عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 12-18-2015, 12:33 AM
 



- 5 -


أقبلت علينا امرأة طويلة تمشي بخفة. كانت تلبس قبعة بالية، و تنورة لا شكل
لها، و كنزة ثقيلة. و قالت صوفيا:

- إنها الخالة إيديث.

توقفت المرأة مرة أو مرتين لتنظر في أحواض الزهور، ثم جاءت إلينا فنهضتُ محيّياً.

- هذا هو تشارلز هيوارد يا خالتي – و التفتتْ إليّ – خالتي الآنسة دي هالفيلاند.

كانت إيديث دي هافيلاند امرأة في حدود السبعين من عمرها، شعرها رمادي
غير مرتب، ذات نظرات خارقة لاذعة. قالت:

- كيف حالك؟ لقد سمعت عنك و علمت أنك عدت من الشرق. كيف
حال أبيك؟

أجبتُها و قد تفاجأت:

- إنه بخير!

- أعرفه منذ كان صبياً، و أعرف أمه جيداً. أنت تشبهها. هل جئت لتساعدنا
أم من أجل أمرٍ آخر؟

قلت متضايقاً:

- أرجو أن أساعدكم!

- لعل بعض المساعدة تنفعنا. إن المكان يعجّ بالشرطة الذين يراقبوننا من كل
صوْب، و أنا لا أحب بعضاً منهم. لا ينبغي للولد الذي كان في مدرسة
محترمة أن يعمل في الشرطة. لقد رأيت ابن مويرا كينول أمس يدير إشارة
المرور في ماربل آرش... يجعلك تشعر كأنك في دوّامة!

و التفتت إلى صوفيا و قالت: إن الخادمة تسأل عنك يا صوفيا... السمك.

قالت صوفيا: يا إلهي! سوف أذهب و أتصل بالهاتف بخصوص ذلك.

أسرعتْ إلى البيت بخفة و تبعتها الآنسة دي هافيلاند ببطء، و سرتُ بجانبها. قالت:

- لا أعرف ماذا كنا سنفعل دون الخادمات؟ كل امرئ لديه خادمة عجوز.
إنهن يغسلن و يكوين و يطبخن و يُنجزن الأعمال المنزلية... مخلصات. لقد
اخترت هذه الخادمة بنفسي من سنين.

توقفتْ و اقتلعت نبتة من حوض زهور بقوة:

- نبتة كريهة، إنها اللبلاب، أسوأ نبتة: تلتف و تنعقد و لا نستطيع اقتلاعها
بسهولة، فهي تمتد في الأرض.

و سحقتْ بعضاً من اللبلاب بقدمها ثم نظرت إلى البيت قائلة:
ما أسوأ هذا العمل يا تشارلز هيوارد! ما هو رأي الشرطة؟ أخشى أنني تعديتُ
حدودي، يبدو أنه من الغريب الاعتقاد أن أريستايد قد تمسمم و مات! إنني
لم أحبه قطّ، لكني لا أستطيع الاعتياد على فكرة موته. إن هذا يجعل البيت
يبدو فارغاً!

و مضيتُ أصغي إلى إيديث دي هافيلاند و هي تروي ذكرياتها في البيت:
- لقد عشت دهراً طويلاً هنا، أكثر من أربعين عاماً. جئت إلى هذا البيت
عندما توفيت أختي. هو طلب مني ذلك.. سبعة أطفال أصغرهم له سنة واحدة
فكيف أتركهم للمربية؟ كان زواجهما مستحيلاً. كنت أشعر أن مارسيا قد
سُحرتْ به: أجنبي قبيح و قزم خسيس! أعترف أنه أطلق يدي في البيت في
إحضار المربيات و الخادمات و شؤون المدارس.

