عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 09-27-2015, 08:03 PM
 
-

الفصل الثامن
-1-

انضمّ بلور إليهما بسهولة، وقد أبدى موافقة فورية على نظريتهما
فقال: إن ما تقولانه عن هذه التماثيل الخزفية
يجعل الأمر مختلفاً تمام اً. إنه جنون! ولكن يوجد شيء واحد فقط:
ألم يخطر لك أن أوين ربما كان ينوي تنفيذ فكرته
بتوكيل شخص آخر للقيام بذلك؟

- أوضِحْ فكرتك يا رجل.
- حسناً، أعني أنه بعد الضجة التي حدثت مساء أمس انفعل هذا
الشاب مارستون وسممّ نفسه، وروجرز اهتاج
أيضاً فقتل زوجته ، وكل ذلك طبقاً لخطة أوين.

فهزّ آرمسترونغ رأسه وأعاد تأكيد النقطة المتعلقة بالسيانيد،
ووافقه بلور، فقال: أجل، لقد نسيت ذلك، السيانيد ليس
مادة يمكنك أن تحملها معك عادة ، ولكن كيف دخلَت كأسه يا ترى؟

فقال لومبارد: لقد فكّرت في ذلك. مارستون تناول عدّة كؤوس من الشراب في
تلك الليلة، وكان بين الوقت الذي تناول فيه الكأس الأخيرة والوقت الذي أنهى فيه الكأس
التي سبقتها فجوة وقتية، وخلال هذه الفجوة كانت كأسه
موضوعة على إحدى الطاولات، وأعتقد أن كأسه كانت
على الطاولة الصغيرة قرب النافذة، وكانت النافذة مفتوحة
وبوسع شخص ما أن يدسّ جرعة من السيانيد في الكأس.

قال بلور بعدم تصديق: دون أن يراه أيّ منّا؟!
فقال لومبارد باقتضاب : كنّا جميعاً معنيّين بشيء آخر إلى حد ما.
قال آرمسترونغ ببطء: هذا صحيح، لقد أخذنا بغتة.
كنّا نتحرك وندور في الغرفة نتجادل ساخطين منشغلين كلّ في
شأنه، وأعتقد أنه كان بالإمكان فعل ذلك.

هزّ بلور كتفيه وقال: لعل الأمر حدث على هذا النحو. حسناً أيها السادة،
هل يوجد أيّ احتمال بوجود مسدَّس مع أي
منكم؟ أحسب أن هذا مطلب عسير.

فقال لومبارد وهو يربت على جيبه: أنا أحمل مسدساً.
فاتسعت عينا بلور كثيراً وقال بلهجة ودودة للغاية:
هل تحمله معك دائماً؟
قال لومبارد: كثيراً ما أجد نفسي في أماكن خطيرة.
قال بلور: حقاً؟!
ثم أضاف منفعلا : لعلك لم تكُن يوماً في مكان أخطر من هذا!
إذا كان في هذه الجزيرة مخبول يختبئ فالأغلب ،

لديه ترسانة صغيرة من الأسلحة، ناهيك عن سكين أو خنجر مثلا .
فسعل آرمسترونغ وقال: قد تكون على خطأ في هذه النقطة يا بلور؛
فكثير من المجرمين المعتوهين يبدون في غاية
التواضع وتشعر بالارتياح معهم.

