عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-30-2015, 05:36 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"]




" إليكم الفصل الثالث

حيثما ساموت، ساموت وانا غني."
فلاديمير ماياكوفسكي
اشعل غليونه وراح يتابع تسجيل الحفل.
عجب، وهو يراها ترتجل تلك الكلمة، ان يكون الارهابيون قد منعوها من الغناء. كان عليهم إصدار فتوى تحرم عليها الكلام، انها اخطر وهي تتكلم.
هو يفضل كلامها. لو انها كانت تغني يوم رآها لاول مرة على التلفزيون لربما غير القناة، ما اسره هو هذا العنفوان، لعله سر شغف الناس بها اينما حلت، لكأنها ابنة البراكين، تتدفق حممها حال وفوفها على المنصة.
كم يود قطف هذه الزهرة النارية دون ان تحترق يده. ان تكون له وحده، هذه المجدلية التي ما كادت تنتهي من الغناء، حتى زحف الجمهور نحوها ليتبارك بها.
خاب امله في رؤيتها حين امدوها بباقته، فقد اوقف المصور لقطاته حين طوقها الجمهور وعم القاعة شيء من الفوضى.
اطفأ جهاز التسجيل وراح بفكر في ما اكتشفه فيها . فانكشفت به جراح روحه.
هذه امرأة تكمن "ادواتها النسائية" في صفاتها الرجالية.
هي شجاعة ومكابرة، ونملك حسا وطنيا فقد وهجه، لفرط غربته ومتاهته على مدى ربع قرن في البرازيل. هناك، في ارض الكرنفالات والاقنعة الافريقية، أضاع ملامح وجهه الاصلية. كل من أقام في البرازيل سكنته كائنات الغابات الآمازونية، وارواح نساء ما زلن يرقصن السامبا، في انتضار الصيادين العائدين بشباك تتراقص فيها الاسماك، ونبتت له اجنحة ملونة، كالفراش المداري العملاق في حقول الساركاو، فغدا كائنا خفيفا لا يمشي بل يحلق .. ففي رأسه لا يتوقف البرازيلي عن الرقص.
حسدها لانها تملك قضية، وماعادت له قضايا مند زمن.
في لبنان، ما من قضية الا وتصب في جيب احد. فليعمل المرء اذا لجيبه .. بدل ان يموت ليضع ثراء لصوص القضايا، واثرياء النضال، المقيمين في القصور والمتنقلين بطائراتهم الخاصة. شرفاء الزمن الجميل، ذهبت بهم الحرب، كما ذهبت بأبيه، وقذف البحر بما اعتاد ان يرمي به للشواطئ، عندما تضع الحروب اوزارها.
في ما مضى، في سبعينات القرن الماضي، ايام الحرب الاهلية، كان جاهزا للموت حتى من اجل ملصق على جدار يحمل صورة قائد حزبه او زعيم طائفته. الآن وقد تجاوز مراهقته السياسية، ادرك سذاجة رفيقه الذي مات في "معركة الصور" دفاعا عن كرامة صورة لمشروع لص، اراد سادج اخر ان يقتلعها ليضع مكانها صورة زعيم اخر لميليشيا. فمات الاثنان وعاش بعدها اللصان.
هل ثمة ميتة اغبى؟
بلى ثمة حماقة اكبر، كأن تموت بالرصاص الطائش ابتهاجا بعودة هذا او اعادة انتخاب ذاك، من دون ان يبدي هذا ولا ذاك حزنه او اسفه لموتك، لانك وجدت خطأ لحضة احتفال "الاربهين حرامي" بجلوس "علي بابا" على الكرسي.
وثمة عبثية الشهيد الاخير في المعركة الاخيرة، عندما يتعانق الطرفان فوق جثته .. ويسافرون معا ليقبضا من بلاد اخرى ثمن المصالحة .. الى حين.
