المغامرة 1 : اتجاهات فوضويّة (الفصل الثالث) .. 3.1
أشرقت الشمس ونشرت أشعتها الذهبية في أرجاء الربى والحقول, وداخل الغابات وعلى هام السحب والجبال, وعكست أشعتها على بحيرة زرقاء هادئة, ندى الصباح على الزهر يتأرجح على وريقاته وتلك العصافير تزقزق ليتعالى صوتها إلى السماء, خُمدت النار التي كانت تأكل الحطب في الليلة الماضية, وأيهم نائم بجوار رمادها وهو يضع يديه خلف رأسه وقبعته عليه قد غطى منقارها ملامح وجهه, وأمل نائمة بالقرب منه وظهرها بمحاذاة شجرة خلفها.
كانت أشعة الشمس تسير ببطء على وجهها حتى وصلت إلى عينيها, فبدأت تنزعج كما بدا من تحريك جفنيها, فاستيقظت وهي تفتح عينيها ببطء, مطّت بذراعيها وهو تتثاءب فلم تأخذ قسطاً كافياً من النوم, وضعت أحدى يديها على كتفها المخالف وهي تحرّك عنقها, فتنبّهت لأيهم الذي كان نائماً, قوّست بحاجبيها ونهضت متجهة نحوه وهي تضرب الأرض بغضبها, فصرخت: هيه! هل أنتَ نائم فعلاً؟
لم يستجب أيهم لها فقد بدا غاطاً في نوم عميق, فخلعت قبعته عن رأسه وقالت بصوتٍ أعلى وأكثر حدة: أنتَ فعلاً لايُعتمد عليك!
نهض أيهم وهو يفتح عينيه بتثاقل, فقال بصوتٍ مترنّح وهو يتكئ: هيه! أنتِ! مابكِ غاضبة عليّ منذ الصباح؟ ألم تنامي جيّداً؟
ثم استرسل ساخراً: هل أرعبتكِ وحوش الليل بحيثِ لم تنامي أبداً؟
أمل بغضب: أخبرتك أنه دورك في الحراسة, ولكنّك لم تهتم وعدت إلى النوم
ألقت بقبعته عليه بعنف على وجهه فنهض جالساً وتثاءب, فقال بنبرة ناعسة فاتحاً عينيه إلى النصف: ماذا؟ هل أيقظتني فعلاً؟
أمل بغضب: لقد اعتمدتُ عليك! ماذا لو مجموعة من الذئاب قد هاجمتنا مجدداً ونحن نائماً؟
ارتدى أيهم قبعته وقال وهو لايزال جالساً: كان عليكِ أن تيقظيني جيّداً, أنا لا أذكر فعلاً أنّكِ فعلتِ
زمجرت أمل بحنق: تباً! لم يكن عليّ الثقة بهذا الكسول!
اتجهت أمل إلى البحيرة وغرفت منها بيدها لتشرب, بينما كان أيهم يشعر لايزال يشعر بالنعاس ويمطّ ذراعيه وهو يقول: ربّما عليّ أن أنام قليلاً بعد
وضع أيهم يده على بطنه وقال بإحباط: يال هذا الجوع الرهيب! يجب أن أتناول شيئاً
ابتعدت أمل عنه بصمت وهي تمسح بلل يديها ببنطالها وتوغّلت إلى الغابة, فناداها أيهم: هيه! إلى أين تذهبين؟
توقّفت أمل وهي تدير برأسها إليه مجيبة بهدوء: سأبحث عن أشواق بدل البقاء معك
استدارت أمل وأكملت طريقها بينما همهم أيهم وهو ينظر إليها, وفي لحظة أصبح يسير بجوارها وسط الغابة, فقالت أمل بتضجر: لماذا تتبعني؟
أيهم بغيظ: أنا لا أتبعكِ ياغبية, ولكنني جائع وأبحث عن طعام مناسب للأكل
أمل بإشمئزاز: تشه! لاتسبب لي المتاعب
أيهم بإشمئزاز: من سيسبب المتاعب لمن؟, فلتكوني ممتنة منذ الآن لأنني قد أنقذكِ من هجوم مباغت كما حدث ليلة الأمس
توغلا مبتعدان جنباً إلى جنب, حيث قالت أمل بغيظ: يمكنني العناية بنفسي, لستُ بحاجة إليك أيهم ساخراً: هه! لقد قلتي هذا سابقاً ولكنكِ احتجتي إليّ
ابتعدا حتى اختفت أصواتهما, وهما يتحاوران فيما بينهما.
استيقظت أشواق اللحظة حيث لم تستوعب أنها قد غطّت في النوم حتى تذكرت مقتطفات من الكابوس المرعب الذي رأته للتو حيث وحوش تطاردها وهي تحاول الهروب منهم, وجدت نفسها مستلقية على العشب وهي تلمسه بين يديها وبعض البرد معلّق بأطرافها, جلست بتثاقل وهي تتلفت حولها حيث شهدت المنظر الجميل أمامها, فالبحيرة هادئة والمكان جميل في هذا الصبح الذي لايشبه وحشة الليلة الماضية, جالت بنظرها مسحورة الطبيعة الخلابة, فالطيور تزقزق والفراشات تطير على الأزهار هناك, والشمس مشرقة حيث بعض السحب حولها.
