عرض مشاركة واحدة
  #68  
قديم 12-26-2015, 01:56 AM
 
~رماد تختبئ تحته النار~










*4*

- يا.. إلهي...

بصعوبة خرجت هذه الكلمة من بين شفتيها وهي تكاد تجزم أن الهواء من حولها قد نفذ بالفعل... ضربات قلبها تتسارع بشكل لا تستطيع تحمله أكثر وهي بالكاد تستطيع تحريك عينيها..... هذا هو الشيء الوحيد الذي كانت تتمنى ألا يحدث لها خاصة بهذه الفترة..... حاولت جاهدة رفع نفسها عن السرير لكن سرعان ما يجعلها دوارها الحاد الذي تعاني منه تعيد رأسها لوسادتها.... كانت الأرض تدور بها ورأسها يكاد يتحول إلى قطع صغيرة متناثرة وقد شعرت بهذا بالفعل... رفعت يدها وجعلتها على جبينها وتمتمت بإرهاق:

- آه.. لا أستطيع التحمل أكثر، يا إلهي ساعدني، أفضل أن أموت على أن أقاسي كل هذا.....

أخرجت أنفاسها بصعوبة وضغطت على نفسها مرة أخرى لكي ترفع نفسها... عليها أن تنهض وتنشط نفسها، لن يفيدها البقاء في السرير أكثر من اليوم الذي بقيته.... يوم كامل بقيت فيه طريحة الفراش ولكن هذا الشيء لم يحسن من حالتها.....

وبمنتصف موجة المرض التي تعاني منه ابتسمت ساخرة من نفسها فجأة... هل جُنَّت وفقدت عقلها؟!

شعرت بالاستكانة للحظات فاستغلتها وجلست على سريرها وقد قررت أخذ حمامٍ سريع وبارد يبعد عنها الحمى ويعيد لها نشاطها......

~~~~~~~~

جلست على كرسيها أمام مرآتها بهدوء وصففت شعرها ووضعت القليل القليل من مساحيق التجميل على وجهها وعندما انتهت نظرت للساعة فوجدتها تشير للتاسعة صباحاً.....

أخذت حقيبتها وأخرجت حذاءً بكعب متوسط الطول وانتعلته سيكون هذا أفضل من ارتداءها حذاءً عالياً لأنها ما زالت تشعر بالدوار ويمكن أن يختل توازنها...

تحركت حيث الطاولة الملحقة بسريرها وأخرجت من الدرج الأول علبة الدواء التي من المفترض أن تساعدها وتحسن من حالها وحملت قارورة الماء من فوق الطاولة وارتشفت منها بعد أن تناولت حبة الدواء ووضعت هاتفها في حقيبتها.....

~~~~~~~~~~~~~~~~

جلست أمام المقود بسيارتها وألقت حقيبتها على المقعد الذي بجوارها بإهمال... أرخت نفسها على المقعد وأعادت ظهرها للخلف وأغمضت عينيها قليلاً وبدأت تتنفس بصوتٍ مسموع....

بعد عدة دقائق امتدت يدها للمقود وحركت السيارة منطلقة بها إلى الجامعة.....

~~~~~~~~~~~~~~~~

أوقفت سيارتها أمام مدخل الجامعة وسحبت حقيبتها وترجلت بكل هدوء لتسير محاولة الاتزان بسيرها والدوار ما زالت تعاني منه لكن بشكل أقل من السابق أي أنها على الأقل تستطيع التحمل....

دخلت غرفة المعلمين متجهة لمكتبها مباشرة وحاولت أن تبدو بأفضل حال..... جلست على كرسيها واستندت بيدها على المكتب تنتظر أن تصبح الساعة الحادية عشر حتى تذهب لمحاضرتها.....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

(الساعة الثانية عشر والنصف صباحاً)

أخرجت كلماتها بصوتها الهادئ الرزين وهي تقف أمام طلابها:

- يمكنكم الذهاب انتهت محاضرتكم لهذا اليوم...

خرج الجميع من القاعة وبقي فقط اثنان.. ناير وأندرو.. ومن سيكون غيرهما!

تقدم ناير منها ولم يكن منتبهاً لوجود أندرو الذي كان لا يزال واقفاً بنهاية القاعة....

حاولت كروس التماسك عندما شعرت أن توازنها قد اختل والأرض تتحرك بها والحمى قد استعادت سيطرتها على جسدها.... قالت في نفسها: (ليس الآن... يا إلهي أنا أشعر بالدوار... لا أستطيع التحمل..)

- ماذا تفعلين هنا؟

رفعت رأسها ببطؤ لتقابل عينيها وجه ناير الذي تكلم باستغراب فتنهدت بضيق وقالت بإرهاق:

- ألا تظن أن سؤالك غريب؟!

- بالتأكيد لا، إنكِ مريضة فلماذا جئتِ إلى هنا؟

- ومن قال لكَ بأنني مريضة؟

ضحك بسخرية وقال:

- أتمزحين يا آنسة... أنظري إلى نفسك جيداً.....

- وبرأيكَ من المسؤول عن ذلك....

- لا أعلم كنت أريد سؤالك عن هذا؟

- أتعلم بأنني أرغب بقتل أحدهم اليوم وبشدة... أنصحك بأن تبتعد من أمامي حالاً...

سأل ناير بلهفة وهو يبتسم:

- أخبريني من هو يمكنني أن أساعدك في هذا.. أنتِ لستِ بخير وبإمكاني أن أساعدك...

تنهدت بتعب ثم نطقت بصوت بالكاد ظهر:

- أغرب عن وجهي ناير لستُ متفرغةً لك....

واستدارت بعدها دون أي نية لإكمال الحديث معه لأنها إن بقيت ثانية أخرى وهو أمامها فربما بالفعل سترتكب جريمة، فقط يجب أن تصل لمنزلها قبل أن تجد نفسها جثة هامدة لأنها بدأت بالفعل لا تشعر بشيء غير أن جسدها لم تعد تستطيع التحكم به وتشعر بأنها ستموت في أي لحظة.... خرجت من القاعة بصمت وسيرها بات أكثر صعوبة.. رددت بداخلها: (إنها نهايتي...)

*************************

- ناير توقف....

التفت المقصود ليلاقي بصره صاحب الصوت الحاد الذي اقترب منه وحاجبيه معقودين ليقول ناير بابتسامة ساخرة:

- قبل أن تكمل كلامك اذهب بسرعة إليها لأنها بأي لحظة سوف.........

قاطعه أندرو بغضب وهو يمسك بياقة قميصه قائلاً:

- ألم أحذركَ من الاقتراب منها.. ما الذي فعلته لها أيها الوغد؟

ظهرت الابتسامة الماكرة على محياه مما جعل أندرو يضغط على أسنانه بغضب ونيته كانت تسديد لكمة قوية على وجه هذا الوغد الذي أمامه....

لم تمر ثانية حتى اختفت ابتسامة ناير بسرعة وقام بدفع أندرو عنه وهو يقول بنبرة مستفزة:

- يا فتى بالله عليك هل حقاً تـــــ........

قاطعه أندرو بحدة:

- اخرس ناير......

- هذا يعني أن الأمر صحيح......

- أتعلم شيئاً... اعتقاداتك السخيفة لا تهمني أبداً....

رفع ناير حاجبيه والابتسامة الساخرة تعاود الظهور على محياه وعلق:

- مسكين يا أندرو.. يؤسفني أن أقول لكَ أن تلك الآنسة لن تفكر بك أبداً.....

- سبق وقلت لك أن رأيك لا يهمني يا سيد ناير.. وإياك أن تفكر مرة أخرى بالاقتراب منها....

- بسرعة اذهب إليها لأنها ليست بخير البتة كما رأيت، إنها مريضة بشكل سيء...

قال أندرو ساخراً:

- وهل سمعت فيما سبق عن مريضٍ أصيب بمرضٍ جيد.....

تابع ناير بأنظاره أندرو وهو يغادر القاعة عندما انتهى من الكلام ليبتسم بعدها بسخرية ويقول مخاطباً نفسه:

- آنسة كروستافيا أنتِ لم تري شيئاً مني بعد هذه البداية وحسب... ومن الرائع أن المرض يؤثر عليك بهذا الشكل هذا جيد...

********************************

نظرها مشوش وأذنيها لا تسمع بهما سوى صوت دقات قلبها المتسارعة وتشعر أن حمماً بركانية ستنفجر بأنحاء جسدها.. لقد تعدى ذلك مقدرتها على التحمل.... ارتفعت يدها ببطء ناحية جبينها وتوقفت عن السير للحظات والدوار وألم رأسها أصبح حاداً بشدة.....

آخر شيء شعرت به هو سماعها صوت أحدهم ولم تستطع تمييز صاحبه ووقوعها بين يدي ذلك الشخص الذي كان لا يزال يتكلم لكنها لا تستطع فهم ما يقول وبهدوء أغمضت عينيها معلنة عن ابتعادها عن كل شيء حولها ولم تعد تشعر بأي شيء.....

**************************************

اتسعت عيني أوليفيا وهي تراها محمولة بين ذراعي أندرو لا تتحرك......

خفق قلبها بخوف عليها وهي تراها بهذه الحالة لتركض بسرعة ناحيته وهي تقول بقلق وخوف:

- ما الذي حدث لها أندرو؟

- لم تكن بخير منذ الصباح إنها مريضة.....

- ضعها على الأريكة بسرعة.....

استجاب أندرو لــ أوليفيا وقام بتمديدها على إحدى الأرائك الموجودة في المكتب وتنحى جانباً عندما اقتربت أوليفيا منها وبجرد أن لامست يدها جبينها حتى قالت بصدمة:

- لولا أن الأمر مستحيل لقلت أن درجة حرارتها تعدت الخمسين.... علينا نقلها للمشفى بأقصى سرعة.... أندرو اذهب واستدعي جويس بسرعة...

- سأذهب....

وبمجرد أن انهى جملته حتى أصبح خارج الغرفة....

تكلمت أوليفيا وهي تمسح على شعرها الأسود الحريري وتتأمل وجهها الساكن ووجنتيها المحمرتان بشدة بسبب حرارتها المرتفعة:

- عزيزتي كروستافيا هل تسمعينني أرجوكِ افتحي عينيكِ، يا إلهي لماذا لم تخبريني أنكِ مريضة كنت لأساعدك لماذا جئت إلى هنا أصلاً.....

مسحت أوليفيا دموعها التي لا تدري متى انسابت من عينيها وعادت تتأمل وجه كروس وهي ممسكة بكفها ويدها الأخرى تمسح بها على رأسها بحنان....

دخل بسرعة وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة ويقول بشكل متقطع:

- سيدتي.. أنا لم.. أجد الأستاذ جويس.. في أي مكان.. لا أعلم أين هو..

- سأذهب أنا....

التفت أندرو وأوليفيا بسرعة ناحية صاحب الصوت الهادئ الذي كان يقف بمحاذاة باب المكتب ويتكئ على الحائط....

قال أندرو في نفسه متسائلاً: (منذ متى وهذا الشخص يقف قرب الباب.. في البداية لم يكن هنا وعندما جئت الآن لم أنتبه له... هل كان موجوداً وأنا لم أنتبه؟)...

تقدم ذلك الشاب صاحب الشعر الأسود الفحمي بخطواتٍ رزينة.... لا أحد يعلم ما تحمله وما تفكر به عيون النسر التي كان يحملها والتي كانت موجهة صوب كروس الممددة على الأريكة.. أكمل قائلاً:

- يمكنني أخذها للمشفى....

تكلمت أوليفيا بسرعة وهي تنظر إليه:

- متى جئت جيو؟

- هل ستبقين تسألين أم ماذا؟

- حسناً جيو هل يمكنك فعل هذا حقاً؟

حرك عينيه الحادة السوداء والتي ازدادت حدة لعيني والدته مباشرة دون أن ينطق بكلمة فأكملت أوليفيا:

- إذاً علينا أن نسرع.....

- لا أريد الذهاب....

التفتت أوليفيا بسرعة ناحية كروس فرأتها تحاول الجلوس فتحركت ناحيتها بسرعة وساعدتها على الجلوس وهي تقول:

- عزيزتي هل أنتِ بخير؟

- أنا بأفضل حال...

قالت أوليفيا:

- تقولين بأفضل حال وأنتِ بهذه الحالة.... حرارتك مرتفعة جداً...

- سأتحسن عندما أرتاح في المنزل....

قال أندرو:

- عليكِ الذهاب للمشفى أولاً.. على الأقل لإجراء الفحوصات...

- ليس هناك أي ضرورة فأنا معتادة....

جلست أوليفيا بجوار كروس ثم أمسكت بذقنها وأدارت وجهها ناحيتها وهي تقول:

- إذاً أخبرينا لماذا حصل هذا الأمر لك؟ ولماذا أنتِ معتادة عليه؟

تساءلت أوليفيا باستغراب لتجيبها كروس بهدوء:

- ليس مهماً الآن.. المهم أنني يجب أن أعودة للمنزل...

- كيف ستذهبين وأنتِ بهذه الحالة؟ مستحيل أن أدعك تذهبين وحدك....

قالت كروس بهدوء وهي تحاول الوقوف:

- سأذهب بسيارتي...

- هذا خطر عليكِ لن أدعك تقودين السيارة بهذه الحالة، هل تريدين الموت؟

وأكملت أوليفيا وهي تخاطب جيو:

- جيو هلّا قمت بإيصالها لمنزلها....

- لا سيدة أوليفيا سأعود وحدي أرجوكِ...

قالتها كروس برجاء لكن أوليفيا قالت:

- لن أسمح لكِ..... ولا أعلم كيف أتيت إلى هنا حتى..

- أستطيع العودة صدقيني.. فكما أتيت يمكنني العودة...

- لا هذا مستحيل.. إذا سمحت لك بأن تذهبي سأكون وكأنني أُرسلك للموت بيدي..

توقف الحديث بينهما عندما أوقفه جيو بكلامه الموجه لــ كروس:

- هيا تعالي....

قالت أوليفيا بابتسامة هادئة لــ كروس:

- اذهبي يا ابنتي هيا....

وقفت كروس على رجليها وحاولت الاتزان بسيرها... من الجيد أن الدوار قد تنازل قليلاً ليسمح لها على الأقل للوصول إلى المنزل... هذا كل ما تحتاجه فقط.. أن تصل للمنزل وإلى سريرها بالتحديد....

- آنستي اعتني بنفسكِ جيداً وأرجو الشفاء العاجل لكِ....

ابتسمت بهدوء لـــ أندرو عندما تكلم ولم تجبه... فقط اكتفت بالابتسام...

واصلت سيرها حيث الباب حيث كان يقف جيو هناك ينتظرها وتجنبت النظر إليه قدر الإمكان....

غادر الاثنان المكان وسارا في الممر بصمت شديد......

استرق جيو النظر إليها وهي تسير بجواره ليسألها بهدوء:

- هل أنتِ مريضة بسبب ذلك الأمر؟

بقيت صامتة بضع ثوانٍ ثم أجابت وهي تنظر للأمام لا تريد النظر إليه:

- ليس من شأنك.... وماذا تظن نفسك فاعلاً؟

- ماذا تقولين؟

- لماذا وافقت على ايصالي؟

- أليس علي ذلك...

- بالتأكيد لا...

- وماذا إذاً...

- إلى ماذا تخطط؟

- حالياً لا شيء..... أما لاحقاً فأنا أبحث في الأمر.

التفتت إليه وحدقت بعينيه السوداء علها تعلم ما الذي يفكر به حتى تكلم بهدوء:

- لن تصلي لشيء هكذا يا آنسة.... ما أفكر فيه يبقى بداخلي والآن هيا اركبي بالسيارة....

- سأذهب وحدي...

استدارت عنه لتتجه لسيارتها لكي تركب بها ولكن جيو أمسك بذراعها وقال:

- إلى أين تذهبين؟

- إلى سيارتي ألا ترى...

- تعالي معي...

- هذا مستحيل...

- غريبٌ أمركِ.. أنتِ مريضة لذا دعي هذا العناد جانباً وتعالي معي...

- قلت لك لا أريد ألا تفهم..

- لا.. أنا لا أفهم شيئاً والآن تعالي...

توقف أمام الباب الأمامي لسيارته السوداء وفتحه وأدخلها ثم جلس أمام المقود وانطلق بها......

بقيا صامتين لمدة.. هي تنظر عبر النافذة وهو ينظر للأمام ليقطع الصمت بعد دقائق وهو يسألها:

- أين منزلك؟

- لا أعلم....

- قلت لكِ أين منزلك؟

- وأنا قلت لكَ لا أعلم...

أوقف جيو سيارته بهدوء وعينيه الحادة أصبحت مصوبة ناحيتها.. امتدت يده لتصبح ممسكة بذقنها وقد أدار وجهها ناحيته وهو يقول:

- هل تريدين تكرار الأحداث السابقة....

- أتركني....

- أين منزلك؟ وأنصحك بألا تختبري صبري لأنه يساوي الصفر...

- حسناً سأخبرك لكن أتركني...

ابعد يده عن ذقنها واعتدل بجلسته وقال:

- إذاً؟

- في منطقة(...........) شارع(.........)..

- جيد فتاة مطيعة....

كانت كروس ترخي ظهرها على الكرسي وتضع يدها على جبينها وتغمض عينيها.... نظر جيو إليها قليلاً وبعدها أعاد نظره إلى الطريق وهو يقول في نفسه: ( يبدو بأنها مريضة جداً... لا ألومها على غضبها إذاً بسبب سقوطها في المياه ولكن أنا مستغرب أنها ما زالت هادئة ولم تنتقم من ناير)

استرق النظر مرة أخرى إليها فرأى أن جبينها يتعرق وأنفاسها غير منتظمة... أوقف السيارة بسرعة وقال يحدث نفسه:

- تريد أن تذهب وحدها.. مجنونة...

وأكمل مخاطباً إياها:

- كروستافيا هل أنت بخير؟ أجيبيني.

- أجل أنا بخير...

أجابها بإنكار وهو يتحسس جبينها:

- أجل هذا واضح... (وأكمل بجديه): سآخذك للمشفى...

- اذهب للمنزل...

صمت قليلاً ليقول بعدها ببرود:

- حسناً كما تشائين....

لقد عاد لعهده... ما انساب لذاكرته في ثوانٍ معدودة كفيلة بأن تجعله مجنوناً خاصة وأنها معه! شقيقة غيلبيرت... هذا ما يتردد بعقله دائماً... سينتقم!.. أجل.. هذه هي الفرصة الذهبية التي أتت بعد كل ذلك الوقت... سوف ينتقم لما حدث وهذه الفتاة التي معه الآن سوف تكون الوسيلة هذا إذا لم تكن هي من سيدفع ثمن أفعال شقيقها أصلاً... لن يهمه من سيدفع الثمن فقط المهم أنه سوف ينتقم.......

هو عن نفسه لا يعلم لماذا يضبط نفسه حتى الآن وبإمكانه الابتداء منذ هذه اللحظة... لكن هناك شيء ما يمنعه.. هل هذا الصوت الداخلي يخبره بأن يتريث قليلاً؟ لكن لماذا؟!.... لماذا يسمع صوته؟ لماذا يسمع صوت الشخص الذي لم يحذف من ذاكرته أبداً وأكبر دليل هو نيته الانتقام لأجله... حياته كانت من بعده لا معنى لها حتى عاد الفتيل للاشتعال مرة أخرى... عندما أتت أيقظت مع قدومها نيراناً كانت مدفونة بداخله وتأثيراتها كانت تظهر عليه بالخارج.. بروده.. كل هذا بسببه!!... هذه النار لم تخمد طوال الخمس سنوات المنصرمة... بل كانت تزداد وتزداد وتدفعه نحو الهاوية.... لم يكن ضميره يريحه.. كان يشعر بالذنب بكل يوم يمضيه ولم يحرك به ساكناً والآن حانت اللحظة... لحظة الانتقام... لحظة خروج نيرانه ليحرق بها عدوه... غيلبيرت برودسكي... ذلك اللعين الوغد...

ها هو العد التنازلي يبدأ منذ هذه الدقيقة... همه الوحيد الآن هو الانتقام.... وكأن هناك شيء آخر غير هذا يهمه أصلاً.....

توقفت سيارته أمام بوابة منزلها الخارجية وبقي صامتاً ونظره للأمام.. بينما هي عندما شعرت بتوقف السيارة فتحت عينيها بهدوء وهمت بالنزول... حاولت فتح باب السيارة لكنها لم تستطع.... التفتت إليه وقالت بتعب:

- هلا فتحت الباب يا سيد....

أدار وجهه ناحيتها وقال ببرود العالم:

- قبل هذا أريدك أن توصلي هذا الكلام لــــ عزيزكِ غيلبيرت...

أمالت برأسها قليلاً وظهر على وجهها علامات الاستفهام لتقول بعدها بتعب:

- ماذا تريد من أخي يا هذا؟

- انهاء حياته ربما.....

- افتح الباب أريد الذهاب...

- لا أريد... خطرت ببالي فكرة عظيمة علي تنفيذها الآن...

ابتسم بشر وأدار محرك السيارة وانطلق بها بسرعة جنونية وهي بدورها بدأت تصرخ به متناسية مرضها:

- توقف أيها اللعين بسرعة.... قلت لك توقف بسرعة....

