خمسُ خصالٍ أعوذ بالله أن تدْركوهن الحمد لله المتفضل على عباده بطاعته ، والمنعم على خلقه بعطفه ورحمته ، وميسر الطريق إلى جنته . أنزل الكتاب ، وأكد الحساب ، ووعد التواب واسع مغفرته .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، على أن هدانا إلى طريق معرفته .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له في ألوهيته ولا في ربوبيته .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، جعل الفوز والنجاة والفلاح ، بامتثال أمره والتمسك بسنته .
صلى الله عليه وعلى آله وصحابته ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، من خطب اليوم الجمعة عن التقوى . تقوى الله عز وجل ، وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، فهو القائل سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ الذي رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يا معشر المهاجرين ، خمسُ خصالٍ أعوذ بالله أن تدْركوهن : ما ظهرتِ الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلاّ ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولا نقص قومٌ المكيالَ والميزان إلا ابتُلوا بالسنين وشدَّة المؤنة وجَور السلطان ، وما منع قومٌ زكاةَ أموالهم إلاّ مُنعوا القطرَ من السماء ، ولولا البهائمُ لم يُمطروا ، ولا خفَر قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم ، وما لم تعملْ أئمتُهم بما أنزل الله جل وعلا في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم )) .
ففي هذا الحديث العظيم ، الذي يتبين للعقلاء من خلاله ، من أين أصيب المسلمون ، وما سبب كثرة وتنوع أمراضهم ، ولماذا أجدبت ديارهم ، وما سبب تسلط أعدائهم ، وكثرة مشاكلهم وتجدد مصائبهم ، وصدق الله : } وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ { .
تأملوا ـ أيها الأخوة ـ حال المسلمين ، أمراض لم تكن في أسلافهم ، فقر وجور سلطان ، والواقع أكبر شاهد ، أما منع القطر من السماء ، فلا أحد يستطيع أن ينكر ذلك ، وأما تسلط الأعداء ، و بأسهم بينهم ، أي عداوتهم لبعضهم ، فحدث ولا حرج .
أيها الأخوة :
إن هذه العقوبات الربانية ، التي يعفو عز وجل عن أكبر وأكثر منها ، والتي استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من أن يدركها أصحابه ، إنما تأتي نتيجة عمل المسلمين أنفسهم ، فالجزاء من نفس العمل ، فالفاحشة والمقصود بها الزنا واللواط ـ والعياذ بالله ـ إذا ظهرت وأعلن بها ، وصار المسلمون ، يمارسها بعضهم ، على شواطئهم ، وفي قنواتهم ، وتمنح التراخيص لدورها ، والبطاقات الصحية لعاهراتها ، وتصدر القوانين لها ، لتمارس ظاهرا ، فلينتظروا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ، (( إلاّ ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا )) أمراض لم تكن معروفه ، إنما هي حديثة والسبب ظهور الفاحشة وانتشارها وحماية بعض الطواغيت لها ، بوضع القوانين والأنظمة .
أيها الأخوة :
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : (( ولا نقص قومٌ المكيالَ والميزان إلا ابتُلوا بالسنين وشدَّة المؤنة وجَور السلطان )) أي يأخذون أموال إخوانهم بما لا تستحقه بضاعتهم ، وهذه جريمة في البيع والشراء ، عاقبتها عاجلة ، يبتليهم الله بالسنين وشدة المؤنة ، أي بالقحط ومنع المطر ، وغلاء الأسعار ، تشتد الحياة عليهم ، المرأة قد لا تجد حليبا لأطفالها ، وقد رأيناهن ، يطفن عند بعض الصيدليات ، يسألن العلاج والحليب للأطفال ، وهذه عاقبة الظلمة ، الذين يخادعون المشترين بنقص المكيال والميزان ، فيكون لأحدهم ميزانان ، ميزان يشتري به وميزان يبيع به ، فهذا جزء من عقوبتهم ، يمنعون المطر ، وتفسد ثمارهم ، ولا يبارك لهم في أرزاقهم ، وتشتد حياتهم ، وأما الجزء الآخر ، فهو أخطر من ذلك ، فالله عز وجل يسلط عليهم حاكمهم ، يصير الذي يرعى شئونهم مصدر شقاء وعناء لهم ، يصفهم بالجرذان ، ويضيق عليهم معيشتهم بفرض الضرائب الباهضة ، ويكلفهم ما لا يقدرون عليه ، فالأجدر ـ أيها الأخوة ـ بالذين يطالبون بالتغيير أن يبدؤوا بتغيير أنفسهم أولا ، يقول عز وجل : } إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ { ، فمنع بركات السماء والأرض ، وضيق المعيشة ونكدها ، وظلم الحكام لرعاياهم سببه من عند الناس أنفسهم .
أيها الأخوة :
وثم جريمة أخرى ، هي أشنع وأبشع من سابقاتها ، يقول صلى الله عليه وسلم : (( وما منع قومٌ زكاةَ أموالهم إلاّ مُنعوا القطرَ من السماء ، ولولا البهائمُ لم يُمطروا )) إذا منع الناس الزكاة ولم يخرجوها وتحايلوا عليها فالله سبحانه وتعالى يمنع عنهم القطر، ولكن برحمته سبحانه يقول النبي صلى الله عيه وسلم : (( ولولا البهائم لم يمطروا )) ، لولا وجود البهائم ما نزل عليهم المطر من السماء ؛ لأنهم لا يستحقونه .
فالجزاء من جنس العمل. اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم قبل نهاية هذا الحديث : (( ولا خفَر قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم )) . أي ما نقض قوم عهدهم ، وجعلوا الخيانة مبدأ من مبادئهم ، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم ، أي من غير المسلمين ، يهودي أو نصراني أو مجوسي أو علماني ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( فأخذوا بعضَ ما في أيديهم )) أي من خيرات بلادهم ، كما فعل بالعراق وبفلسطين . وهذه عقوبة عاجلة من الله عز وجل .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : (( وما لم تعملْ أئمتُهم بما أنزل الله جل وعلا في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم )) إذا تركوا القرآن وتركوا السنة وصاروا يحكمون بغير ما فرضه الله ، وبغير ما أنزل الله جعل الله بعضهم أعداء لبعض ـ نسأل الله السلامة والعافية .
أيها الأخوة :
فحري بنا معشر المسلمين ، أن ندرك أهمية هذا الحديث ، وغيره من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن نحذر كل أمر من شأنه غضب الله وعقوبته ، ولنكن يدا واحده أمام هذه المخالفات ، ونتعاون في سبيل القضاء عليها ، وتطهير مجتمعاتنا منها ، بالدعوة إلى الله تعالى ، وبالنصيحة لله ولكتابه ولأئمة المسلمين ، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبالأخذ على أيدي السفهاء والمغرضين ، وكما قال تعالى : } وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { .
اسأل الله عز وجل أن يطهر مجتمعات المسلمين من هذه الأمراض والأخطار إنه سميع مجيب . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار يارب العالمين .
اللهم من أرادنا بسوء اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يا قوي يا عزيز .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الرحمن الرحيم ، وأنت أرحم بنا من الأم بولدها ، اللهم إنا نسألك أن ترحم ضعفنا ، وأن تجبر كسرنا ، وأن تغيث بالإيمان قلوبنا .
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريعا ، سحا غدقا ، عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار . اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، اللهم اغفر لنا وارحمنا ، اللهم تجاوز عنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك ، انزل علينا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين ، اللهم سقيا رحمة لا عذاب ولا هدم ولا غرق .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون . |