09-13-2015, 06:46 PM
|
|
و ما من شك في أن أصدقاء أينشتاين كانوا يدركون بأنه عبقري فعلاً , و أنه كذلك يتصف ببعض الطباع الشاذة , مثلاً لا مبالاته التامة بهندامه. ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يعرفون فيه الدماثة والمودة , وقد كتب أحد أصدقائه المقربين, و هو فيزيائي يدعى ليوبولد انفلد , في كتابه آلبرت آينشتاين , بأنه لو كان بإمكان امرئ مقابلة آينشتاين من دون معرفة أنه آينشتاين , لاسترعى انتباهه مع ذلك منظر عينيه المشعتين و روح النكتة التي يتحلى بها وكون "ما يقوله في أي موضوع منبثق عن تفكيره الخاص غير متأثر بنعيق العالم الخارجي".
لقد كان آينشتاين دوماً من محبي السلام . و حتى في حداثته كان يمقت الحرب و التنظيم العسكري الذي يلازمها . و حين كان يشاهد استعراضات الجند كان يحس برغبة في أن لا يصبح قط أحد هؤلاء "الناس التعيسين". و كان يساور والديه القلق بشأنه لبطئه في تعلم النطق و لتجنبه اللعب مع الأولاد الآخرين و لانخفاض درجاته في المدرسة.
ولد آلبرت آينشتاين في أولم من أعمال جنوبي ألمانيا في الرابع عشر من آذار (مارس) سنة 1879. و انتقل والده إلى ميونيخ عندما كان في الرابعة من عمره , حيث مارس والده هرمان آينشتاين التجارة . و قد أرسله والده إلى مدرسة ابتدائية كاثوليكية . فتعلم في هذه المدرسة مقداراً لا بأس به عن الدين الكاثوليكي . و لكنه لم يبرز في المواضيع الأخرى , و لا سيما في اللغات التي كان يستصعبها . و كان نظام المدرسة الصارم بغيضاً إلى نفسه , كما كان يكره استظهار المادة كي يعيدها فيما بعد بشكل آلي حين يطلب المدرس منه ذلك . و قد كان خجولاً و فيه شيء من روح المناورة . و في كلتا المدرستين الإبتدائية و الثاونية اللتين درس فيهما اعتبره مدرسوه بليد الذهن .
و عندما كان آينشتاين في الثانية عشرة من عمره قرأ كتاباً مدرسياً في الهندسة ترك أثراً كبيراً في نفسه . و عقب ذلك بسنوات عديدة ذكر آينشتاين ذلك الكتاب المدرسي في ترجمته لحياته , فأسماه "كتيباً مقدساً" لما بعث في نفسه من ذهول ودهشة حين رأى أنه بالإمكان "التوصل إلى معرفة يقينة في القضايا الاختيارية عن طريق الفكر المجرد". و أضاف قائلاً في ترجمته بأن هذا الذهول كان يرتكز على أسس خاطئة , ومع هذا فقد ظلت ذكراه عالقة في ذهنه مدى العمر.
و واصل مطالعة كتب في الرياضيات في صباه كما علم نفسه حساب التفاضل و التكامل. و قرأ "باهتمام بالغ" كذلك كتاباً في ستة مجلدات يلخص الاكتشافات العلمية حتى ذلك التاريخ . و ما أن أصبح في الخامسة عشرة من عمره حتى كان قد أيقن أنه يرغب في التخصص في الرياضيات والفيزياء .
في هذه المرحلة تضعضعت الأحوال المالية لهرمان آينشتاين . و إذ أصيب بالإفلاس , قرر مغادرة ألمانيا و بدء حياة جديدة في إيطاليا؟ و ترك آلبرت وحده في ميونخ كي يتم دراسته. فتولاه شعور بالتعاسة البالغة , إذ أصبح يعاني من شرين: شر المدرسة وشر الوحدة الأشد وطأة عليه؟ و كان على وشك مراجعة طبيب كي يحصل منه على تقرير بأنه يعاني من إرهاق عصبي يلزمه على قضاء استراحة و استجمام مدى ستة أشهر في إيطاليا , حين حلت المدرسة مشكلته بأن طلبت إليه مغادرتها , إذ أن لا مبالاته بالدرس كانت تشكل أسوة سيئة بالنسبة إلى الطلاب الآخرين. و هكذا التحق آلبرت بعائلته في ميلانو .
و قد شغف بإيطاليا - بالفن والموسيقى و الجو الهادئ غير الصاخب المنتشر في ربوعها . و لم يكن قد شعر بأية روابط وثيقة تربطه بألمانيا , فقرر الآن التخلي عن جنسيته الألمانية. و في أثناء عطلة الستة الأشهر هذه قرر كذلك امتهان التعليم و اكتساب معيشته, إذ أن دخل والده لم يكن كافياً لإعالته. و قد بدا له أن تلك المهنة هي أقل المهن احتمالاً لأن تتعارض و ما يرغب في القيام به , إلا و هو مواصلة دراسته الخاصة للرياضيات والفيزياء , و كان جل ما يطمح إليه طيلة حياته هو أن يترك و شأنه , و أن يكون له متسع من الوقت كي يقوم بعمله الخاص الذي لا يسعه أن يقوم به إلا على إنفراد.
و كي يعد نفسه للتدريس تقدم بطلب لدخول المعهد التقني الفدرالي في زيورخ , سويسرا. و على الرغم من أنه حاز على درجات عالية في الرياضيات إلا أنه قصّر في امتحان الدخول نظراً لمعلوماته الضئيلة في علمي النبات و الحيوان و في اللغات. فاضطر إلى العودة للدراسة الثانوية والتحق بمدرسة في سويسرا . و بعد مضي عام عام فتقدم بطلب لدخول المعهد التقني و اجتاز الامتحان هذه المرة.
و لم يدل سجل علاماته على أي تفوق في المعهد كذلك . فكان يؤدي ما يطلب إليه من دروس, إلا أنه كان يوجه معظم نشاطه و اهتمامه إلى دراساته الخاصة؟ و نتيجة لسلوكه المستقل هذا خسر وظيفة في المعهد كان بأمس الحاجة إليها حين التخرج.
و في أثناء الدراسة في زيورخ تعرف آلبرت إلى مليغا مارك, إحدى زميلاته في الدراسة , و هي فتاة هنغارية شديدة الاهتمام بالفيزياء. و قد تزوج آلبرت ومليغا سنة 1901 (وأنجبا ابنين فيما بعد) و أصبح آلبرت مواطناً سويسرياً في السنة نفسها.
و في السنتين التاليتين لتخرجه من المعهد ظل آينشتاين يتنقل بين وظائف مؤقتة في التعليم تتخللها مراحل بطالة. و ببالغ الجهد تمكن من سد حاجات معيشته إلى أن حصل على وظيفة ثابتة ذات دخل منتظم . و الأهم من ذلك أن تلك الوظيفة لم تكن تتعارض مع عمله الخاص؟ ففي ساعات عمله كمراقب في دائرة تسجيل الاختراعات التابعة للحكومة السويسرية الفدرالية كان يجد متسعاً من الوقت بين تسجيل و آخر لأن يهتم خفية بنظرياته؟ وفي سنة 1905 حين كان في السادسة و العشرين من عمره قام بنشر نظريته النسبية الخاصة. ممنوع الرد |
التعديل الأخير تم بواسطة ĎĨ₫ϊ.Ǿ ; 09-13-2015 الساعة 07:02 PM |