً من الصعب تقفي أثري ! لو أنّ لنا شيئاً يفتَح رأسي علي رأسَها كما فعلت أنت ولاندرين !!
طمئَنَها : هيّ وهوَ من نفس البُعد وكِلاهُما هُناك الآن !! تلك حياتَهُما وتحدياتُهما !!

خَفَقَ قلبُها ! ، هل ذهب لاندرين فِعلاً بلا رجعَة؟!! ، وكأنما رين قرأها : تباً !! إنهُ أنا!! أنا !! ماذا!! هل تزوجتِ مني نِصفاً فقط؟!
أضحكها هذا ولم تكُن قد ضحِكَت مُذ فترة طويلة فتلاشي غضبُه ، صمَتا مُجدداً حتي كسرَت الصَمت : رأيت أبي وأمي وأخوتي في ذلك البُعد !!
طأطأ عُنُقُه ليُصدِرَ صوتاً : لستُ مُتأكِداً ، لكني أعتَقِد إن تلك الطاقة تسري فالجميع !!
قضَبَ حاجبيه : وفي كِلانا بشكل أكثر من الطبيعي ؟
دورها في تقضيب حاجبيها : أتقصِد أن الجميع يعيشون في بُعدَين بنفس الوقت لكنهم لا يعلمون؟!
صمتَت لِتُتابِع : لا أحد يعلم غَيرُنا؟!
ترَدَد : أتَظُنين إنهُ قد تَم إختيارُنا؟!!
إنتَشَر الذُعر فيها : مِن قِبَلِ مَن؟! ولِماذا؟!!
أخفَضَ بصرُه للأرض : لا أعلَم ..!
تردَدَت : أعتَقِد إن هُنالِكَ أخرون ..!

___

غُرفِة العمليات ! ، أكثر من سِت ساعات ! ، رين عالِقٌ فالزِحام وإشارات المرور !! سيرين تَلِد !!
الكثير من العَرَق ، تعاليم أطِباء وأدوات طبية !!

صُراخُ طِفلٍ ملأ الغُرفة متبوعٌ بأصوات صُراخ أُخري قادِمة من اللا معلوم ! ، لا أحد يسمعها غيرُها !، نفس الصوت الذي سَمِعتهُ فالزِنزانَة قبل أن تعود لِزمانِها !!
-دكتور ! إن أُذُنيها تَنزِفان!!

وَضَعَت سيرين واحِداً مع واحِد وجمعتهُما ، لا بُدّ إنها ستعود للماضي مرَة أُخري !!
أمسَكَت بيدِ والِدَتِها التي كانَت تقِف علي يمينِها بِقوة جَعلَت عسلية العينين تُرَبِت علي ظَهرِها بِحنان ظناً مِنها إنها تُعاني آلام الولادة ! بينما جَذَبَت لورا مِن ثيابِها لِتَهمِس بأُذُنَها : أذهبِ للخارِج ! إن وجدتِ رين أحضريه !!

خرجَت لورا علي غير هُديً ولِحُسن الحَظ دَخَلَ في تلك اللحظة لاهِثاً وقد جاء رَكضاً : كيف هيّ؟!
-لقد وَضَعَت طِفلاً جميلاً ! وتُريد رؤيَتَك الآن!!

في رأسَك لحظَة جميلَة يحمِل فيها الأبوان طِفلَهُما ويبتَسِمان؟
أنس هذا !! ، فأول شيء نطقت بِهِ سيرين عندما دخل رين الغُرفة كان : أمي؟
جَعَلَ هذا سينا تَنتَبِه : خُذِ الطِفل !
ثُم نَظَرَت للجميع : وأنتُم أخرجوا جميعُكُم !!

كانَت هادِئَة جِداً حينَ قالَت هذا ليس وكأنها كانَت للتو تَلِد ! أردَفَت مُحاوِلَة إضافِة بَعضٌ من الأدَب علي جُملَتها : نحتاج أن نتحدَث ..!