فقال بلور: لا أظن أن صاحبنا سيكون من هذا النوع يا دكتور آرمسترونغ.
-2-
خرج الرجال الثلاثة وبدؤوا جولتهم حول الجزيرة،
فتبيّن لهم أن الأمر كان أبسط ممّا كان متوقَّعاً؛ فعلى الجهة
الشمالية الغربية المطّلّة على الشاطئ كانت التلال الصخرية تنحدر عمودياً
حتى البحر بشكل منتظم، ولم يكُن في
بقاء أنحاء الجزيرة الكثير من الأشجار أو مما يكسو الأرض.
بدأ الرجال الثلاثة العمل بعناية وبشكل منهجي،
فبدؤوا يمشّطون المنطقة من أعلى نقطة إلى أطراف الماء
متفحصين بدقّة أيّ شيء غريب قد يظهر على سطح الصخرة ويشير
إلى مدخل كهف أو تجويف، ولكن لم تكُن
هناك أية كهوف. ووصلوا أخيراً إلى أطراف الماء في المنطقة التي كان يجلس
فيها الجنرال ماك آرثر ينظر إلى
البحر، وكان الجو هادئاً تماماً والأمواج تتحطم برفق فوق الصخور، وكان العجوز
يجلس منتصباً وعيناه سارحتان في الأفق.
لم يُظهر العجوز أي اهتمام بمجموعة البحث عند اقترابها،
وقد جعلت غفلتُه هذه أحدَ الرجال على الأقل يشعر بعدم
الارتياح،
فقال بلور لنفسه: هذا الأمر غير طبيعي! يبدو وكأنه في غفوة أو شيء من هذا القبيل.
ثم تنحنح وقال بلهجة تستدرج الحديث:
إنها بقعة لطيفة وجدتَها لنفسك يا سيدي.
فقطّب الجنرال وألقى نظرة سريعة من فوق كتفه وقال:
لم يعُد لديّ سوى القليل من الوقت، القليل من الوقت؛ أودّ
أن أؤكّد على عدم إزعاجي.

قال بلور برقّة: لا نريد أن نزعجك، نحن فقط نقوم بجولة في الجزيرة
إذا صحّ التعبير، نحاول أن نتبّين ما إذا كان
أحد يختبئ فيها.

فقطّب الجنرال ثانية وقال: أنت لا تفهم، أنت لا تفهم أبداً.
انصرف من هنا أرجوك.

فتراجع بلور وقال حين انضمّ للآخرَين: هذا الرجل مجنون!
لا فائدة من التحدث معه.

سأله لومبارد ببعض الفضول: ماذا قال؟
فهزّ بلور كتفيه وقال: لقد تحدث عن عدم وجود وقت لديه
وقال إنه لا يريد أن يزعجه أحد.

قطّب الدكتور آرمسترونغ حاجبيه وغمغم: ترى ماذا يعني هذا؟!
-3-
انتهى البحث في الجزيرة ، ووقف الرجال الثلاثة على أعلى
نقطة في الجزيرة ينظرون باتجاه الساحل، لم يروا أيّ
قوارب، وكانت الريح قد أخذت تنشط.
قال لومبارد: لا توجد قوارب صيد في البحر وثمة عاصفة قادمة.
أمر مزعج للغاية أن لا نستطيع رؤية القرية من
هنا. ربما كان بإمكاننا إرسالة إشارة أو شيء من هذا القبيل.

قال بلور : قد نستطيع أن نشعل ناراً الليلة.
فقال لومبارد مقطّباً: المصيبة هي أن الحكاية معَدّة
بإحكام مسبّقاً على الأرجح.

- وكيف ذلك يا سيدي؟
- كيف لي أن أعرف؟ ربما كانت دعابة ثقيلة...
يُلقى بنا هنا ويُطلب من أهل القرية عدم الانتباه لأيّ إشارة تصدر
عنّا... ربما كان أهل القرية قد بُلغّوا بأن رهاناً يجري هنا، أو أيّ
قصة سخيفة من هذا القبيل.

فقال بلور بتشكك: هل تعتقد أنهم سيقتنعون بذلك؟
قال لومبارد بجفاء: هذا أسهل للتصديق مقارنة بالحقيقة .
جلست فيرا إلى جانب الجنرال وقالت :
هل تحب الجلوس هنا والنظر إلى البحر؟
فأومأ برأسه برفق وقال: نعم، إنه مكان لطيف،
مكان جيّد ، وأظنه مكاناً جيّداً للانتظار.

فقال فيرا بحدّة: انتظار؟ ماذا تنتظر؟!
فقال بلطف: النهاية. ولكن أحسب أنك تعلمين،
أليس كذلك؟ هذه هي الحقيقة، نحن جميعاً ننتظر النهاية.

قالت باضطراب: ماذا تعني؟
فقال الجنرال ماك آرثر بوقار: لن يغادر الجزيرة أحد منّا؛
هذه هي الخطة، وأنت تعرفين ذلك جيداً بالطبع،
ولكن الذي قد لا تستطيعين فهمه هو الخلاص
.
فتساءلت فيرا بحيرة: الخلاص؟!
فقال: طبعاً، أنت صغيرة ولم تصلي إلى الإحساس بهذا بعد،
ولكنه سيأتي. الخلاص المبارَك عندما تعرفين أنك
انتهيت من كل شيء، أنه لن يكون عليك أن تحملي العبء لمدة أطول.
ستشعرين بهذا أيضاً يوماً ما.

