الموضوع
:
البيت المائل ~ اجاثا كريستي
عرض مشاركة واحدة
#
9
12-18-2015, 04:20 PM
زيزي | Zizi
- 8 -
فتحت الخادمة باب الجناح المقابل و أصابها الخوف حين رأت تافيرنر و إن كانت
مسحة من الإزدراء ظاهرة عليها. قالت:
- لعلك تريد أن ترى السيدة؟
- نعم، من فضلك.
و تقدمتنا إلى غرفة الجلوس الكبيرة و خرجتْ.
كان أثاثها يشبه ذاك الموجود في غرفة الاستقبال في الطابق الأرضي: قماش الريتون
ملوناً بألوان زاهية، و ستائر حريرية مخططة، و لوحة فوق رف الموقد لفتت
انتباهي، ليس من اليد البارعة التي رسمتها فحسب، بل أيضا بسبب الوجه الآسر
لصاحب الصورة.
كانت رسماً لرجل ضئيل. عيناه داكنتان خارقتان، على رأسه قلنسوة من المخمل
الأسود، و قد التصق رأسه بكتفيه. لقد كانت حيوية الرجل و قوته تشعّ من اللوحة،
و بدا أن العينين اللامعتين أذهلتاني! قال تافيرنر:
- هذا هو. رسمها أوغسطس جون. إن شخصيته قوية، أليس كذلك؟
- بلى.
و فهمتُ معنى قول إيديث دي هافيلاند إذ قالت أن البيت يبدو يدونه خالياً. ما اغرب
هذا الرجل الصغير المنحني: الذي بنى البيت الصغير المائل، فلما غاب فَقَد البيت
الصغير المائل معناه! قال تافيرنر:
- و تلك زوجته الأولى هناك. رسمها سارجِنت.
أمعنتُ النظر في الصورة المعلّقة على الحائط بين الشبّاكين. كان فيها وحشية ما مثل
كثير من رسوم سارجنت، و قد رُسِم الوجه بشكل مبالَغ فيه فظهر كأنه وجه فرس.
كانت رسمة لسيدة إنكليزية تقليدية من الريف لا من طبقة النبلاء، أنيقة لكنك لا تلمح
فيها معنى الحياة، سيدة لم تكن تبتسم، بل كانت مستبدة قوية!
انفتح الباب و دخل الرقيب لامب قائلاً:
- لقد عملت اللازم يا سيدي، استجوبت الخدم جميعاً و لكني لم أحصل على أي شيء.
تنهد تافيرنر في حين أخرج الرقبيب لامب دفتره من جيبه و رجع بعيداً ثم جلس.
و انفتح الباب مرة أخرى و دخلت زوجة أريستايد ليونايدز الثانية.
كانت تلبس ثوبا أسوداً فاخراً ستر بدنها كله. كان وجهها معتدل الجمال، و شعرها
بنياً جميلاً مصففاً بإتقان، و على صدرها عقد لآلئ كبيرة، و كان في إحدى يديها خاتم
من الزمرد و في الأخرى خاتم كبير من الياقوت.
نظرت إلى وجهها المزيّن فعرفتُ أنها كانت تبكي، و لاحظت أنها خائفة. و خاطبها
تافثيرنر بلطف:
- صباح الخير يا سيدة ليونايدز، إنني آسف لإزعاجك مرة أخرى.
قالت بصوت فاتر:
- يبدو أنك مضطر لذلك.
- إن كنت ترغبين في دعوة محاميك يا سيدتي فهذا يوافق النظام تماماً، أليس كذلك؟
تسائلت إن كانت قد فهمتْ مدلول هذه الكلمات؟ من الواضح إنها لم تفهم. عبست و قالت:
- لا أحب السيد جيتْسْكيل و لا أريده.
- يمكنك أن تحضري محامياً خاصاً لك يا سيدة ليونايدز.
- هل يجب علي ذلك؟ أنا لا أحب المحامين، إنهم مزعجون.
تبسم تافيرنر و قال:
- الأمر إليكِ، إذن فهل نواصل؟
أمسك الرقيب لامب بقلمه و جلست بريندا ليونايدز على الأريكة في مواجهة تافيرنر و سألته:
- هل وجدتم شيئاً.
لاحظت أن أصابعها كانت تعبث بعقدة في فستانها باضطراب.
- نقول جازمين بأن زوجك قد تسمم بالإيسيرين و مات.
