عرض مشاركة واحدة
  #41  
قديم 12-29-2015, 04:09 PM
oud
 
[align=center][tabletext="width:70%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]الفصل السادس والعشرون


ركضت جهة إسطبلها وهم خلفي ببنادقهم وقلت

" أقتلوه دون تفكير ولا تردد هذا إن لم يكونوا مجموعة "

وصلنا وأدخل عادل بندقيته من نافذة التهوية وفتحت أنا

الباب بقوة وكأن ثمة قوة ما دفعتني لفته قبل أي شيء

لأصرخ فورا " لا تطلق النار "

لترفع وسن رأسها من بين ذراعيها حيث جالسة

هناك وقال عادل " كدت أفعلها "

نظرت لهم وقلت بأمر " غادروا فورا "

ثم دخلت ووقفتْ هي على طولها فقلت بحدة

" ماذا تفعلين هنا يا وسن وكدنا نقتلك "

كانت تنظر لي في صمت وعيناها كانتا محمرتان بشدة

ويبدوا بكت لوقت طويل فقلت بذات الحدة ملوحا بيدي

" كيف تأتي هنا وفي هذا الوقت ماذا لو قتلناك "

قالت بحرقة " أرحم لي يا نواس .... قتلي أرحم

منك ومن انتقامك "

رميت البندقية وقلت صارخا فيها بغضب

" كيف أتصرف معك كيف أ.... "

ولم أنهي كلامي بسبب ثوران الوسن المفاجئ كتلك

الليلة حين جرحت نفسها بل أعنف بكثير فتوجهت نحوها

من فوري وأمسكت لجامها بسرعة لأحاول تهدئتها قبل

أن تؤذي نفسها وبدأت بشد اللجام وأنا أقول بصوت مرتفع

" توقفي يا الوسن لن أؤذيها توقفي "

ولكن عبثا أحاول فالتفت نصف التفاتة حيت وسن تنظر

لها بصدمة وقلت ماداً يدي لها " تعالي يا وسن بسرعة "

بقيَت مكانها ونظرها فقط تحول لي فمددت يدي أكثر وقلت

" تعالي بسرعة لتهدئ "

اقتربت مني ببطء ونظرها على الوسن فأمسكت يدها

وسحبتها نحوي وضممت كتفيها بذراعي والأخرى

أحاول بها تهدئة الوسن وأنا أقول " توقفي لن أؤذيها

قلت لك , أرجوك يا الوسن ستؤدين نفسك "

بدأت تخف حركتها وهيجانها فأمسكت رأس وسن بيدي

وضممته لصدري ودسست وجهها فيه وأنا أردد بهدوء

" انتهى كل شيء لن أصرخ بها هيا اهدئي "

خفت حينها حركتها أكثر سوا من صوت زفيرها وحركة

بسيطة لحوافرها على الأرض لأنتبه حينها فقط للجسد الذي

يرتجف من البكاء والخوف في حضني فرميت لجام الوسن

وحضنتها بكلتا ذراعاي وقلت بهدوء " توقفي عن البكاء يا

وسن ولا تخافي منها فكل ما فعلته من أجلك "

لكن بكائها وارتجافها لم يخف فبقيت لوقت أمسح على

ظهرها في صمت لتهدأ حتى خف بكائها وابتعدت عني

ببطء وغادرت الإسطبل راكضة دون أي كلام فاتكأت

بيدي على باب الحظيرة أنظر للأرض بصمت حتى عادت

حوافر الوسن للتحرك ببطء فرفعت رأسي ومددت يدي لها

ومسحت على وجهها حتى قرّبَته مني فقبلته وقلت بهمس

" أحبها يا الوسن أقسم أني أحبها وأكثر من السابق فقط اهدئي "

دست حينها وجهها في حضني كعادتها سابقا فمسحت على

عنقها وقلت بابتسامة حزينة " هكذا إذا تزورك هنا ... لهذا

لم تعودي تطيقينني ولا تعترفين بي , لما أنتي هكذا ظالمة "

رفعتْ رأسها وحرّكته فمسحت على أسفل فكها رافعا رأسي أنظر

لها وقلت " تزوجتها وانتهى ولن تكون لغيري ما دمت حيا "

عادت برأسها للأسفل فلعبت بشعرها بين أصابعي وقلت

" يسعدك هذا الخبر بالتأكيد لكنه لن يسعدها ولن

يكون خيرا على كلينا يا الوسن "

قضيت وقتا معها حتى هدئت تماما ثم خرجت وأغلقت

باب الإسطبل وتوجهت للمنزل ونظرت لساعتي وأنا أصعد

الدرجات فكانت الثالثة بعد منتصف الليل , دخلت وصعدت

السلالم لأفاجئ بوسن واقفة عند بداية الممر المؤدي لممر

غرفتها وكأنها تنتظرني من وقت , كانت تنظر لي بصمت

وسكينة غريبة لأصبح مثلها نتبادل النظرات وكأننا جداران

من هذه الجدران , كنت أنظر لها بشكل مختلف هذه المرة

كشيء يحل لي ويحق لي أفعل به ما أشاء , أراها كزوجة

نعم شعور مختلف جدا رغم كل تراكمات السنين رغم الألم

والجراح أراها بشعور مختلف تماما أما هي فكانت تنظر لي

باستفهام أو استغراب أو لا أعلم ما يكون غير أنها ليست

كنظرتي لها وكأنها تنتظر أن أقول شيئا حتى خرجت من

صمتها قائلة " ماذا فعلت "

بقيت أنظر لها باستغراب فلم أفهم ما تعني بالتحديد حتى

تابعت قائلة " لما لم تجب على اتصالاتي "

نعم فهمت الآن لما تسأل وعن ماذا , قلت ببرود مغادرا

جهة ممر غرفتي " منذ الغد ستنتقلين للطابق السفلي "

بما أنه وليد أخبرني أنه سيخرج فجرا من هنا ووافق أن

أبني له ضمن المخطط ملحقا هنا فسيخرج مؤقتا حتى

ذاك الوقت , أوقفني صوتها قائلة " لا أريد وسأخرج من

هنا يا نواس وطلقني منه فورا كان من يكون "

وقفت دون أن أستدير لها وقلت " وسن دعي باقي هذه الليلة

يمر على خير و صباحا ستنتقلين للأسفل ولن تخرجي "

قالت بحدة " لن أبقى لك لا أريد لقد دمرتني بما يكفي وما يزال

انتقامك لم ينتهي بعد , أي قلب هذا الذي تحمل بين ضلوعك "

ضغطت قبضة يداي بقوة وقلت من بين أسناني " وسن اتركيني

في صمتي لأن كلامي لن يعجبك وإن خطت قدماك خارج

المنزل ستري نواس جديد لم تعرفيه بعد "

ثم غادرت وتركتها لأنهي الكلام عند هنا , هذا ولم تعلم

بزواجي بها فكيف سيكون الوضع حينها , وصلت لممر

غرفتي لأجد مي واقفة عند باب غرفتها وقالت ما أن

رأتني " أين كنت يا نواس لقد شغلتني عليك "

قلت ونظري للأرض مجتازا لها " تزوجتها "

قالت قبل أن أدخل غرفتي " خيرا فعلت "

نظرت لها وأنا أمام الباب ثم فتحت مقبضه وقلت وأنا

أدخل " أتمنى ذلك رغم أني لا أتوقعه "

*

*
عدت جهة غرفتي وفتحت الخزانة وبدأت بإخراج ثيابي ولا

أعلم أين أذهب أو فيما أفكر وأين سيكون المفر فإن زوجني

به فسيعيدني له هنا , لا مكان لي إلا شقة والدي لكنه سيبحث

عني هناك أولا وسيجدني فهوا يملك المفتاح , رميت الثياب من

يدي بقوة فلن أتمكن حتى من الخروج من هنا فكيف سأجتاز باب

المزرعة , جلست بعدها على الأرض وبدأت بتمزيق جميع قمصان

النوم والبيجامات الحريرية وكأني أفرغ غضبي فيها وأمزق حزني

وسنيني ومأساتي , كل ما مررت به في كفة وهذه الليلة في كفة

لوحدها أقسم أنني تعبت ... تعبت ولم تعد لدي أي طاقة للاحتمال

انهرت بعدها باكية ونمت فوق الثياب الممزقة أبكي كل شيء

حتى هم ولم أشعر بنفسي إلا وضوء الشمس يتسلل لعيناي

ففتحتهما لأجد نفسي نائمة على الأرض مكاني فغطيتهما

بكف يدي من قوة ضوء النهار المتسلل من النافذة المفتوحة

ثم جلست أنظر باستغراب للحاف الذي يغطي جسدي ثم

نظرت لباب الغرفة المفتوح وأنا متأكدة من أني أغلقته

هل راضية زارتني هنا يا ترى !! وقفت بعدها بصعوبة

بسبب نومتِ القاسية لأبدأ بجمع الفوضى التي أحدثتها

فوقفت مصدومة قبل أن أبدأ وأنا أرى السوار الذهبي الملتف

حول معصمي فعدلت وقفتي أنظر له باستغراب وأقلب يدي

في كل اتجاه لأفهم ما يجري وما سبب وجوده , ثم أمسكت

بيدي الأخرى ورقة الشجر المتدلية من أسفله وقلبتها أنظر

لها بتركيز .... اسمي نعم هذا اسمي منقوش فيها وكان تحته

تاريخ يعود لأكثر من عامين من الآن , انفتحت عيناي من

الصدمة حين أدركت أن هذا التاريخ كان موعد زواجنا أنا

ونواس قبل أن تحدث كل تلك الأمور التي ألغته , ما الذي

يجري هنا وما معنى كل هذا ! لم آخذ وقتا في التفكير أو لم

أجد له وقتا لأني رفعت نظري للذي وقف أمام باب الغرفة

حينها ينظر لي بصمت ويدي لازالت تمسك الورقة الذهبية

في السلسال وملايين الأسئلة تجول في خاطري وعجز لساني

عن قول شيء وخطواته تقترب مني حتى أصبح أمامي مباشرة

وما أن فتحت فمي لأتحدث حتى تراجعت وأنا أرى يده تمتد

لحجابي الذي لازال على رأسي منذ البارحة , شلتني الصدمة

وأنا أتابع حركة يده وهوا يزيله عن شعري ثم رماه على السرير

بطول يده وعيناه في عيناي أنظر له بحيرة وبصدمة أتنقل بنظري

بين عينيه العسليتان أحاول ترجمة ما بات يتضح شيئا فشيئا

ويرفض عقلي تصديقه وما أن عاودت الكره

كاد يود ان يقول شيئاً ولكنه سرعان أبعد يديه ودار بظهره للوراء وقال

متوجها جهة الباب " غرفتك في الأسفل جاهزة

وستُنزل راضية أغراضك لها "

أغمضت عيناي بقوة لتختفي صورته من أمامي ولم يبقى

سوا عطره ودمعتي , طيف ذكرى ما حدث
كان الموقف أقوى مني وأقوى من أن أستوعبه فنزلت على

الأرض مستندة بيداي عليها ورأسي للأسفل وعدت لبكاء

البارحة المجنون ليصلني صوته من عند الباب قائلا

بأسى " توقفي عن البكاء يا وسن توقفي "

جلست وقلت بحرقة وأنا أرمي الثياب بعنف " أكرهك يا

نواس أكرهك هل تسمع .... أكرهك أكثر من أي شيء "

ثم نثرت كل ما كان حولي وقلت بألم " لماذا يا خالتي لماذا

هوا لا يريدني , أبنك لا يريدني يا خالتي لقد دمرتني "

*

*

وقفت بالمقربة من المطبخ وناديت " راضية "

فوصلني صوتها قائلة " قلت لك لا أريد أن أراك فغادر "

قلت بابتسامة " لكني أريد رؤيتك قبل أن أغادر "

لم تجب فاقتربت من الباب فكانت تقف عند المغسلة

تغسل الخضار وتمسح دموعها في نفس الوقت فاتكأت

على الباب وقلت بابتسامة حزينة " روضة لا تلوميني أنا

اعتدت وجودك أكثر منك وسأكون هنا كلها شهور فقط "

قالت بضيق دون أن تنظر لي " كان لي ثلاث أخوة أصغر

مني وأصبحوا اثنين ، لو كنت فقط بقيت ولو من أجل

نواس الذي يترجاك وكأنه يعمل عندك وليس العكس "

قلت بابتسامة " هكذا إذا غاضبة من أجل نواس

وأنا ظننته من أجلي "

نزل حينها نواس من السلالم بخطوات ثقيلة وملامح

غاضبة وهذا هوا مستقبله زوج الاثنتين ، خرج دون

حتى أن ينظر ناحيتي فنظرت جهة راضية وقلت

" نواس تزوج من ابنة خالته البارحة وبالتأكيد

لن يتركها في الطابق مع مي "

نظرت لي بصدمة وقالت " تزوج بمن !! "

نظرت للأرض وتنهدت وقلت " نواس كان خاطبا ابنة

خالته لأربع سنوات ثم حدثت ظروف منذ عامين منعت

ذاك الزواج وهوا على وشك أن يتم والآن تزوجها ولم يعد

بقائي يقبله لا منطق ولا عقل يكفي أني طوال الفترة الماضية

أحرم مي من أخذ حريتها هنا وأحرم ابنة خالته من النزول "

تنهدت ومسحت دموعها وعادت لما تفعل فقلت بعد

تردد " راضية أريد رؤية مي هلا ناديتها لي "

أعلم أنه لا مكان لهذا من الصحة لكني لم أعد أستطيع

تمالك نفسي , هي الأخيرة قبل أن أحرم رؤيتها ما حييت

خرجت في صمت وصعدت السلالم وغابت لوقت

*
*

كان اليوم قاسيا على الجميع على ما يبدوا فالبارحة لم

يغمض لي جفن أفكر في مستقبلي ووسن هنا وفي وليد الذي

سيستل أحشائي ويغادر بها ، ولم يكن غيري أفضل حالا مني

على ما يبدوا ... مِن نواس الذي قضى باقي الليل بين غرفته

وممر غرفة وسن يزوره كل حين وتلك التي لا أعلم البارحة

ما بها واليوم ما أصبحت عليه ، قضيت ساعات أبكي ولا أعلم

من أبكي بالتحديد وكلها أنا العامل المشترك فيها فإن تذكرت

وليد بكيت حضي العاثر وحالي بعد رحيله وإن هربت منه

وفكرت في نواس بكيت تعثر حالي معه وتعثره بي مسئولية

ملقاة على عاتقه إن أحب أو كره وإن فكرت في وسن بكيت

على وجودي كالشوكة في حلقومها وأقسم أنه أسوء المواقف

تنهدت بأسى واستغفرت الله ومسحت دموعي للمرة لا أعرف

كم تكون من كثرتهم على صوت طرقات على الباب فوقفت

من فوري أنظر للباب بصدمة ، لابد وأنها راضية ولا عذر

لي هذه المرة وأستغرب صعودها هذا الوقت المبكر ، فتحت

لها الباب فنظرت لي مطولا حتى أخفضت بصري وقالت

" أعلم أن زواج الزوج بأخرى أمر قاتل أكثر من كونه جارح

لكن هذا قدرك يا مي ونواس لن يظلمك تأكدي من ذلك "

ابتسمت بألم وقلت " شكرا لك يا راضية أنا أفهم ذلك جيدا "

قالت مغادرة " وليد طلب منى أن أناديك هوا ينتظرك في الأسفل "

تبعتها بنظراتي المصدومة وهي تبتعد وتمنيت أن بقت قليلا

لتعيد ما قالت فأنا لم أستوعب بعد كلامها وكأنني فهمت ما

قالت بشكل خاطئ أو خيل لي ذلك وهوا غير صحيح , بعد

قليل تحركت من مكاني ولبست حجابي ونزلت لأكمل باقي

مأساتي وأودع من هربت من رؤيته لوقت لأعتاد غيابه

وصلت للأسفل وكان هوا جهة باب المطبخ منشغل بالتحدث

مع راضية ووقعت عيناي على حقائبه عند الباب فأمسكت

دموعي بشق الأنفس واقتربت منه بخطوات بطيئة وعيناي

لا تفارق ملامحه حتى وصلت وانتبه لقدومي فهربت بنظري

فورا للأرض فقال مباشرة " أنا آسف يا مي أردت فقط

توديعك قبل ذهابي وإن احتجتِ شيء لا تترددي أبدا في

طلبه مني رقم هاتفي لدى راضية "

لم أتحدث بل لم أستطع قول شيء لأن حلقي كان يحترق

كالنار من إمساك دموعي فقال " مي "

رفعت نظري له لتتحول نظرته للاستغراب عاقدا حاجبيه

فأبعدت وجهي جانبا بسرعة فقال بنبرة غريبة يشوبها الحزن

" مي لن يظلمك نواس وإن تزوج بثلاث وليس واحدة

أعلم أن زواجه المفاجئ كان قاسيا عليك لكنه له ظروفه

التي تحكمت به ولا تنسي ما قلت لك لا تتركي أحد يهينك

وينزل من كرامتك فقط اتصلي بي وسأتصرف في الأمر "

ابتسمت بألم على الواقع الذي لو يعلمه لحار يبكي أم يضحك

لو يعلم أن دموعي لم تنزل إلا بسبب فراقه وحالي المأساوي

لما كان هذا كلامه , رأيت خطواته تبتعد وكأنه يسير على

قلبي ويمزقه فتبعته دون شعور مني منادية " وليد "

فالتفت لي وهوا عند حقائبه ووقفت أمامه أنظر لعينيه

بضياع ثم قلت " لما لم تخبرني سابقا بأمر خطبتك لي "

ضاعت حدقتاه بين عيناي وكأنه صدم من كلامي أو لم

يتوقعه فأنزلت رأسي وتابعت لأن ما حدث حدث وتكلمت

فالأكمل ليرتاح قلبي , تحدرج صوتي وهوا يخرج قائلة

" لما لم ترجع لخطبتي بعد الحادثة وأنت لم تصدق ما قيل "

قال بعد صمت " ما مناسبة هذا الكلام يا مي "

رفعت نظري له مصدومة ولم أعرف ما أقول فمعه حق

أنا في نظره الآن زوجة صديقه فلما السؤال عما فات

أبعدت نظري وقلت " أردت أن أعلم فقط "

رفع حقائبه وقال " لن أستطيع فتح قلبي لك يا مي وأتمنى

لك السعادة فنواس رجل يثقل بالذهب ويستحق مشاعرك نحوه "