أومأ الجميع مُتفَهمين ليُصبِح المكان خالياً في ثوانٍ ! ، الغريب إنها كانت تُحاوِل إختلاس النظر للطِفل الذي بيدِ أُمِها ؟ بدت لرين قَلِقَة وكإنها لن تراه أبداً !! مما دفعُه لإختلاس بعض النظرات هوَ الأخَر ..!

جلَسَ إلي جِوارِها علي السرير لُيريح جبهتُه علي جَبهتها وينطِق مع إنغلاق الباب : أفصِحِ عن ما تَكتُمين الآن !!
أغمَضَت عيناها : سَوفَ أعود !
رَمَشَ دون إستيعاب : ماالذي تعنينُه؟!
بدأت بالعبَث في شعرُه وكأنها تُحاوِل تخفيف الصَدمة : ذلكَ الصَوت الذي سَمِعتُه قبل أن أعود إلي زَمَني ، لقد سَمِعتُه مُجدَداً اليَوم وأنا ألِد ..!
رين يعلَم مُسبَقاً عن هذا الأمر فقد حَكَت لهُ عنهُ !

وكأنّ أحدَهم قد سَكَبَ ماءً بارِداً عليه : لكنكِ قد وَضَعتِ الطِفل بالفِعل ألن يُعدِمونِك هُناك؟!
حاوَلَت التَربيت علي ظهرُه لتواسيه لكنهُ أبتعد بسُرعة ناهِضاً ! لِترُد بلا أكتِراث : أعتَقِد أنّ شيئاً واحِداً في حِسبَتُك كانَ خاطِئَاً !!
ظلَ صامِتاً كمن يقول "ما هوَ" فتابَعَت : أنّ تحدياتُهُم تخُصُهم !! أليسوا نَحن؟! إذن ما يَخُصُهُم يَخُصُنا !!
جلَسَ علي كُرسيٍ قريب ليُمسِك رأسُه بين كفيه : نِصف راهِب ، نِصف عرافَة؟

ماذا الآن؟! هل ستعود سيرينا إلي ذلك الزمن الذي لا تفهمُه وتذهب سيرين إلي الماضي لكن بدون تذكرة للعودَة؟!
ماذا عليهِ أن يَفعَل؟! هل عليهِ مُساعَدِة "النِصف القديم من زوجتُه" فالتأقلُم؟!
لكن سيرين سَتُعدَم؟! ماذا سَتُصبِح بعدها؟! نِصف حية نِصف ميتَة!!؟

نَطَقَ فجأة : لا ! لن أقبَلَ هذا !! علينا بِفعل شيء!! علينا أن نوقِف الأمر !!

ردَت ببلاهة : مِثل ماذا؟! العودَة للماضي لِمُساعَدِة أنفُسنَا؟!
هزَ رأسُه نافياً بِحَزم : ما مِن أحَدٍ سيُغادِر مكانُه مرة أُخري !! علينا إخبار أنفُسنا بالماضي "آسِف لا أستطيع الحياة بدلاً عَنك لديّ أموراً أُخري أهم!!"
أردَفَت مُذَكِرَة : لَكِنَهُم إن ماتوا فسنموت !!
ألتَمَعَت عيناه بتلك النظرَة التي تعرِفها جيداً : لا ، موتُهُم سيجعلنا أنصاف أحياء ! كي نُقتَل فِعلاً يجب أن نُقتَل مرَتان !!
سَخرَت : ماذا؟ هل هيّ لُعبَة؟!

لم يَتَسَني لهُ الإجابَة ! ، أمسَك رأسُه بآلم !! لتصيح فيه : رين ! رين !
رفَع رأسُه لعيناها القَلِقَتان بعد ثوانٍ : لقد رأيتُ شيئاً !!
نطقَت بسُرعة : ماذا؟!
-لن يُعدِمونِك الآن !! لأنهم لا يستطيعون إيجاد مُرضَعة للطِفل !!
شَقَت البَسمَة وجهُها : يتم فِطام الأطفال بعد عامَين!!
أختَفَت إبتسامَتُه : حسناً ، لديكِ شهرانٌ فقَط ! لكني مُتأكِدٌ إننا سنجِد فيهُما شيءٌ ما ..!

