09-27-2015, 10:58 PM
|
|
- الفصل الخامس عشر
-1-
ثلاثة أ شخاص جلسوا في المطبخ يتناولون طعام الإفطار.
أشرقت الشمس في الخارج وكان الجو جميلا . العاصفة صارت مجرَّد
ذكرى من الماضي، ومع تغيّر الطقس حدث
تغيّر في مزاج السجناء الموجودين في الجزيرة فبدوا مثل أشخاص استيقظوا للتوّ من
كابوس. كان هناك خطر، نعم
، ولكنه كان خطراً في وضح النهار. اختفى ذلك الجو الذي شلّهم خوفاً والذي التفّ
حولهم كغطاء الأمس، في حين
كانت الريح تعوي في الخارج.
قال لومبارد: سنحاول اليوم إرسال إشارات مستخدِمين مرآة من أعلى نقطة في الجزيرة،
ولا بدّ أن شابّاً نابهاً
يتجول على الشاطئ سيفهم إشارة الاستغاثة حين يراها. آمل ذلك؛ وفي المساء
يمكننا أن نشعل ناراً، ولكن المشكلة
أنه لا يوجد الكثير من الحطب، ثم إنهم قد يأخذونها فقط على أنها غناء ورقص ولهو.
قالت فيرا: لا بدّ أنّ أحداً يستطيع قراءة إشارات موريس، وعندها سيأتون لأخذنا
قبل حلول المساء بوقت طويل.
فقال لومبارد: صحيح أن الجوف صاف الآن، ولكن البحر ما زال عالياً والموج مرتفع جداً،
ولن يكون بوسعهم
إرسال قارب إلى الجزيرة قبل الغد.
فصاحت فيرا : ليلة أخرى في هذا المكان!
هزّ لومبارد كتفيه وقال: يتعيّن علينا مواجهة ذلك. أظن أن أربعاً وعشرين ساعة
ستكون كافية، وإن استطعنا البقاء
حتى ذلك الحين فسوف نجتاز الأزمة.
تنحنح بلور وقال: من الأفضل أن نصل إلى فهم واضح لمسألة آرمسترونغ وما حلّ به.
فقال لومبارد: حسناً، لدينا دليل واحد، يوجد فقط ثلاثة تماثيل خزّفية لجنود صغار
على الطاولة، يبدو كما لو أن
آرمسترونغ قد لقي حتفه.
قالت فيرا: إذن فلماذا لم تجدا جثته؟
قال بلور: بالضبط.
هزّ لومبارد رأسه وقال: إنها مسألة غريبة، لغز يصعب فهمه!
قال بلور بتشكك: ربما ألقيَت جثته في البحر.
فقال لومبارد بحدّة: ومَ ن ألقاها؟ أنت ؟ أنا لقد رأيتَه بنفسك يخرج من الباب الأمامي
ثم عدَت ووجدتني في غرفتي،
وخرجنا فبحثنا معاً. متى كان يمكن أن أقتله وأحمل جثته حول الجزيرة بالله عليك؟
قال بلور: لا أعرف، ولكني أعرف شيئاً واحد اً.
قال لومبارد: ما هو؟
فقال بلور: المسدّس.... مسدّسك بحوزتك الآن، ولا يوجد
ما يثبت أنه لم يكُن بحوزتك طول الوقت.
- ماذا تقول يا بلور؟! لقد تمّ تفتيشنا جميع اً.
- أجل، ولكن ربما كنت خبّأته قبل التفتيش ثم استعدتَه بعد ذلك.
- أيها الأحمق الساذج! أقسم لك إنه أُعيدَ وضعه في درجي، وكانت أكبر
مفاجأة حدثت لي في حياتي عندما شاهدته
هناك.
قال بلور: أتطلب منّا أن نصدّق شيئاً كهذا؟ لماذا يعيد آرمسترونغ أو
أيّ شخص آخر المسدّس إلى درجك؟
رفع لومبارد كتفيه في حيرة وقال: ليست لديّ أدنى فكرة. هذا جنون، آخر ما
يمكن للمرء أن يتوقعه. يبدو تصرفاً لا
هدف له.
وافق بلور قائلا : أجل، ليس له أيّ هدف، كان بوسعك أن تأتي بفكرة أفضل.
- إذن فربما كان هذا دليلاً على أنني أقول الحقيقة، أليس كذلك؟
- أنا لا أنظر إلى الأمر بهذه الطريقة.
- قال فيليب: لا تنظر إلى الأمر بهذه الطريقة؟
قال بلور: أصغ إليّ يا سيد لومبارد، إذا كنتَ رجلاً شريفاً كما تحاول أن تبدو..
فغمغم لومبارد مقاطِع اً: متى سبق لي أن زعمت بأنّي رجل شريف؟ أنا لم أقُل ذلك قط.
واصل بلور متغابي اً: إذا كنتَ تقول الحقيقة فما يمكن فعله هو شيء واحد، ما دام
المسدّس معك فسنبقى أنا والآنسة
كلايثورن تحت رحمتك ، والشيء الوحيد الصحيح هو وضع ذلك المسدّس مع الأشياء
الأخرى في الصندوق
المقفَل، وسيبقى مفتاح معي وآخر معك.
قال فيليب لومبارد ببرود: لا تكُن أبله.
- ألا توافق على ذلك؟
- بالطبع لا أوافق، هذا المسدّس لي وأنا أحتاجه للدفاع عن نفسي، وسأحتفظ به.
فقال بلور: في هذه الحالة لا بد من الوصول إلى استنتاج واحد.
- بأنني أنا السيد أوين؟ استنتج كما يحلو لك، ولكني سأسألك : إذا كان هذا
صحيحاً فلماذا لم أقتلك بذلك المسدّس
ليلة أمس؟ لقد سنحت لي الفرصة أن أفعل ذلك نحو عشرين مرة.
هزّ بلور رأسه وقال: لا أعرف، هذه حقيقة. لا بدّ أنه كان لديك سبب.
لم تكُن فيرا قد شاركت في الحديث حتى تلك اللحظة فتململت وقالت:
أعتقد أنكما تتصرفان كشخصين أحمقَين.
نظر إليها لومبارد وقال: ما هذا الذي تقولينه؟!
فقالت فيرا: لقد نسيتم أبيات الأنشودة، ألا ترون أن فيها دلائل؟
وأعادت قراءة بعض الأبيات بنبرة ذات معنى قائلة: " أربعة جنود صغار
ذهبوا إلى البحر، سمكة رنجة حمراء
ابتلعت أحدهم فبقي ثلاثة". ثم تابعت وهي تنظر نحوهما: سمكة رنجة حمراء..
. هذا هو الدليل الحيوي. آرمسترونغ
ليس ميتاً، لقد أخذ معه تمثال الجندي ليجعلكم تعتقدون أنه مات.
بوسعكم أن تقولوا ما تشاؤون ولكن آرمسترونغ ما
زال على الجزيرة، واختفاؤه ليس سوى وسيلة لصرف نظركم عن شيء معيَّن .
جلس لومبارد ثانية وقال: أتعرفين؟ قد تكونين على حق.
قال بلور: أجل، ولكن إذا صح ذلك فأين هو؟ لقد فتشّنا المكان بدقة.
قالت فيرا بتشكّك: لقد بحثنا جميعاً عن المسدّس. ولم نجده، أليس كذلك؟ ولكنه
كان موجودا في مكان ما طوال
الوقت.
فغمغم لومبارد: يوجد فرق صغير في الحجم – يا عزيزتي – بين رجل ومسدّس.
قالت فيرا: هذا لا يهمني، أنا متأكدة من أنني على صواب.
وغمغم بلور: كأنما هو قد دلّ على نفسه حين ذكر سمكة رنجة حمراء في الأنشودة،
أليس كذلك؟ كان بوسعه كتابتها
بطريقة مختلفة
فصاحت فيرا: ولكن ألا تفهمان؟ إنه مجنون، كل هذا جنون؛ تطبيق أبيات تلك
الأنشودة جنون، تلبيس القاضي
ومقتل روجرز بالبلطة عندما كان يقطع الحطب، تنويم السيدة روجرز بحيث راحت
في سُبات أبدي، ترتيب ظهور
نحلة طنّانة عند موت الآنسة برنت.. هذا كله يبدو كما لو أن طفلاً يلعب لعبة مرعبة.