ثم غادر هكذا بكل بساطة وتركني أتلاطم مع مشاعري

ليته بإمكاني أنا فتح قلبي لك يا وليد لتعلم أني أيضا

أحبك ومن سنين طوال لا يعلمها أحد ولا حتى أنت وكل

ما أخشاه أن أقف موقف وسن وأراك تتزوج بغيري

*

*
بعدما أفرغت باقي غضبي في بقايا الثياب توجهت للسرير

وارتميت عليه أبكي بحرقة وأتذكر كلماته حين قال

( لولا وعدي لوالدتي ما زوجتك به )

( حرريني من وعدي لها وأزوجك بسليمان )

( سأزوجك به الليلة لننتهي من هذه المهزلة)

تكورت على نفسي أشد بذراعاي على معدتي بقوة من الألم

وأنا أفكر فقط في أنه تزوجني من أجل وعد بينه ووالدته

فقط لأنها أخذت منه عهدا بذلك وهي تموت وإلا ما كان

تزوجني , يكفي وجعي أني الزوجة الثانية ليزيده هذا

تخيلت كل شيء إلا أن يكون هوا ذاك الزوج فلو كنت

أعلم لما طلبت منه فعلها وبقيت حياتي بلا زواج فكرامتي

فوق حبي له وفوق كل شيء فليس وحده يملك كرامة يحسب

لها ألف حساب , ليته زوجني بذاك ولو كنت سأعيش معه

هنا , كان سيكون أرحم من هدر كرامتي هكذا وأرحم منه

جلست بصعوبة وأمسكت علبة الحبوب وأخرجت منها واحدة

هذا المسكن قوي ولم أستعمله سابقا لكني سأموت إن لم يخف

هذا الألم ولو قليلا , بعد وقت دخل عليا أحدهم الغرفة وأنا

نائمة على السرير أخفي وجهي في ذراعي ووصلني

صوت راضية قائلة " وسن "

قلت دون أن أرفع رأسي " نعم "

قالت وهي تتحرك في الغرفة ويبدوا تجمع أشلاء الثياب

" سأنقل أغراضك لغرفتك في الأسفل , هي الغرفة الأخيرة

في الممر فالأولى سينزلون لها مكتب نواس "

لا اعلم لما مكتبه ملتصق بي دائما من أخبره أني مكتبة أو

أني سأهرب منه ثم كيف تكون غرفة بجوار مكتب قد يدخله

أي أحد من أصدقائه أو زائريه من تجار الخيول , قالت

وهي تغادر " سأرمي هذه وأعود لأنزل ثيابك وكتبك "

جلست بعدها وجمعت شعري وأمسكته بمشبك لتتساقط

خصلاته من جانبيه فدسستها وراء أذني على صوت رنين

هاتفي فنظرت للمتصل فكانت ملاك فتركته ودخلت الحمام

غسلت وجهي مرارا وتكرارا وكأني أوقظ نفسي مما أنا فيه

ثم نشفته بالمنشفة وخرجت ووجدت راضية عند الخزانة

تخرج الثياب فقلت " وأين صديق نواس الذي يعيش في الأسفل "

قالت وهي منشغلة بما تفعل " ترك المنزل منذ الفجر ولم

يعد هنا أحد غيرنا والرجل الوحيد هوا زوجك "

شعرت بلكمة قوية ضربت قلبي من كلمتها , أنا زوجته

نعم ونواس زوجي يالا السخرية , كم تمنيت هذا الأمر

وحلمت به وكم تمنيت تلك القبلة الأولى منه وانتظرتها

ولم أتخيلها هكذا وبذاك الشكل وذاك الوجع وأن تكون

مختلطة بالدموع فلم أشعر حينها بشيء سوا أنني أختنق

هززت رأسي بقوة وتوجهت جهة هاتفي الذي عاد يرن

بإصرار ورفعته وأجبت قائلة بضيق " ملاك يالك من

مزعجة لو أردت أن أجيب لأجبت من أول مرة , لن آتي

اليوم ولا الغد ولا أعلم متى وليثه يصلك خبر موتي قبلي "

جاء حينها صوت رجولي قائلا " انزلي لغرفتك ولا

تخرجي العمال سيصعدون بعد قليل "

ثم أغلق الخط فأبعدت الهاتف عن أذني أنظر له بصدمة

يالي من غبية فكرت أنها هي وأجبت دون حتى أن أنتبه للاسم

تأففت وحملت بعض الأغراض مع راضية وغادرت الغرفة

ونزلت للأسفل وأوصلتني حيث قالت أنها غرفتي وفتحت

الباب ودخلت قبلي قائلة " سأنزل البقية وأرتبها

لا تتعبي نفسك بها "

لم أجبها لأن نظري كان معلقا بالسرير الواسع المعد

لشخصين , أين سافر به خياله ذاك المغفل لن ينام معي

هنا ولو ذبحني ولا أعتقد أنه يفكر بها وقد يكون هذا تمويه

فقط لمن اشترى الغرفة ووضعها هنا فقد يكون صديقه ذاك

جلبت راضية باقي أغراضي وأصررت عليها أن أرتبها

بنفسي وقضيت باقي اليوم في غرفتي لم أخرج منها أبدا بل

ولم أترك سريري هربا من ماذا لا أعلم ومؤكد من واقعي

*
*
وقفت أراقبهم من بعيد فشعرت بيد على كتفي وقال صاحبها

دون أن أنظر إليه " هل كل هذا حزن على فراق وليد

سيكون هنا كل يوم أم أنك غاضب منه "

نظرت للأسفل وقلت " لا هذه ولا تلك "

ربت على كتفي مرتين ثم ابتعد في صمت وكأنه يتعمد

عدم التدخل , لا أعلم إن كان صحيحا ما فعلته أم لا ؟ ما

أعرفه أنه لن يجلب سوا مزيدا من المتاعب وأولهم ما أنا

فيه الآن ولا أعلم سببه هل كلمات الكره التي قتلتني بها


أخرجني رنين الهاتف من أفكاري وخيرا فعل , نظرت للمتصل

فكان جواد فأجبت من فوري وقال " هل أفك الحصار

أم ليس بعد , شقيقتها ستأكلني حيا "

قلت بابتسامة جانبية " اتركها تكلمها لقد انتهى كل شيء "

قال بما يقارب الهمس " تزوجتها !! "

عدت بنظري للأرض وقلت ببرود " نعم البارحة "

قال بعد صمت " وما كانت ردة فعلها "

رفعت رأسي وشردت بنظري للبعيد وابتسمت بسخرية

وقلت " ما ستكون برأيك , أخف ما فعلته أن قالت لي

بأنها تكرهني أكثر من أي شيء "

تنهد وقال " ظننت أن هذا سيحسن الأمور لا أن يعقدها "

قلت بهدوء " كيف يحسنها وهي تراني تزوجتها

من أجل وعدي لوالدتي "

قال من فوره " والحقيقة يا نواس ؟؟ "

أخفضت رأسي مجددا وأغمضت عيناي وقلت بحسرة

" لعن الله الحب يا جواد فأن تحبها كل سنين حياتك

شيء وأن تكون ملكا لك بين يديك وبعيدة عنك شيء

آخر أقسى من الموت البطيء "

قال بهدوء " توقف عن تعذيب نفسك يا نواس وجدا

حلا لما بينكما كي تستطيعا العيش معا باقي

حياتك ولا تنتهيا للطلاق "

قلت ببرود " لن أطلقها مهما فعلت فلتبقى هكذا حتى

تضع عقلها في رأسها لنعرف كيف نحل مشاكلنا "

قال " ماذا عن مي ماذا كانت ردة فعلها "

ابتسمت بألم وقلت " مي أكثر من يشعر بي وأكثر من

يشغلني يا جواد فهي التي ظلمتها في كل هذا ولن

يرتاح لي بال حتى ترتاح هي "

تنهد وقال " لا أفهمك يا نواس , ما تقصد بهذا "

ابتعدت عن هناك قائلا " لا تشغل بالك كثيرا

وداعا الآن عليا المغادرة "

قال " وداعا وسأرسل لك رقم الطبيب الذي

حدثتك عنه من أجل وسن "

قلت " أجل وبسرعة لأني رأيت نوعا جديدا من

المسكن لديها وأقوى من السابق بكثير "

قال " حسنا .... وداعا "

دخلت المنزل وتوجهت لمكتبي لأخذ الأوراق من هناك

فتوقفت حين وجدت وسن تقف متكئة بجدار الممر تحمل

كوبا في يدها ولا أفهم سبب وقوفها هنا وسبب ما في يدها

أخفضت نظرها عني ودست خصلات شعرها الأسود خلف

أذنها وأنا عيناي ماتت هناك وكأني أراها للمرة الأولى بل

وكأن لا أحد قبلي عشق وأحب وتزوج , لم تعد لي أي سيطرة

عليهما وهما تحدقان فيها ونظرها للأسفل ملتصقة بكتفها على

الجدار تحرك يدها التي تمسك بها الكوب وأنا ارسم بنظري

أدق تفاصيلها وأنسى كل ما قالته , كل تلك الشتائم وعبارات

الكره التي قالتها تبخرت من ذاكرتي وكأنها أمامي وسن أخرى

لم يخرج كل ذاك من شفتيها وأكبر دليل الكلمات التي خرجت

مني دون أذن قائلا بقلق " وسن هل تشعرين بشيء "