نهضت على قدميها بهدوء ليتخلل النسيم العليل شعرها الأملس, وحرّك ملابسها الناعمة التي طغى عليها اللون الزهري, ابتسمت برقة ثم عطست بصوتٍ خافت وأحاطت جسدها بذراعيها حيث احتفظ جسدها ببرودة الليلة الماضية, تقدّمت إلى البحيرة حتى انحنت وجلست, ثم مدّت يديها إلى الماء, لسعتها برودتها في البداية وهي تبعدهما بسرعة ثم أدخلت يديها في الماء وغسلتهما فقد كانت متسخة, ثم لاصقتهما ببعضهما وأخرجتهما معبئة بالماء, غسلت وجهها المغطى ببعض التراب وبقايا النباتات الصغيرة ومست على رأسها.
أخذت منها رشفة تلو أخرى وهو تشرب حتى ارتوت, لقد كان جسدها وملابسها مغطية بالتراب حيث سقوطها المتكرر بالأمس, وتمزّق أطراف فستانها من الأسفل حيث بعض الخدوش الطفيفة في ساقها, فكّرت أشواق: إذاً, ماحدث ليس مجرد كابوس, إنّ مايحدث حقيقيّ فعلاً
تذكرت ماحدث بالأمس, حيث عبورهم البوابة وسقوطها في النهر ومطاردة الذئاب لها, هبط جفنيها إلى النصف وهي تفكّر: لكن, مالذي حدث لذلك الشخص؟ أخشى أن يكون قد أوذي بسببي
اهتزّ بؤبؤا عينيها بقلق مفكرة: لقد خفتُ كثيراُ, وهربت بسرعة دون أن أفكّر مالذي سيحدث له
تراكمت الدموع في عينيها وهي تفكّر: يالي من أنانيّة, أمل, أين أنتِ؟ أرجو أن تكوني بخير
سالت دمعة من عينيها حيث بكت بصمت, وقد كان هناك من يراقبها على فروع إحدى الأشجار القريبة مرتدياً بنطالاً أسود وزوجاً من الأحذية السوداء, وهو يأكل تفاحة مرتدياً قفازاً جلديّ أسود, ظلّت أشواق جلسة تفكّر بشرود وهي تجلس بالقرب من البحيرة, بعد أن بكت لفترة من الزمن وهدأ وضعها, حتى بدأت تشعر بالجوع فوضعت يدها على بطنها وفكّرت: هاه! أنا لم أتناول طعاماً منذ غداء الأمس حينما عدتُ من المدرسة, بالرغم من أنه لارغبة لي بتناول أي شيء الآن, ولكن يجب أن أكون قوية حتى أستطيع الصمود
نهضت واقفة واستدارت نحو الغابة مفكرة بقلق: لم أذهب يوماً لأيّ نوع من المخيّمات أو الرحلات, كيف يمكنني أن أجد طعاماً في هذه الغابة؟
أحدهم من أسفل المياه يراقبها, بإمكانه رؤيتها حيث لاتزال قريبة من البحيرة, وقد كانت حدة بصره عالية إذ أنه لايزال على مسافة بعيدة منها, قوّست حاجبيها وفكّرت: ليسَ عليّ أن اصطاد شيء ما, سأبحث عن مصدر نباتيّ كفطر أو بعض الخضروات, نعم لن يكون الأمر بتلك الصعوبة
سارت أشواق خطوتين أو ثلاثة ثم توقّفت وهي تنظر نحو تلك الصخرة بجوارها مفكّرة بحيرة: هذهِ الصخرة لا أذكر بأنها كانت هنا بالأمس, هل وضعها أحد هنا أم أنني من شدة خوفي وارتباكي لم أرها بالأمس مع الظلمة؟
ظلت تقف بحيرة تنظر نحو تلك الصخرة لثوانٍ, فخرج شيء ما من الماء بعنف, أدارت أشواق رأسها بسرعة فإذا بذراع طويلة رماديّة اللون تمسك بكامل جسدها وكأنها أفعى ضخمة إلاّ أنّ المجسات الموجودة باطنها تجعلها أشبه بذراع أخطبوط ضخم, صرخت أشواق وهي تقاوم, كانت صرخة فاجعة حادة سمعها كلاً من أيهم وأيهم حيث كان صوتها بعيداً, فهمست أمل حيث ميّزت صوتها : أشواق!
وكذلك فقد سمعها شخص ذو عدستين بنفسجيتين وهو يفتح عينيه بسرعة خاطفة, كانت أشواق عاجزة عن الحراك بسبب الذراع التي تقيّدها من عنقها حتى أخمص قدميها, فسقطت على الأرض وتم جرّها إلى البحيرة وهي تصرخ بصوت عالي: النجدة! النجدة!