كل شيء يجب أن يأتي
متطابقاً.
فقال بلور : أجل ، انتِ على حق.
وفكّر دقيقة ثم أضاف: على أيّ حال لا توجد حديقة حيوانات في الجزيرة،
سيواجه بعض الصعوبة في هذه النقطة.
فصاحت فيرا: ألا ترى؟ نحن حديقة الحيوانات! ليلة أمس لم نكَد نكون مخلوقات بشرية.
نحن حديقة الحيوانات!
-2-
قضوا الصباح على السفوح الصخرية المقابلة للبر الرئيسي يتناوبون
على إرسال الإشارات باستخدام مرآة، ولكن لم
يظهر أيّ دليل على أنّ أحداً قد رآهم ولم يتلقّوا أية إشارة إجابة. وكان الطقس صافياً
ومشوباً بضباب خفيف، وفي
الأسفل كان البحر عالي الموج ولم تكُن فيه قوارب.
كانوا قد قاموا بجولة تفتيش أخرى فاشلة ولم يعثروا على أيّ أثر للطبيب المفقود، ونظرت
فيرا إلى البيت من حيث
كانوا يقفون وقالت بنفَس متقطع بعض الشيء: المرء يشعر بأمان أكثر هنا في العراء.
لا أريد العودة إلى البيت مرة
أخرى.
قال لومبارد: إنها فكرة جيدة؛ نحن بأمان تامّ هنا ولا أحد يستطيع أن يصل إلينا
قبل أن نراه من مسافة بعيدة.
قالت فيرا: سوف نبقى هنا.
فقال بلور: لا بدّ لنا من قضاء الليل في مكان ما، وسوف يتعيّن علينا العودة إلى البيت عندئذ.
ارتعشت فيرا وقالت: لا أستطيع تحمّل ذلك، لا أستطيع قضاء ليلة أخرى هناك.
قال فيليب: ستكونين آمنة بما فيه الكفاية عندما تغلقين عليك باب غرفتك.
فغمغمت فيرا: أعتقد ذلك. وتمطّت مادّة ذراعَيها وغمغمت: ما أحلى
الإحساس بالشمس مرة أخرى!
ثم فكّرت في نفسها: يا للغرابة! أكاد أكون سعيدة، ومع ذلك أحسب أنني في خطر حقيقي.
الآن يبدو – على نحو ما
– أنه لا شيء يهمّ، ليس في ضوء النهار. أشعر بأنني مليئة بالقوة ،
أشعر أنني لا يمكن أن أموت!
نظر بلور إلى ساعته وقال: الساعة الآن الثانية، ماذا عن الغداء؟
فقالت فيرا بإصرار: لن أعود إلى البيت، سأبقى هنا في العراء.
- ما هذا يا آنسة كلايثورن؟ تعرفين أنه لا بدّ لك من المحافظة على قوّتك.
فقالت فيرا: سوف أُصاب بالغثيان إذا رأيت علبة طعام أخرى. لا أريد أيّ طعام...
الناس يُمضون أياماً دون طعام
عندما يلتزمون ببرنامج للنحافة .
قال بلور: حسناً، أما بالنسبة لي فأنا أحتاج إلى وجبات منتظمة . ماذا عنك يا سيد لومبارد؟
ردّ فيليب: بصراحة أنا أيضاً لا تروق لي كثيراً فكرة الأطعمة المعلَّبة. سأبقى هنا مع الآنسة كلايثورن.
تردد بلور فقالت فيرا: سأكون بخير تماماً، ولا أظن أنه سيطلق النار عليّ بمجرَّد أن تدير ظهرك.. إذا كان هذا ما
يقلقك.