لم يأبه لصراخها فأمسكت بمقبض الباب وحاولت فتحه لكن عبثاً... زفرت بغضب واستدارت ناحيته وقالت متألمة:

- توقف أرجوك....

لكنه لم يجب.. كانت ملامحة لا تبشر بالخير أبداً.... حاولت أن تهدأ نفسها لكنها لم تستطع.... ضغطت على رأسها بقوة لتخفف آلامه لكن عبثاً... كلمت نفسها بداخلها وهي تلتفت إليه لتنظر لوجهه: (أخي أين أنت؟ ما الذي يحدث هنا؟.. ما الذي حدث بينكما في السابق؟ والأهم ما شأني أنا... لماذا تنهمر علي المشاكل من كل جانب؟).....

أدارت وجهها بسرعة ناحية النافذة عندما شعرت بدموعها تنساب من مقلتيها...

تساءلت بهمس:

- ما الذي سيحدث الآن؟

شعرت كروس بتوقف السيارة فجأة بعد مدة من الوقت فأبعدت رأسها عن زجاج النافذة وعدلت من جلستها..... ترجل من السيارة بسرعة وفتح الباب من جهتها وسحبها معه بقسوة...

- إلى أين أنتَ ذاهب؟

نظرت حولها جيداً لتجد أنها في......... يا إلهي لماذا أحضرها إلى هنا... نظرت إلى وجهه بصدمة وهو لا يزال يمسك بذراعها بقوة ولكنها لم تعد تشعر بالألم الآن... كل ما استحوذ عليها وعلى تفكيرها هو لماذا هي هنا... كان المكان يوشك أن يصبح مظلماً.... نظرت لساعة معصمها فوجدتها السادسة.... صدمت كثيراً فكيف مضى كل هذا الوقت.... أين هي الآن وكم تبعد عن المدينة؟!... إنها تشك في كونها في موسكو بالـتأكيد هي بخارج العاصمة....

تكلمت بهمس:

- ما هذا المكان؟

- وكأنكِ لا تعلمين...

أجابها ببرود وتابع سيره وهو يقتادها معه... بقيت صامتة تنتظر التالي... علمت في هذه اللحظة أن حياتها تتحول للجحيم مرة على مرة... تدفقت إليها التساؤلات بشتى أنواعها... وكأنها تسأل نفسها عن حياتها هي..... تتساءل ما الذي أتى بها إلى هنا؟ لماذا تركت مدينتها وجاءت لهنا؟ لماذا حدث لها كل ما حدث وهي بألمانيا؟ هل كان من المفترض حدوث هذا؟ لماذا هي موجودة في هذه الحياة أصلاً؟ هل لأجل أن تظل تعاني وتتعذب؟ لقد عانت الكثير والكثير حتى الآن.. والآن يأتي إليها هذا الشخص ليكمل عليها معاناتها...

صرخت متألمة عندما وجدت نفسها قد دفعت على الأرض بقسوة وساعدها الأيسر بدأ ينزف.. نظرت إلى جرحها وضغطت عليه وبدأت تتأمل المكان حولها جيداً... إنها بالفعل في مقبرة ما... لكن لماذا؟... كان المنظر مرعباً بحق... إنها في غابة مجاورة للمقبرة بعيدة عن المدينة.. يمكنها أن ترى امتداد المقبرة أمامها ولكنها يبدو لها أنها عند المدخل حيث هذه الغابة.... ما الذي كان سيحدث أسوأ من هذا؟.... أخذت أنفاسها متقطعة لتقول بعدها بغضب:

- لماذا أنا هنا؟.. لماذا جئت بي إلى هذا المكان؟

- وهل تتوقعين أن آخذك إلى إحدى الحدائق العامة.. هذا أفضل مكان لأصفي به حسابي.....

- ماذا تريد؟

- نهايتكما كليكما.... ناري لا يستطيع أحد اطفاءها.. حتى الشيطان نفسه سيخشى من خططي...

وقفت على قدميها متألمة وهي تنظر لعينيه مباشرة وصرخت بكل غضب احتواها:

- أياً يكن ما كان بينك وشقيقي.. أنت تستحق أسوأ منه يا هذا... اللعنة عليك أيها الوغد الحقير.. صدقني سأجعلك تدفع الثمن غالياً جداً.... إذا كنت تعاني بسبب أخي فسأزيد معاناتك أنا أيضاً منذ هذه اللحظة... سأجعلك تعاني طوال حياتك... سأجعلك نادماً على معرفتي وتحديك لي.

انطلقت صوت ضحكته لتحطم السكون الذي ساد بينهما بعد أن توقفت عن الكلام لدقيقة تقريباً.... كانت ضحكته ساخرة بشكل لاذع جعلتها تستشيط غضباً... هل يستخف بها هذا المعتوه.... توقف عن الضحك وابتسامة شر لمعت وسطت تقاطيع وجهه الملائكية ليتكلم بمكر مخيف التمست به الخطر الشديد رغم أن صوته كان منخفضاً إلا أنه ينذر بالخطر:

- صغيرتي وماذا يمكنك أن تفعلي وأنتِ هنا وحدكِ والأهم أن جيوفينتوس جوردناي أمامك... صدقيني ربما الشيطان قد يتعاطف معكِ لكني أنا أسوأ منه بكثير.....

انتهى من جملته واقترب منها قليلاً لكنها وبسرعة ابتعدت خطواتٍ سريعة للخلف لكنه أدرك سرعتها وجذبها بلحظة لم تتعدى الثواني وأصبحت مقيدة بين ذراعيه لا يفصل بينهما غير إنشٍ واحد.... ارتفعت يده اليسرى لتستقر أسفل ذقنها رافعاً وجهها لتنظر إلى عينيه مباشرة.... حدقت بعينيه التي تنافس الدجى بسوادها بخوف وقلق رهيب... من كان ليتوقع أن هذا الوجه الملائكي قد ينقلب إلى شيطانٍ مخيف.... ابتسامة جانبية ظهرت على محياه بينما نطق بهمس في أذنها:

- أنت ترتجفين يا فتاة.. هل أنتِ خائفة لهذه الدرجة؟

حاولت الابتعاد عنه لكنها لم تستطع.. يده قوية للغاية وهي لا تقوى على تحريك نفسها، ما زالت تشعر بالمرض... متى سينتهي كل هذا؟ سحقاً لك جيو....

- ألم تلاحظي أنها مرتك الرابعة التي تبكين بها أمامي... هل تحاولين إثارة شفقتي عليكِ أم ماذا؟

كان يسخر منها هذا الــ جيو.... وما الذي سيفعله غير هذا؟!

من كان ليتوقع أن كروستافيا برودسكي التي كاد الجميع يجزم أنها أقوى من على الأرض تبكي هكذا.....

حاولت ايقاف دموعها لكن لا فائدة بقيت تستمر بالبكاء..... ليس أبداً لتثير شفقته عليها ويتركها ولكنها تبكي لأنها تذكرت.... تذكرت أسوأ شيء حدث لها... أين هو شقيقها العزيز كي يأتي ليهدئها؟ أين هو حين احتاجته الآن؟ هل إن صرخت باسمه سيأتي بسرعة ليساعدها؟ هو من بقي لديها وها هي ترى صورته تبتعد عنها وهي تصرخ بأعماقها باسمه......

صرخت بقوة متألمة عندما شد قبضته على ساعدها الذي جرح.... هل ينوي قتلها هذا المجنون؟!... تكلمت بصعوبة وبالكاد خرج صوتها:

- إذا كنت تريد قتلي فهيا افعل.. ربما سيكون هذا أفضل لي... لقد سئمت حقاً......

رفعت رأسها مرة أخرى وقابل وجهها وجهه الذي كانت تعابيره غير واضحة... بعض خصلات شعره السوداء متمردة على وجهه أعطته جاذبية لا مثيل لها.... تحركت الغيوم سامحة لضوء القمر من الوصول إليهما.... تمكنت من رؤية وجهه وتعابيره جيداً الآن.... وجه خالي من المشاعر وعيونٌ لا تعلم ما الذي يجول بداخلهما ونظراته المتفحصة نحوها... ما الذي يخطط له هذا الآن؟... هدوؤه يجلب الرعب الحقيقي... تساءلت كروس بنفسها كيف يمكن أن يكون هذا الشخص ابن السيدة أوليفيا التي أحبتها بصدق.... مستحيل أن يكون ابنها.. مستحيل......

عاد الصداع لرأسها مجدداً والدوار كذلك.... جسدها تشعر بحرارته حتى الآن... تكاد تقسم أنها إن لم تمت على يديه فستموت بسبب المرض... كل قوتها خارت الآن لا تقوى على حمل نفسها.... توقفت دموعها منذ بعض الوقت عن النزول وعينيها تريد الانغلاق..... تحركت شفتيها بدون أن تخرج صوتها ولكنه فهم ما تقول.... (اللعنة عليك).... كان يتابع حركاتها جميعها بتفاصيلها.... تكلم بعد ثوانٍ بهدوء:

- يبدو أنكِ تحتضرين بالفعل يا آنسة....

لم تسمع ما قاله.. رغم أنه قريب جداً لكنها لم تسمع ما قال.... ذهنها مشوش الآن.... تمنت أنها بعد هذه اللحظة لن تفتح عينيها أبداً... تمنت أن تغادر هذا العالم القاسي... حقيقةً لم يكن قاسي قبل تلك الحادثة ولكن منذ ذلك الحين والحياة بنظرها هكذا... عليها أن تلحق بهما فهذا أفضل.....