حين وقع على هذه الحقائق، نزل من ذلك القطار المجنون، واستقل الطائرة هربا الى البرازيل، انشق عن حزب "النضال" وانخرط في حزب الحياة. ماعاد له من ولاء الا لها.
تلك البلاد التي وصلها مفلسا، ماعاش فيها يوما فقيرا. فهناك يعمل الناس كما لو كانو عبيدا، ويعودون من اعمالهم ليعيشو بقية نهارهم أمراء. مباهجهم لا علاقة لها بجيوبهم، هي توجد في اذهانهم. من يملك دولارا يحتفي به كما لو كان مليارا. فالدولار عندهم لا يغدو ثروة الا اذا حولوه الى حياة. بينمت يكتنز غيرهم الحياة، بتحويلها الى اوراق مصرفية يعمل صاحبها بدوام كامل حارسا لها.
منهم تعلم ان يعيش الحياة كاحتفالية كبيرة. كما لو كان في كل موعد معها ينفق آخر دولار في جيبه، كي لا يتفوق عليه سعادة من ليس في جيبه الا دولارا.
وحتى تلك افتاة، تعنيه لانه يدري ما تخفيه تحت حدادها من شهوة الحياة.
من مكر الاسود قدرته على ارتداء عكس ما يضمر.
ما استطاعت ان ترفض دعوة بيت عمها. تركت ذلك للاخر حتى لا تعكر مزاجها مند اول يوم.
اخذت لهم مافي غرفتها من ورود، كي تمنح الحب حياة اطول. فقد عز عليها ان تلقى تلك الورود وهي متفتحة في سلة المهملات.
عبثا هربت من ذلك البيت، لا تريد ان ترى أطياف علاء ووالدها .. في الصالون وحول مائدة الطهام. وخاصة، لا تريد الرد على تلك الاسئلة التي توقظ المواجع. لكن أسئلة أبناء عمها جاءت مع فنجان الشاي.
- لماذا لا تقيمين في فرنسا الى ان تهدأ الاوضاع؟
- انا سعيدة في الشام.
- استفيدي .. اطلبي بطاقة الاقامة مادامت الظروف مواتية، ربما تحتاجينها لاحقا. سيمنحوك حق اللجوء.. نصف الجزائر انتقلت الى باريس، معظمهم بملفات ملفقة .. منهم من يدعي ان السلطة تهدده وأخر ان الارهاب يطارده. انت يطاردك كلامها..
كانت سترد بان وحدها الذاكرة تطاردها .. كما في هذا البيت وبرغم ذلك ، جاء السؤال الذي لا مفر منه.
- سامحيني يا بنتي .. كيفاش مات علاء الله يرحمو حد ماقال لنا واش صار؟
ام جمال تريد اجوبة موجعة، تليق بفاجعة شاب في عمر ابنها استنفد احلامه باكرا. تريد التفاصيل التي يحتاج اليها الاقارب الذين لم يرو جثة فقيدهم، ويحتاجون الى دليل وتفاصيل ليتقبلو فكرة موته.
ابتعلت دموعها لا تريد ان تحتسيهم في حضرة احد.
هي هكذا كلما تتكلم عن علاء، تتحدث كما لو انه مازال هنا. ثم لاحقا، في اللحظة التي تتوقعها، لسبب لا علاقة له في الظاهر به، تنهار باكية. الان هي تروي، بنبرة عادية، قصة حدث قبل سنتين، لشاب جميل، كما اولئك الذين يشتهيهم الموت .. كان اخاها الوحيد.