همستُ: و هل عشت هنا منذ ذلك الوقت؟

- أجل.. أمر عجيب! كنت أستطيع أن أغادر البيت عندما كبر الأطفال و
تزوجوا. كنت مهتمة بالحديقة ثم كان هناك فيليب. لو أن رجلاً تزوج ممثلة
فلا يمكنه أن يتوقع أن يحيا حياة عائلية. لماذا تنجب الممثلة أطفالاً؟ فحالما
يلدن أطفالهن يسرعن إلى التمثيل في مسرح ريبَرْتوري في إيدَنبرغ أو أي
مكان بعيد آخر. لقد أحسن فيليب عندما جاء إلى هنا... مع كتبه.

- و ماذا يفعل فيليب ليونايدز؟

- يؤلف الكتب. لا أعرف لماذا، فلا أحد يريد أن يقرأها، ليس فيها غير أخبار
تاريخية مجردة لم نسمع بها، أليس كذلك؟

- بلى.

- كان عنده مال كثير. يجب على الناس أن يخالفوا نزواتهم و يكسبوا عيشهم.

- أليست هذه الكتب مربحة؟

- قطعاً لا. فيليب يستحق أن يكون مرجعا عظيما في عصور معينة، لكنه لم
يكن مضظراً أن يجعل كتبه تدر عليه أرباحاً، فقد خصص له أريستايد ما
يقارب مئة ألف جنيه! و من أجل أن يجنب أريستايد أبناءه ضرائب الإرث بعد
موته جعل لكل واحد منهم نصيبه على حدة: روجر يدير مؤسسة للتجهيز
الغذائي، و صوفيا تتلقى دخلاً كبيراً جداً، و أموال الأطفال تحت الوصاية.

- إذن فلا أحد يستفيد بشكل خاص من وفاته.

نظرت إلي نظرة غريبة.

- نعم، إنهم يستفيدون جميعاً، يأخذون مزيداً من المال كلهم، و لو أنهم
طلبوه منه على أية حال لأعطاهم.

- هل عندك فكرة عمن سممه يا آنسه دي هافيلاند؟

ردت بطريقة مميزة:

- لا. لقد أزعجني ذلك كثيراً. ليس جميلاً أن تفكّر أن شخصاً كهذا يتجول
في البيت طليقاً. أظن أن الشرطة سوف يلصقون التهمة بالمسكينة بريندا.

- أليسوا على صواب في ظنهم هذا؟

- لا أدري. كانت تبدو لي دائماً شابة غبية تماماً مبتذلة... شابة عادية لا
أظنها يمكن أن تضع له السم. لكن إذا تزوج رجل قريب من الثمانين فتاة في
الرابعة و العشرين فلا شك أنها قبلت به من أجل المال. كنا نتوقع – حسب
الأحداث – أن تصبح أرملة غنية في القريب العاجل، لكن أريستايد كان
عجوزاً قوياً بصورة متميزة و لم يكن مرض السكريّ يؤثر على صحته، و ربما
كان سيعيش عشرين عاماً أخرى! أعتقد أنها سئمت الانتظار.

قلت: في تلك الحالة...

قالت الآنسة دي هافيلاند بحدة:

- في تلك الحالة يكون الأمر طبيعيا. الأقاويل مزعجة طبعاً، لكنها – على أية
حال – ليست من العائلة.

- أليس عندك أفكار أخرى؟

- و ما هي الأفكار الأخرى التي يمكن أن تكون عندي؟

تساءلت؟ كان عندي شك بأن هناك الكثير يدور في رأسها مما لا أعرفه و
فكرت أن وراء غرورها و كلامها غير المترابط عقلاً يعمل بدهاء شديد، و
قلت في نفسي: هل تكون الآنسة دي هافيلاند نفسها قد سممت أريستايد ليونايدز؟

لا تبدو الفكرة مستحيلة. و تذكرت كيف سحقت نبات البلاب بقدمها بقسوة
تدل على الحقد.

و تذكرت كلمة قالتها صوفيا..((القسوة)). و اختلست نظرة إليها من طرف
عيني. إنها تعطي سببا مقنعاً، لكن، ما الذي يبدو لإيديث دي هافيلاند سبباً مقنعاً؟

و للإجابة عن ذلك كان ينبغي أن أعرفها أكثر.