رد: يوميات ماما سارة وبابا عمر الحلقة الأخيرة جلست على مقعدى فى الطائرة وأنا أتلو آيات قرآنية وأشعر برهبة كبيرة ولا اتوقف عن النظر الى ساعتى والى خريطة سير الطائرة واكاد استحلف الدقائق أن تمر كى أصل الى ما حلمت به منذ كنت طفلة ...لا أكاد أصدق نفسى انى بملابس الاحرام وبعد ساعات سألمس الكعبة بيدى ...أنظر الى عمر بحب الكون كله الذى أهدانى هذه الهدية التى تفوق كنوز الارض
......
لا أستطيع أن أصف فرحتى منذ رأيت تأشيرة العمرة على جواز سفرى ومن وقتها وأنا أكاد أستوقف الناس فى الشارع لأخبرهم أن الله دعانى ضيفة على بيته الكريم ....فكم من أغنياء رفض الله أن يدخلوا بيته الكريم وألهاهم فى متع الدنيا كى يحرموا من هذا الشرف الرفيع ....وكم من فقراء لا يملكون قوت يومهم دعاهم الله الى رحابه الطاهرة .....فنحن لا نذهب الى الحج او العمرة بارادتنا بل الله هو من يدعونا اليه
............ أشعر بنبضات قلبى تعلو على محركات الطائرة وهى تهبط فى مطار جدة ...أتحسس ملابس الاحرام كى أصدق فعلا انى لا أحلم ...سارة تكاد تطير من الفرحة وكل دقيقة تشكرنى على هذه الهدية والعجيب انها لم تفتح أى حوار او عتاب فى مشكلتنا بل وكأنها نسيت كل أحداث العالم وتذكرت فقط انها ذاهبة الى الله ....... هبطنا الى مطار جدة الفاخر وحدثت ماما ويحيى فى التليفون وبكيت عندما سمعت صوته ولكنى لم أستطع ان أصحبه معى من مشقة الرحلة ...أول مرة أفارقه من يوم مولده ولكنى أفارق ابنى لأذهب الى حبيبى و ملاذى وملجأى ........ ركبنا الاوتوبيس الموصل الى مكة وركبت سارة بجوارى وأخذت أنظر الى جميع الركاب وأتأمل وجوههم المشتاقة الى زيارة بيت الله وأتأمل الشيوخ منهم وأتساءل كيف سيقدر هذا الشيخ الواهن على أداء المناسك ؟ وكيف يجتمع كل هذا الحب فى قلوب كل المسلمين الى شىء لم يروه أبدا ويقضون حياتهم كلها فى شوق الى رؤية بيت الله الاعظم ......قد تجد من يجادل فى أشياء فى الدين ولكن لا يمكن أن تجد مسلما قلبه لا يتوق الى زيارة مكة والمدينة ... ودخلنا أسوار مكة وأخذت أتأمل شوارعها الواسعة وأسواقها الكثيرة وخيرها الذى لا ينقطع وأتخيل ان مساكن الصحابة كانت فى محل الفنادق الفارهة ....وكيف كانوا يتحملون هذه الحرارة العالية التى نشكو منها الآن فى وجود المكيفات؟ كيف تحملوا العذاب فوق رمال الصحراء كى يتخلوا عن دينهم ؟ونحن لا نصبر على القيام لصلاة الفجر؟ وصلنا الفندق ووضعنا حقائبنا وتوضأنا انا وعمر ورفضت تناول اى طعام او حتى ان أستريح وهرولنا لندخل الحرم ....ومشينا فى الاسواق وانا لا أكاد أرى البائعين الاسيوين والافارقة ولا أرى بضائعهم الكثيرة ولا تحيد عينى عن اتجاه الحرم .......
.حتى أخيرا وصلنا الى ابوابه وتعالت دقات قلبى وأنا اخلع حذائى وتمس قدمى رخامه البارد دوما وأشعر ببرودته فى كل جسدى وقلبى ......أحاطنى سلام داخلى لم أعرفه من قبل وأنا أرى أبواب الحرم الكثيرة وحوائطه الجليلة وكأنى سائرة داخل حلم لا أريده ان ينتهى .....
حتى أخيرا وصلنا الى صحن الكعبة ورأيتها لاول مرة فى عمرى ....لم أصدق عينى وأحسست انى أحلم وانتفضت وكأن زلزال هزنى بقوة ونفض عن قبلى سباته وغفلته الطويلة ليخبره انه قد ولد الآن فقط ..........ولم أتمالك نفسى من الخشوع والرهبة فسجدت وبكيت بكاء لم أعرفه طوال حياتى ............... هل أستحق أن أكون هنا يارب العالمين ؟ لقد أخطأت كثيرا وأذنبت كثيرا ويملؤنى الخجل من أن أقف ببيتك الكريم وانا لا أستحق هذا الشرف ....أرى بيتك بعينى وقد أخطأت عينى كثيرا؟ أطوف حول الكعبة بقدمى وطالما عصت قدمى ؟ ما هذه الرحمة ؟ انها لا تكون الا من رب رحيم عظيم ........ أطوف حول الكعبة ولا أشعر بالزحام ولا أشعر بافتقادى لابنى ولا أشعر بزوجى بجوارى ولو كان كنزا ملقى تحت اقدامى ما شعرت به ....عرفت الآن لماذا النظر الى الكعبة عبادة .......رؤيتى لها تغسل قلبى وروحى من دنس الذنوب وتفاهة الدنيا وصراعاتها الشرسة ...انه ليس فقط احساس ولكنه تغيير داخلى يحيطنى ويشعرنى انى اولد من جديد ....... أمسك بيد سارة كى لا تتوه منى فى الزحام وأراها وهى لا تتوقف عن البكاء من خشية الله وأشكر الله على هذه الزوجة الصالحة التى لولا فضل الله ثم وجودها بجوارى وصبرها على لم اكن احقق اى نجاح ......لا أعرف لماذا أشعر بنوع جديد من الحب تجاهها ولد هنا ....هل هو الحب فى الله جمعنى بها غير حبى لها كزوجة وام ابنى؟ اللهم اجمع قلبينا على حبك فهذا الحب لا يمكن أن يموت ....... وصلت للشوط الأخير من الطواف وانا أتصبب عرقا ودموعا .....دعوت دعوات كثيرة وبكيت بين يدى الله أكثر وتذللت بين يديه أن يبدأ حسابى من يوم دخلت بيته ....شكرت الله على نعمه التى أغرقنى بها ولم أشعر بها الا عندما سمعت دعوات المجاورين لى والتى يشكو كل منهم حاله وابتلاؤه الى الله .......
صلينا ركعتين فى مقام ابراهيم ثم طاب لنا أن نصلى أكثر وأكثر ولم نشعر بالوقت وقلوبنا ساجدة فى رحاب الله الطاهرة وحمام الحرم يطوف حولنا وكأنه سعيد بضيوف الرحمن ........
ذهبنا الى المسعى بين الصفا والمروة وبدأنا السعى ونحن نذكر الله ونبتهل فى دعاؤه ولم أعرف فى البداية المسافة التى يجب ان نهرول فيها حتى وجدناها محددة بضوئين أخضرين وهرولت مع عمر تيمنا بالسيدة هاجر حتى لفتت نظرى سيدة فاضلة ان الهرولة للرجال فقط فى هذه المسافة .........
وصلنا الى الشوط الخامس وانا لا اقوى على السير فالمسافة طويلة جدا وتعجبت كيف لامرأة ضعيفة مثل السيدة هاجر ان تهرول كل هذه المسافة 7 مرات بحثا عن ماء لوليدها ؟ ونحن الرجال لا نقوى على السير مع وجود الارض الرخامية والسقف الواقى من لفحة الشمس؟ سارة انهكت ونبح صوتها من فرط الدعاء والبكاء بين يدى الله .....وأخيرا انتهينا من السعى وأجلست سارة تستريح وتدعو على جبل الصفا وذهبت أحضر لها ماء زمزم وأصريت أن أسقيها بنفسى وشربت معها حتى ارتوينا
.....وأخذنا ندعو سويا أن يحفظ الله ابننا يحيى ويجعله من حفظة القرآن وندعو أن لا يكون هذا آخر عهدنا بالبيت وأن يأتى بنا الله فى هذه الزيارة الكريمة مرات ومرات .... نظرت الى عمر وكأنى أراه لأول مرة فى عمرى كله ويملؤنى احساس ان قلبى ملىء من ناحيته بحب من نوع جديد .....حب فى الله .......حب أقوى وأعمق مئات المرات من حبى له كرجل أو كزوجى فهذا ممكن أن يضيع أمام أى مشكلة ....أما أن أشعر أنى أرضيه لأنى أرضى الله فيه وأحبه لأنى أحب الله فيه ..... فهذا لا يمكن أن يضيع ولا يمكن أن ينتهى ....دعوت الله أن يحفظه لى ويجمع قلبينا سويا حتى نهاية العمر فى زمرة المتحابين فى جلاله .....اللهم احفظ علينا نعمتك التى لا تمنحها الا للقليل من عبادك وعلمنا شكرها وحق رعايتها ......اللهم أدم علينا الحب فيك ومنك وبك يارب العالمين انتهت هذه السلسلة المنقولة .... يعطيكم العافية ,,, سعدت بمتابعتكم وردودكم ... في أمان الله |