سيدنا عليّ رضي الله عنه - 4
سيرة
سيدّنا عليٍّ بن أبي طالبٍ
مِنْ دروسٍ
لفضيلةِ الدكتور : محمد راتب النابلسي
حفظه الله تعالى وبارك فيه وبارك في علمه وعمره آمين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ , والصَّلاة والسَّلام على سيدِّنا مُحمَّدٍ الصَّادقِ الوعدِ الأمينِ , اللهمَّ لا علمَ لنا ، إلا ما علمتنا ، إنكَ أنتَ العليم الحكيم , اللهمَّ علمنا ما ينفعنا , وانفعنا بما علمتنا , وزدنا علماً , وأرنا الحقّ حقّاً , وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه , واجعلنا مِمَنْ يستمعونَ القول فيتبعونَ أحسنهُ , وأدخلنا برحمتكَ في عبادكَ الصَّالحينَ .
ما الهدف ، مِنْ هاتينِ القُصتينِ ؟
فلذلكَ، أردتُ ، مِنْ هاتينِ القصتينِ : قصة : أبي طالب ، و قصة : عبد المطلب ، وهما عمُّ النَّبيِّ و جدّه ، أردتُ منهما ، أنَّ الإنسانَ ،بعقلهِ المُنصفِ وبفطرتهِ السَّليمةِ ، يلتقي مع الدِّينِ القويمِ ،الذي : هو في حقيقتهِ ، علاجٌ للنفسِ وشفاءٌ لها ، وفي القرآنِ الكريمِ ، وردَ الشِّفاء : عدّة مرّاتٍ : أجسامنا : شفاؤها ، في العسلِ ، قال تعالى : ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾( سورة النحل الآية : 69 ).
و نفوسنا : شفاؤها القرآن ,قالَ تعالى : ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾( سورة الإسراء الآية : 82 ).
مِنْ أقوالِ سيدِّنا عليٍّ بن أبي طالبٍ وحكمهِ :
سيدُّنا عليٌّ كرَّمَ اللهُ وجههُ ، وهو مِنْ الصَّحابةِ المرموقينَ ، كانَ ابنُ عمّ النَّبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وكانَ فتى يافعاً ، وأنا ، حينما ، أرى فتى ، سلكَ طريق الإيمانِ ، أقولُ في نفسي :لهذا الفتى ، مُستقبلٌ عظيمٌ ، لأنَّ الهدى يتراكم ، والقناعات تزداد والقيم تترسخ ، ومَنْ لمْتكنْ لهُ بدايةٌ ــ مُحرقة ،لمْ تكنْ لهُ نهايةٌ ـــ مشرقة ، سيدُّنا عليٌّ ،لهُ أقوالٌ ، وهي في أعلى درجاتِ الحكمةِ ، حينما ، كنا في الجامعةِ ، علمونا ، أنَّ أعلى كلامٍ على الإطلاقِ ،بعدَ كلام النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، هو كلام : الإمام عليٍّ كرَّمَ اللهُ وجههُ ، أُوتي فصاحةً ،ما بعدها فصاحة ، أُوتي بلاغةً ، ما بعدها بلاغة ، كانَ يقولُ :
" يا بُني : العلمُ خيرٌ مِنْ المالِ ، لأنَّ العلمَ يحرسكَ ، وأنتَ تحرس المال ، والمالُ تُنقصهُ النفقة ، والعلمُ يزكو على الإنفاقِ ، ماتَ خُزَّان المالِ وهم أحياءٌ ، والعلماء باقونَ ، ما بقي الدَّهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوبِ موجودة " .
ومن أقول هذا الإمام الجليل :
" فلينظرْ ناظرٌ بعقلهِ ، أنّ اللهَ أكرمَ مُحمَّداً أم أهانهُ ؟ فإنْ قالَ : أهانهُ ــ فقدْ كذبَ ، وإنْ قالَ : أكرمهُ ، فلقدْ ، أهانَ غيرهُ ، حيثُ أعطاهُ الدنيا " .
ومن أقول هذا الإمام الجليل
" يا بني : ما خيرٌ ، بعدهُ النار بخيرٍ ، وما شرٌ ، بعدهُ الجنة بشرٍ ، وكلّ نعيمٍ ــ دونَ الجنَّةِ محقور ، وكلّ بلاءٍ ــ دونَ النارِ عافية ".
ومن أقوال هذا الإمام الجليل :
قِوام الدِّينِ والدُّنيا ـــ أربعةُ رجالٍ : عالمٌ ــ مستعملٌ علمه ، وجاهلٌ ـــ لا يستنكف أنْ يتعلم ، وغنيٌ ـــ لا يبخلُ بمالهِ ، وفقيرٌ ـــ لا يبيع آخرته بدنياهُ ، فإذا ضيَّع العالمُ علمهُ ، استنكفَ الجاهلُ ، أنْ يتعلمَ ، وإذا بخلَ الغنيُ بمالهِ ، باعَ الفقيرُ آخرته بدنيا غيره " .
