عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-28-2016, 11:03 PM
 
سيدنا عليّ عليه السلام - 5

سيدُّنا عليٍ عليهِ السَّلام - 5
سيرة
سيدّنا عليٍّ بن أبي طالبٍ عليهِ السَّلام
مِنْ دروسٍ
لفضيلةِ الدكتور : محمد راتب النابلسي
حفظه الله تعالى وبارك فيه وبارك في علمه وعمره آمين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ , والصَّلاة والسَّلام على سيدِّنا مُحمَّدٍ الصَّادقِ الوعدِ الأمينِ , اللهمَّ لا علمَ لنا ، إلا ما علمتنا ، إنكَ أنتَ العليم الحكيم , اللهمَّ علمنا ما ينفعنا , وانفعنا بما علمتنا , وزدنا علماً , وأرنا الحقّ حقّاً , وارزقنا اتباعه , وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه , واجعلنا مِمَنْ يستمعونَ القول فيتبعونَ أحسنهُ , وأدخلنا برحمتكَ في عبادكَ الصَّالحينَ .
يُروى : أنَّ سيدَّنا عمر ، عندما سألَ سيدّنا الصّديق ، أنْ يعيدَ جيشاً ، جيَّشهُ النَّبيُّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام قبلَ موتهِ ، يروي التاريخ : أنَّ سيدَّنا الصَّديق ، أمسكَ بلحيةِ سيدّنا عمر وهزَّها هزاً شديداً ، وقال : " ثكلتكَ أُمّكَ يا ابنَ الخطابِ !!! ، جبارٌ في الجاهليةِ ، خوارٌ في الإسلامِ ".
فهلْ مِنْ المعقولِ ، أنَّ سيدَّنا عمر ، وهو عملاق الإسلامِ ، وهو الشَّخصية الثانية بينَ المُسلمينَ ، أنْ تغيبَ عنهُ هذهِ الحقيقة ؟؟؟
فهذا الموقف : دليلٌ على أنّهما مُتفاهمانِ ، على هذا الرأي ، فالصّديق : أرادَ أنْ يُشيعَ ، في أصحابِ رسولِ اللهِ ، قوَّة العزيمةِ ، فأمسكهُ مِنْ لحيتهِ ، وهزّهُ هزّاً عنيفاً , وقالَ : " ثكلتكَ أُمّكَ يا ابنَ الخطابِ , جبارٌ في الجاهليةِ ، خوارٌ في الإسلامِ !!! ، أتمنعني : أنْ أنفذ جيشاً : جيَّشهُ رسولُ اللهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ؟ " .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ ــ سَيْفُ اللَّهِ ـــ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى مَيْمُونَةَ ، وَهِيَ خَالَتُهُ ، وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا ، قَدْ قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا : حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، مِنْ نَجْدٍ ، فَقَدَّمَتْ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ ، حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ ، وَيُسَمَّى لَهُ ، فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ !! فَقَالَتْ امْرَأَةٌ ، مِنْ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ : أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ : هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَدَهُ عَنْ الضَّبِّ ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي ، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ ، قَالَ خَالِدٌ ــــ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَنْظُرُ إِلَيَّ " . ( أخرجهما البخاري ومسلم : عن ابن عباس ، في الصحيح ).
ولكنْ : ما العلاقة بينهما ؟
ليسَ هناكَ علاقة ، فيما يبدو : سيدّنا خالد ، أدركَ ببصيرتهِ الثاقبةِ ، أنَّ هناكَ معاركٌ طويلةٌ ، سوفَ يخوضها ، نشراً لهذا الدِّينِ ، وأنَّ الصَّحراءَ ماذا بها ؟؟؟؟
ما بها ، إلا هذا الحيوانِ - الضب - وليسَ مُحرّماً أكلهُ ، فأكلَ هذا اللحمِ ، لِيعُوِّدَ نفسه ، وليكونَ قدوةً ، لجنودهِ ، في تحمُّلِ ، كلّ المشاق ، منْ أجلِ نشرِ هذا الدِّينِ ، النَّبيُّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام : أدركَ بحكمتهِ البالغةِ ، أمر خالد ، عندئذٍ ، وصفهُ النَّبيُّ ، بأنَّهُ : سيفٌ مِنْ سيوفِ اللهِ .
