عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 12-21-2015, 02:18 PM
 



- 25 -


مكثنا في الحديقة طويلاً و لم نذكر شيئاً عن الرعب الذي سكن في قلبنا، و بدلاً من
ذلك تحدثت صوفيا بكلام عاطفي في شأن ناني و الألعاب التي كانوا يلعبونها مع ناني
و هم أطفال و الحكايا التي كانت العجوز تحكيها لهم عن روجر و أبيهم و الإخوة الآخرين.

- كانوا أطفالها في الحقيقة. عادت إلينا لتساعدنا أثناء الحرب عندما كانت جوزفين
طفلة رضيعة و كان يوستيس غلاماً صغيراً مسلياً.

كانت الذكرى بسلماً شافياً لصوفيا، و قد شجعتها على الحديث.

تساءلت: ماذا يفعل تافيرنر؟ لعله يستجوب أهل البيت.

ذهبتْ سيارة فيها مصور و شرطيان و وصلت سيارة إسعاف.

ارتعشت صوفيا قليلاً. و في الحال انطلقت سيارة الإسعاف فعرفنا أنهم قد حملوا جثة
ناني إلى المشرحة.

و ما زلنا في الحديقة نجلس أو نمشي و نتحادث، لكن كلماتنا كانت قانعاً لأفكارنا
الحقيقية. و أخيراً قالت صوفيا و هي ترتجف:

- الوقت تأخر كثيراً، أظلمت السماء، يجب أن ندخل. الخالة إيديث و جوزفين لم
تعودا بعد! كان يجب أن تعودا في هذه الساعة، أليس كذلك؟

أستيقظ في نفسي نوع غامض من القلق... ماذا حدث؟ هل كانت إيديث تتعمد إخراج
الطفلة من البيت المائل؟

دخلنا البيت. سحبتْ صوفيا الستائر جميعاً و أشعلت النار و بدت غرفة الاستقبال
الكبيرة متناغمة مع جو غير حقيقي من الرفاهية العتيقة، و كانت على الطاولة
مزهريات كبيرة من البرونز فيها أزاهير الأقحوان.

قرعت صوفيا الجرس فجاءت خادمة عرفتُ أنها كانت تعمل في الطبق العلوي تحمل
الشاي. كانت عيناها حمراوين و تعطس كثيراً، و رأيتها تنظر إلى الوراء بسرعة و خوف.

جاءت إلينا ماجدا، لكن شاي فيليب أرسل إليه في المكتبة. كان دور ماجدا دور امرأة
حازنة جامدة. تكلمت قليلاً و قالت مرة واحدة كأنها مشغولة البال:

- أين إيديث و جوزفين؟ لقد تأخرتا.

كنت أشعر بالقلق يزداد في نفسي. و سألت ماجدا:

- أما زال تافيرنر في البيت؟

- ربما.

فذهبت أبحث عنه و أخبرته أني قلق على الآنسة دي هافيلاند و الطفلة.

ذهب إلى الهاتف في الحال و ألقى أوامره، و قال:

- سأخبرك عندما أتلقى خبراً عنهما.

شكرته و عدت إلى غرفة الاستقبال. كانت صوفيا هناك مع يوستيس، و كانت ماجدا
قد ذهبت. قلت لصوفيا:

- سيخبرنا تافيرنر عندما يبلغه عنهما شيء.

همستْ: يا تشارلز، لابد أن شيئاً قد حدث!

- عزيزتي صوفيا، إن الوقت لم يتأخر بعد.

قالت يوستيس: ما الذي يقلقك؟ ربما ذهبتا إلى السينما.

ثم خرج من الغرفة متاكاسلاً. و قلت لصوفيا:

- ربما أخذت جوزفين إلى فندق من الفنادق أو إلى لندن، لعلها أدركت أن الطفلة في
خطر، ربما أدركت ذلك أفضل.

ردت صوفيا بنظرة كئيبة لم أستطع فهمها جيداً:

- لقد قبلتني قبلة وداع!...

- لم أفهم تماماً قصدها لتلك الملاحظة التي لا تتصل بالحديث فسألتها:

- هل ماجدا قلقة؟


- أمي؟ لا. إنها على ما يرام. إنها لا تشعر بالوقت: تقرأ مسرحية جديدة افاسفور
جونز اسمها ((المرأة تقتل)). إنها مسرحية مسلية عن جريمة قتل... عصفورة
زرقاء... قصة مسروقة من مسرحية ((الزرنيخ و رباط الحذاء القديم))، لكن فيها
دوراً جيداً لامرأة أصابها الجنون عندما أصبحت أرملة.