أحكم قبضته عليها وحملها جيداً بين ذراعيه وتأمل وجهها المرهق ووجنتيها المحمرتين بسبب حرارتها وكذلك شفتيها.. بقي واقفاً بهدوء وصمت وهو يحملها ونظره تحول إلى شيء آخر... كأنه كان يرى أحدهم يقف أمامه.. شقت ابتسامة باهتة شفتيه وهو يراه أمامه.. تكلم بحزن وهو يخاطب ذلك الشخص الذي أمامه:

- حان الوقت... سوف أنتقم لكَ أرسلان.. سوف أنتقم منه.. سوف أجعله يحترق بتلك النار التي أشعلها... لن أرتاح حتى أحقق ذلك.. أنا أجدد وعدي لك الآن أرسلان.. لا يهمني سوى وعدي وسوف أفعل أي شيء قد لا يخطر على بال أحد.......

- عزيزي جيو... ما تفكر به الآن سينقلب عليك... طريقة تفكيركَ خاطئة.. انسى فكرة الانتقام لأجلي.. هذا هو قدري وقد مضى وقت طويل على ما حصل... امضي في حياتك فقط ولا تحولها إلى جحيم... صديقي عد كما كنت في السابق.. عد إلى عهدك القديم... لا تجعل ما حدث لي سبب تغيرك هكذا.... صدقني لن أكون مرتاحاً إذا بقيت هكذا... أنا ألوم نفسي دائماً على ما حصل... لم تكن هكذا جيو يجب أن تعود.. هذا ما عليك فعله.. اترك فكرة الانتقام وعد لعاداتك القديمة التي كنت أحبها بك... هل تذكر تلك الأيام الجميلة التي قضيناها معاً...

- لهذا أريد الانتقام.. لأجل كل تلك الأيام أرسلان... أرجوك لا تظهر أمامي هكذا وتبقى تمنعني... صوتك يبقى يتردد بداخلي وأنت تحاول منعي...

- سأقول لك شيئاً واحداً فقط... القدر يبدع في تصفية الحسابات صديقي.. لا تجعل شخصاً ليس له شأن يدفع ثمن تهورك، حكم تفكيرك جيو....

اختفى صاحب الصوت بعدها كما ظهر..... حول جيو أنظاره إلى وجهها وتأمله جيداً... تكلم بعد ثوانٍ وهو يخاطب نفسه:

- لا أعلم لماذا أرسلان.. لكن لا يمكنني أن أعدكَ بهذا....

تحرك من مكانه عائداً إلى سيارته ومددها برفقٍ في المقعد الخلفي ثم ركب أمام المقود... لم يتحرك مباشرة بل أمسك بهاتفه الذي أبقاه بسيارته ولم يأخذه معه ليجد كم المكالمات التي وصلته ولم يرد على احداها.... كانت كلها من أوليفيا فخمن مباشرة أنها تريد الاطمئنان على كروستافيا..... ترك هاتفه وحرك سيارته وانطلق بها مغادراً المكان......

بدأت الأفكار تتضارب في رأسه في هذه اللحظة..... لماذا أرسلان يخبره بهذا الآن.... صديقه الذي فقده قبل خمس سنوات.. ليست هذه هي المرة الأولى التي يأتى بها جيو إلى هذا المكان، كان بشكلٍ شبه يومي يأتي ويبقى جالساً وحده هنا... لكن ليس بشكل تام... لم يكن يبقى وحيداً فطيف صديقه يكون معه ويتحدث معه كما حدث الآن... أرسلان لم يفارق ذاكرة جيو لدرجة أنه أصبح يراه دائماً معه أينما ذهب... كانا أكثر من كونهما صديقان.... فقط في تلك اللحظة عندما رآه أمامه بتلك الحالة لقد فقد عقله تماماً.... الانتقام هو هدفه الآن ولا شيء غيره... غيلبيرت برودسكي سيأخذ من نفس الجرعة التي أخذها جيو....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

دخل جيو إلى القصر ورأى إحدى الخادمات أمامه فسألها:

- هل عادت أوليفيا؟

- أجل لقد عادت وهي في غرفتها الآن سيدي...

ذهب جيو إلى غرفة والدته طرق الباب ودخل وقال بلكنته المعتادة:

- ماذا تفعلين؟

- لا شيء تعال...

تقدم جيو ووقف أمام والدته التي كانت تجلس على سريرها فقالت له:

- هل أوصلتها؟

- أجل....

- هل هي بخير؟

- لا أعلم....

- لماذا لم تجب على اتصالاتي؟

- لم أكن منتبهاً...

- هل كنتَ بذلك المكان؟

- ذلك المكان هو المكان الوحيد الذي أعشقه...

سألت أوليفيا باستنكار:

- المقبرة؟

- ليست مجرد مقبرة فهناك يكون صديقي...

- ذهبتَ لزيارته إذاً.....

- هل تتذكرين غيلبيرت؟

- غيلبيرت الذي.....

- أجل هو بعينه....

- أذكره لكن ما القصة؟!

- إنه شقيقها... إنه شقيق كروستافيا..

- هل تقول الحقيقة؟

- أجل لقد سمعتها ذات مرة تحدثه عبر الهاتف....

- كروستافيا شقيقة غيلبيرت!.. مهلاً... إذا كانت شقيقته فهذا يعني أنكَ... مستحيل.. لن تؤذيــــــ........

لم تكمل كلامها فقد كان جيو قد غادر الغرفة في هذه اللحظة....

فتح باب غرفته بهدوء وأغلقه خلفه ثم استلقى على سريره دون أن يبدل ملابسه... نظر إلى السقف وهو يفكر بشيء يدله على الحقيقة.. هناك شيء غامض في هذه الزاوية التي يحصر تفكيره بها وعليه أن يكشف الغطاء عنه... تكلم مخاطباً من ظهر أمامه:

- أرسلان لماذا قلت لي هذا الآن... أليس علي أن أتخلص منها كي يشعر بما نشعر به...

- لا بالتأكيد جيو... ما فعلته قبل قليل كان الصواب...

اعتدل جيو وجلس على سريره وهو يراقب أرسلان يتقدم منه ويجلس بجواره... تكلم جيو بحزن:

- لكن لماذا؟ هذا شعور مؤلم جداً لا أستطيع التحمل....

- جيو هناك أشياء أخرى أهم عليك التفكير بها.. عندما تفكر بها ستنسى هذا الشعور....

رأى جيو الابتسامة العذبة تظهر على وجه أرسلان... هذه الابتسامة التي كان يستمد منها القوة دائماً..... ترجل أرسلان وابتعد حيث شرفة جيو وهو يقول ولم يلتفت لــ جيو:

- أرجوكَ جيو أعد التفكير وإلا فإنني سأبقى متألماً... هل تريد هذا لصديقك؟

- لا بالتأكيد أرسلان.. لكن.....

اختفى مرة أخرى.. لم يعد موجوداً بالغرفة.. قبض جيو كفه بقوة وهو يضغط على أسنانه وحاجبيه معقودين صرخ بقوة:

- لماذا أرسلان؟ لماذا......

************************************

- قلتَ لك بأنني بخير لا تقلق...

- وكيف لا أقلق....

- أخي أرجوك كف عن هذا...

- سأحاول أن آتي في أقرب وقت...

- أخي أريد أن أسألك عن شيء.

- ما هو أنا أسمعك؟

- في أي جامعة درست؟

- وما سبب هذا السؤال؟

- مجرد سؤال...

- في جامعة (........)

- هل تتذكر أحداً من هناك؟

- ما زلت أتذكر الجميع هناك...

- هل لكَ أن تخبرني عنهم.. أسماؤهم مثلاً..

- ما كل هذا كروستافيا؟

- نحن نتحدث هيا أخبرني....

- كان لدي أستاذ كنت أحبه كثيراً اسمه جويس..

- وغيره.. ما أسماء أصدقائك الذين تعرفت عليهم؟

- ليس هناك صداقات قوية ولكن لدي عدو أكرهه اسمه جيوفينتوس كنا نتشاجر كثيراً ومن كان يوقفنا دائماً هو جويس....

لم تتكلم كروس لبضع الوقت فقلق غيلبيرت وسأل بقلق:

- كروس عزيزتي هل أنتِ بخير...

تكلمت هامسة:

- يبدو أنني بدأت أشعر بالنعاس...

- إذاً اذهبي ونامي عزيزتي سنتكلم لاحقاً...

- اعتني بنفسك غيلبيرت..

أغلقت كروس هاتفها ووضعته على الطاولة بجوار سريرها.... نظرت إلى سقف غرفتها وكلمت نفسها:

- إن جيو على حق لم يكذب بخصوص هذا الأمر.. آه ما هذه المشاكل الآن.. هذا ما كان ينقصني......

كانت الساعة تشير للواحدة بعد منتصف الليل... ترجلت كروس عن سريرها وقصدت الطابق السفلي وبالتحديد المطبخ... كانت تشعر بالجوع بعد هذا اليوم المتعب فهي لم تأكل شيئاً منذ البارحة......

جلست على الطاولة وبدأت تأكل بهدوء وهي تتذكر ما حدث قبل ساعة تقريباً عندما فتحت عينيها ووجدت نفسها في غرفتها... آخر شيء تتذكره هو وجودها معه في ذلك المكان.... والآن هي بالمنزل!....

- يبدو أنني أصبحت ضعيفة بشكل مؤلم.. يجب أن أعود لعهدي لأستطيع أن أكمل.....