لهُ أقوالٌ رائعةٌ جداً : يتحدثُ فيها ، عنْ اللهِ عزَّ وجلَّ ، وعنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وكانَ كما قالَ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ،في الفضلِ والعلمِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، لِعَلِيٍّ : " أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ " . ( متفقٌ عليهِ : عنْ البراء بن عازب ).
مكانة الصَّحابةِ الكرامِ عندَ اللهِ ورسولهِ :
ونحنُ ، والفضل للهِ عزَّ وجلَّ ، نُحب كلّ أصحابِ رسولِ اللهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ،نحبهم حباً لا يُوصف،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ ، قَالَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَصْحَابِي ، لَا تَتَّخِذُوهُمْ : غَرَضًا بَعْدِي ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ ــ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ ــ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ ــ فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي ــ فَقَدْ آذَى اللَّهَ ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ ــــ أَوْشَكَ أَنْ يَأْخُذَهُ " . ( أخرجه الترمذي ، في سننه، وأحمد ، في مسنده ).
وعَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ ,يَقُولُ : " لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً ، خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ ". ( أخرجه ابن ماجه ،نسير بن ذعلوق ،في سننه ).
إكراماً ، لهذا النَّبيّ الجليلِ ، النَّبيّ الكريمِ ، لا ينبغي ،لواحدٍ منا ، أنْ ينزلق ، ويتحدث ، عنْ أصحابِ رسولِ اللهِ : عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، كلاماً لا يليق بهم ، هذا ليسَ مِنْ الأدبِ ، معَ رسولِ اللهِ : عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، في شيءٍ ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، قَالَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهَ اللَّهَ ، فِي أَصْحَابِي ، اللَّهَ اللَّهَ ، فِي أَصْحَابِي ، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ ــ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ ــ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ ، فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي ، فَقَدْ آذَى اللَّهَ ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ ـــ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ " . ( أخرجه الترمذي ، في سننه ، وأحمد ، في مسنده ).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ ، أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ " .( أخرجهما البخاري ومسلم : عن أبي سعيد الخدري ، في الصحيح ).
نَصِيفَه: أي نصفه .
ينبغي على المُسلمِ ، أنْ يصونَ لسانه ، عنْ التكلّمِ ، عنْ أصحابِ رسولِ اللهِ :
أرجو وأتمنى ، على كلِّ أخواننا الكرامِ , ألاّ يتعرضوا ــ لهذهِ الخلافاتِ ، التي كانتْ بينَ أصحاب رسولِ اللهِ عليهِالصَّلاة والسَّلام إطلاقاً ، ولا أنْ يذكروها ، إنَّها لا تعنينا ، ولسنا بحاجةٍ إليها ، نحتاجُ ، أنْ نأخذَ ، مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام : مواقفهم الرَّفيعة الكاملة .
دعوني ـــ أقلْ هذهِ الكلمةِ : تاريخ الطبري : ذلكَ التاريخ المشهور ، الذي أخذَ عنهُ معظم المُؤرخينَ ، في مقدمةِ ، هذا الكتاب ، الواسع الجامع ، في التاريخِ ، كلمة دقيقة ، يقولُ مؤلف الكتابِ ، وهو الإمام الطبري ،ما معناه : " أنَّهُ جمعَ للقارئِ ، كلّ ما وقعَ ، تحتَ يده مِنْ رواياتٍ ، ويدع أمر تمحيصها ، ومعرفة صحيحها ، مِنْ زائفها إلى القارئِ " .
كنتُ أقولُ : إنَّ هذهِ المُقدَّمة ، ينبغي ، أنْ تُكتب ، على رأسِ كلّ صفحةٍ ، في هذا الكتابِ ، فما الذي حصل بعد هذا ؟؟؟؟ يأتي الرَّجل ، فيفتح كتاب الطبري ، ويقرأ عنْ خلافاتٍ وقعتْ بين الصَّحابة ، وينسى أنَّ المُؤلفَ نفسهُ , قالَ : في مقدّمةِ الكتابِ : " جمعتُ لكَ ، كلّ ما وقعَ تحت يدي ، منْ رواياتٍ ، وعليكَ أيها القارئ ، أنْ تمحصها , وأنْ تأخذَ الثمين منها ، وأنْ تدعَ الغث " .
