بعدما علم أوكامي أن سورا فارس طاقة لم يحتمل هول الصدمة ففجر كل ذلك غضبا و ذما فيها تاركا إياها في دوامة من الحيرة
~*
صعدت كل تلك الدرجات واحدة واحدة و بتثاقل مرهق الى أن وصلت الى ردهة القصر هناك عانقتها اكاي بقوة و عبرت لها عن إعجابها بما قامت به
اصطنعت ابتسامة مرة و حاولت إخفاء حزنها الغريب
جاء أمامها اللواء تسوكي و انحنى بطريقة لبقة مقدما وردة حمراء تفاجأت بها سورا و قبلتها بسعادة
ـ تقدمي يا فتاة
هكذا نادتها الملكة ارو الجالسة على عرشها, مشت إليها سورا و ألقت التحية حسب العادات الملكية
ـ اسمك سورا صحيح
ـ نعم جلالتك
ـ أود أن أشكرك بصفتي الملكة و نيابة عن شعبي و كل المملكة لمسعدتك لنا في هذه المحنة
ـ انه الواجب سموك
ـ اخبريني,أنت حفيدة هوتارو كاجي أليس كذلك؟
ابتسمت و قالت: ـ نعم
ـ الم تحدثكِ هوتارو عن قدرات يمكن أن تمتلكيها؟؟...
ـ في الحقيقة نعم...أخبرتني أنني..
ـ ...فارس طاقة
استدار الجميع نحو أوكامي الذي لم يكن شكله يبشر خيرا , تقدم كابتا ثورته بصعوبة و اخذ سورا من معصمها بقوة
فصاحت به: ـ اتركني أنت تؤلمني
نهته الملكة ارو : ـ أوكامي سوباراشي أوقف هذا
لكنه لم ينصع للأوامر أبدا راقب تسوكي ما يحصل في حين حاولت اكاي تهدئته و إيقافه و هو يخرج من القصر
ـ أرجوك اهدأ هيا لنعد
ـ ابتعدي ...هذه المخادعة لا تنتمي الى هنا , لقد كذبت علينا جميعا ,جميعهم متشابهون جميعهم..
ـ و لكن يا أوكامي , يحب أن تنسى و ما ذنب سورا من كل هذا
ـ قلت لكِ اتركيني
دفعها بقوة و هذا ليس من طبعه في التعامل مع اكاي, فتح البوابة و عاد بسورا الى منزلها,ما إن وصلا الى حديقة المنزل حتى رمى بها أرضا و قال بكل جفاء:
ـ لا تعودي أبدا و لا تريني وجهك مرة أخرى
استدار ليدخل الى البوابة لكنها استوقفته حين قالت بصوت صارخ مبحوح و الدموع في عينيها:
ـ لماذا تفعل هذا, ماذا فعلت ذلك اخبرني لماذا انقلبت علي هكذا
لكنه لم يجب و لا بكلمة , عاد الى هيكاري بقلب محطم و روح تائه في الظلمات لا يعرف ما يفعل !
في حين أن سورا عبرت عمن قهرها ببكائها الذي عمَّ أرجاء المنزل ,امتلأت وسادتها بالدموع و صرخت بحرقة
الجدة هوتارو: ـ ألا تزال تبكي
الأم: ـ اجل منذ أن أتت من هيكاري و هي هكذا
~*
سارت كوهانا مع كيتسو عائدين الى مخبأ شايرو
فقالت معاتبة
ـ لو لم أكن هناك لأمسكوا بك حتما, يا لك من أبله
ـ هيا يا كوهانا المهم أنني أنجزت المهمة على عكس الفاشل موراساكي
ـ أنت الفاشل و ليس هو
فسرحت و هي تفكر فيه و تتذكر ما حصل قبل أيام و الذي جعل حنق شايرو يتصاعد و يوكل لهما هذه المهمة و يأمرهما بتحطيم مركز الطاقة !!
فلاش باك
وراء أحراش غابة الموت المظلمة يُعزَفُ لحنٌ شجي من الناي الفضي المزركش الجميل بين يدي الشابة ذات الشعر الوردي المحمر و العينين القرمزيتين و التي تجلس أعلى سور القلعة العتيقة وراءها و تشدو من نايِها أعذب الألحان بددت بها ضباب الحزن الذي يحيط بالمكان المرعب , فجأة توقفت
ـ غبي,لقد فشل.