اتكأت برأسها على الجدار ونظرها لا زال للأسفل

وقالت بعدما أمالت ابتسامة ميتة على شفتيها

" نعم أشعر بقلبي يموت والسبب أنت "

قبضت على يدي بقوة وأشحت بوجهي جانبا كي لا تتغير

تلك الصورة في عيناي فبقدر ما كانت تلك رائعة هذه

جارحة ومعذبة , قلت ونظري بعيد عنها " أطوي

الصفحات يا وسن فتقليبها لن ينفع في شيء "

وصلني صوتها قائلة بسخرية " هنيئا لك يا ابن خالتي أنت

المنتصر دائما وأنا الخاسرة , لو لم يكن الله من يرسم لنا

أقدارنا لقلت أن من فعل كل هذا ليس بعادل أبدا "

رفعت نظري لها مجددا فكانت على حالها متكئة على الجدار

بكتفها ورأسها , وفقط يدها أنزلتها للأسفل تمسك طرف الكوب

الفارغ بإصبعين من أصابعها وتحركه للأمام والخلف , كم

عشقت كل حياتي حركاتها الطفولية هذه وكم كنت أراقب

كل تصرفاتها حين أزورهم أو تزورنا وأعشق أن أوزع

تصرفاتها ... هذا لحبيبتي وسن الطفلة وهذه لحبيبتي وسن

المرأة وأصبحت هناك ثالثة الآن وهي وسن الحاقدة , وها

هوا ذا التصرف لوسن حبيبتي الطفلة , توجهت نحوها ووقفت

أمامها مباشرة واتكأت مثلها على الجدار بكتفي ورأسي وقلت

ونظري عليها " ليتك لا تفارقيها ... ليتك تبقين أنتي ولا

تتحكم تلك الجديدة بها "

رفعت حينها نظرها لي باستغراب فأبعدت رأسي عن الجدار

وأبعدت نظري عنها أنظر للفراغ خلفها وقلت بابتسامة حزينة

" أعشقها يا وسن ليتك تعلمين كم يكون ذلك وظننتها

ماتت من سنوات لكني اكتشفت أنني أخطأت "

ثم عدت بنظري لها فكانت نظرات الاستفهام لديها زادت

فعدت متكأ برأسي على الجدار ومددت أصابعي للخصلة

التي تمردت على وجهها من جديد ودسستها خلف أذنها

وقلت ونظري على يدي " فشلت في أن أحيي تلك وأحافظ

عليها وفي أن أقتل هذه ولو في داخلي .... نعم

فشلت وأنتي السبب يا وسن "

أوقعت حينها الكوب من يدها ورفعتها ليدي وأبعدتها

عنها وقالت " لم أفهم من هذيانك شيء لكن ما أفهمه

جيدا كلامك السابق عن أنه لولا عهدك لوالدتك ما تزوجتني

وأعلم أنك لن تفكر في أن تعتذر عما قلت ولا تفكر في ذلك

يوما لأن اعتذارات العالم كلها ما كانت ستكفي وتجعلني

أنساها , ليته فقط تبرد نارك المشتعلة مني من أكثر من

عامين لعلك ترحمني ولو من وجودك بقربي "

ابتعدت حينها عن الجدار وقلت متوجها جهة مكتبي

" ليتك أنتي فقط تتوقفين عن قول الحماقات يا وسن "

ثم دخلته وأغلقت الباب خلفي كي أبتعد عهنا ولا أتهور كالمرة

السابقة ونستمر هكذا هي تهديني الكلام المسموم

*

*
دخل مكتبه وأغلقه خلفه ليتركني ككل مرة بقايا من جراح

انفتحت من جديد وهي لم تلتئم بعد , نزلت للأرض ورفعت

الكوب وتوجهت للمطبخ لأني كنت ذاهبة إليه ورجعت حين

رأيته يقترب من بعيد ووقفت أنتظره ظنا مني أنه سيصعد

للأعلى وليس سيأتي هنا ويجدني , وضعت الكوب هناك

وعدت لغرفتي ولم أغادرها حتى المساء حين طرق

أحدهم باب الغرفة وفتحه وهي راضية بالتأكيد وقالت

" وسن العشاء جاهز "

قلت معطية ظهري لها " لا رغبة لي شكرا "

قالت " أنتي لم تأكلي شيئا اليوم بطوله لن ينفعك أحد

إن ضاعت صحتك "

قلت بهدوء " إن رغبت شيئا سآكل وحدي تأكدي"

لم تضف شيئا وأغلقت الباب وغادرت وما هي إلا لحظات

وانفتح الباب دون طرق هذه المرة ووصلني صوت نواس

قائلا " وسن أخرجي لتناول العشاء "

لم أجب فتأفف وقال " توقفي عن التصرف كالأطفال

ما تريدينه وفعلته ماذا بقي بعد "

شددت اللحاف على جسدي وقلت ببرود " لو علمت به ما

تركتك فعلته فلا تعتقد أنك تجرحني لأنه لم يعد يؤثر بي "

قال بحزم " وسن تخرجي الآن أو قسما أخرجتك بنفسي "

جلست وقلت بحدة " هل الطعام أيضا بالإكراه

لا رغبة لي قلت لكم "

قال بغضب " لا ترفعي صوتك علي يا وسن

واحترميني كزوج على الأقل "

رميت اللحاف من علي وقلت بسخرية وأنا أغادر السرير

" نعم هذا المكسب الوحيد لك من هذا جملة احترميني فأنا زوجك "

غادر أمامي يستغفر ويتأفف فأبعدت خصلات شعري عن وجهي

وعدلت البيجامة الحريرية على جسدي بل نفضتها نفضا بتأفف

وخرجت حيث طاولة الطعام وما أن دخلت حتى وقع نظري

في نظره جالسا هناك وزوجته بجواره فأبعد كل واحد منا

نظره عن الآخر واقتربت ببطء وأخذت طبقا لي وجلست

في أبعد كرسي عنهما أتجنب النظر ليس له فقط بل لزوجته

أكثر منه , جلست أبعد خصلات شعري خلف أذني وأغلقت

زر البيجامة الذي اكتشفت انه كان مفتوحا , حركت الأرز

بالملعقة لوقت ثم تناولت لقمتين وبقيت أمضغ كل واحدة منهما

حتى تفتت في فمي وقال نواس " عصام متى قال سيأتي "

رفعت نظري جهته فكان ينظر لطعامه ومي تنظر له

وقالت " في الغد ولن تدركه لأنه سيأتي وقت ذهابك "

عدت بنظري لطبقي وقال " أخبريه يؤجلها قليلا

أريد أن أكون هنا "

قالت بهدوء " سيعذر انشغالك وتتقابلا في وقت آخر "

قال من فوره " عليا أن أكون في استقبال أهلك يكفي

لا أهل لي أستقبلهم ومن بقي منهم يكرهني "

نعم جرحتك كلماتي وتنسى كلامك المسموم الذي تجرحني

به كل وقت , إن كان ثمة من يحق له كرهك فهوا أنا

وليته يكون ذلك فسأدفع عمري ثمنا لمن يجعلني أكرهك
وضعت مي الملعقة ووقفت مغادرة من أمامي وأنا أتبعها

بنظري , غريب أمرها وكأنه ليس زوجها وتزوج عليها اليوم !

تتكلم معه بأريحية وكأن شيء لم يكن !! وأستغرب أكثر من

ملابسها فهي لا ترتدي إلا ملابس محتشمة رغم أنه لم يعد

أحد هنا ولا حتى قريبها ذاك ونادرا ما ترتدي كمان قصيران

يصلا للمرفقين ودائما ملابسها فساتين طويلة , نظرت

لصحني ورميت كل تلك الأفكار من رأسي فلم يبقى سوا

أن أفكر في ملابسها فقد يكون ذوقها هكذا المهم أني

تحررت من الحجاب والملابس الطويلة وهذا المكسب

الوحيد من هذا الزواج الكارثي , لا أصدق أني صرت

زوجته لما لا أشعر بالسعادة ! هه وياله من سؤال غبي كيف

سأسعد وهوا تزوجني من أجل وعد قطعه لوالدته ولكي يريح

رأسه من كلامي كما يقول ونهايتها يتبجح علي بأني أنا من

أراد هذا وطلبه , بقي أن يقول أني ترجيته ليتزوج بي

" كلي جيدا "

رفعت نظري لصوته الذي أخرجني من أفكاري وكان ينظر

لصحنه ويأكل ثم تابع دون أن ينظر لي " لن تقومي حتى

تأكلي جيدا فتلكم الملعقتين لن تخدعي بهما إلا نفسك "

تأففت بصوت مسموع ثم قلت " راقب زوجتك واتركني وشأني "

رفع كوب العصير وشرب منه ثم قال وهوا يعيده مكانه

" وما الذي كنت أفعله برأيك ... أراقب زوجتي كما تقولين "

قلت بضيق " نواس ما تريده بكل هذا "

عاد لتناول الأرز وقال ببرود " كم بقي على تخرجك "

أكلت الملاعق متتالية ثم رميت الملعقة ووقفت وقلت

" إن كان ما تفعله لآكل فها قد فعلت وإن كان من

أجل أمر آخر فأجله للغد رجاءا "