- عندما عاد من معتقلات الصحراء، سعدنا لانهم، بعد خمس أشهر لم نعرف عنه شيئا، اقتنعو ببراءته وأطلقو سراحه اخيرا. لكن ماكاد يمر شهران على اقامته ببيتنا، حتى جاء من يقنعه بأن كل ماحدث له من مصائب هو بسبب ابتعاده عن الاسلام، فلا صلاته ولا صيامه سيشفعان له عند الله ان لم ينصر مجاهديه، لكونه قضى سنتين في العسكرية لخدمة الوطن، ولم يعط من عمره شهرا لخدمة الاسلام. اغروه بالالتحاق بالجبل لللافاء بدينه ومعالجة الجرحى من الاسلاميين ولو بضعة اسابيع. ذهب علاء دون ان يخبرنا بقراره. ماكان يدري ان الخروج من الجحيم ليس بسهولة دخوله.
صاح جمال مندهشا:
- مضى بملاء إرادته الى الارهابيين؟
- استفادو من حالة إحباطه ومما شاهد من مظالم في المعتقلات، ليلعبو بعاطفته. ان لهم القدرة على اقناعك بما شاءو.
- وبعدها؟
- بعدها .. قضى اكثر من عامين متنقلا بين المخابئ في الجبال، يعالج الجرحى ويولد النساء المغتصبات اللائي "سباهن" الاهابيين بذريعة انهن بنات وزوجات موظفين او عاملين في "دولة الطاغوت"، لكن ذلك لم يشفع له. حين طلب السماح له بالعودة، غذى شكوكهم، فقد كانو يشتبهون في ان الجيش من ارسله ليتجسس عليهم، بسبب جهله في امور الدين. تفتقت حينها قريحة احدهم عن اختبار شيطاني، ان يثبت لهم اعتناق الجهاد بعودته لقتل والده، ويكون حينها امنا على نفسه، بتصفيته من جعل من صوته "مزامير للشيطان".
توقفت عن الكلام لتستعيد جأشها .
سأل الجميع في الوقت نفسه:
- وماذا حدث؟
- امام هول الاختبار ، غدا مطلبه ان بساومهم على حياة ابيه ببقائه معهم. قال لهم انه ماجاء ليقتل بل ليعالج، وانه سيبقى في خدمتهم ما شاؤو مقابل ان لا يؤذو والده. ماكان يدري ان لا صفقة تبرم مع القتلة، ولا توقع ان اثناء تواجده معهم ارسلو في قتل ابي. علم بذلك بعد اشهر عندما نزل من الجبل مع من نزل من التائبين في اطار العفو والمصالحة الوطنية. اخرجته الصدمة من صوابه، وكان قد وصلنا نصف مجنون لهول ما رأى. فقد غدا غريبا عن نفسه وغريبا عنا، وارهابيا في عين اصدقائه السابقين، ومشبوها في عين الاهابيين الذين لم يغادرو بعد جحورهم في الجبال، ويعتقدون انه الحلقة الاضعف، وانه من سيشي بمخابئهم للجيش. وهكذا، ارسلو احدا لتصفيته بعد شهرين من اقامته ببيتنا.
صمتت فجأة. فهي لم تدري اي كلمة تختار لتصف حدث موته: "تصفية" .. "اغتيال" .. "الاجهاز عله" ؟ .. لفرط مامات علاء مذ استباحو نبله، واغتالو شهيته للحياة، واعدمو بهجة حواسه، كل كلمات الموت مجتمعه لا تكفي لوصف عبثية رحيله الابدي.
ها قد اشبعتهم تفاصيل .. فليبكو اذا .
انتهى الكلام لا الرواية فقد احتفظت لنفسها بالتفاصيل.
نزل علاء من الجبل، مع ألاف "التائبين" الذين سلمو انفسهم الى السلطات بعد الضمانات التي قدمت لهم . لم يتب عن القتل، لما اغتال سوى اوهامه. كان يحلم بالعودة الى بيته، كما يحلم البعض ببلاد بعيدة موعودين بها. وعندما عاد الى اهله، اكتشف انه لم يعد الى نفسه. اهت سلامه الداخلي، لفرط ما راكم في سنتين من السنوات، ماعاد له من عمر.. ولا من اسم. ضل لايام يفاجأ عندما يناديه احد باسمه. ياخذ بعض الوقت قبل ان يرد، ريثما يصدق انه المعني .. وانه ماعاد "ابو اسحاق" بل علاء.