أنفَتَحَ الباب لِتَدخُل مِنهُ لورا بِلا إستِئذان وبين يديها الطِفل ، صاحَت بِمرَح : بِرَبِكُم ألا تُريدونَ رؤية هذا الجميل؟! بالمُناسَبَة ندعوهُ آلين !!
ضَحِكَ رين بينَما أبتَسَمت سيرين ولورا تُناوِلها الطِفل ، يبدو إنهُما سيحظونَ باللحظة السعيدة فالنهاية!!
تَذَمَرَ رين : لقد قاموا بإطلاق الأسماء عليهِ بالفِعل ! أيُرضيكِ هذا؟!
كانَت هادِئة جِداً بإبتسامتها تلك وهيّ تنظُر للطِفل : آلين أسم جميل ، ليكُن آلين ..!
شيئاً ما في تلك اللحظة بِرمتها جعل لِسانُه يَنعَقِد ! ، وكأنهُ لا يُصَدِق أنهُ حَصَلَ علي كُل هذا في يَومٍ وليلَة ! ، يُريد الإحتفاظ بتلك الصورَة في عقلُه للأبد ! ، التَعبير شيء غامِض لأن الحُب الذي يشعُر بِهِ لا يُمكِن التَعبير عَنهُ !!

___

مرَ أسبوعٌ ، أعتادَت المشفي بالفِعل ! حتي إنها قد تستَغرِب عودَتها لبيتِها ! ، الجميع مُجتَمعين ! ، والديها ووالدي رين !
ينتظِرون نتيجة إختبار الحمض النووي ! ، رين نفسُه غير موجود فالحاضرين !!
مازالَ يعمل ! ، بدأ فالعمل حينَ تم رفدُه من الجامِعة ، هوَ لن يبقي بلا شيء يفعلُه !!
لكنهُ لحُسن الحَظ لم يُفصَل للأبد !

وَقَفَت تحمِلُ طِفلَها بِصَمتٍ وكإن الأمر الذي ينتظِرهُ الجميع لا يعنيها ! ، أخفَت وراء هذا الثبات قلقٌ !! ، ماذا إن لم يكُن آلين أبن رين؟! لكن أبن من سيكون؟! لاندرين!! كِلاهُما شخصٌ واحِد !! مازالت تُكرِر هذا علي نفسها ! ليس الأمر وكإنها تجِد صعوبَة فالأقتناع ! إنها فقط .. تَنسي !

دخل رين مع ظهور النتيجة ! التي كانت إيجابية ! ، نعم الطِفل طفلُه !! ، تلك المرة تلقي لكمةً من أباه نفسُه لا السيد جارود ! رُبما كان يتمني ألا يكون أبنُه بشَكلٍ ما ..!
كيف؟ هل يعتقد إن أبنُه مُجرد شخص ساذِج قد يتم إقناعُه بشيء كهذا إن لم يكُن الطفل إبنُه فعلاً؟!

أعطَت آلين لوالِدَتها بِسُرعة لِتهرَع إلي جِوار ذلك الذي أرتمي أرضاً من اللكمة ! ، ساعَدَتهُ علي النهوض ، كانَت غِرَتُه تُغطي جبهتُه وعيناه تماماً بعد أن تبعثَرَت ، لم يجد شيئاً يبصُق فيه الدماء التي سالَت بداخِل فمُه بسبب تأذي ضِرسُه إلا الأرض ففعل !! ، مسَح فمُه بِكُم قميصُه ليُخرِجَ شيئاً من جيبُه !! ، خاتِم؟!
إنهُ جميل !