البطولة ، في تفسيرِ التاريخِ ، أنْ يُفسّر تفسيراً صحيحاً ، فنحنُ دائماً ، نحتاجُ ، إلى التفسيرِ الصَّحيحِ .
ولا تقفُ ما ليسَ لكَ بهِ علمٌ :
يروي التاريخ أيضاً : أنَّ سيدَّنا النَّبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، كانَ عمُّه العباس ، في مكة ، وكانَ عمُّه العباس : عينُ النَّبيِّ في مكة ، وما مِنْ قرارٍ خطيرٍ ، اتخذهُ كفارُ قريشٍ ، إلا ووصلَ ، إلى النَّبيِّ ، اللهمَّ صلِّ عليهِ , لأنَّ عمَّه العباس ، يُطلعهُ على ذلكَ ، وينقلُ لهُ ، أخبار مكة : بأسرعِ ، مِنْ لمحِ البصرِ ، فلذلكَ النَّبيّ لا يُفاجأ ، بأفعالِ قريشٍ ، فلمَّا جاءتْ موقعة بدرٍ ، لمْ يستنكف العباس ، عنْ الخروجِ ، معَ الكفارِ ـــ لحربِ النَّبيِّ , فماذا يكون ؟؟؟
لو استنكفَ ــ لانكشفَ أمرهُ ، لو أنَّ النَّبيَّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام , قالَ : لا تقتلوا عمّي العباس , لأنّهُ قدْ أسلمَ ، فقدْ كشَفَ أمرهُ للناسِ ، ولو أنَّ النَّبيَّ ، لمْ يقلْ شيئاً للمسلمينَ ، لقُتِل عمّهُ العباس في الحربِ ، فماذا فعلَ النَّبيُّ ؟؟؟ قالَ ، ولمْ يزدْ على هذا القولِ شيئاً :
" لا تقتلوا عمّيَ العباس " . ( ورد في الأثر ).
صحابيٌ نظرَ, وقالَ : أيأمرنا ، ألا نقتلَ عمّهُ ، أو ينهانا ، عنْ أنْ نقتلَ عمّهُ ، ونحنُ نقتل آبائنا وأخواننا ؟؟؟
أخذها ، مِنْ زاويةٍ أُخرى ، على أنَّها قضيّةُ أُسرةٍ , فلمّا كُشِفَ الأمر ، بعدَ حينٍ ، وأنَّ عمَّهُ العباس : أسلمَ قديماً ، وأنَّ عمَّه العباس ، كانَ عينُ النَّبيّ في مكة ، حيثُ ، أسدى لهُ خدماتٍ جليلةٍ ، وأنَّهُ ليسَ بإمكانهِ ، إلا أنْ يشتركَ معَ الكفارِ ، في موقعةِ بدرٍ ، وليسَ بإمكانِ النَّبيّ أنْ يكشفهُ ، ولا أنْ يسكتْ عنْ هذا الأمرِ فَيُقتَلَ .
فيروَى : أنَّ هذا الصَّحابي , كانَ يقول : بقيتُ عشر سنواتٍ , وأنا أتقربُ إلى اللهِ بالنوافلِ , وعتقَ العبيدَ , والصَّدقات : لعلَّ اللهَ ، يغفر لي سوء ظني برسولِ اللهِ ، عليهِ الصَّلاة والسَّلام .
إذًا : نحنُ نحتاجُ ، إلى تفسيرٍ ، فإياكَ ، أنْ تتسرعَ ، في الحكمِ ، هؤلاء ، كما قالَ عليهِ الصَّلاة والسَّلام : " حكماء علماء ، كادوا منْ فقههم : أن يكونوا أنبياء " .( ورد في الأثر ).
هذا حال المؤمن مع الصَّحابةِ :
نحنُ جميعاً ، نحسنُ الظنَّ بهم , ونترضى عليهم , ونجعلهم أُسوتنا وقدوتنا ، دونَ أنْ نخوض ، فيما كان بينهم منْ خلافاتٍ ، فهذا لا يليق بالمؤمنِ ، وأنا أُحسنُ الظنَّ بهم جميعاً ، منْ دونِ ، أنْ أدخل ، في هذا المستنقعِ ، الذي قدْ يجُرني إلى سوءِ ظنٍ ، بأصحابِ رسول اللهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ، ونحنُ ، وإنْ تحدثنا عنْ سيرتِهم .