فقالت فيرا بصوت أجش: أنا لا أفهمك.
وأخذت أصابعها تتحرك بتشنّج ، وشعرت فجأة بالخوف من هذا الجندي
الهادئ العجوز الذي قال وقد استغرق في
التفكير: أقول لك إنني أحببت ليزلي، أحببتها كثيراً.
فسألت فيرا مستفسرة: هل كانت ليزلي زوجتك؟
- نعم، زوجتي. لقد أحببتها وكنت فخوراً بها، كانت في غاية الجمال والمرح.
وصمت دقيقة أو اثنتين ثم قال: أجل، أحببت ليزلي، ولهذا فعلت ذلك.
فقالت فيرا: تعني...؟
وتوقفت عن الكلام فهزّ الجنرال ماك آرثر رأسه موافقاً
وقال: لم يعُد الإنكار مفيداً الآن، ليس ونحن جميعاً على
شفا الموت. لقد أرسلتُ ريتشموند إلى حتفه، وأعتقد أن ذلك يُعتبّر قتلاً على نحو ما.
أمر غريب... جريمة ، وأنا الذي كنت دائماً ملتزماً بالقانون!
ولكن الأمر لم يبدُ لي على هذا النحو وقتها. ولكنني لست نادماً، فهو يستحق ذلك
تماماً. هذا ما فكرت به وقتها، ولكن فيما بعد...

قالت فيرا بصوت قاس : حسنا، ماذا فيما بعد؟
فهز رأسه بغموض وبدا حائراً متألماً وقال: لا أعرف، لا أعرف.
صارت الأشياء مختلفة. لا أعرف إذا كانت ليزلي
قد خمّنَت شيئاً، لا أظن ذلك، ولكن أقول لك إنني ما عدت أعلم عنها شيئاً بعد ذلك؛
لقد ذهبت بعيداً إلى حيث لا
أستطيع الوصول إليها، ثم ماتت وغدوتُ وحيداً.

قالت فيرا: وحيداً؟!
ورجّعَت الصخور صدى صوتها فقال الجنرال ماك آرثر:
ستكونين سعيدة أيضاً عندما تأتي النهاية.
فنهضت فيرا وقالت بحدّة: لا أعرف ماذا تعني!
فقال: أنا أعرف يا طفلتي ، أنا أعرف.
- أنت لا تعرف شيئاً، لا تفهم شيئاً أبداً.
فنظر الجنرال ماك آرثر إلى البحر ثانية وبدا أنه
لا يحس بوجودها خلفه، ثم قال برقّة ونعومة بالغة: ليزلي!
-5-
عندما عاد بلور من البيت ومعه حبل يلفّه حول ذراعه
وجد آرمسترونغ حيث تركه ينظر إلى الأسفل، إلى الأعماق،
قال بلور بنفَس متقطع: أين السيد لومبارد؟
فقال آرمسترونغ بلامبالاة: لقد ذهب يجرّب إحدى نظرياته وسيعود بعد دقيقة.
استمع إليّ يا بلور، أنا قلق.

- نحن جميعاً قلقون يا عزيزي.
فلوّح الدكتور بيده في الهواء بصبر نافد وقال:
طبعاً، ولكن ذلك ليس ما أعنيه. أنا أفكر في الجنرال ماك آرثر.
- ماذا عنه؟
فقال آرمسترونغ بقسوة:
نحن بصدد رجل مجنون، فما رأيك في مارك آرثر؟
فقال بلور متشككاً: أتعني أن لديه نزعة للقتل؟
فقال آرمسترونغ بشيء من الشك: لا ينبغي لي أن أقول ذلك بأيّ حال،
ولكن... أنا طبعاً لست متخصصاً في
الأمراض العقلية ولم يسبق لي أن تحدثت معه باستضافة ،
ولذلك لم يتسنَّ لي أن أدرسه من هذه الناحية.