ثم قلت مغادرة " ولا أعتقد أن أمر دراستي بات

يعنيك يا زوجي العزيز "

ثم توجهت للغرفة ودخلت وأغلقت الباب بعدي بقوة

على صوت رنين هاتفي ولابد وأنها ملاك هذه المرة

توجهت ناحيته وحملته وتأكدت من الاسم فسأحرم تكرارها

مجددا , أجبت عليها فقالت مباشرة " وسن ما بك تحبين

إقلاقي عليك , لو لم تجيبي كنت سأزورك في المزرعة غدا "

قلت بسخرية " نعم تحججي , كله لتري حبيب القلب "

ضحكت وقالت " يالا سخافتك لم أفكر بها مطلقا "

ثم تابعت بقلق " شغلتني عليك مآبك وما به صوتك

هكذا وكأنك مغصوصة بحجر "

ابتسمت بحزن وقلت " ليته كان حجرا بل هي

شوكة مشتعلة يا ملاك "

قالت من فورها " ما بك وسن ماذا حدث "

قلت بحسرة " تزوجت يا ملاك هل تصدقي "

قالت بدهشة " كيف ومتى ومن !!!! "

جلست على السرير وقلت " كيف لا أعلم ومتى آخر

ليلة البارحة ومن ... هذا ما يكسر ظهري "

سكتت لوقت ثم قالت " هل زوّجك بعجوز "

ابتسمت بألم وقلت " كان أرحم لي "

تأففت وقالت " وسن تكلمي بوضوح أو قولي أنها مزحة "

تنهدت وقلت " تزوجته هوا "

شهقت بقوة حتى ظننتها ماتت ثم قالت " نواس تزوجك "

قلت ببرود " نعم "

انفجرت ضاحكة فقلت بضيق " نعم أضحكي هذا

ما أنتظره منك , الحق علي حكيت لك "

قالت " يالا المفاجأات وأخيرا تزوجتما ياله من خبر سار "

قلت بحدة " ملاك ما أسخفك لم يكن الأمر إلا من أجل وعد

قطعه لوالدته وكان يماطل طوال الوقت كي لا يفعلها وأنا

من غبائي أضنه شخص آخر وألح عليه أن

يزوجني به لأبتعد عن هنا "

ضحكت وقالت " أقسم أن هذا تعجز أمامه حتى الأفلام

والمسلسلات تطلبين منه أن يزوجك لنفسه لتتخلصي منه "

قلت ببرود " وما أدراني أنا به اللوم عليه لما أخفى عني

لَما كنت طلبتها منه ما حييت فأن أبقى عانس أرحم لي

من هذر كرامتي بهذا الشكل "

تنهدت وقالت " أتمنى أن يكون في هذا حلا لمشاكلك

يا وسن لا أن يعقدها أكثر "

قلت بسخرية " آمنت أنه لا حل لمشاكلي "

قالت بنبرة فيها خبث " وأين زوجك عنك حتى

الآن صرنا بعد العاشرة "

قلت بحدة " ملااااك "

ضحكت وقالت " أعانه الله عليك "

تأففت وقلت " اتركينا من كل هذا وأخبريني عنك "

قالت من فورها " لا جديد لم أتصل بالبرنامج منذ ذاك اليوم

لأزيد من فضوله والليلة ستكون الجولة الثانية "

قلت ببرود " أتمنى أن لا يكون حظك كصديقتك

وأن لا يكون كصديقه "

قالت بصوت مبتسم " وما به حظي إن كان مثل

حظك وما سينقصه إن كان كصديقه "

قلت بسخرية " لا شيء فقط من تعاستي "

ضحكت وقالت " لا أعلم لما أشعر أن هذه الخطوة

ستجلب لك المسرات "

تنهدت وقلت بحسرة " لن يشعر بي أحد أقسم أن

قلبي يشتعل كالبركان "

قالت بهدوء " وسن اهتمي بصحتك ولا تفكري في

شيء غيرها ومبارك لك صديقتي رغم أني تمنيت

أن كان لك حفل زواج كغيرك "

ابتسمت بحزن وقلت " مبارك على ماذا وحفل من أجل

ماذا , أنا نسيت السعادة منذ أكثر من عامين "

تنهدت وقالت " لا فائدة ترجى منك ونصف تعاستك

بسببك , نواس يحبك وتعلمين ذلك جيدا "

قلت بسخرية " من يحب لا يتصرف هكذا يا ملاك ويبدوا

لم يكن يحبني منذ البداية ووحدي كنت أعيش عالم خيالي

فمن يحب لا يتزوج بأخرى ثم يتزوجني كفرض

فُرض عليه وإلا ما كان فعلها "

قلت بضيق " ومن يراك أنتي ما يقول غير أنك تكرهينه

بينما العكس صحيح , برنامجي سيبدأ وداعا الآن

ونلتقي غدا إن لم تقررا شهر عسل "

قلت بامتعاض " يالا مخيلتك وسذاجتك أي عسل وأي

بطيخ سأكون في الجامعة غدا وباكرا , لا يمكنني ترك

المحاضرات تتراكم علي أكثر من هكذا "

قالت من فورها " وداعا إذا ونلتقي في الغد "

أنهيت المكالمة معها وأنزلت الهاتف لحجري وتنهدت بأسى

ثم رميته على السرير وفتحت النافذة لأجد ساحة الخيول

أمامي فيبدوا أني صرت في الممر الذي تحت غرفتي وهذا

يعني لا نافذة تفتح إلا في الليل , ما هذه التعاسة المجتمعة

أطفأت النور وجلست عند النافذة متكئة عليها أراقب السكون

ولا شيء غيره , أين أنتي يا خالتي لتري ما يفعل ابنك بي

لماذا فعلتِ بي هذا لما ؟ لما لم تفكري في عواقب الأمر

خبئت وجهي في ذراعي المتكئة بها فسمعت نافذة أخرى

تفتح قريبة من هنا ثم صوت نواس ويبدوا يتحدث في

الهاتف قائلا " نعم لعلي أبارك لك أنا أربع

مرات يا سليط اللسان "

سكت بعدها لوقت ثم قال " لو كان الأمر علي ما

تزوجت من أساسه هل تضنها مفخرة "

قال بعدها " لا سنؤجلها لبعد الغد لأن شقيق زوجتي سيزورنا "

قال بضيق " معاذ لست في مزاج لدعاباتك تعلم أن

الأخرى لا أشقاء لها فمن ستكون برأيك "

ابتعد بعدها صوته ويبدوا ابتعد عن النافذة ونزلت دمعتي

ودسست عيناي في كمي كي لا تلحقها الأخرى , حسنا أنا

وفهمناها تزوجني مرغما ومقيدا بوعد , الأولى تزوجها

بمحض إرادته واختياره أم أنه قطع عهدا بها لوالدته أيضا

توجهت لسريري وشغلت المذياع في هاتفي لأستمع لبرنامج

ملاك لعلي أبتعد عن همومي ولو قليلا , كانت ثمة متصلة

تشكي وتبكي وانتهت ودخلت أخرى أسوء من التي قبلها

ما كل هذا البؤس ! تلك الحمقاء ملاك هل ينقصها تعاسة

بعد عدة مكالمات قال المذيع " وها هي ملاك تذكرتنا أخيرا "

ضحكت وقالت " مرحبا صفوان كيف حالك "

قال بصوت مبتسم " مرحبا ملاك أين كل هذا الغياب "

قالت " كنت أستمع لكم كل حلقة بوقتها وإن

لم أتصل فقلبي معكم دائما "

هذه الخبيثة أعان الله ذاك الشاب عليها , قال المذيع

" إذا عنوان الحلقة رسالة ولمن توجهيها "

قالت " وأنا من أجل العنوان اتصلت , أوجه رسالتي

لمن سيفقدني عقلي بسبب جنونه في القيادة وكأن

لا أحد يريده في هذه الحياة "

ضحكت رغم بؤسي وتعاستي , هذه المغفلة ستأتي بأجلها

بالتأكيد وإن اكتشف من تكون فلن يرحمها , قالت بعدها

" وأبشركم أن أمية المساء تلك الحلقة تحققت أخيرا "

قال المذيع ضاحكا " ليتك تمنيتي مليونا إذا "

قالت بهدوء " تحقق تلك الأمنية أهم عندي من كل

ملايين الدنيا وداعا وليلة سعيدة للجميع "

قال " وداعا ولا تغيبي عنا طويلا "