قال بلور: لا بأس إذا كان هذا رأيك، ولكننا اتفقنا على أن لا نفترق.
فقال فيليب: أنت الذي تريد الذهاب إلى عرين الأسد، سآتي معك إذا رغبت.
- لا ، لن تأتي؛ ابقَ هنا.
فضحك فيليب وقال: إذن فأنت لا تزال خائفاً منّي. لماذا؟ أستطيع أن أقتلكما أنتما الاثنين حالاً لو أردتُ .
قال بلور: اجل، ولكن هذا لن يكون مطابقاً للخطة. شخص واحد فقط في كل مرة، ويجب
أن يتمّ ذلك بطريقة معيّنة.
قال فيليب: حسناً، يبدو انك تعرف كل شيء عن الموضوع.
فقال بلور: "طبع اً" ، ثم أضاف: أشعر بشيء من الرهبة من الذهاب إلى البيت بمفردي.
فقال فيليب بلطف: إذن هل سأعيرك مسدّسي؟ الجواب: لا، لن أفعل. ليس بهذه البساطة، شكراً لك.
هزّ بلور كتفيه وبدأ يصعد المنحدّر الحادّ الانحدار في طريقة للبيت، وقال لومبارد بلطف:
حان وقت الطعام في
الحديقة فالحيوانات منتظمة جداً في عاداتها.
قالت فيرا بقلق: أليس خطيراً جداً ما يفعله هذا الرجل؟
- ليس بالمعنى الذي تقصدين. لا أظن أنه خطر؛ فآرمسترونغ غير مسلَّح – كما تعلمين –
وبلور يساوي ضعفه
من حيث القوة الجسدية على أية حال، كما أنه في أقصى الحذر، ثم إنه من المستحيل تماماً
أن يكون آرمسترونغ
في البيت... أنا أعرف أنه ليس هناك.
- ولكن هل يوجد أيّ تفسير آخر؟
قال فيليب بلطف: نعم، بلور.
- يا إلهي! هل تعتقد حقاً أنه...؟
- اسمعي يا فتاتي، لقد سمعتِ رواية بلور، وعليك الاعتراف بأنها إذا كانت
صحيحة فليس من المعقول أن تكون
لي علاقة باختفاء آرمسترونغ. روايته تبرّئني ولكنها لا تبرئه هو. ليس لدينا سوى
أقواله حول سماعه خطوات
ورؤيته شخصاً ينزل الدرَج ويخرج من الباب الأمامي. القصة كلها قد تكون كذبة،
وربما كان قد تخلّص من
آرمسترونغ قبل ساعتين من ذلك الوقت.
- كيف؟
هزّ لومبارد كتفيه ثم تابع: هذا ما لا نعرفه، ولكن في رأيي يوجد خطر
واحد يجب أن نخشى منه، وهذا الخطر هو
بلور. ماذا نعرف عنه؟ لا شيء تقريباً، كل حكاية الشرطي السابق هذه قد تكون كلاما فارغاً.
ربما كان أيّ شيء،
ربما كان مليونيراً مجنوناً أو رجل أعمال مهووساً أو سجيناً فارّاً من أحد السجون...
الأمر المؤكَّد الوحيد هو أنه
كان بوسعه تنفيذ كل جريمة من تلك الجرائم التي وقعت هنا.
جفّ الدم في عروق فيرا. وقالت بصوت مختنق إلى حد ما: لنفترض أنه سيصل إلينا.
قال لومبارد بلطف وهو يربّت على المسدّس في جيبه: " سأبذل كل جهدي لمنعه من ذلك".
ثم نظر إليها بفضول
وقال: تختبرين الثقة بي، أليس كذلك يا فيرا؟ هل أنت متأكدة تماماً من
أنني لن أقتلك؟
فقالت فيرا: لا بدّ للمرء من الوثوق بأحد ما. الواقع أنني أعتقد أنك مخطئ بحق بلور،
ما زلتُ أظن أنه آرمسترونغ.
ثم التفتت إليه فجأة وقالت: ألا تشعر بأن شخصاً ما يراقبنا وينتظر؟
قال لومبارد ببطء: إنها مجرَّد حالة عصبية.