كانت اول صدمة هي اكتشافه اغتيال ابيه في غيبته. سأل: "كيف قتلوه" وعندما علم انهم فقط أطلقو رصاصتين على رأسه، كان عزائه انه لم يتعذب. فمن حيث جاء، شهد من صنوف التعذيب اهوالا واجتهادات لا يمكن لنفس بشرية ان تتصورها .. ارحمها، جعل سجين يحفر قبره بنفسه، واجباره على التمدد فيه، ثم تغطيته بالتراب ومشاهدته وهو يعطس ويبصق. وخلال لحظة يسود الصمت، فيطؤون التراب فوقه بأقدامهم ثم يرحلون.
بعض من وقع في الاسر، لتهمة لا يدري ماهي، اختار الاسراع بالانتحار حتى لا يتعرض للتعذيب. شاهد احدهم يخنق نفسه عبر اكل الرمل الممزوج بالارض الممتدة حول الشجرة التي كان مربوطا اليها، فعلى مرأى منه كان يسلخ اسير من جلده، ويترك لايام يحتضر الى ان يفرغ من دمه، برغم كونه وشى حتى بأخته .. المتزوجة من شرطي.
كم مرة تماسك كي لا ينهار ويغمى عليه خشية الا يستيقظ ابذا. فلا مكان بين القتلة لضعيف. لكنه الان وقد نجا، انهارت قواه تماما، يعيش مع اخته وامه مشلول الارادة والتفكير، متشردا بين القيم المتناقضة. لا تكف امه عن ضمه والبكاء. لقد بكت مذ مضى، وتبكي الان لانه عاد. وهو كلما خلى الى نفسه بكى. قاوم دمعه عامين، لكنه الان استعاد حقه بالبكاء، فهو لا يغفر لنفسه ما سبب للجميع من اذى، ولا يدري ماذا عليه ان يفعل لايعاد امه. هل يواصل الدراسة؟ هل يعمل ؟ هل يتزوج؟ هل يغادر ام يبقى؟ وان غادر فكيف يتركهما ويمضي ؟ وان انتقلو جميعا للعيش في الشام كما تريد امه، فمن اين لهم المال ؟
لو كان اميرا من امراء الموت، لربما فتحت له ابواب الرزق، وقدمت له مساعدات على قدر مقام سيفه، ولكوفئ على انقلابه عن فتاويه الاولى باصدار فتاوى جديدة تحرم على من لا زالو في الجبال مواصلة الجهاد. لكنه ليس اميرا، ولا يتحكم في سرايا الموت، ولا في كتائب القتال. هو مازال غير مصدق انه استعاد حياته. ثم ان "اخوته" الامراء ليسو معنيين بأمره، هم مشغولون الان بتجارتهم، بعد ان تاجرو به وبغيره.
عمار التحق بالجبال بعده، ونزل منها قبله. كان اميرا هناك ووجده اميرا هنا. يستمتع بحقه في الحياة بعد ان انتزع من الاخرين هذا الحق. يملك الان تجارة مزدهرة، الى حد مثير للعجب. ان سألته كيف اكتسبتها، اجابك بما تفهم منه انه جدير بالربح، وانه لا يليق بك الا الخسارة، لان الله ليس معك. هو معه. له العناية الالهية، لذا تجارته مباركة ومكاسبه حلال، وعليك ان تستنتج انك ملعون، ومستثنى من رحمة الله، برغم كونك مؤمنا، وحسنا، وتخاف الله، وما قتلت نفسا بغير حق.
سيقول لك كل هذا باللغة الفصحى، التي لا يتخاطب "أصحاب البركات" الا بها، لانها لغة اهل الجنة. ولا تدري كيف ترد عليه وانت في جحيمك، تركت جحيم الموت، لتجد جحيم الحياة في انتضارك.