انتظرت بعدها صديق نواس ليتصل لكنه لم يفعلها ويبدوا

سيلعب ذات لعبتها وينقطع عن البرنامج , نظرت بعدها

للساعة فكانت الواحدة , كم تضيع تلك الغبية من وقت

ساعتين كاملتين تستمع لشكاوي غيرها , ضبطت منبه

الهاتف ووضعته على الطاولة واستلقيت على السرير

أرتجي النوم أن يأتي , حاولت أن لا أفكر في شيء ولم

أنجح حاولت حتى أن أفكر في أمور تافهة لا تخصني وبلا

فائدة أيضا ومضى الوقت وأنا أتقلب كالسمكة في المقلاة

سمعت بعدها صوت الباب انفتح بهدوء وأنا معطية ظهري

له فجمدت كل حواسي عدى السمع , مؤكد هذا نواس لكن

ما جاء به وما يريد ! قد تكون راضية أو حتى مي , وكان

من يكون ما جاء به هذا الوقت , حرك علبة المسكن من

على الطاولة ويبدوا رفعها ثم فتحها وأخرج كل ما فيها

وأعادهم واحدة واحدة للعلبة وكأنه يعدها ثم أعاد العلبة على

الطاولة واقتربت خطواته من السرير وجلس عليه فتصلبت

جميع مفاصلي من الخوف أو التوتر أو لا أعلم ما يكون ذاك

هذا عطره هوا نعم لن أخطأه أبدا , ما يريده بي ويجلس عند

سريري ! لا يكون يريد النوم هنا وترك زوجته , رفع شعري

للخلف بهدوء فأغمضت عيناي أدعي النوم وتنفسي يتوتر مع

حركة أصابعه وهي تبعدهم خصلة خصلة لتسري ارتجافه على

طول عمودي الفقري وأنا أشعر بشفتيه وأنفاسه على عنقي فكتمت

تنفسي وأغمضت عيناي بقوة لأني عند هنا انتهيت وعند هنا

تخلى عني كل شيء من حولي , زدت من الضغط على عيناي

متمنية فقط أن يبعد شفتيه ويرحمني ثم فتحتهما على اتساعهما

من الصدمة وأنا أسمع الكلمات التي همس بها

************************************************** **
******************************************
مرت الأيام وانشغلت بدراستي واختباراتي ولم أعد أرى

نزار إلا وقت إيصالي للمدرسة وإعادتي للمنزل وفي صمت

تام فعند المغادرة أمسك كتابي وأدعي أنني أراجع ما ذاكرته

رغم أني أحفظ صفحاته بالترتيب , وفي طريق العودة أشغل

نفسي بمراجعة ما كتبت في الامتحان رغم تأكدي من أنه

صحيح ولأن المدرسة التي أمتحن فيها قريبة فلم تكن الطريق

تأخذ وقتا , ونزار انشغل مع عمله الجديد في مزرعة تاجر

الخيول ولم نعد نتقابل ولا حتى على طاولة الطعام وأتعمد

الصعود لغرفتي قبل قدومه رغم أني أتلهف كل صباح لرؤيته

لكني باقي اليوم أهرب منه وأشغل نفسي حتى عن التفكير به

اليوم كان آخر اختبار لي وخرجت متمنية أن أحضن الجدار

مودعة لها وداعا أخيرا لأنها أقسى اختبارات مرت علي ليس

لصعوبتها أو صعوبة المناهج لكن بسبب تعب نفسيتي من

المجيء والعودة معه كمن يعطي الظمآن ماءا باردا رشفة

صغيرة كل يوم لا هوا أعطاه له ليشربه كله ولا تركه يموت

عطشا فما أقسى أن تجبر نفسك على أن تبتعد عمن تحب وما

أقسى أن تكون بقربه وهوا ليس لك , لم أعد ألوم الشعراء فيما

يكتبونه فالحب مأساة تجعلك تقول دون شعور منك

" سما "

التفت للخلف وقلت مبتسمة " زهرة ظننتك غادرتِ "

وصلت عندي وقالت " لن أغادر قبل أن أودعك كم

سعدت بمعرفتك وكم ساعدتني قبل الامتحان يا سما

لن أنسى ما فعلته من أجلى ما حييت "

قلت مبتسمة " أنا لم أفعل شيئا مهما المهم أن تجتازي العام "

حضنتني وقالت " سأشتاق لك وكم أتمنى أن نلتقي قريبا "

قلت بحزن " وأنا كذلك وسأتصل بك دائما

ولن أنقطع عنك وعن أخبارك "

ودعتها وخرجت , زهرة تعرفت عليها هنا أحببت جدا

طباعها وطيبتها تذكرني ببتول كثيرا وساعدتها بالهاتف

أيام الاختبارات في كل ما لم تستوعبه متمنية من قلبي أن

تجتاز العام لتفرح والدتها الكبيرة في السن فهي بعد زواج

أشقائها بقيت وحدها تعتني بها , خرجت للسيارة وركبت

في صمت كعادتي وانطلق من فوره , لم أمسك اليوم كتابي

لأراجع ما كتبت لأنه قال لي وأنا أنزل أنه سيتأخر نصف

ساعة عن وقته المعتاد فلن تكون لدي حجة اليوم أمسك

بها شيء , بعد قليل قال " كيف كان اختبارك "

رفعت رأسي ونظرت له باستغراب وهوا ينظر للطريق

أمامه فهي المرة الأولى التي يسألني منذ بدأت امتحاناتي

عدت بنظري ليداي في حجري وقلت " أجبت كل شيء "

قال بعد قليل " لم تستعيني بي في أي شيء هل

لأن كل شيء واضح لديك أم لأنك لا تريدين "

نظرت له مجددا ولكن هذه المرة بصدمة وبقيت على

ذاك الحال حتى نظر لي لتلتقي عينانا بعد كل هذه المدة

ثم عاد بنظره للطريق وقال " تغيرتي كثيرا ناحيتي يا

سما فهل أغضبتك في شيء "

لم أعرف ما أقول امتلأت عيناي بالدموع وقلت بأسى

" بل أنت من تتهرب مني دائما ولا أعلم فيما أخطأت "

أوقف حينها السيارة أمام المنزل وفتح بابه وقال دون أن ينظر

إلي " أنا لست غاضبا منك وأنتي لم تخطئي معي "

مسحت عيناي وقلت " ولا أنا غاضبة منك

فقط وجدتك لا تريد رؤيتي فجنبتك ذلك "

نظر لي بسرعة بنظرة غريبة وكأنه صدم لكلامي

فأنزلت رأسي وقلت " آسفة لكني ظننت ذلك "

قال بصوت منخفض " لما قلتِ لجابر ذاك الكلام "

رفعت رأسي ونظرت له وقلت بهمس " هل أخبرك "

قال وهوا ينزل من السيارة " وليته لم يفعل "

بقيت أتابعه بنظري حتى دخل المنزل وترك الباب لي

مفتوحا فنزلت وأغلقت باب السيارة ودخلت وأغلقت الباب

وتوجهت لغرفة خالتي من فوري وكانت وحدها هناك وقالت

" وأخيرا تخلصتِ من هم الدراسة كيف كانت مادتك اليوم "

نظرت للأرض وقلت بحزن " جيدة وأجبت كل شيء "

قالت " مآبك بنيتي لما هذا الحزن إذا "

قلت مغادرة " لا شيء مهم خالتي "

ثم صعدت لغرفتي استحممت وبكيت كثيرا تحت المياه

كعادتي حين يجتاحني البكاء الشديد ثم نزلت وتوجهت

للمطبخ وأعددت الغداء ثم صعدت لغرفة نزار وطرقت

الباب فقال " لا أريد أن آكل سوف أنام "

نظرت للأرض بحزن من كلماته الجافة فيبدوا غاضبا

مني , قلت بهدوء " إن كان بسببي أكلت في غرفتي "

لم يجب فقلت " نزار "

قال ببرود " قلت لا أريد "

تركته ونزلت أمسك دموعي من أن تنزل وسحبت

الطاولة لغرفة خالتي وجلبت الطعام فقالت

" أين نزار ألن يتناول الغداء معنا "

جلست وقلت " قال يريد أن ينام "

تنهدت وقالت " يبدوا اليوم مستاء منذ الصباح فحين

أخذني للمستشفى كان يتأفف طوال الوقت وتشاجر

مع أحد الأطباء ولأول مرة يفعلها منذ مرضت "

اكتفيت بالنظر لها في صمت ولم أعرف ما أقول , لما

يغضبه ذلك كل هذا الحد وكل ما فعلته أني سألت جابر إن

كان سيخرجني من هنا إن طلبت منه , حسنا وما المشكلة

أليس هوا كان يريد تزويجي فأنا من يفترض بها أن تتضايق

لو ابتعدت عنه , أنا حقا تعبت من وجوده وعدم وجوده

وفكرت أنه بخروجي من هنا قد أرتاح وأنساه كما قال

قالت عندما طال صمتي " هل تحدثتما عن شيء "

نظرت للطاولة تحتي وقلت " لا أفهمه يا خالتي يغضب

مني من أمور يفترض بي أنا من تغضبها تلك الأشياء

ويتجنبني ويتهرب مني وأنا لم أفعل شيئا وحين صرت

أهرب من رؤيته قال أنني تغيرت ناحيته , أنا حقا

حائرة في أمره وتعبت "

ثم أنزلت رأسي أكثر وقلت بدمعة سقطت مني " حتى

الغداء لا يريده لأنه غاضب واستيائه منذ الصباح بسببي

وأنا لم أفعل شيء يستدعي كل ذلك "

تنهدت وقالت " امسحي دموعك وأخبريني ما حدث "

مسحت دموعي وقلت ونظري للأسفل " منذ مدة اتصلت

بجابر وسألته إن أردت الخروج من هنا هل سيخرجني

وأين سيأخذني فقال سيفعل بالتأكيد ولو أخذني لقصر عائلته

ومنذ ذاك الوقت لم أستطع اتخاذ قرار بذلك , أنا اعتدت

عليك خالتي ولا أتخيل يومي من دونك "