ففي الدروسِ القادمة : فلنْ نأتي على بعضِ الرواياتِ ، لأنّي أظنها غير صحيحةٍ ، والتي قدْ تُسيء فهمنا ، لما جرى بينَ أصحاب رسول اللهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام.
قصة إسلام سيدّنا عليّ بن أبي طالبٍ :
أيها الأخوة الكرام , مع الدرس الثاني ، منْ سيرةِ هذا الصّحابي الجليل رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ , هذا الصّحابي الجليل : إنضمَّ إلى بيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وهوَ في : السَّادسةِ منْ عُمرهِ ، وحينما ، جاءتْ النَّبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، رسالة الهدى ، كانِ سنُ هذا الصّحابي ـــ لا تزيد عنْ عشرِ سنينَ ، إذنْ هو أصغر مَنْ أسلمَ ، أول مَنْ أسلمَ السَّيدة خديجة رضيَ اللهُ عنها ، زوجةُ النَّبيِّ ، وأسلمَ خادمهُ : زيدٌ بن حارثة أيضاً ، هؤلاءِ الثلاثةِ : أول مَنْ دخلَ ، في الإسلامِ ، سيدّنا عليّ : أتى عليهِ ، وقتٌ كانَ : ثُلُث الإسلام وحدهُ .
رأى النَّبيّ عليهِ الصّلاة والسّلام يُصلّي !! , فقالَ : ماذا أراكَ تصنع ؟ فقالَ عليهِ الصَّلاة والسَّلام : " إنّي أُصلـّي لـربِّ العالمينَ " ، سألَ عليٌّ رضيَ اللهُ عنــهُ : ومَنْ يكون ربّ العالمينَ ؟ بهذهِ البساطةِ ، فقالَ عليهِ الصَّلاة والسَّلام : يا عليّ : إنّهُ إلهٌ واحدٌ لا شريكَ لهُ ، لهُ الخلق وبيدهِ الأمر ، يُحيي ويُميتْ ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير " . ( ورد في الأثر ).
أرأيتم : إلى هذا التعريفِ؟ إنـهُ إلهٌ واحدٌ لا شريكَ لهُ ، لهُ الخلق وبيدهِ الأمر ، يُحيي ويُميتْ وهو على كلِّ شيءٍ قدير .
أنظرْ إلى تطابقِ الفطرةِ معَ علومِ الوحي :
الأمس : وقعَ تحتَ يدي كتابٌ ، في مكتبتي : اسمه "" تاريخ الأديان "" فتحتهُ لا على التعيينِ ، فوقعتْ عيني على صفحةٍ ، تذكر بعض الدِّياناتِ ، التي كانتْ سائدة على عهدِ فرعون ، شيءٌ لا يصدق ؛ فيهِ الخرافة ، والأسطورة ، والفكر غير المقبولِ ، ثُمَّ فوجئتُ ، أنَّ أحدَ الفراعنة ، كانَ مرهف الحس ، وكان لبيباً ، فاستنبطَ ، أنَّ لهذا الكون إلهاً واحداً ، وأنَّهُ بيدهِ الأمر ، وهو إله الخير ، يحب الخير لعبادهِ ، قرأتُ صفحات ، قلتُ : سُبحان اللهِ ، كيفَ توافقت ، تطابق الفطرة ، معَ ما جاءَ بهِ النَّبيّ عليهِ الصَّلاة والسَّلام ؟ هذا الملكُ : لم يأتهِ وحيٌ ، ولم يستمعْ إلى نبيٍّ ، ولم يقرأ كتاباً دينياً ، إلا أنَّ فطرتهُ وعقلهُ هداهُ ، إلى التوحيدِ ، وشيء ثابت في التاريخِ ، أنَّ أحدَ الفراعنة ، وَحَّدَ اللهَ عزَّ وجلَّ ، ودعا إلى جوهرِ ، ما جاءتْ بهِ الرّسالات السَّماوية ، إذًا : يجب ، أنْ يطابق النقلُ العقلَ ، ويجب أنْ يطابق الفطرة ، ويجب أنْ يطابق الواقع .
يتبع رجاءاً
جمعها مع التنسيق
عبد الله الراجي لعفوه ورضاه تعالى
رد مع اقتباس