~~~~~~~~~~~~~~~~~

(في اليوم التالي.. الساعة التاسعة والنصف صباحاً)

وقفت أمام خزانتها وأخرجت بنطالاً بني اللون مع بلوزة ذهبية بأكمام طويلة وحذاء ذو كعب عالي... ارتدتها وجلست أمام مرآتها تصفف شعرها بهدوء وعند انتهاءها أخذت حقيبتها وخرجت من غرفتها وعندما همت بالنزول السلالم استوقفها صوت هاتفها... أخرجته من حقيبتها وأجابت عليه:

- مرحباً..

- هل أنتِ بالمنزل؟

عبس وجهها مباشرة عندما سمعت صوته فقالت بضجر:

- أجل.. وماذا تريد؟

- أنا قادم حتى آخذك إلى الجامعة انتظريني...

- لا تأتي سأذهب وحدي...

- أوليفيا أرسلتني لذا انتظري...

- يا لك من مطيع....

قالتها بسخرية ولكنه لم يتكلم وأغلق هاتفه مباشرة فأغلقته كروس وهي تشتمه وأكملت نزولها على السلالم...

خرجت بعدها من المنزل لتجده ينتظرها داخل السيارة فتقدمت إليه وقالت:

- لماذا أتيت؟

- هيا اركبي بسرعة...

- لن أذهب معك...

- قلت بسرعة.....

- لا أريد... وسأخبر السيدة أوليفيا بذلك الآن....

أخرجت هاتفها من حقيبتها وكانت تريد الاتصال بأوليفيا بالفعل لكنه ترجل بسرعة من السيارة وسحب الهاتف من بين يديها وقال:

- ماذا تفعلين؟

- أعده إلي...

- لن أعيده..

تكلمت بصوتٍ مرتفع:

- ألا يمكنك أن تتركني وشأني.....

- يبدو أنكِ لا تفهمين.. ويبدو بأنك أغبى من شقيقك.

- لا أسمح لك بإهانتي أو شقيقي يا هذا...

- لكنها ليست إهانة بل هي الحقيقة...

- أعد الهاتف بسرعة....

- خذيه واركبي بسرعة ليس لدي اليوم بطوله...

سحبته من يده وتنهدت بضيق وهي تركب بسيارته وهي تتمتم بشتائم عليه كان هذا الخيار الأفضل لها كي تتجنبه سيوصلها وينتهي الأمر.... جلس جيو أمام المقود وحرك سيارته وانطلق بها وبعد دقائق نظر جيو لهاتفه الذي يضعه أمامه عندما سمع نغماته معلناً عن اتصال أحدهم به فأمسك به وأجاب عليه:

- أجل لايتو...

- هيه يا رجل أين أنت؟

- وماذا تريد؟

- لا شيء .. فقط أريد رؤيتك..

- أجب بسرعة ماذا هناك؟

- أين أنت .. يجب أن أحدثك وجهاً لوجه...

- هل هو بخصوص ذلك الموضوع؟

- أجل...

- انتظرني في مكتبي..

لم يضف جيو على كلامه وأغلق هاتفه وأعاده للمكان الذي كان يضعه به وحول أنظاره إلى كروس فوجدها تنظر للخارج من النافذة التي بجوارها فأعاد نظره إلى الأمام بهدوء...

توقف السيارة أمام مدخل الجامعة فنزلت كروس منها وتوجهت إلى الداخل أما جيو فقد انطلق بسيارته قاصداً شركته.....

*************************************************

- متى سيصل؟ لـــــ...

لم يكمل كلامه عندما رأى باب المكتب يفتح ويدخل جيو منه وهو يقول:

- مرحباً لايتو...

- لقد تأخرت جيو.. أين كنت؟

جلس جيو خلف مكتبه ووجه نظره إلى الجالس أمامه وتكلم:

- هات ما عندك...

- لقد وجدت أحد ليقوم بالمهمة تلك.

- هل أنت جاد؟ هل هو مناسب؟

- أجل وهل تراني أمزح بتلك الأمور....

- إذاً أين هو؟

- سيأتي بعد قليل لقد أخبرته بذلك.

- ممتاز أحسنتَ صنعاً.

************************************************

- كروس كيف حالكِ اليوم؟

- بخير شكراً لكِ وما كان عليكِ أن ترسلي جيو كي يأخذني في الصباح...

- لا تقولي هذا....

فجأة ظهر جويس من خلف الباب ودخل قائلاً:

- كروس لقد سمعت بأنكِ كنتِ مريضة البارحة هل أنت بخير؟

- أجل....

دخل جويس وأغلق الباب خلفه وتكلم وهو يجلس على إحدى الأرائك:

- أعلمتم بآخر الأخبار؟

قالت أوليفيا:

- ماذا هناك؟

- الشرطة تحقق بقضية سرقات متتالية وتهريب مخدرات وسلسلة قتل في المدينة..

تكلمت أوليفيا متسائلة:

- مخدرات وقتل! هل أنتَ متأكد؟

- أجل جميع المراكز في حالة استنفار في هذه الأثناء....

- هذا أمر خطير...

- بالتأكيد والمصيبة أنهم لم يستطيعوا أن يجدوا لهم أثر واحداً يبدو أن العصابة خطيرة...

- عن إذنكم علي الذهاب...

قالتها كروس وهي تنهض من على الأريكة وتقف عند الباب وأكملت:

- إلى اللقاء...

وخرجت بعدها متجهة إلى سيارتها التي كانت قد تركتها البارحة عند الجامعة... ركبت بها وعادت إلى المنزل...

دخلت المنزل وصعدت إلى غرفتها مباشرة دخلت إلى الحمام واستحمت وخرجت بعدها وارتدت ملابسها وذهبت للأسفل... جلست أمام التلفاز تقلب القنوات بملل شديد لا تجد أي شيء تتسلى به.. كانت من عادتها الخروج في هذه الأوقات مع صديقاتها لكن الآن لا يمكنها ذلك لم تكون صداقات منذ قدومها إلى هنا... ملت من الجلوس فحزمت أمرها وقررت الخروج للتسلي بالخارج... عادت إلى غرفتها وبدلت ملابسها وخرجت من المنزل سيراً على الأقدام... كانت تسير في الطرق دون وجهة.. ذهبت إلى إحدى الحدائق العامة حيث كان هناك بعض الأطفال يلعبون مع بعضهم إلا طفلٌ واحد فنهضت من مكانها وذهبت وجلست بجواره وقالت له:

- صغيري ماذا هناك لماذا لا تلعب معهم؟

نظر إليها هذا الطفل ثم أخفض رأسه وتكلم:

- لا أريد اللعب معهم..

سألت كروس:

- ولماذا؟ كنت تنظر إليهم طوال الوقت إذاً فأنت تريد اللعب معهم.....

صرخ ذلك الطفل:

- قلت لا أريد اللعب...

وغادر المكان دون أن يضيف على كلامه فوقفت كروس وبدأت تتمشى وتمتمت بصوت خافت:

- لماذا الأولاد في هذه المدينة مزعجون...

أصبحت الساعة تشير للثامنة مساءً فهمت بالعودة للمنزل ولكن عندما مرت من أحد الشوارع رأت فتاة تقف في أحد الأزقة ويقابلها عدد من الشبان.. وقفت كروس تراقب الوضع حتى قام أحد الشبان بإخراج سكين وحاول به طعن الفتاة لكن وبسرعة ذهبت كروس إلى هناك دون أن تفكر وصرخت بهم:

- هيه أنتم ماذا تفعلون عندكم؟

التفتوا إليها فأجاب أحدهم:

- وما شأنكِ أنتِ؟

وخاطب الباقين:

- أمسكوا بها بسرعة لا تدعوها تفلت...

قالت كروس:

- حاولوا إذاً....

وركضت باتجاه الفتاة وأمسكت بيدها وقالت لها:

- لا تفلتي يدي أبداً..

وبدأت تركض بها بسرعة كبيرة.... لحق بها الشبان وكانوا خلفها مباشرة فقالت للفتاة:

- أهربي بسرعة ولا تلتفتي للخلف هيا...

تركت الفتاة ودفعتها بخفة فبدأت الفتاة بالركض وتوقفت كروس مكانها وقالت:

- تريدون العراك... هيا أنا مستعد...

فقال الذي يحمل السكين:

- أنظروا من يتكلم...

ووجه خطابه لها:

- هل أنت واثقة مما تقولينه؟

- كل الثقة أريني ما عندك..

- لكِ ذلك ولكن أرجو أن لا تندمي...

- وأنا أعتذر عما سيحدث لك....

اقترب صاحب السكين منها وحاول أن يطعنها به ولكنها أمسكت يده بسرعة وقامت بكسرها بيد واحدة... صدم الشبان من ذلك وحدقوا بكروس بصدمة وقال أحدهم:

- من أنتِ يا هذه؟

- أنا أسوأ كوابيسكم... هيا تقدموا...

نظروا لبعضهم نظرة خبيثة ثم ابتسموا وهم يهجمون عليها معاً ومباشرة أخرجت كروس مسدسها بسرعة وضربت به أحد الشبان ولكن بقي اثنان كان هناك واحد أمامها ولم ترى الآخر... وبسرعة فطنت لخطتهم فقامت بضرب من أمامها بسرعة والتفتت للخلف لتجد أن الأخير كان يقف خلفها وهو يسدد مسدساً عليها... أمسكت بيده بسرعة وحاولت تغيير اتجاه المسدس لجانب آخر وأخرجت مسدسها بسرعة وكانت تريد إطلاق النار عليه لكنها رأت رجال الشرطة قادمين فدفعت الشاب بعيداً وخبأت مسدسها بسرعة بالتزامن مع ووصول رجال الشرطة إلى المكان فقال أحدهم لـــ كروس:

- هل أنتِ بخير يا آنسة؟

- أجل...

حولت أنظارها لنفس الفتاة التي كانت تقف قريبة فخاطبتها قائلة:

- هل أنتِ من أخبرتهم؟

- أجل كيف لي أن أتركك وحدكِ وقد ساعدتني... شكراً لكِ يا آنسة..

ابتسمت كروس لها وقالت:

- واجبي...

أمسك رجال الشرطة بجميع الشبان هناك وقالوا لــ كروس:

- شكراً لكِ يا آنسة لقد ساعدتنا في القبض عليهم....

- هذا واجبي...

وصلت سيارات أخرى للشرطة إلى المكان وترجل من إحداها شاب طويل القامة بشعرٍ أشقر وعيون عسلية... بدى لـ كروس أنه قائد هذه الدورية وسمعت أحد رجال الشرطة يقول له:

- الضابط رويانود لقد تمت المهمة بمساعدة هذه الفتاة...

نظر إليها رويانود وهو يبتسم وتقدم منها وقال:

- هل أنتِ بخير يا آنسة؟

- أجل بأفضل حال....

- جيد.. سنتكفل بإيصالكِ إلى منزلكِ....

- شكراً لكم.. ولا داعي لهذا سأذهب وحدي عن إذنكم....

تركت كروس المكان عائدة إلى منزلها وتمتمت بخفوت:

- جيد أنهم لم يروا مسدسي لكانت هذه مصيبة...

فتحت باب المنزل ودخلت وأغلقته خلفها وتوجهت بعدها إلى غرفتها... بدلت ملابسها وذهبت إلى الشرفة وجلست هناك بعد أن أحضرت كأس من العصير وبعض المكسرات وحاسوبها المحمول.....

************************************

- لقد عدت...

- أين كنت يا بني؟

لم يجب جيو على سؤال والدته وانتقل لموضوع آخر قائلاً:

- ألم تعلمي أي شيء عن كروس...