فقالت فيرا باندفاع: إذن فقد شعرتَ بذلك؟
ارتعشت، ثم انحنت قليلاً إلى الأمام وقالت: قل لي، ألا تعتقد أن...؟
أحياناً لا أكون متأكدة، ربما كان صوت
الضمير.
قال بهدوء شديد بعد لحظة صمت: إذن فأنتِ أغرقتِ ذلك الطفل فعلاً؟
فقالت فيرا باهتياج: لا، لم أفعل ، لم أفعل، وليس لك الحق في قول ذلك.
فضحك بخفّة وقال: بلى لقد فعلتِ، يا لك من فتاة! لا أعرف لماذا وليس بإمكاني تصوّر السبب.
الأغلب انه كان في
الموضوع رجل، هل كان الأمر كذلك؟
وفجأة شعرَت فيرا بالإرهاق والوهن يسريان في أطرافها فقالت بصوت فاتر:
نعم، كان في الموضوع رجل.
قال لومبارد بلطف: شكراً، هذا ما أردتُ معرفته.
وفجأة شعرت فيرا بالأرض تهتز تحت قدمَيها فانتفضت وقالت بدهشة:
ماذا حدث؟ الأمر ليس هزّة أرضية، أليس
كذلك؟
فقال لومبارد: لا ، لا ، هذا أمر غريب! لقد سمعت صوت ارتطام
قوي هزّ الأرض وسمعت صراخاً، فهل سمعتهِ؟
حدّقا باتجاه البيت وقال لومبارد: الصوت آت من هناك، والأفضل أن نذهب ونرى.
- لا ، لا ، لن أذهب.
- كما تشائين، سأذهب أنا.
فقالت فيرا بيأس: حسناً، سآتي معك.
صعدا المنحدّر إلى البيت، وكانت الشرفة هادئة وساكنة يغمرها ضوء الشمس
ترددا هناك لحظة، وبدلاً من الدخول
من الباب الأمامي قاما بالدوران حول البيت بحذر... فوجدا بلور. كان ممدَّا على
الشرفة الحجرية في الجهة الشرقيّة
وقد تحطّم رأسه وتشوه نتيجة سقوط كتلة ضخمة من الرخام الأبيض عليه!
نظر فيليب إلى الأعلى وقال: نافذة مَن هذه التي في الأعلى مباشرة؟
فقالت فيرا بصوت خافت متهدّج: إنها نافذة غرفتي! وهذه هي الكتلة التي تحوي
الساعة التي كانت فوق المدفأة.
تذكرتُ الآن، كانت .... كانت منحوتة على شكل دبّ .
وأخذَت تكرّر كلماتها وصوتها يهتزّ ويرتعش قائلة: كانت منحوتة على شكل دبّ !
-3-
أمسكها فيليب من كتفيها وقال بصوت خشن مندفع: اتضح الأمر الآن؛
آرمسترونغ مختبئ في مكان ما في ذلك
البيت. سأذهب وأقضي عليه.
ولكن فيرا تعلَقت به وصاحت: لا تكُن مجنون اً. لقد جاء دورنا الآن؛
آرمسترونغ يريدنا أن نبحث عنه، إنه يترقب
ذلك.
توقّف فيليب وقال متفكر اً: كلامك فيه بعض الصحّة.
فصاحت فيرا: أيّاً كان الأمر فها أنت تعترف الآن بأنني كنت على حق.
أومأ برأسه وقال: أجل، لقد فزتِ؛ إنه آرمسترونغ دون شك. ولكن أين أخفى نفسه بالله عليك؟!
لقد مشّطنا المكان كله تمشيطاً دقيقاً.
فقالت فيرا باندفاع: ما دمتما لم تجداه ليلة أمس فلن تجده الآن.. هذا هو المنطق.
قال لومبارد متردد اً: أجل، ولكن...
- لا بدّ أنه أعدّ مكاناً سرّياً في وقت سابق. بالطبع، هذا ما قد يفعله طبعاً؛
مخبأ سري كجحور الكهنة في القصور
الريفية القديمة.
