الحلقة الخامسة عشرة
أصبحت وحدى فى المنزل بعد رحيل سارة ويحيى الى بيت والدها .....البيت كئيب موحش بدونهم سبحان الله لا نعرف قيمة الشىء الا عندما نفقده .....مثل ملابس الانسان او ساعته لا يشعر بها الا عندما يرتديها او يخلعها لكن طوال ماهى موجودة معه لا يشعر بها ......شعرت بكبر الفقد عندما رحلوا ........
سارة الحبيبة التى تملأ الدنيا بهجة وتفاؤل ....... التى تمتص كل همومى مهما كانت مرهقة .......أصبحت أدخل المنزل وكأنى داخل مقبرة .....لا حياة ولا حركة .....ولعب يحيى فى كل مكان تذكرنى بمشيته المضحكة واختباءه وراء الكراسى ظنا منى انى لا أراه وكلماته القليلة التى تساوى كنوز الدنيا ......
كيف أضعت كل هذا من أجل انسانة بالكاد أعرفها ولم أر منها الا مظهرها البراق الذى يخفى شخصية متسلطة ...وحتى لو كانت شخصيتها رائعة كيف اسمح للشيطان ان يجعلنى اخسر استقرارى من أجلها ؟ أليس الله هو من أختار لى سارة وأختارنى لها ؟ كيف أظن ان اختيارى أنا أفضل ؟! وأبدأ المقارنة السخيفة والظالمة ؟! يارب سارة تنسى كل الى حصل وترجع لى تانى ..................
بيتى وحشنى أوى .......مش عارف أنام فى اودتى القديمة اللى عشت فيها أكتر من 20 سنة ؟ سبحان الله !! طبعا ماما فرحانة جدا بوجودى ونفسها ان سفر عمر الوهمى يستمر شهور .....لكن بابا بغريزته وذكاؤه لم يصدق فكرة سفرعمر ولاحظ من نظراتى الذابلة وردودى المقتضبة على عمر فى التليفون ان هناك مشكلة ولكنه لم يسأل واكتفى بالدعاء لى ولعمر ........
وأخوتى سعداء بالطبع بوجودى انا ويحيى ويلعبون معه ويشترون له مليون شيكولاتة فى اليوم ........و لكن يبدأ الصراخ والشكوى عندما يمزق يحيى أوراقهم أو كتبهم أو يعبث بأدوية ماما أو يلقى نظارة بابا من الشباك !!
عندها أشعر بالحرج وأضربه تنفيسا عن ضيقى وحرجى وأشعر فعلا أنى غريبة......... وأنى أفسدت نظام حياتهم واحدثت فوضى فى البيت........ و عندما يصحى يحيى بالليل ويطلب طلباته العجيبة ويكون أخوتى ناييمن علشان مدارسهم أكون نفسى أقتله علشان ما يصحيش حد من صراخه وآخذه وأتسحب فى الظلام وأجلس به فى الصالة حتى يتعطف على وينام ..............
انا مش عارف الحقيقة سارة كانت بتعمل كل شغل البيت والطبيخ كل يوم ازاى ؟ الشقة فى ظرف كام يوم تحولت الى ما يشبه الاسطبل ...ولكى أصل الى ملابسى قبل الشغل بأبقى عامل زى البهلوان بعد ما كنت أصحى أجدهم مكويين ومرتبين وألبسهم زى الباشا.....
الآن أبحث عن شراباتى فلا اجد الا كل فردة لون .....وحاولت أغسل الملابس التى تحولت الى جبل وطمأنت نفسى أن الغسالة الاوتوماتيك هى اللى بتغسل ومفيش مشاكل فوضعت كل الملابس مع بعض واخترت برنامج قوى جدا وانتظرت النتيجة المبهرة ....
وطبعا كانت كارثة مدوية لم أعرف أن الملابس تفصل قبل الغسيل كى لا تبهت الالوان على بعضها وكانت النتيجة أنى خسرت عدة قمصان غالية تحولوا الى اللون الكحلى من بنطلون لعين دسسته فى وسطهم ...........ده سارة لما تيجى ح أحطها فوق دماغى .....منك لله ياآية !!!!
عمر يحاول أن يكلمنى عشرين مرة فى اليوم ...ولا أرد عليه وأكتفى أحيانا باعطاء الموبيل ليحيى كى يسمع صوت والده .......ووقتها يبدأ فى الضحك والحديث المتقطع والذى لم أفهم منه الا يحيى وهو يسأل (بابا فين ؟) حتى الطفل يفتقده بشدة .....