- لا ليس بعد...

- ألن تسأليها مرة أخرى؟

- سأحاول....

- لقد علمت بأن والديها قد قتلا...

- حقاً! متى وكيف؟

- والدها قتل قبل سنة أما والدتها فقد قتلت قبل شهر من الآن وهم حتى الآن لم يجدو دليل صغير يدل على القاتل...

- مسكينة إذا شقيقها هناك لهذا الموضوع وكي يحميها أرسلها إلى هنا...

- هذا وارد بين الخيارات ولكن الغريب هو من قام بذلك ولماذا؟

- لابد أن أعلم ذلك منها.. لابد...

- أنا ذاهب لغرفتي....

ذهب جيو إلى غرفته ودخل مباشرة للحمام ليستحم ويكمل عمله بعدها.. بدأ يمسك بخيوط رفيعة من هنا وهناك وسيقوم بعقدها مع بعضها ليصل لما يريد.. هكذا يجب أن تسير الأمور.....

******************************************

- أخي كيف تسير الأمور عندك؟

- جيدة... وأنتِ؟

- وأنا كذلك... ماذا تفعل؟

- أجلس على السطح أتأمل السماء فالليلة جميلة هنا...

- كم أتمنى لو كنت عندك..

- أنا آسف حقاً... لم أكن أريد أن يحصل هذا...

- لم يكن بإرادتك أنا متفهم لكل شيء...

- ماذا تفعلين؟

- أنا أجلس في الشرفة أتأمل السماء مثلك... لكن لا أظن أنها ستكون كالسماء في ألمانيا..

- كلامك صحيح ولكن روسيا جميلة.

- معك حق.. ولكن أصبحت أشعر بالملل...

- ألم تجدي أصدقاء...

- لا..

- صحيح في أي جامعة تعملين؟

- لن تصدق إن أخبرتك.

- لماذا؟!

- أعمل في نفس الجامعة التي درست بها..

- ماذا تقولين؟! من بين الجميع اخترتِ تلك الجامعة..

- أجل هذه صدفة جميلة...

- إذاً بمن تعرفتِ هناك؟

- تعرفت على جويس...

- حقاً...

- والمديرة أوليفيا أنا أحبها كثيراً...

- جميل... وغيرهما...

- أنا لا أكلم الباقين كثيراً فقط هما....

- لهذا السبب سألتِني تلك المرة عن هذه الأشياء... ودعيني أخمن لقد تعرفت على ذلك المزعج جيو صحيح...

- أجل لقد تعرفت عليه...

- وهل علمَ أنك شقيقتي؟

- أجل لقد علم..

- مشكلة... أرجوكِ احذري منه جيداً أخشى أن يؤذيك بسببي إنه مجنون..

- أجل هذا واضح دعنا منه الآن وأخبرني أين وصلوا في بحثهم..

- إنهم يبحثون في بريطانيا....

- ههههه مساكين.. ويولاند ماذا يفعل؟

- يولاند ذلك الـــ.... سحقاً له ... لا تقلقي لن يصل إليك أبداً.. سيكون هذا فقط على جثتي...

- إنه آخر شخص أتمنى رؤيته ولو رأيته لقتلته بيدي...

- احذري جيداً ممن حولكِ عزيزتي... وأنا أكرر مرة أخرى إذا شعرت بشيء فاتصلي بي وحاولي كتمان كل شيء حتى عن أوليفيا وجويس.. حسناً...

- لا تقلق لن يتمكن أحد من معرفة أي شيء....

- خبئي المسدس جيداً ولا تجعلي أحدهم يعلم بشأنه...

- لا تقلق بخصوص هذا الأمر أيضاً...

- ولا تخرجي من المنزل كثيراً فقط إلى الجامعة...

- أي أوامر أخرى سيدي...

- عليك الالتزام بكل تلك الأمور وإلا سأطردك من الخدمة...

- أتتذكر تلك الأيام..

- وكيف لي أن أنساها؟

- هل تملك صوراً على هاتفك؟

- أجل كلها عندي...

- أيمكنك إرسالها لي.. أرجوك...

- علي أن أنهي المكالمة فصديقي يناديني... سأرسل لك الصور في أقرب وقت... إلى اللقاء.

- إلى اللقاء...

أبعدت هاتفها عن أذنها ووضعته على الطاولة بجوار الكرسي التي تجلس عليه بالشرفة.... كانت تجلس وتراقب السماء كانت مظلمة قليلاً وتتناثر بها بعض النجوم فتذكرت السماء التي كانت تجلس تحتها وهي في القصر في ألمانيا وبالتحديد في شرفة غرفتها فمن منا لا يحب أن يبقى عند عائلته وأصدقائه... كل هذه الذكريات ذهبت في مهب الريح في تلك اللحظات.... تكفي فقط لحظات صغيرة كي تقلب الحياة رأساً على عقب.... كم تتمنى أن تكون بجوار أحد من عائلتها لكنها فقدتهم جميعاً بداية بالدها ومن ثم والدتها هؤلاء الأشخاص الذين كانت تستمد منهم القوة لكنهم رحلوا ولن يرجعوا أبداً... ولكن بقي بصيص من الأمل معلق في قلبها وهو وجود شقيقها معها... ماذا ستفعل لو فقدته هو الآخر.... هي تعلم حجم خطورة اللعبة التي يلعبونها والبقاء دائما للأقوى فمن المنتصر بالنهاية هذا ما سنعلمه مع تتالي الأحداث....

************************************************

- هل تصادف مشاكل في عملك جوني؟

- لا سيدي.. كل شيء تحت السيطرة...

- إذا حدث أي شيء فاتصل بي بسرعة ولا تبعد عينيك عنها...

- حسناً سيدي اعتمد علي...

أغلق جيو هاتفه بعد أن كلم جوني ذاك والذي أصبح من الآن وصاعداً أحد رجاله....

كان جيو يفكر كثيراً ويبحث في صفحات الانترنت عن أي شيء يفيده.. ينتقل من موقع لآخر عله يمسك بأي شيء لكن دون جدوى... لم يجد أي شيء مهم فترك حاسوبه مفتوحاً أمامه وأعاد ظهره للوراء قليلاً ووضع يديه الاثنتين خلف رأسه وقال:

- يبدو بأنني سأصبح عجوزاً قبل أن أصل لأي شيء....

طرق الباب فجأة فقال جيو عندما رأى والدته:

- ماذا هناك؟

- أريد أن أحدثك قليلاً...

- ما الأمر؟

- شقيقتك ستعود غداً... ستصل للمطار في تمام الساعة العاشرة وأريد منك أن تذهب لكي تحضرها....

- حسناً....

- سأعتمد عليك.. والآن تصبح على خير.....

خرجت أوليفيا من الغرفة وقام جيو بإغلاق حاسوبه واتجه لشرفته وبقي يقف هناك يتأمل المكان حوله وطيف صديقه يقف بجواره...






الأسئلة:-

1. رأيكم بالفصل؟
2. الآراء والانتقادات؟
3. هل اتضح لكم سبب العداوة بين جيو وغيلبيرت؟
4. أرسلان من يكون وما علاقته بالقصة؟
5. توقعاتكم؟



__________________



"وَالعقلُ استَلهَمَ مِنّا عِصْيانَ الأفُقِ فَزال مُخلفّاً بُرودَة بلوتُو"
سبحان الله-الحمدلله-لا اله الا الله-الله اكبر

رد مع اقتباس