- ولكن هذا المكان ليس قديماً.
- بوسعه أن يفعل ذلك لهذه الغاية بشكل خاص.
هزّ فيليب لومبارد رأسه وقال: لقد مسحنا المكان في أول صباح لنا هنا،
وأقسم أنه لا يوجد أيّ شيء خفيّ .
قالت فيرا: لا بدّ من وجود مخبأ.
قال لومبارد: أتمنى أن أجد...
فصاحت فيرا: أجل، تتمنّى أن تجده، وهو يعرف ذلك، إنه هناك ، ينتظرك.
قال لومبارد وهو يسحب المسدّس من جيبه قليلاً، لديّ هذا كما تعرفين.
- أنت قلت إن بلور لم تكُن لديه مشكلة، كان أكثر من ندّ لآرمسترونغ،
وقد كان كذلك من الناحية الجسدية. كما أنه
كان حذراً أيضاً، ولكن الذي يبدو أنك لا تدركه هو أن آرمسترونغ مجنون، رجل
مجنون لديه كل الميزات، وهو
أشد مكراً بمرتين من أي عاقل.
أعاد لومبارد المسدّس إلى جيبه وقال: تعالَي إذن.
-3-
قال لومبارد أخير اً: ماذا ستفعلين عندما يحلّ الليل؟
وعندما لم تُجِب فيرا واصل بطريقة اتهامية: ألم تفكري بذلك؟
قالت بيأس: ماذا نستطيع أن نفعل؟ يا إلهي! أنا خائفة.
قال فيليب لومبارد مفكّر اً: الطقس صاف وسوف يكون القمر منير اً. يجب
أن نجد مكاناً، فليكُن في الأعلى عند
صخور القمة، فهناك يمكننا الجلوس والانتظار حتى الصباح. ويجب أن لا ننام،
يجب أن نبقى يقظَين كل الوقت،
وإذا صعد أحد إلينا فسأطلق عليه النار.
وتوقف قليلاً ثم تابع: ولكنك ستشعرين بالبرد وأنت بهذه الملابس الخفيفة، أليس كذلك؟
فأطلقت فيرا ضحكة جافّة وقالت: أشعر بالبرد؟ ولكني سأكون أكثر برودة إذا متّ .
قال فيليب لومبارد بهدوء: أجل، هذا صحيح.
تململَت فيرا ضجراً وقالت: سأفقد عقلي إذا جلست هنا لمدة أطول.
دعنا نتجوّل قليلا .
- حسناً
أخذا يذرعان المكان صعوداً وهبوطاً بمحاذاة خط الصخور التي تشرف على البحر.
كانت الشمس تنحدر نحو
المغيب وترسل أشعّة رقيقة غمرتهما بوهج ذهبي، وكان فيليب ينظر إلى الأسفل نحو
البحر فقال فجأة: ما هذا
هناك؟ هل ترين؟ إلى جانب تلك الصخرة الكبيرة ، لا ، بعدها إلى اليمين.
حدّقت فيرا وقالت: تبدو كأنها ملابس شخص ما.
فقال لومبارد ضاحك اً: شخص يسبح ، أليس كذلك؟ غريب!
كنت أظنها مجرَّد أعشاب بحرية.
قالت فيرا: لنذهب ونرَ .
قال لومبارد وهما يقتربان: إنها ملابس، مجرَّد كومة ملابس،
وهناك حذاء أيضاً. هيا لنصعد من هنا.
وتسلّقا الصخور، ولكن ما لبثت فيرا أن وقفت فجأة وقالت إنها ليست ملابس
، بل هي جثة رجل!
كانت الجثة محشورة بين صخرتين وقد ألقى بها المدّ ذلك الصباح،
ووصل لومبارد وفيرا إليها وانحنيا عليها
فأبصرا ذلك الوجه القرمزي الشَاحب، كان وجهاً غارقاً بشعاً،
وهتف لومبارد: يا إلهي، إنه آرمسترونغ!
- |
|