هذه المُقدمة نُسِيَت ، ونسينا جميعاً ، أنَّ الإمام الطبري ، يتحفظ على بعضِ الرِّواياتِ ، هو يصمم بعضها : بأنَّها موضوعٌ ، وأنَّهُ مُختلقٌ ، فلذلكَ قبلَ أنْ ، نخوض في الحديثِ ، فيما جرى بينَ أصحاب رسولِ اللهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، وهذا موضوعٌ دقيقٌ جداً ، ويحتاج إلى تفحُّصٍ ،وإلى دقةٍ ـ في التأمُّل ، قبل أنْ نأخذ صورة لا ترضينا ، عنْ أصحابِ رسولِ اللهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، فعنْ جابرٍ مرفوعاً : " إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى الْعَالَمِينَ ، سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَاخْتَارَ لِي مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً -يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ - فَجَعَلَهُمْ أَصْحَابِي " . ( أخرجه البزَّار ، في مسنده ).
وفي روايةٍ أُخرى : عنْ عويمِ بن ساعدة , قالَ , قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : " إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ اختارني ، واختارَ لي أصحابي ، فجعلَ لي منهم وزراءَ ، وأختاناً ، وأصهاراً ، فمَنْ سبَّهم ـــ فعليهِ لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ ، ولا يقبلُ اللهُ منهُ يوم القيامةِ ، صرفاً ولا عدلاً " . ( ورد في الأثر ).
وما رأيتُ مؤمناً كاملاً ، إلا ويترفع عنْ الخوضِ ، في مسألةٍ خلافيةٍ ، بينَ أصحاب رسولِ اللهِ ، عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، لأنَّهم جميعاً عدولٌ ، ولأنَّ اللهَ رضيَ عنهم جميعاً ، بنصِ القرآنِ الكريمِ ، قالَ تعالى : ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾( سورة الفتح الآية : 18 ).
ينبغي عندَ دراسةِ التاريخِ ، أنْ نعتمدَ ، على المنهجِ الموضوعيِ ، وليسَ المنهج الذاتي :
كلّ مَنْ يتجرَّأ ، على نقدِ أصحاب رسولِ اللهِ ، وعلى ذمهِم ، أو ذمِ بعضهم ، أو على التهجمِ عليهِم ، فهذا مِنْ ضعفِ إيمانهِ ، وكما ذكرتُ : أنهُ عليهِ الصَّلاة والسَّلام , قالَ : " إنَّ اللهَ اختارني ، واختار لي أصحابي " .( ورد في الأثر).
وتحدثنا : عنْ الحكمةِ البالغةِ ، في عزلِ سيدِّنا عمر بن الخطابِ ، سيدّنا خالد ، وبعض المؤرخينِ : يلغطونَ في هذا الحدثِ ، ويتحدثونَ كلاماً ، لا يُرضي اللهَ عزَّ وجلَّ ، ويعزونَ هذا العزلِ ، إلى ثاراتٍ في الجاهليةِ ، وإلى خلافاتٍ قديمةٍ ، وحينما : تسلَّمَ هذا الخليفةِ العظيمِ : سيدِّنا عمر بن الخطابِ ، شفى غليله ، وأبعدهُ عنْ مركزِ القيادةِ ، هذهِ التفسيراتِ ، ما أنزلَ اللهُ بها مِنْ سُلطانٍ ، وقدْ عثرتُ على نصٍ ذكرتهُ يوم الجمعةِ ، وأذكرهُ كثيراً :
قالَ خالد بن الوليدِ لسيدِّنا عمر : " يا أميرَ المؤمنينَ : لِمَ عزلتني ؟ قالَ : واللهِ : يا أبا سُليمان ، إني لأُحبكَ !!! ، قالَ : يا أميرَ المؤمنينَ ، لِمَ عزلتني ؟ قالَ : واللهِ إنّي أُحبكَ !!! ، فلمَّا قالها الثالثة , قالَ : واللهِ ، ما عزلتكَ يا ابنَ الوليدِ ، إلا مخافة ، أنْ يُفتتن الناس بكَ ، لكثرةِ ، ما أبليتَ في سبيلِ اللهِ " .
هذا العزل ، إنقاذ للتوحيدِ ، فالذي يؤرِّخ ،ينبغي أنْ يكونَ ، في مستوى المؤرَّخِ لهُ ، فإذا كانَ المؤرَّخُ لهُ بطلاً ، فينبغي : أنْ يكونَ المؤِّرخُ لهُ بَطلَاً ، ليفهم هذا البطلُ ، على هذا البطلِ ، أمّا أن يكون المؤرِّخ ، في مستوى متدنٍ جداً ، مِنْ سوءِ الظنِ ، ومِنْ ضعفِ اليقينِ ، ومِنْ ضعفِ الإيمانِ ، ثُمَّ يؤرخُ لأبطالٍ عظامٍ ، فهذهِ حالٍ عقيمةٍ وغير واعيةٍ .
يتبع رجاءاً
جمعها مع التنسيق
عبد الله الراجي لعفوه ورضاه تعالى