11-05-2015, 11:32 PM
|
|
استعددنا وتوجهنا نحو أرض المعركة بوقودنا وذخائرنا وحتى دباباتنا ، كان جنودي بأعداد كبيرة لا بأس بها
أغمض عيني وانا في موقعي خلف الصخرة الكبرى تنهدت بضجر وفي قلبي أمنية ان تكتمل فرحتي
ابتسمت بآمل " سأحاول أن أعود لزيارة أمي مباشرةً بعد المعركة "
ولوحت بإشارة إلي جنودي المصطفين على الجوانب وفي كل مكان حتى يبدأ إطلاق النار
واحد .. اثنان .. ثلاثة يسقطون من جنود الأعداء
ظننت بأني سأنتصر في هذه المعركة ولكن خاب ظني برؤية القنابل تتوجه نحو أماكن جنودي
التفت بارتعاش وأنا ألمح شظايا قرمزية تتطاير والدماء تسقي تربة الأرض القاسية
شعرت بشعور غريب وقتها ; شعور الغضب والثآر والحزن الشديد في آن واحد ومشاعر لم أُعرفها بعد !
لم يبقى سوى 6 جنود ومعظمهم مصابين إن لم نهرب وننسحب سيتم آخذنا أسرى من قِبل جنود العدو الذين خرجوا فجأةً من خلف الجثث كما العشائر
تشتت أفكاري ولا أدري ماذا أفعل ؟
لمحت جندي من طرف العدو كان يبدو شارداً مرخي دفاعه لم اجد سوى هذه الفرصة لأضمن سلامة رفاقي المتبقيين
وآخذته كالمفترس الذي ينقض على فريسته بعد أن أصبته في قدمه وكتفه كيف لا يتمكن من الهرب
وسحبته بصعوبة إلى موقعي وأنا أتجنب رصاص العدو
لسوء حظه إنه الآن رهينة لدي وسأعيده لهم بعد أن يدعونا نهرب
إلى الآن لم أرى ملامح وجه لا أعلم لما قلبي يرتجف وانا أفكر في النظر إليه
أدرت جسده ناحيتي وأنا انظر إلى ملامحه .. لم أستوعب ما أرى
ذُهلت وفرغت فاهي بصدمة محاولاً إدراك الواقع ، أغمض عيني وأدرت رأسي يمناً ويسرا ثم عاودت فتحهما
لأراه هو مازال متجسداً آمامي ..
سقط سلاحي مني وأنا أهرول نحوه بذعر " بلال هل أنت بخير ؟ بلال أنا لا أصدق "
اهتف كالمجنون وانا أريده ان يخفي تعابير الألم ويجيبني ولو بحرف واحد ولو بهمسة خفيضة لأسمع نبرته
تقدم نحوي صديقي يسألني عما يجري لي وعما أفعله فـ صحت به " هذا أخي أيها المجنون .. أخي الذي لم أره منذ 3 سنوات "
لما أنت يا بلال ؟ لما ظهرت الأن في هذا الوقت !
أين كنت ؟ ولما أنت مع الأعداء ؟
أتوسل إليك أن تكلمني يا بلال
رحتُ أقبل كفيه وجبينه وهو صامت ويأن بألم ويكاد يصفو دمه
كيف لي أن أؤذي أخي الكبير ؟
فلتجبني يا بلال
صحت به ودموعي تنسكب على وجنتي ، وهل القائد لا يبكي في هذه الحالة !
وأخيراً خرج صوته من بين شفتيه ، صوته الذي أشعر بأنه صفعني بقسوة ونسف بي لعالم الندم والذنب
أنهرت كلياً وأنا أستمع إلى ما يقوله بابتساامة والذي يبدو بانه لم يكن متفاجئ البتة " لقد كبرت وأصبحت رجلاً قوياً يُفتخر به يا سيف "
قبض كفه بكفي وهو مفتخر بي وأنا أحترق بألم
طلبت بأن يأتي بمسعف الفريق فوراً
وأكملت ألقي عليه مئات الأسئلة عن أين كان ومالذي جاء به إلى هنا
تخافتت أنفاسي وأنا أكلمه ولا يجيب ، تشنجت خلايا دماغي وأنا أراه ساكن بلا حراك
ونظره معلق نحوي دون تزحزح أو رمشة
سألته بصوت منخفض " بلال أتسمعني يا أخي ؟ "
ولكنه لم يجب صـحت بجنون " فارس أسرع بإحضار المسعف .. يا فارس أسرع "
تهاوت قبضته الكبيرة التي تمسك بكفي وارتطمت بالتراب
وكأن انخفا النظر لدي وقلبت الحياة رأساً على عقب ، لا مستحيل
أخذت أضم جسده بشهيق وأنين .. لما كُنت انت يا بلال !
لما كان رحيلك سريعاً ؟ لما لن تأتي معي لمقابلة أمك وأختك !
أرجوك أجبني يا بلال ...
أخي الذي بقيت على انتظاره سنوات يُقتل في النهاية على يدي !!
عُميت بصيرتي وهجمت على الجنود بهسترية وجنودي لم يتركوني لوحدي .. إلا أن استوجبت أحد جنود العدو قبل قتله
وسألت وعيناي باحمرار الجمر" مالذي كان يفعله معكم بلال ؟ "
جاوب علي بخفوت " بلال كان أسير مثلي ومثل الجنود الذين قتلتهم .. تعرضنا لمختلف أنواع التعذيب وفي النهاية أُوجبرنا على الخضوع في أول الصفوف وإن لم نقتل سنُقتل "
ضحك بسخرية وأكمل " يمكنك القول بأننا كنا دمى بشرية أو بلأحرى أدرع بشرية "
سقطت البندقية من يدي بذهول وترنحت وأنا أجول كالميت بين الجثث
اعترف هذا الفشل الأكبر في العالم
ظننت بأني بطل وكنت أقتل الأبرياء والعدو يضحك بخبث خلفهم
ودفعوني لقتل أخي من لحمي ودمي .. أخي الأكبر الحنون
نظرت إلى السماء أتمتم " سحقاً لنهايتك يا سيف " البطل هه !
خطوت مبتعداً عن رائحة تراب الموت لأقف أمام احتشاد الناس وصراخهم بذعر وهم يهربون يميناً وشمالاً ومنهم من سُحق تحت الأقدام
حملقت بتلك الحقيبة المدرسية التي يبتعد عنها الناس بخوف والجنود تحيط بها وتبعدهم بارتباك
ازداد حقد العدو لوضع قنبلة متفجرة بداخل حقيبة مدرسية وتركها بالميدان !
كنت أنوي أن أركض إلى بيت أمي وأرتمي في أحضانها لما أحمله في قلبي من ذنب ويأس هذا إذا تبقي قلب
سُرت نحو الحقيبة وحملتها على كتفي أمام أعين الناظرين المذهولين وخطوت نحو السيارة وقدتها مبتعداً عن المساكن
أذهب بها إلى مكان لا بشر يموت ضحية فيه
لا أرى الطريق حقيقةً فـ كل ما أراه هو ضحكة أخي ، لعبنا معاً ، مساعدته لي في دراستي
وحتى في خلافاتنا .. كل ذلك آراه شاشةً سينمائية في حدقتاي !
وضعت الهاتف على سمعي فورما رأيت اسم المتصل .. أمي ..
أقبلت بالترحيب بها بضحك ومرح والدمع في عيني .. أقبلت أمازحها لأسمع ضحكتها
ولكنها كانت قلقة للغاية .. هذا قلب الأم
سألتني سؤال أوقف الدماء في عروقي " أعدت تسمع أخبار عن أخاك بلال ! لقد افتقدته كثيراً يا ولدي "
وأخذت نبرتها بالبكاء وقلبي يتقطع لأشلاء ثم يتناثر في جوفي .. أمي كان الله في عونك وفي ان يصبركِ
ابتسمت وأجبتها " اطمئني يا أمي .. أخي سعيدٌ الأن وبخير في الجنة إن شاء الله أدعي له وأدعي لي "
سامحيني يا أمي ... سأفتقدكم |
|