سكتّتُ قليلا ثم تابعت " ولا حتى نزار رغم أني أتهرب من

رؤيته والتحدث معه ومجروحة منه لكني لم أستطع وفكرت

في ذلك جديا عدة مرات لأني تعبت من قلبي وأتعبني "

ثم قلت بعبرة " متعِب هذا الشعور خالتي أكاد أموت منه "

قالت بهدوء " تعالي صغيرتي واجلسي بجانبي "

توجهت نحوها وجلست واتكأت على كتفها كما أحب دائما

وقلت " اليوم يبدوا علم من جابر عن ذلك لأنه سألني عنه "

مسحت على شعري وقالت " مغفل يا سما وأنا

أيضا اليوم فقط اكتشفت ذلك "

مسحت دموعي وقلت " ما الذي اكتشفته "

تنهدت وقالت " وهل تريدين فعلا تركنا يا سما "

قلت بحزن " لا أريد لكني فكرت أن ذلك قد يريحني ولو قليلا "

قالت بهدوء " يعز عليا فراقك يا سما وكم أحبك قلبي ولو

كان لدي ابن غير هذا الأحمق لزوجتك به لتبقي دائما

بقربي لكن ابتعادك قد يريحك فعلا فستتوقفين عن رؤيته

على الأقل رغم أن ذلك سيكون قاسيا جدا في البداية لكنك

ستعتادين فافعليها متى ما اقتنعتِ بها لأنه يستحقها

وليتحمل النتائج "

ابتعدت عنها وقلت " أي نتائج سيتحملها !! "

قالت مبتسمة " من قدمه في النار ويقول آه يا وجعي

ليس كمن قدمه فيها ويكتم حتى صرخته "

بقيت أنظر لها باستغراب وعدم فهم فمسحت على غرتي

وقالت بابتسامة حنونة " افعلي ما ترينه صوابا يا سما كي لا

تلومي أحدا فيما بعد فأفضل ما يفعله الإنسان أن يقرر وحده وينفذ "

نظرت للأسفل وقلت " لهذا لم تنهيني يوما عن أي شي "

قالت " نعم لم أنهاك إلا عن الخطأ أما الصواب تركت لك

حرية الاختيار فيه فالإنسان بطبعه لوام فحالما يقع في مطب

يبحث عمن يرميه عليه ليقول له كل هذا بسببك أنت , وتلك

طبيعة كل البشر لأن لوم النفس قاسي جدا فسيبحث

لا شعوريا عن غيره "

لذت بالصمت أنظر للأرض بشرود فقالت

" وهل ستأخذين برأيه إن رفض ذلك "

هززت رأسي وقلت " لا أعلم , نزار ساعدني كثيرا

وفضله عليا لن أنساه ما حييت ولولاه بعد الله لكنت حتى

الآن في قبو منزلنا ولا أريد أن أغضبه وأريد فعلا أن

يرتاح من مسئوليتي وأن أرتاح أنا من مشاعري "

ثم وقفت وجمعت الأطباق وحملتها في صمت وهي لم

تضف شيئا آخر , رتبت المطبخ وتركت له غدائه على

الطاولة وصعدت لغرفتي ونمت بعد جهد كبير ولم أستيقظ

إلا وقت العصر , صليت ونزلت للمطبخ لأعد شيئا نأكله

مع الشاي بما أن امتحاناتي انتهت وأخيرا , بدأت بإعداد كعك

مربى ووضعته في الفرن ثم ذهبت لغرفة خالتي ووقفت عند

الباب وقلت " أعددت كعكا لشاينا اليوم "

قالت مبتسمة " جميل فأنا اشتقت لكعكاتك اللذيذة "

انفتح حينها باب المنزل ودخل نزار يتحدث مع أحدهم

ويضحكان والصوت كان لفتاة وما أن ظهرا لي حتى

اكتشفت أنها دعاء التي ماتت ابتسامتها منذ رأتني وقالت

بدون نفس " مرحبا سما كيف حالك "

حولت نظري لنزار ولم أبعده عنه أبدا وهوا بقي ينظر لي

بصمت حتى غادرت من أمامهم للمطبخ دون أن أجيب عليها

وجلست عند الفرن أنتظر الكعكة لتنضج وأشعر أنني أشتعل

كالنيران التي تحتها , هذا ما حكت عنه خالتي وأسمته بالغيرة

يا إلهي ما أفظعه من شعور أشعر بأنني سأتمزق , تحول الأمر

بسرعة لبكاء في صمت وبدأت بمسح دموعي بمنشفة المطبخ

في يدي ثم شهقت بقوة وقلت بأسى " لم توفه حقه يا خالتي

هذا الشعور لم تصفيه بدقة "

تحرك حينها شيء ما خلفي في المطبخ فوقفت من فوري

واستدرت للخلف فكان نزار واقفا يضع يده على كرسي الطاولة

وينظر لي فوليته ظهري من فوري ومسحت بقايا دموعي

فقال " جابر أخبرني أن ذهابك لقصر عائلته فيه خطر

عليك أيضا لأنك ستصبحين محل شبهة هناك "

قلت ببحة " إنسا الأمر لم أعد أريده "

سكت لوقت ثم قال " وكيف تقررين شيئا وتتراجعين عنه

هل أتاك كلامي الآن عن تقلب المزاج في هذا السن "

ضغطت قبضتي على المنشفة بقوة وقلت بضيق

" يكفي يا نزار حلفتك بالله لا تتكلم عن هذا ... مراهقة

وطائشة ومشاعري تتغير وقراراتي غبية وأغيرها في

لحظة فهمت هذا فتوقف عن قوله لي "

تنهد وقال " جابر تكلم معي بحدة ظنا منه أني أعاملك

بسوء لذلك أردتِ الخروج من منزلي , ليكن بعلمك يا

سما لو تريدين ذلك فلن أمنعك ولن أسألك حتى عن السبب "

قلت بحزن " ولما غضبت إذا "

سكت ولم يتحدث فالتفت له وقلت وعيناي في عينيه

" أنا لا أنسى ما فعلته من أجلي يا نزار وما حييت

ولا أستطيع قول سبب ما قلته لجابر "

أبعد نظره عني وقال بهدوء " أفهمك يا سما ليس المهم

أن يبوح الإنسان ويبرر المهم أن لا تكون طريقته

جارحة , لو فقط طلبتها مني أنا وليس منه "

قلت بهمس ورأسي للأسفل " أنا آسفة "

قال مباشرة " لا بأس ولننسى الأمر "

وخرج وتركني وكأنه هرب مني , دائما هكذا يترك

الأمر معلق ويختمه بكلمة ( لننسى الأمر ) جلست على

الكرسي أتنهد بأسى , ما بك يا سما في لحظة جعلك تغيرين

قرارك وتعتذرين منه أيضا , أصبح يحسسني أني بالفعل

لا أعرف كيف أفكر وأقرر وأن صغر سني السبب

فتحت على الكعكة فوجدتها كادت تحترق فأخرجتها بسرعة

وتركتها تبرد ولتغادر تلك الدعاء أولا فلن أعطيها منها

خرجت بعدها من المطبخ وتوجهت جهة السلالم فسمعت

خالتي تناديني فعدت جهة غرفتها رغم أني كنت أنوي

الصعود حتى تغادر تلك , كان نزار أيضا ما يزال هناك

وكنت أنظر لخالتي حين قالت " تعالي أجلسي معنا "

لا أعلم لما طلبت هذا رغم أنها تعلم أني لا أريد البقاء

ودعاء موجودة ولم تطلبها مني سابقا , ولأني لن أرفض

لها طلبا ما حييت دخلت وجلست بجوارها على السرير

وقالت خالتي " قولي ما لديك يا دعاء "

نظرت لخالتي بحيرة ثم لها فقالت " قريب لي يبحث عن

عروس صغيرة في السن وربة منزل جيدة وأنتي أول

من خطر في بالي , هوا رجل رائع بكل المقاييس وسيسافر

للخارج بعد الزواج , أخبرت نزار وخالتي وطلبا أن

آخذ رأيك أنتي بما أن الأمر يخصك "

نظرت لنزار مباشرة فكان ينظر للأرض فعدت

بنظري لها وقلت " ولما لم يتزوج بشقيقتك "

نظرت لي نظرة غريبة ثم ابتسمت وقالت

" شقيقتي لا تعرف حتى كيف تطبخ بيضة "

قلت " وأنا طائشة ومراهقة ولا يمكن الاعتماد

علي فتزوجيه أنتي وسافري معه "

وقفت وقالت بضيق " جئت قصدي خيرا لما

تهينينني هكذا يا سما "

وقفت وقلت مغادرة " أنا قررت أني لن أتزوج ما

حييت فابحثي عن غيري "