قال بلور بشكّ أيضاً: عجوز خرِف! نعم،
ولكن ليس بوسعي القول إن...

فقاطعه آرمسترونغ وهو يبذل جهداً خفيفاً كمن يستردّ رباطة جأشه وقال:
ربما كنتَ على حق. اللعنة! لا بدّ من
وجود أحد مختبئ في هذه الجزيرة. آه، ها هو لومبارد قادم.

وربطوا الحبل جيّداً وقال لومبارد: سأحاول جاهداً أن أقوم بالمهمّة بنفسي.
راقبوا أيّ شدّ مفاجئ في الحبل.

وبعد دقيقة أو اثنتين وفيما كانا يقفان معاً يراقبان نزول
لومبارد قال بلور: لومبارد يهبط بخفّة كالقط، أليس كذلك؟
كان في صوته شيء غريب فقال آرمسترونغ:
يُخيَّل إلي أنه قد سبق له ممارسة التسلّق.
- ربما
حلّ الصمت هنيهة بينهما ثم قال المفتش السابق:
إنه شخص من نوع غريب تماماً! هل تعرف فيمّ أفكر؟
- فيمَ؟
- في أن حقيقته مخالفه لما يبدو عليه.
فقال آرمسترونغ بتشكّك: من أيّ ناحية؟
فزفر ثم قال: لا أعرف بالضبط، ولكني لا أثق به إطلاق اً.
قال آرمسترونغ: أظن أنه عاش حياة حافلة بالمغامرات.
فقال بلور: أراهن أن بعض مغامراته مما لا يستطيع البوح به.
وتوقّف قليلاً ثم تابع: هل يُحتمل أن تكون قد
أحضرتَ معك مسدَّساً يا دكتور؟

فحدّق إليه آرمسترونغ وقال: أنا ؟ يا إلهي! بالطبع لا.
لماذا ينبغي أن أحضر مسدَّساً؟!

فقال بلور: ولماذا يحمل السيد لومبارد واحداً؟
فقال آرمسترونغ متشككاً: أظن أنها عادة.
زفر بلور زفرة قوية، وفجأة انشدّ الحبل فانشغلا لبضع لحظات،
ثم ارتخى الحبل من جديد. قال بلور:
توجد عادات وعادات... السيد لومبارد يأخذ معه مسدَّساً إلى أماكن خطيرة،
وهذا معقول تماماً. ويأخذ معه موقداً أو كيس نوم
وكمية من المسحوق المضادّ للحشرات، وكل ذلك لا غبار عليه،
ولكن العادة لا تجعله يحضر معه كل تلك الأشياء
إلى هنا؛ فالناس لا يحملون مسدَّسات معهم إلى في كتب المغامرات والروايات في العادة.

هزّ الدكتور آرمسترونغ رأسه بحيرة، ثم انحنيا وأخذا يرقبان لومبارد
وهو يهبط. كان بحثه شاملاً، وكان بوسعهما
أن يريا أنه كان بحثاً دون جدوى. ثم تسلّق عائداً وصعد إلى حيث كانا،
فمسح العرق عن فوق جبينه ثم قال: حسناً،
لا مناص؛ لا يمكن أن يكون إلاَ في البيت.

-6-
تم تفتيش البيت بسهولة. فتّشوا – أولا - المباني الخارجية القليلة حوله،
ثم حوّلوا انتباههم إلى المبنى الرئيسي نفسه.
لم تبقَ هناك أيّ مساحة مخفيّة لم يفتّشوها، وكان كل شيء واضحاً وبسيطاً؛
فالبناء عصري خال من أيّ جزء خفيّ،
فتّشوا الطابق الأرضي أولاً، وعندما صعدوا إلى الطابق الذي يحوي غرف النوم شاهدوا
روجرز من خلال نافذة الدرَج يحمل صينية من كؤوس العصائر إلى الشرفة
فقال فيليب لومبارد بمرح: كائن مدهش هذا الخادم الجيد! إنه
يواصل عمله دون كلل أو ملل.

قال آرمسترونغ بإعجاب: كلمة حق يجبَ أن تُقال:
روجرز خادم من الطراز الأول.

فقال بلور: زوجته أيضاً كانت طاهية جيّدة؛
ذلك العشاء ليلة أمس كان ممَّيزاً.