- تقصد أن قطرة العين تلك قد قتلته؟
- من المؤكد أن السيد ليونايدز حين حُقن بتلك الإبرة الأخيرة تسمم؛ لأن ما فيها كان
إيسيريناً لا أنسوليناً.
- لم أكن أعلم ذلك. لا علاقة لي بهذا يا حضرة المفتش! حقيقة لم تكن لي أي علاقة!
- إذن فلا بد من أن أحداً غيّر الأنسولين عمداً و عبأ الزجاجة بالقطرة.
- يا له من عمل شرير! هل تظن أن أحداً قد فعلها عمداً أم أنه قد أخطأ؟ لا ينبغي
المزاح هنا، أليس كذلك؟
- لا نظن أنها كانت مزاحاً يا سيدتي.
- لعله أحد الخدم...
لم يرد تافيرنر عليها.
- لا بد... لا أرى شخصاً آخر يمكن أن يفعل ذلك.
- هل أنت متأكدة؟ فكري يا سيدة ليونايدز، أليس عندك فكرة تفسر ما حدث؟ ألم يكن
في البيت مشاعر غير ودّية؟ مشاجرات؟ أحقاد؟
حدقت إليه بعينين واسعتين جريئين، ثم قالت:
- ليس عندي أية فكرة.
- هل قلت إنك كنت في السينما ذلك المساء؟
- نعم، عدت في الساعة السادسة و النصف، وقت إبرة الأنسولين. حقنته الإبرة
بهدوء ثم أصابته حالة غريبة. ارتعبت. اسرعت إلى روجر...
و علا صوتها و جعلت تتكلم كأن الهستيريا أصابتها: لقد قلت لك كل هذا آنفاً،
هل عليّ أن أعيد كل هذا مرة تلو الأخرى؟
- أسف يا سيدتي! و الآن هل أستطيع أن أكلم السيد براون؟
- لورانس؟ لماذا؟ إنه لا يعرف شيئاً في هذا الشأن.
- لكني أريد أن أكلمه.
حدقت فيه بارتياب:
- إنه يدرّس يوستيس اللغة اللاتينية في غرفة الدرس، أتريده أن يأتي هنا؟
- لا، سوف نذهب إليه.
خرج تافيرنر من الغرفة سريعاً و تبعته أنا و الرقيب. قال الرقيب لامب:
- لقد أرعبتها يا سيدي!
و صعدنا بضع درجات ثم سرنا في ممر و دخلنا غرفة كبيرة تُشرف على الحديقة و
فيها طاولة. جلس وراء الطاولة شاب أشقر الشعر وسيم في الثلاثين من عمره، و
فتى أسمر في السادسة عشرة.
دخلنا عليهما فرفعا بصرهما إلينا. يوستيس، أخو صوفيا، نظر إلي، و نظر لورانس
براون إلى رئيس المفتشين نظرة خوف. لم أرَي في حياتي رجلاً مشلولاً من الخوف
مثله! وقف ثم جلس مرة أخرى. قال بصوت كأنه صرير:
- أوه! صباح الخير يا حضرة المفتش.
كان تافيرنر فظاً:
- صباح الخير. هل أستطيع التحدث إليك؟
- نعم، بالطبع، يسرني ذلك.
نهض يوستيس و قال بمرح:
- هل أمضي أنا يا حضرة المفتش؟
قال المعلم:
- سوف... سوف نواصل دروسنا فيما بعد.
خرج يوستيس مختالاً و عندما وصل الباب وقعت عينيه عليّ فتبسم ثم أغلق الباب
وراءه. قال تافيرنر:
- حسنا يا سيد براون. إن بيان المختبر جازم تماماً: الإيسيرين هو ما قتل السيد ليونايدز.
- إنني... هل تقصد... أن السيد ليونايدز قد تسمم؟ كنت آمل...
قال المفتش بغلظة:
- لقد سُمِّم. شخص ما استبدل بالأنسولين قطرة الإيسيرين اللعين.
- لا أصدق. لا أصدق!
- من الذي أقدم على فعل ذلك؟
صرخ الشاب:
- لا أحد. لا أحد بتاتاً.
- هل تريد حضور محاميك؟
- ليس لي محامٍ... لا أريد محامياً. لا شيء عندي أخفيه... لا شيء!
- ألا تعلم أن أقوالك تُدوّن؟
- أنا بريء، أقسم إنني برئ!
- لم أقل بأنك مجرم.
سكت تافيرنر قليلاً ثم أضاف قائلاً:
- كانت السيدة ليونايدز أصغر من زوجها بستة عقود، أليس كذلك؟
- أظن ذلك... أقصد: نعم، هذا صحيح.