ثم خرجت من الغرفة وصعدت لغرفتي وأغلقت الباب

خلفي بالمفتاح وجلست خلفه أبكي بمرارة

*

*
صعدت سما من فورها راكضة وعادت دعاء للجلوس

ويبدوا أن مسرحيتها لم تنتهي بعد ، ما قصدها بما فعلته

وتعمدت أن لا تخبرني حتى أصبحتُ هنا عند والدتي وكأنها

تحاصر الجميع وقالت لسما أنها تحدثت معي في الأمر وهذا

لم يحدث ، لا أنكر أن شعورا انتابني أوقظ مخاوفي أن توافق

فقط لتخرج من هنا أو لتهرب من واقع أني لا أحبها , حتى أني

تهربت من زيارة حسام لنا وتحججت ليؤجلها مخافة أن يتحدث

في موضوع زواج سما مجددا وتوافق هي بسبب جرحها مني

من الطبيعي أن تفكر كما فكرت وقت تحدثت مع جابر ولا

أعلم لما كانت ردة فعلي بهذا الشكل حين علمت ففقدت

السيطرة على أعصابي ومن الجيد أني لم أرها في وقتها لأنها

كانت في المدرسة لكنت أفرغت غضبي ذاك فيها ، تهربها

مني الأيام الماضية جعلني أشعر بفظاعة شعورها حين كنت

أفعلها أنا سابقا وازداد الأمر سوءا بمكالمة جابر لي صباحا

أخرجني من أفكاري صوت دعاء قائلة " لا أعلم لما وحدي

تقلل أدبها معي رغم أني لم أرد إلا خيرا "

قالت أمي " أنتي أردت جوابها ومنها هي وها قد سمعته "

وقفت مجددا وقالت " لا أعلم لما تغيرتِ معي كثيرا

يا خالة وحتى نزار كذلك "

قالت أمي " لم يتغير أحد معك يا دعاء فقط

أنتي بتي تتحسسين كثيرا "

قلت حينها " لما قلتِ لسما أنك أخبرتني بالأمر

وأني قلت خذي رأيها وذلك لم يحدث "

التفتت لي وقالت " لكني تحدثت أمامك وأنت لم

تعترض حين قلت لوالدتك نسألها بنفسها "

قلت " وإن يكن فأنا غير راض عن كل ما حدثت

أمامي ولو سألتني قبلها ما تركتك تكلمتِ أمام والدتي "

خرجت حينها دعاء دون أن تضيف شيئا وقالت والدتي

" ولما لم تقل رأيك هذا منذ البداية أم أنك بت تعشق

رؤية سما تتعذب بسببك يا نزار "

قلت بضيق " أمي توقفي عن لومي ليتك تشعرين

بي كما تشعرين بها "

قالت ببرد " هي لا أراها تجرحك وأنت تقتنص الفرص

لتبكيها ولا أعلم ما غرضك من هذا "

هممت بالخروج كي لا أخطأ في حقها فأوقفني صوتها

قائلة " أنا من سيقنعها بالزواج وستوافق "

نظرت لها بصدمة فقالت " مابك وكأن قلبك توقف

هل قلت شيئا خاطئا "

قلت " لن تتزوج من أحد هذا الموضوع أغلقته من جديد "

قالت بحدة " ما هذا يا نزار هل ستتحكم في

الفتاة , راقب تصرفاتك جيدا "

لوحت بيدي وقلت " قلت لن تتزوج وحين تعود لأهل

والدها يفعلون ما يريدون أما عندي فلا "

قالت بسخرية " وما به تغير كلامك , من هذا الذي

كان سيزوجها بمن تريد هي "

قلت ببرود " كان ولم يعد هناك منه شيء "

هزت رأسها بيأس فقلت " أعلم ما لديك ولن أفعله "

قالت بضيق " وأنا لن أقوله , منذ ولدتك وأنت منحوس

فلن يفارقك النحس يا ابن المنحوسة "

ضحكت رغما عني فقالت " أضحك نعم اضحك "

قلت مبتسما " أمي لا أعلم كيف أحببتها كل هذا القدر

أي سحر هذا الذي رمته عليك "

قالت بسخرية " أنكر أنها تأسر القلوب يا ابن أمك "

قلت بابتسامة جانبية " ليس لدي جواب "

قالت بلامبالاة " أعرفه من دون أن تقوله "

قلت " أمي لما لا تتحدثي بصراحة "

قالت ببرود " لما لا تقول أنت ما لديك وترتاح "

قلت ببرود أكبر " قلت لن أتزوجها , ضعيها بجانبي

وانظري لنا , لا أعلم أي عين هذه التي ترينا بها "

قالت بضيق " فقئ الله عينك , و لما لا تراك هي كما تراها

أنت , أما أنا أراكما ككفي يداي على بعضهما يا أعمى يا أعور

أخرج من هنا هيا , لا أريد أن تتزوجها ولا تتزوج غيرها

أحرقت لي دمي أحرق الله عدوك "

اقتربت منها وقبلت رأسها وقلت " حسنا فقط لا

تغضبي لا ينقصك تعب فوق تعبك "

ثم غادرت من عندها ومن المنزل برمته فيبدوا أني بت

مصدر إزعاج لكل من فيه وأولهم نفسي التي لا مهرب

لي منها وخرجت معي , ذهبت لصديق لي وانتقلنا لمنزل

آخر وقضيت الليل معهما نتسامر ولم أرجع للمنزل إلا

منتصف الليل , دخلت وتوجهت لغرفة والدتي فكانت

مستيقظة تمسك مسبحتها وتتمتم بالتسبيح فقلت

" مساء الخير "

نظرت للأسفل وقالت ببرود " عشائك في المطبخ

أخبرتها انك لن تأكله لكنها تركته لك "

قلت مبتسما " أمي لما الغضب مني الآن "

تأففت وقالت " لست غاضبة "

توجهت نحوها وجلست بجوارها وأمسكت يدها وقبلتها

وقلت " أمي أعلم أن الفتاة تعجبك وتريديها لي لأنها

الأنسب مهما بحثت بين النساء لكنك لا ترضي لي

بالمهانة أيضا أعرفك جيدا "

لم تجب فقلت " أمي بالله عليك تضعي نفسك في مكاني "

قالت بهدوء " لا أريد أن تَضِيع منك يا نزار أنا أكبر منك

وأعرِف النساء كما أعرفك أنت ابن بطني "

قبلت يدها مجددا وقلت " وأنا أخبرتك أنه ما أن

يكون الوقت مناسبا سأتزوجها "

قالت وعيناها لازالت على مسبحتها " وهل أخبرتها "

تنهدت وقلت " لا فعليها هي أن تقرر ذلك فيما بعد "

اكتفت بالصمت ولم تعلق فأمسكت رأسها وقبلته وقلت بهدوء

" أقسم يا أمي لو كانت أكبر ومن طبقتي لتزوجتها ولو من أجلك "

هزت رأسها وقالت " تكبر فهمناها ولكن أن تصبح ثريا كيف تكون "

قلت بهدوء " رازق العباد لم يمت بعد وأنا لم أقل أني أريد أن

أكون ثريا , على الأقل أستطيع الوقوف مرفوع الرأس أمام أهلها

ولو بثمن مهرها وجهازها ومنزلا يكون لي وليس لها أو لهم "

اكتفت بالصمت فقلت " يبدوا لم تقتنعي ولن تقتنعي "

قالت باختصار " لا "

ثم نظرت لي وقالت " ولا تلم أحد مستقبلا غير نفسك "

وقفت وقلت " حاضر لن ألومك طبعا فهل ترضين عني

الآن فأنا لا أقوى على زعلك يا أمي "

تنهدت وقالت " شرط أن نخرج غدا بهذه المسكينة

بعدما أنهت امتحاناتها "

قلت بتذمر " أمي قد نعرضها للخطر ولن ينفعنا الندم حينها "

رفعت نظرها لي وقالت " لا تتحجج يا نزار نخرج لمكان عام

كالمرة السابقة فإن كانوا يعرفون شكلها لأخذوها من هنا

أمام عينيك وأنت تنظر "

تنهدت وقلت " حاضر سنخرج للحديقة هذا إن لم ترفض "

قالت " أطلب أنت منها ذلك ولن ترفض "

لذت بالصمت لننتهي من هذه الليلة السيئة فقالت

" وعوني وزوجته معنا أيضا "

قلت " أوامرك مولاتي "

وضعت المسبحة على الطاولة واضطجعت وقالت

" لو كنت مولاتك لما عصيت لي طلبا , هيا

أطفأ النور وتصبح على خير "

ابتسمت وتوجهت لمفتاح الإضاءة وأطفأته وتوجهت للمطبخ

فتحت أطباق العشاء وجلست آكل منه رغم أني تعشيت هناك

على الأقل لا تستيقظ صباحا وتجد طعامها في الثلاجة لم ألمسه

غسلت الأطباق وصعدت ووصلت لباب غرفتها وطرقته بهدوء

لأرى إن كانت مستيقظة ففتحت الباب لي فقلت وعيناي قد

التصقت بعينيها ترفض الابتعاد " سنخرج للحديقة العامة غدا "

أنزلت رأسها ولم تتحدث فقلت " إن كنتي لا تريدين ذلك

ألغينا الفكرة لأنها من أجلك لترتاحي بعد عناء الامتحانات "

قالت بشبه همس " وحدنا "

قلت " وعوني وصباح وأطفالهما فقط "

قالت " حسنا "

تركتها وتوجهت من فوري لغرفتي فيبدوا أني في كل مرة

أقف معها أشعر بمشاعر جديدة , هززت رأسي متأففا

وقلت بهمس " نزار توقف عن الحماقات ولا تنسى نفسك "

ثم توجهت للحمام استحممت وغيرت ثيابي وغسلت أسناني

وللسرير فورا ونمت
*

*

يتبـــــــــــــــــــــــــــــع
[/align]
[/cell][/tabletext][/align]
__________________
رد مع اقتباس