بانسبة الى علاء لقد طرد من الجنة الارضية يوم فقد الحب. لعلها الغيرة، وذلك اعشق المتطرف رغبة في استحواذه بالحبيب، حد فقدانه في نهاية المطاف.
كانت هدى قد انهت دراستها قبله، بحكم تخصصها في الصحافة. لم يتقبل فكرة انتقالها للعيش في الجزائر. وماكانت هي جاهزة للتنازل عن فرصة قد لا تتكرر، في العمل مقدمة أخبار في التلفزيون. ما ان غادرت الى العاصمة، حتى غادر هو الى الجبال. ربما اراد ان يقاصصها فقاصص نفسه بها، وهو يلقي بنفسه في التهلكة هربا من عذاب فراقها.
حيت كان انقطعت اخبارها عنه. وهو الان يود ان يعرف من بعيد، ما حل لها منذ سنتين الى اليوم، لا يريد ان تراه على ما هو عليه من بؤس المظهر. يحتاج الى بعض الوقت كي يستعيد ما فقد من وسامة وصحة.
اتصل بأخيها، فهو صديقه وزميل سابق له في الجامعة. سعد عندما سمع صوت ندير يرد على الهاتف. مذ عاد وهو غير مصدق، ان يرد احدهم على رقم هاتفي في حوزته. وما ادراه بما حل بالناس في غيبته.
اتفقا ان يلتقيا. تجمل له ما استطاع، كما لو كان يتجمل لهدى، فهو يتوقع ان ينقل لها اخباره. لكنه وجد نفسه اكثر اناقة منه.
كان ندير في السابق سيد التانق والبهجة. كأنه قطع عهدا على نفسه الا يحزن. وكان هذا اول ما شده اليه. فقد كانا منخرطين معا في حزب الحياة. ندير يحفظ أخر اغان اجنبية، ويدري بأخر التقنيات. يحرم نفسه من كماليات، ليشتري اخر جهاز تكنولوجي .. واول جهاز كمبيوتر يدخل البلاد. هو دايما امام شاشة بحكم دراسته في مجال المعلوماتيه، انه خريج الحياة الافتراضية.
حاولا ان يستعيدا روح دعابتهما السابقة.
قال ندير:
- واش .. مازلت حي ؟
رد علاء بالسخرية نفسها:
- وانت مازلت في "la planéte " نتاعنا ؟ حسبتك بدلت المجرة
- انا في المجاري ياخو .. انت على الاقل كنت في الجبل، عندكم الاكسجين فوق .. هنا نشفولنا حتى الهوا. يمكن يكونو يبيعو فيه ب "الوفيز" .. كل شي يتباع بالعملة الصعبة غير احنا اللي رخصنا
- واش راك تدير هاذ اليامات؟
ضحك ندير، لا احد سأله مذا يفعل هذه الايام، فأن تبقى على قيد الحياة في حد ذاته فعل. الناس تسأل ان كان فلان مازال حيا، لا ماذا يفعل.
رد بتهكم:
- ما ندير والو. راني اندور .. مثل رواية مالك حداد "الاصفار تدور حول نفسها" راني هاك ذلك اندور. وانت واش مطلعك للجبل والاه بلت يا راجل؟
رد علاء كما ليبرر حماقته:
- ما عللا باليش واش صارلي كنت كاره حياتي
- يا خويا اذا كاره حياتك اقطع البحر ماشي تطلع للجبل .. عندك على الاقل احتمال توصل للجنه .. وتعيش في فرنسا والا في اسبانيا تاكل كل يوم "لابايلا".
رد علاء بسخرية سوداء:
- والله ياكلك الحوت قبل ما تاكل "لابايلا"
- ياكلني الحوت ولا ياكلني الدود ..