لم أقل شيئاً. جلسنا نتظاهر بالقراءة.

في الساعة السادسة و النصف فتح تافيرنر الباب و دخل. كان وجهه ينمّ عما يريد
قوله لنا.

نهضت صوفيا. قالت:

- خيراً؟

- إني آسف! عندي أنباء سيئة لكما! أرسلت تعميماً للبحق عن السيارة، و قد أفدنا
راكب دراجة بخارية بأنه شاهد سيارة ((فورد)) رقمها شيبه الرقم المطلوبة هي
تنعطف عن الشارع الرئيسي فيفلا كسبيرهيث و تدخل الغابة!

- أليس هي... الطريق المؤدية إلى محجر فلاكسبير؟

- بلى يا آنسة ليونايدز. السيارة وجدناها في المحجر. كلا الراكبين كان ميتاً! سوف
يسركما أن تعرفا أنهما قتلتا على الفور.

- جوزفين!

كان هذا صوت ماجدا التي وقفت عند مدخل الغرفة، و ارتفع صوتها بالعويل:

- جوزفين! طفلتي!..

قامت إليها صوفيا و أحطتها بذراعيها.

قلت: انتظروا لحظة.

تذكرت شيئاً. لقد كتبت إيديث دي هافيلاند رسالتين على الطاولة و خرجتْ إلى الصالة
تحملهما بيدها، لكنهما لم تكونا بيدها عندما ركبتْ السيارة!

انطلقت إلى الصالة و ذهبتُ إلى خزانة الأدراج الطويلة، حيث وجدتهما. كانتا مخبأتين
في مكان غير ظاهر وراء إبريق الشاي النحاسي.

كانت الرسالة الأولى إلى رئيس المفتشين تافيرنر.

تبعني تافيرنر، فأعطيته الرسالة. فتحها و قرأ سطورها المختصرة و أنا إلى جانبه:

((أظن أن هذه الوصية سوف تفتح بعد وفاتي, لا أرغب الخوض في أية تفاصيل،
لكني أقر بكامل مسؤوليتي تجاه وفاة زوج أختي أريستايد ليونايدز و جانيت روي –
ناني – إقراراً تاماً
أعلن هنا صراحة أن بريندا و لورانس براون بريئان من دم أريستايد ليونايدز. إذا
سالتم الدكتور مايكل شافاسي: 783 – شارع هارلي، فسوف يؤكد لكم أنني لم أكن

لأعيش سوى بضعة أشهر. فضّلت أن تنتهي حياتي هكذا لأنقذ شخصين بريئين من
محنة اتهامهما بجريمةٍ لم يرتكباها.
إنني في وعيٍ و عقلٍ تامّين إذ أكتب هذا.
إيديث ألفريد دي هافيلاند)).

فرغْتُ من قراءة الرسالة و أدركت أن صوفيا قد قرأتها أيضاً، إما مع تافيرنر في هذا
الوقت أو سواه، لست أدري. همست صوفيا:

تذكرت قسوة إيديث دي هافيلاند و هي تسحق بقدمها نبات البلاب و ذكرت أنني
اشتبهت فيها مبكراً، لكن لماذا؟...

تحدثت صوفيا عما يدور في رأسي قبل أن أنطق به:

- و لكن لماذا جوزفين؟ لماذا أخذت جوزفين معها؟

سألتُها: لماذا فعلت ذلك كله؟ ما هو دافعها؟

قلت هذا و أنا أعرف الحقيقة. لقد فهمت كل شيء بوضوح. أدركت أنني ما زلت
أمسك برسالتها الثانية بيدي. نظرت فيها فرأيت اسمي عليها.

كانت أسمك و أقسى من الرسالة الأولى. أعتقد أنني عرفت ما بداخلها قبل أن أفتحها.
مزقت الظرف فسقط منه دفتر ملاحظات جوزفين الأسود. التقطته فتحته، و قرأت ما
كتبتْه على الصفحة الأولى...

سمعت صوت صوفيا كأنه قادم من مكان بعيد. كان صوتها واضحاً يدل على ضبط
النفس:

- أخطأنا الفهم... إيديث لم تقتل أحداً.

قلت: نعم، لم تقتل إيديث أحداً.
اقتربت صوفيا مني أكثر. همستْ:

- كانت جوزفين، أليس كذلك؟ إنها هي جوزفين.

نظرنا معاً في أول سطر من الدفتر الأسود مكتوباً بخط يد طفلة:

((اليوم قتلتُ جدي)).