- لا بد أنها كانت تضجر من الوحدة أحياناً؟
ظل لورانس صامتاً و لم يُجبه، فقط مرّر لسانه على شفتيها الجافتين.
- إن وجود رفيق لها أصغر منها أو أكبر قليلاً يعيش هنا كان أمراً مناسباً، أليس كذلك؟
- إنني... لا، إطلاقاً... أقصد: لا أدري!
- يبدو لي أنه من الطبيعي أن تنشأ بينكما علاقة.
احتج الشاب بعنف:
- كلا، لم يكن، لا شيء من ذلك. أعرف ما تفكر به، و لكنك واهم. كانت السيدة
بريندا كريمة جداً معي و كنت أكنُّ احتراماً عظيماً لها، لا شيء أكثر من هذا. أؤكد لك
ذلك، إنه أمر بشع أن تقول هذا! بشع! لم أقتل احداً، و لم أعبث بالزجاجات! إن
مجرد فكرة القتل عندي كابوس رهيب. لو دخلتُ المحكمة فسوف يتفهّمون أن لدي
دوافع دينية تمنعني أن أقترف القتل!
لقد كنت أشتغل في المستشفيات و كنت قبلها أذكي النار في مراجل القطارات و هو
عمل شاق لم أتحملْه، لكن الجيش أذن لي بالتعليم. لقد بذلت ما بوسعي من أجل
يوستيس و جوزفين الطفلة الذكية و الصعبة، و كان كل واحد لطيفاً معي إلى أبعد
حد: السيد ليونايدز و زوجته و الآنسة دي هافيلاند! و الآن يقع هذا الأمر الرهيب و
أنت تشك فيّ، فيّ أنا... أنني قتلته؟
حملق المفتش تافيرنر إليه باهتمام و قال:
- أنا لم أقل هذا.
- لكنك تفكر فيه. أعلم أنك تفكر فيه، و هم جميعاً يفكرون فيه. إنهم ينظرون إلي...
إنني لا أستطيع مواصلة حديثي معك! إنني متعب و متوتر الأعصاب!
و ناطلق خارجاً من الغرفة. التفت تافيرنر إليّ:
- حسنا؟ ماذا ترى فيه؟
- لقد خاف كثيراً!
- نعم أعرف، لكن هل هو القاتل؟
قال الرقيب لامب:
- أتدري يا سيدي؟ إنني أراه جباناً لا يجرؤ على ذلك أبداً.
وافقة رئيس المفتشين:
- إنه لن يضرب أحد على رأسه و لن يطلق رصاصة من مسدس. لكن ما عساه أن
يفعل في هذه الجريمة السهلة؟ يعبث بزجاجتين فحسب، يُعِين رجلاً عجوزاً على
الخلاص من هذه الدنيا بطريقة غير مؤلمة نسبياً.
- القتل الرحيم يا سيدي!
- ثم بعد ذلك، ربما بعد زمنٍ، يكون الزواج من امرأة ترث مئة ألف جنيه معفاة من
الضريبة و لديها مئة ألف أخرى و كومة كبيرة من الياقوت و الزمرد – و تنهد
تافيرنر – لكن هذا كله ظنون و تخمين. لقد نجحتُ في ارهابه، و لكن هذا لا يثبت
أي شيء؛ لأنه كان سيخاف حتى لو كان بريئاً. و على أية حال فأنا لا أجزم أنه فعل
ذلك، أرى أن امرأة هي التي فعلتها، و لن لماذا لم تَرْميِ قنينة الأنسولين بعيداً أو تغسلْها؟
و التفت إلى الرقيب يخاطبه: ألا يوجد دليل من الخدم؟
- الخادمة زعمت أنهما كانا يحبان بعضهما.
- و ماذا جعلها تزعم هذا؟
- نظراته إليها و هي تصب القهوة له.
- هذا أمر لا تستند إليه محكمة، ألا توجد أحداث واقعية؟
- لم يلحظ أحد شيئاً من ذلك.
- لو كان بينهما شيء لرآه الخدم. أتدري؟ لقد بدأت أعتقد أنْ لا شئ بينهما!
و نظر تافيرنر إليّ ثم قال: ارجِعْ إليها و تحدثْ معها، أريد أن أعرف انطباعك عنها.
ذهبت و أنا شبه كاره رغم أنني كنت متشوقاً لذلك.
زيزي | Zizi
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى زيزي | Zizi
البحث عن المشاركات التي كتبها زيزي | Zizi