الندير يتكلم بقهر، شاب تخرج ولم يجد وظيفة منذ سنتين. حتما هو يقول كلاما غير مقتنع به تماما. انه يعاني من حالة خذلان. ذهبت به من التطرف في البهجة الى التطرف في الخيبة.
راح علاء يقترب من الموضوع الذي يعنيه، سأله:
- انا قلت تكون تزوجت في غيابي ..
رد ندير ساخرا:
- نتزوج ؟ وعلاش هبلت يا ربي نسلك راسي .. وين رايحين يهربو لبنات .. راهم اكثر من ثلاثة ملايين بايرة في الجزائر.
كانت هذه اول مرة يسمعه يتكلم بهذه الطريقة. لعل احداهن ضحكت عليه، او تخلت عنه. ماذا عساها تفعل مع شاب لا مستقبل له؟
طرح اخيرا سؤاله الاهم :
-هدىواش راهي؟
-هدى تقول حد دعى عليها شر! يرحم باباك،كاين واحد يروح يعمل في التلفزيون والارهابيين كل اسبوع يقتلو صحافي
يا خويا تحب الاضواء بزاف .خليها تموت تحت الاضواء ؟
كان يريد ان يسأله هل تزوجت او هل في حياتها احد لكنه استنتج انها لم تتزوج بعد ،اما لسؤال الثاني فلا احد يجيب عليه سوها كم يشتهي ان يعرف هل مازالت تحبه هل تتذكره هل تشتاقه اكتفى بسؤاله عن مشاريعه .
- واش ناوي ادير؟
-ناوي ع الهربه .. مايسلكني غير البحر .كاين بزاف راحوا وراهم لسبانيا لا باس عليهم.
منذ عودته خسر كل اصدقائه السابقه احيانا يعذرهم بانسبه لهم ارهابي اما بنسبه للارهابيين فهو ليس جديرا بهذا الجاه
ان لم يقتلوه فلا نهم كانو بحاجه اليه ليس جديرا بهذا
حدث ان خطفو طبيبا وجاؤؤا به الى مخابئهم لمعالجه جرحاهم ، لكنهم اعدموه بعد ذلك ،اثناء محاولته الفرار مازال مصدق ان من ظلو هناك سمحو اله بانزول مه فوج مختبئين الاخرين
لحظه توقع ان يطلق احدهم النار عليه فربما دل الامن على مخابئ هم ان رجلا لم يقتل يوما احد لابد ان يقتل
الان وقد خبر كل شيء يحتاج الى اعاده اعمار روحه مما حل بها من خراب
حتى الكلمات تتطلب منه اعادة النظر الوطن الشهيد القتيل ...الخ
انتعبته اللغه اثقيله يريد هواء نظيفا فيه . لا فصحى ولا فصاحه ولا نزايدات
كلمات عاديه لا تنتهي بفتحه او ضمه او كسرن بل سكون يريد الصمت .
عبثا كانت هاله وامه تحاولان استدراجه للبوح بما عاشه خلال سنتي غيابه . كان دائما التهرب من كلام لا يوجد الا بتوقيت الاخبار المسائيه .
كلتاهما تعرفان انه ينتظر ان تطل هدى ليس اكثر فعندما لا تكون هي من يقدم الاخباريغادر عائد الى غرفته
يتأملها يتفحصها يقرا اخبارها اثناء قراءتها للاخبار .
يصل في كل مره الى نتائج مغايره مره انها سعيده وبتالي في حياتها رجل . ومره تبدوا له يائسه ومحطمه ولا يفهم لماذا تصر على البقاء امام الكاميرا لتعلن كل يوم اعتيال صحافي تجاوز عدد الصحافيين المثقفين التي تم اغتيالهم السبعين وهي مازالت تنعى كل يوم واحد منهم .