وأحاول أحيانا أن أرد عليه وأوهم نفسى أنى أرد فقط شفقة عليه من الاتصالات المتكررة ولكن الحقيقة انى أشتاق لسماع صوته الذى لم أحب صوتا غيره .....
ورغم هذا أرد عليه بكلمات معدودة وهو يسألنى أن أعود اليه وأعود لبيتى .....وأنا أصر على موقفى ومن داخلى أتمنى أن أعود اليه وأنسى كل ما حدث ولكنى أريده ان يشعر انه جرحنى بشدة ولا يكررها أبدا .........
لم أستطع النوم وقمت أصلى ركعتين قيام الليل وجلست أقرأ بعض القرآن وفتحت درج البوفيه الذى كنا خصصناه أنا وسارة لختم المصحف بصورة دورية وشعرت بالخجل الشديد وأنا أرى انى فى خلال شهرين لم أقرأ الا أجزاء بسيطة مقابل ما قرأته سارة....
بل وعجبت انى وجدتها كتبت على بعض الأجزاء أن أمى هى التى ختمتها !!! حتى ماما ياسارة ؟!
شعرت انى بعدت عن الله فى الفترة الماضية ولهذا كان من السهل أن يسيطر الشيطان على تفكيرى .......رغم أنى كنت أرى من هى تفوق آية جمالا وذكاء فى شركتى القديمة ولكن أبدا لم أنظر لواحدة لأنى كنت أخشى الله.........
ودعوت الله كثيرا أن يصلح من حالى ويرد لى زوجتى وابنى واستقرار بيتى .....وجلست فى جلستى هذه وقت طويل وانا لا أعرف ماذا أفعل سارة لا تقبل اعتذارى ولا ترد على مكالماتى وعندما أقول لها انى سأذهب لأحضرها بالقوة ترفض بشدة وتقول لى أنها ستخبر الجميع بمشكلتنا لو فعلت هذا .........ماذا أفعل يارب ؟
وهدانى الله الى حل بسيط لا أعرف كيف تاه عن بالى واستحالة أن ترفضه سارة بأى حال من الاحوال ولكنه سيستغرق عدة أيام فى تنفيذه .......ولكن لا يهم سأجند كل أصدقائى أن يتموه فى أقصر وقت ممكن والله المستعان ........
مرعلى تركى لبيتى حوالى اسبوعين فعلا اشتقت للعودة بجنون وما يزيدنى حيرة أن عمر لم يتصل من عدة أيام !!! ايه ده خلاص مش عاوزنى ؟ طيب أعمل ايه دلوقتى ؟ كان لازم أزعل أوى كده ؟
طلبته على الموبيل بعدما زاد قلقى أن يكون حدث له مكروه .......فلم يرد ....!!
جلست أكاد أموت من القلق ولا أعرف ماذا أفعل وفكرت أن أخبر والدى بكل شىء ليذهب له ولكنى لم أستطع وقضيت يوما طويلا هاجمتنى فيه كل الهواجس الرهيبة.حتى جاء الليل وانا أكاد أنهار حتى جاءنى صوت يحيى صارخا (بابا جه بابا جه !!!!!!!)
لم أصدق أذنى وجريت لأراه يلعب أم أن عمر جاء بالفعل ؟! ووجدته ينظر الى بشوق وكدت أجرى عليه وألقى نفسى بين ذراعيه أمام الجميع ولكنى خجلت وجلست أراقبه صامتة وأنا أراه يخبر والدى أنه عاد من السفر مباشرة علينا !! (ياكدااااب ) ويخبر ماما انه جائع جدا من طول السفر!!! ويقبل يحيى بجنون وأراه يوزع هدايا على الجميع وينظر الى باسما وكأنه يقول أتحداكى أن تكذبينى بعد الفيلم ده كله !!!!
وكل هذا وأنا صامتة لا أتكلم وقمت لأحضر الطعام مع أمى وتركته جالسا مع أبى وقلبى يكاد يطير من الفرحة لرؤيته وقرب عودتى لبيتى ....
ولم يتعمد أن ينفرد بى أو يعطينى هدية مثل الجميع ....وأخييييرا همس لى بكلمة واحدة (وحشتيييييييينى ) وأخرج من جيبه شيئا ظننته هدية ولكنى وجدته جواز سفرى !!
فتحته من دهشتى وعقدت لسانى المفاجأة وصرخت من الفرحة والدهشة العارمة ........(معقووووووووووووووووول ؟!!)