سَحَب يَد سيرين المُتَجَمِدَة من الصَدمة ليُقَبِلها ويَضَع فيها الخاتِم الذي علي الأغلب لم يُساعِدُه في ثَمنُه أحد ! ، أبتَسَم وهوَ يسحَب رأسُه لِحُضنُه ليهمِس بشيء لم يهتَم إن سَمِعُه غيرَهُما : سأتزَوجِك ملايين المرات إن لَزِم الأمر ! ، لا فقط مرتان !!
ضَحِكَت لِتَمسَح دِمعِة سعادَة من عينِها ! ، كانَ جميع الحاضرين ينظرون لهم ، فقط لماذا يُعارِضونَهم بِشِدَة إن كانوا سُعداءٌ معاً؟!

وكإن الجميع قد قرر بصمت في تلك اللحظة أن "لا مُعارَضَة" بعد اليوم !!

___

أسبوعٌ أخَر ، ستخرُج من المشفي اليوم ، كانت تحزِم أمتِعَتِها ، السيدة سينا غادَرَت المشفي ومعها آلين ، أنتهت سيرين من حزم أشياءِها وبدأت في إنتظار رين فهو يُفتَرَض أن يوصِلها !
لم يتحدثا عن الإستقلال والإنتقال من بيوت أهليهما مرة واحِدة ! فهُما قد يموتان أصلاً عما قريب !!

عندما وصَل وجدَها تَقِف بنَفس الطريقة التي كانَت تقِف بها فاليوم الذي حطَمَت نظارَتَهُ فيه ! ، إنها تُفكِر !!
أقترَب ولم تشعُر بِهِ ليَضُمَها من الخلف : وصلتِ لشيئاً كارثياً ، ما هوَ؟!!
دارَت لِتُقابِلهُ وتضُمُه مرة أُخري ، همَسَت وقد شَبَكَت يدَيها حول عُنُقُه : يجب أن نهرُب قبل أن نُقتَل !!
رَدَ بجدية : ماذا تعنين؟!
أردَفَت : إن الأحداث مُتزامِنَة ، إذن لا بُدّ إن شيئاً سيُحاوِل قتلُنا هُنا !! فكِر بالأحتِمالات !!
سَخِر : إذن ماذا؟! لِنَنتَحِر قبل أن يقتلوننا !!
تمتَمَت بعد أن أبعدَتهُ وهيّ تنظُر لعيناه بجدية : بالضَبط .. !
ساد الصَمت لثوانٍ حتي تابَعَت : أعتَقِد إن هذا ما كانَت تُحاوِل سيرينا فِعلُه ! لقد توصَلَت إلي الكثير من الأشياء وحدَها !! ، ألم تقُل إنهُ كي نُقتَل يجب أن نُقتَلَ مَرتان؟! سيرينا ولاندرين لا يستطيعان الهرب !! لكنهما مرتبطان بِنا !! ماذا إن هربنا نحن؟! ألن يُساعِدهُما هذا؟! مُتأكِدَة إننا إن قَفَزنا من فَوق سَطح بِناية فإننا لن نموت !!

كانَ جاداً حينَ نطَق : إذن ماالذي سيحدُث لنا؟!
تلَعثَمَت : أنا .. لا أعلم ..!
سادَ الصمت مرَة أُخري حتي زَفَرَ : ماالذي ننتَظِر من أجلُه هُنا؟!
توتَرَت : ماالذي تعني؟!
أجاب دونَ أن يهتَز : لِنَصعَد للسَطح ونَقفِز !!
قاطَعَت : مهلاً !! فلتبق أنت !! ماذا إن مِتُ فِعلاً؟! من سيُربي آلين؟!
بلا أكتراث أجاب : لديهِ أُمِك وأُمي !!

صَمتٌ أخير طويل !! ، صَعِدا بالمِصعَد ، كُلٍ مِنهُما يُمسِك بيد الأخَر في ثَبات !! إنهُما مجنونان بِلا شَكٍ مجنونان !!
إنفَتَح الباب !! ، أمسَكَت بِكُمُه بِسُرعَة وكإنها تُحاوِل إعادَتُه لينظُر لها بدهشَة : ماذا؟!
ردَت بجدية : كيف أعلَم إنكَ حقيقي؟!
زَفَر : ألم نخُض هذا النِقاش قبلاً؟!
تابَعَت : كادوا يقومون بتحويلي لِقسم "الأمراض العقلية" ! أظُن إنهُ من الطبيعي أن أحظي بِشكوكٍ !! ماالذي يُدريني أني لستُ أُهلوِس كُل شيء!!
عادَ للمصعَد ليُغلَق الباب خلفُه : أرجوكِ ! وكأن كُل هذا فيلماً من خيال المؤلِف!!
بتساؤل أجابَت : حسناً !! ألا يبدو الأمر كُلُه لك نوع من روايات الخيال العلمي؟!
هيّ تُماطِل !! هذا ما تفعَل !!
أقترَب لتعود للخلف ويريحَ جبهته على جبهتها قليلا :
نعم الكثير من الخيال العلمي !!
عادَت للتلعثُم بعد ضِحكَة : حسناً ، بدا هذا حقيقياً !
أستَنَدَت عليه لِتُتابِع : أتعتَقِد إننا في حالة من الـ ..
أستَحَثها علي التحدُث : الـ ماذا؟!
ضَحِكَت ببلاهة : الهلوَسة الجماعية !!
هُنا إنهار كِلاهُما ضَحِكاً ليجلِسا في أرضية المِصعَد ! ، لا أعصاب تستطيع إحتمال هذا !!

نهَض ليمُد لها يدُه : فقط أنهضِ !! أخِر ما نحتاجُه الآن أن يتَعَطَل بِنا المِصعَد !!
أحمَر وجهها من كثرِة الضَحِك : يبدو أني سأموت سعيدَة فالنهاية !!

___

فوق ! ، فَوقَ سَطح بِناية عالية وَقَفَت شابَةٌ تُحيطُها ذِراعان لِتَضُماها مِن الخَلف ! ، لا تستطيع مواجَهتُه في تلك اللَحظة !!

مرَت نِسمَة لِتَعبَث بِخُصُلاتِها البُرتُقالية ، بَلَعَت ريقَها بِخوف ! ، ياللإرتفاع الشاهِق !!

أقشَعَرَ بَدَنَها لِتَضُم الذِراعان اللتان تُحيطانِها : أمُتأكِدٌ أنكَ تُريدُ أن تَفعَلَ هذا معي؟
ضَمَها [رين] بِقوة أكبَر ! : نعم !!

ترَدَدَت : تعلَم إنكَ لستَ مُضطَراً أن تؤمِن بِما اؤمِن بِه أو تُفكِر مِثلي أو ..
قاطَعَها : أتيتُ مِن نَفس المكان الذي أتيتِ مِنهُ !! أنا لا أفعل هذا لِأكون فقط مَعكِ !! كُنت سأفعَل هذا علي أي حال !!

فجأة أندَفَعَت بِقوَة خارِج ذِراعيه لِتقفِز وَحدَها ! وكأنها تُريد ثَنيُه عن الأمر !

لَكِنهُ كانَ أسرَع في قَفزُه خلفها وإمساكِها من جديد ليَدفِسها في حُضنُه جاعِلاً من ظَهرُه الشيء المُقابِل للأرض !!
وكإنّ هذا سيجعل ألم السَقطَة أخَف !! أو يؤجِل مَوتها دقيقتان فيموت أولاً ولا يَشهَد مَوتَها !!

هل تِلكَ حقاً النِهاية ؟! ما تَعريف النهاية ؟!

رُبما .. النِهايات ليسَت إلا بِداياتٌ أُخري ؟

هل [سَيُنقَذون] ؟!

أم أنهُما [لا يحتاجان] الإنقاذ ؟!

-النهاية..!


التعديل الأخير تم بواسطة imaginary light ; 10-15-2015 الساعة 01:20 AM
رد مع اقتباس