قالتها بنبرة جادة باردة
أطلت على زميلها الجالس أسفل السور و يمسحُ مسدسه بمنشفة و قالت:
ـ هييي كيتسو,كوهانا تشعر بموراساكي عائدا...فارغ اليدين
تنهد و قال : ـ هذا لن يروق الزعيم أبدا
قفزت من فق برشاقة و طلبت أن يبحثوا عنه فقد شعرت بطاقته المتضائلة
~*
كانا ينظران الى موراساكي و هو داخل أنبوبة زجاجية و حوله سائل مائي ازرق بينما وضعت كمامة الأوكسجين على فمه و انفه و قد غطَّ في السبات
فاجأتهما الحركة خلفهما فاستدارا و انحنيا باحترام و قالا في نفس الوقت:
ـ سيد شايرو..لم نتوقع مجيئك..
لا يزال ذلك الرداء يغطي ملامحه لكن نبرة الغضب المزمجرة صعدت من حلقه رغم محاولته الفاشلة في اصطناع الهدوء
ـ لماذا أحضرتماه!
كيتسو بتلعثم : ـ لقد كان ..مصابا لذلك..أ..أ..
ـ أنا لا أريد جماعة فاشلين..كوهانا تخلصي منه
كانت كوهانا واثقة و غير خائفة عكس كيتسو حين قالت
ـ عذرا سيدي , اللقاء كان على الأرض و أنت تعلم أنها معركة خاسرة كما انه التقى باوكامي لذلك أفضل لو تعطيه فرصة
ـ لست ممن يعطون الفرص ..تخلصي منه
ـ لقد أقسمت على الدماء سيدي, و لن تقدر على الوفاء بقسمك من دونه
ضاقت أجفانه تحت عباراتها الاستفزازية لكنها لطفت الجو بسرعة بينما إمارات الذعر على كيتسو كمن يقول "ما الذي تفعلينه بحق السماء"
ـ سيدي, موراساكي و أنا اعرفه لن يرضى حتى يحقق مبتغاه و إن كان الأمر يتطلب دماء شقيقه إنها مسألة وقت و حسب و نحن سندعمك حتى النهاية
رمقت كيتسو بطرف عينها ففهم الأمر حين ازداد رأسه انحاءًا و قال :
ـ الى النهاية سيدي
شعر شايرو بالفخر بنفسه فتمالك غروره قليلا أمام من يسميهم "أتباعه" و قال :
ـ إنها آخر مرة
و رحل و طرق خطواته يتردد في الرواق المظلم
تنفس كيتسو الصعداء : ـ و أخيرا كدت أصاب بجلطة
أما كوهانا فكانت ملتهية بالنظر الى ملامح موراساكي ,لم ترى أي شر أو كره أو ضغينة ,كان وديعا, لكن الألم ظاهر لا يمكن إخفائه
انتهى
~*
اليوم التالي
يا له من يوم و كأن غمامة سوداء تقبض على الروح و تخنقها, ليلة من البكاء المرير لم تبددها أشعة الشمس هذا الصباح
ظلت تحاول عدم النظر لكن شعور ما كان يدفعها لاختلاس النظر الى المقعد الذي كان يجلس فيه سابقا مرت في خيالها صورته جالسا بغروره يديه فوق رأسه و ينفخ مللاً
لكن سرعان ما تتبدد الصورة لتكتشف انه غير موجودٍ أبدًا, لقد رحل و غدَا شيئا من الماضي
رنّ الجرس و هاهي تخرج متثاقلة الخطى شاردة الذهن طوال الوقت , ربتت آسا على كتفها فقد لاحظت تلك الغرابة فيها :
ـ هل أنت بخير لستِ على طبيعتك اليوم؟
ـ لا تقلقي مجرد إعياء و حسب
و انسحبت برأس مطأطأ و كتفين مرتخيتين
~*
كانت تلك الشجرة كبيرة جدا بجذعها الضخم و فروعها المتشابكة, و أوراقها الكثيفة تقبع أعلى تلك الربوة, كلما هبَّت النسمات تطايرت بضع وريقات جاعلة من المكان آسرًا للُّب,
أسفلها مرجٌ اخضر خلفه تلالٌ من الزهور الملونة..
هناك على غصن متين يجلس كُحليُّ العيون يتذكر بعض الأيام الخوالي..
فلاش باك
طفلة تقطر من وجهها البراءة, تدندنُ لحنا خافتًا ينساب رطبا من بين شفتيها بينما تقطف بضع وريدات لتشكل بها باقة صغيرة, و لقصر قامتها فكادت تكون غير مرئية بين كل تلك الورود حولها..
ـ هيي يا صغيرة! اذهبي من هنا هذا المكان يخصنا..
ثلاثة صبيان بدا لها من مظهرهم إنهم من العامة القرويين ,لم تنصع لهم بل واصلت ما هي به من متعة و غناء طفولي , إلى أن تعرضت للدفع من احدهم!
بينما يصيح بها: ـ ألا تفهمين أنتِ
أبقت رأسها مخفضا حيثُ تنفضُ تنورتها و قميصها الأحمر
همَّ يقتربُ منها الآخر لكن صوتًا انطلق من خلفهم:
ـ أكاي!
سرعان ما سقط الصبي أرضا و أوكامي قد قفز عليه ! و انهال عليه ضربا على رأسه بعودٍ من القصب !
و نصيب الثاني كان أسوء عندما ربتت على كتفه يدٌ ناعمة, استجاب لها مُلتفتًا ليتلقى لكمة على أنفه مباشرة!
وجهتها له "ليريا" و هي تبتسم بكل براءة..
ما كان أمام الثالث سوى أن يجر رفيقيه مع أذيال الخيبة و الخوف..
صاح أوكامي ذو الثماني سنوات متوعدًا :
ـ لن أرحمكم في المرة القادمة !
بينما تفقدت "ليريا" حال أكاي التي زمّت شفتيها :
ـ أنتما متوحشان! كدتما أن تقتلوهم
حك أوكامي انفه بضحكة فخورة بينما حوطت "ليريا" التي كانت بنفس عمره رقبته بذراعها و ضحكت هي الأخرى :
ـ نحن أروع ثنائي على الإطلاق!
تنحنح أوكامي بارتباك صبياني, زال بمجرد أن تقدمت إليه أكاي بباقة الورد التي صنعتها و بعيونها لمعة طفولية :
ـ هيا نأخذها لهوتارو سينسي..
انتهى
حيثُ الأفق كأنه نافذة على ماضيه, ذاك التل, كانا يقضيان اغلب وقتهما هنا, يصطادان الطيور و السناجب, يتسخان, و ينامان وسط العشب الأخضر و لا سقف لهما غيرُ السّماء..
هو و "ليريا"
حُصيَّةٌ أصابته بمؤخرة رأسه, فالتفت بتأوه طفيف بينما يحك ذلك المكان و التي لم تكن سوى أكاي التي قذفته بها:
ـ الملكة خصصت فرقة للبحث عنك, تريد أن تناقش معك عصيانك للأوامر..
استدار عنها و قد انزعج:
ـ فلتذهب إلى الجحيم!
ـ هل تريد أن أشي بكْ!
ـ هل وضعت جائزة عليّ؟
اقتربت أكثر و وقفت أسفله مستندة على جذع الشجرة:
ـ ليس بالضبط لكن استطيع أن اطلب مقابلا, الملكة لن ترفض ذلك لي..
اطل عليها من فوق بفضول:
ـ و ماذا ستطلبين مقابليّ؟؟
أشبكت أصابع يديها و بعيون كارتونية براقة صارت تحوم بالمكان مرددة:
ـ شوكولا!..الكثيرُ منها!
ـ بفف أهذا كل ما يهمك الم يكن..
قاطعته بادعاء تام للبراءة:
ـ بماذا كنت تفكر؟
ـ لن يسرك معرفة ذلك..
اكتفت بالصمت و التحديق إليه ,فاستسلم بعد برهة و قال:
ـ تذكرتُ يوم تعرض لك صِبيَة هنا, ليريا كانت معنا..
و كأنها بركان انفجر للتو تذمرت:
ـ سحقا لك أوكامي! ظننتُك تفكر في سورا..ألا يؤنبُك ضميرك و لو قليلا , لقد كنت قاسيا جدا معها..هي حتما تكرهك الآن..
ـ و أنا اكرهها!
ـ لم تكن كذلك قبل أن تعرف أنها فارس طاقة!
شعر أنه سيتسبب بمشكلة اكبر لو استمرت بالضغط عليه هكذا فصاح بها:
ـ اكاي ,أرجوكِ دعيني وشأني!
ابتلعت كلماتها و نظرته جيدا بينما يجذب نظراته بعيدا عنها
ـ عليك أن تستيقظ من هذا الكابوس البشع..
كان هذا ما خسرته عليه و رحلت بكرامتها قبل أن تخدش أكثر, فهو عندما يغضب يصبح قلبه أعمى تمامًا
شذرةٌ منه تمنتْ..
"ليتكِ لم تكوني فارس طاقة يا سورا.."
تم و الحمد لله
~*