قفز إلى الأرض صاحب الحذاء الأسود وبدأ يركض مسرعاً باتجاهها بين الحشائش, لم تره أشواق فقد تم انغمر جسدها إلى البحيرة, ركض ذلك الشخص نحوها ولم يتردد لحظة بالقفز إلى البحيرة خلف أشواق تماماً غير مبالٍ برهبة الموقف.
أما أشواق فقد حاولت أن تحرر نفسها من تلك الذراع ولكن دون جدوى, فهاهي قد بدأت تفقد كمية الأكسجين في رئتيها وهي تخرج كفقاعات هواء, حاولت كتم نفسها والصمود حينما رأت شخصاً ما يقبل نحوها من بعيد, فكّرت بأنها قد تتوهم, ولكن قبل أن تستوعب ما إن كان حقيقة أم خيال حتى بدأ الماء يدخل إليها وراحت في إغماءة وغابت عن الوعي.
وصلا أمل وأيهم إلى البحيرة التي سُحبت إليها أشواق لكنّهما لم يجدا أحداً فقد كانت البحيرة هادئة تماماً قد صمت ماؤها, وضعت أمل يديها حول فمها ونادت باسم أشواق مراراً, نادى أيهم أيضاً وتعالى ندائيهما ولكن دون جدوى, فقالت أيهم بحزم: ربما لم يكن مصدر الصوت من هنا, فلنبحث في مكان آخر
همهمت أمل وهي تتلفت حولها لكنّ عينيها اتسعت وانطلقت نحو اتجاه ما مهرولة, نظر أيهم إليها, لكنها انحنت والتقطت شيئاً ما من الأرض, تقدّم أيهم نحوها وقال بحيرة: مالأمر؟
أمل بقلق: أشواق! لقد كانت هنا
حدّق أيهم نحو ما التقطته أمل من الأرض فكان شريطاً أبيض, نهضت أمل وقالت بثقة: إنه شريط تلبسه أشواق, أخشى أن تكون في خطر حقيقيّ
تذكّر أيهم بأنه قد رآه سابقاً على رأس أشواق, فلاحظ القلق المسيطر على أمل وأضاف بحزم: فلنبحث بالقرب من هنا
أومأت أمل بالإيجاب وتوغّلا إلى الغابة.
كانت ملقاة على ظهرها وعيناها مغلقة, بدا أنها لاتزال فاقدة وعيها حتى سعلت وهي تخرج الماء من فمها بقوة, ثم فتحت عيناها ببطء, كان أوّل شيء رأته هي الحجارة المعلّقة فوق رأسها وهي تسمع أصوات قتال وبعض الهجمات بالقرب منها, جلست بسرعة حيث وجدت نفسها مبللة كليّاً وهي تتلفت حولها, فوجودها في مغارة يثير الارتياب.
لم يكن المكان مظلماً فالمخرج قريب وقد كان ضوء النهار يتسلل منه, كان مصدر الصوت قادم من خلف الصخرة العملاقة التي كانت هي خلفها, فظهرت من خلفها بحذر حيث لايكاد يًرى منها سوى رأسها وشيء من يديها وملابسها, فاتسعت عينيها فجأة حينما تمكّنت من رؤية الأحداث من تلك الزاوية الضيّقة.
فقد فوجئت بوجود شخص يقاتل وحشاً عملاقاً بسيفه بدا كالاخطبوط حيث لونه الذي يتدرج بالرماديّ والأسود, لقد كانت في مغارة فعلاً وذلك الاخطبوط نصف جسده غاطساً في الماء, قد يصل طوله لستة أو سبعة أمتار بثمانية أذرع مبطنّة بالمجسات, لم يكن الشخص الذي يقاتل واضحاً فقد كان يتحرّك بسرعة وهو يناور الوحش, ولكنّ هيئته كانت بشريّة كما يبدو وهو مغطى بالملابس السوداء.
كانت عينيّ أشواق تهتزّ ذهولاً, لقد كان قلبها يخفق بشدّة من هول المشهد الذي لم تعتد عليه, فهذا الشخص يقاتل بمهارة وبسرعة وهو يقاتل الاخطبوط العملاق ويضربه بسيفه في أماكن متعددة بالرغم من أن الوحش كان يحاول الدفاع عن نفسه ويهاجم المقاتل من حين لآخر, لكنه تفاداها بسرعة ورشاقة حتى ضربه بقوة فسقط المحارب أرضاً, شهقت أشواق وهي تراقب فاغرة فاها بقلق وعيناها ترتجفان حينما انغمر جسد الاخطبوط في الماء ممسكاً ذلك الشخص بأحد أذرعه حيث لم يستطع للقيد فكاكاً فسقط معه وغرق في الماء.
فخيّم على المكان صمت رهيب ألقى الذعر في قلب أشواق أكثر فأكثر, فكّرت أشواق بأنّ هذا المحارب هو نفسه الشخص الذي أنقذها من الذئاب الليلة الماضية وقد طلب منها أن تهرب, فأرادت الاطمئنان هذهِ المرة, تقدّمت تحو الماء بدون أن تسمح من خوفها أن يبعدها من معرفة ماسيحدث. .
.
|
التعديل الأخير تم بواسطة Mulo chan ; 12-31-2015 الساعة 04:34 PM |