كانت هذه الفكره ترعبه كثيرا مايخشاه ان يحدث لها شيء ولا يرها ابدا ، هل يعقل ان يغيبها الموت ان يغطي التراب عينها الجميلتين وجسدها الذي لم يلمسه يوماوشفتيها اللينتين .
يقرر كل مره ان يطلبها في الغد
ثم تكون الكلمه الاخيره لعزه نفسه .فهي لا تدري انه عاد وبمكانها ان تطلبه ان شاءت لكنها منذ شهرين لم تفعل .
كانت كوابيس موتها تلاحقه .لا يتوقف عن تصور كل الاحتمالات التي يمكنه اغتيالها بها وهي مبتهجه الى التلفزيون او عائده منه مساء .
يحلم تنه جاثم يلثم جسدها باكيا ومتضرعا لله كي لا ياخذها منه فلا شي ،لا شي سواها يريده في هذه الدنيا.
ذات مساءوهو يشاهد على شاشه خطر في ذهنه ان يهاتفها على المحطه .
حال انتهاء الاخبار .يريد ان يفاجئها
كان المشكل وجود هاتف البيت في الصالون وهو لايريد ان يتحدث اليها على مسمع هاله وامه قرر ان ينزل ليطلبها من مقصوره هاتفيه غير بعيده عن البيت تذرع بالنزول لشراء علبه سجائر
في المقصوره اخرج من جيبه رقم الهاتف التيلفون الذي احضره منذ مده مذ بدأت فكره الاتصال بها تراوده ظل رقم البداله يدق لدقايق دون رفعه احد ثم اخيرا جاء رد صوت رجالي وجد نفسه يقول في ارتباك
اود الحديث للانسه هدى . هل يمكن لو سمحت ان تخبرها ان علاء على الخط
بداء الرجل على طرف الاخر من الخط على حذر ..رد بعصبيه :
اطلبها غدا ان شئت .
راح يلح:
-أود ان اتحدث اليها الان في امر هام .. ليتك فقط تخبرها باسمي .
رد الرجل:
ولكنها مازالت على البلاتو ، عليك ان تنتظر بضع دقائق وربما اكثر
رد مستجديا:
-سأنتظر .. ولكن وراسك لا تنساني ياخويا
قال الرجل:
-ذكرني بسمك
-علا علا الوافي .. اني احدثك من الشارع بالله لا تدعني انتظر طويلا .
مرت اكثر من عشر دقايق . عاد الرجل ليخبره ان هدى انتهت اثناء ذلك بثها وغادرت على عجل وانه ماستطاع الاحاق بها
لكن .. كان الخط مفتوحا زلا احد يرد سوى صوت طلقات رصاص اخترق دويها سماعه المقصوره
في الغد في انتضار الطائره العائده الي بيروت كان لها متسع من الوقت لتستعيد تلك التفاصيل كامله
وتحزن مجددا لان في سنه 2001 كاكانت الهواتف الجوال في متناول الناس في الجزائر والا لما نزل علاء ليلا الى تلك المقصوره لطلب هدى . كيف له ان يدرك انه يتصل بالرقم الهاتفي للموت ؟
نزلت دموعها . تلك التي احتفضت بها في سريره البارحه لعل غيومها كانت تبحث عن ذريعه كي تهطل . لعله النجاح المفضي الى الكابه او لعله الفقدان كل رجالها بمن فيهم ذلك الذي منحها بهجه كاذبه واختفى في هذا المطار نفسه الذي وعدها فيه يوم وصولهاقبل اسبوع
ظلت حتى اخر لحظه تتوقع اتصالا منه الان فقط بدأت تصدق قلبها للذي يوشوشها انها لن تراه ابدا وان قدرها الا تكون يوما سعيده
سعادتها كانت دائما سريعه العطب ، كأجنحه الفراشات .كلما حاولت الامساك بالونها انتهت بهجتها غبارا بين اصابعها .





منتظرة ردودكم الجميلة
حب4حب4




__________________
رد مع اقتباس