ودخلوا غرفة النوم الأولى، وبعد خمس دقائق اجتمعوا على رأس
الدرَج بعد أن لم يجدوا أحداً مختبئاً، ولم يكُن
يوجد مكان يمكن أن يختبئ فيه أحد.
قال بلور: ثمة سلّم صغير هنا.
فقال الدكتور آرمسترونغ: إنه يؤدّي إلى غرف الخدم في الأعلى.
فقال بلور: لا بدّ من وجود مكان داخل المنزل لخزّانات الماء
أو ما شابه ذلك، هذه أفضل أماكن للاختباء ولا يوجد
غيرها.
وعندئذ، وفيما كانوا يقفون هناك، سمعوا صوتاً يصلهم من أعلى.
كان صوت حركة أقدام خفيف فوقهم، سمعوا
جميعهم الصوت فأمسك آرمسترونغ بذراع بلور،
أمّا لومبارد فقد رفع إصبعه محذّراً وقال: هدوء، أنصتوا.
وجاء الصوت ثانية، شخص يتحرك بخفّة وحذر فوقهم.
وهمس آرمسترونغ، هذا الصوت صادر من غرفة النوم،
الغرفة التي توجد فيها جثة السيدة روجرز.
فردّ بلور هامساً : طبعاً ، هذا أفضل مكان للاختفاء يمكن أن يختاره؛ فلا أحد يتوقع
أن يذهب هناك. والآن أرجو الهدوء قدر الإمكان.

زحفوا خلسة صاعدين الدرَج وتوقفوا ثانية خارج باب غرفة النوم
كان داخل الغرفة شخص ما وصوت خرير خافت
فهمس بلور: الآن.
وفتح الباب بقوة مندفعاً للداخل يتبعه الرجلان الآخران و...
ووقف الثلاثة مشدوهين؛ كان روجرز في الغرفة يحمل
كومة من الملابس بين يديه!
-7-
كان بلور أول من استعاد رباطة جأشه فقال : نأسف يا روجرز؛
لقد سمعنا صوت حركة هنا وفكرناً ... حسناً...

وتوقف عن كلامه فقال روجرز: أنا آسف أيها السادة؛ كنت فقط أنقل أشيائي.
أعتقد أنكم لا تمانعون إذا أخذت إحدى
غرف الضيوف الخالية في الطابق الأوسط، أصغر غرفة.

كان يوجّه الحديث إلى آرمسترونغ الذي
قال: لا نمانع بالطبع، تفضّل.
وتجنّب النظر إلى الجسد المغطّى بالملاءة على السرير،
وقال روجرز: شكراً يا سيدي.
ثم خرج من الغرفة ويداه محمَّلتان بأمتعته ونزل الدرَج إلى الطابق الأوسط،
وتحرّك آرمسترونغ إلى السرير فرفع
الملاءة ونظر إلى الوجه الهادئ للمرأة الميتة.
لم يكُن في وجهها خوف في تلك اللحظة بل كان وجهها خالياً
من التعبيرات، فقال آرمسترونغ، أتمنّى لو كانت أدواتي معي هنا؛
أودّ معرفة نوع المادة التي تعاطتها.
ثم التفت إلى الرجلَين الآخرَين وقال:
لننتهِ من هذه المهمّة لديّ أحساس بأننا لن نجد شيئاً.
كان بلور يعالج غطاء فتحة مجار منخفضة وقال: ذلك الرجل يتحرك بسرعة،
قبل دقيقة أو دقيقتين رأيناه في
الحديقة ولم يسمعه أيّ منّا يصعد الدرَج.

قال لومبارد: أعتقد أن هذا هو ما جعلنا نعتقد أن شخصاً
غريباً يتحرك هنا في هذه الغرفة.

واختفى بلور في تجويف مظلم فأخرج لومبارد من جيبه مصباحاً يدوياً وتبعه،
وبعد خمس دقائق كان الرجال الثلاثة
يقفون على رأس درَج علويّ ينظر بعضهم إلى بعض،
وكانت ملابسهم متسّخة وقد علقت بها خيوط العناكب،
وكانت وجوههم كالحة.
لم يكن على الجزيرة أحد سواهم هم الثمانية ،،
-