{قَطرة} يُقال أن المَوت في حدِّ ذاته كائن حي !.. لكنَّه ينتسب إلى الخمول..!
بِـ مجرَّد هُروبك منه سَـ يشعر بـِ ذلك, وسوف يتبعك ولن يتوقَّف حتَّى يمسك بك !!
{قَطرة تليها قَطرة أخرى أصدَرت صوتًا} ليسَ هناك شيءٌ يسمَّى {إكسير الحياة} أو الخُلود !!.. لا تُتعب نفسك في البحث عنه.. فأنتَ مجرَّد انسان حي كُتِب له الموت كما كُتِبت له الحياة على الأرض !
سَـ تموت دون أن تعرف موعد موتك أو حتى الطقوس الَّتي سَـ تفارق خلالها روحك من جسدك !!
استفَاقت بـِ هدوءٍ كما نامت, وجدت نفسها على ذات الوضعية التي نامت بها ليلة البارحة !.. نزعت ذراعها من تحت رأسِه بِـ حذرٍ لِـ ألَّا توقِظه, كان ساكنًا بِـ شكلٍ غريب !!..اعتدلت في جلستها, ووضعت يدها على جبينه فَـ وجدته باردًا !
ألصقت أذنها بِـ سرعة على موضع قلبه وتجمدت !!.. بقيت لِـ بعض الوقت متصلبة, بؤبؤ عينيها لم يتحرك قيد أنملة !
رفعت رأسها بِـ شكلٍ أوتوماتيكي, ونظرت إلى الزرقة المحوِّطة لِـ عينيه, تنقل ناظرها إلى شفتيه المتباعدتين, تقوَّست شفتيها إلى أعلى, أنين صامت ثمَّ تليه شهقة ودمعتين.. رفعت ذراعيها وضَربت بهما صدره, تلعثمت هامسةً بِـ يأس _ كـ..كلَّا !!
خبَّأت وجهها داخل سترته الزرقاء المعتمة وهي تترجاه أن يستيقظ.. لكن شيء من ذلك لم يحصل !..وفي لحظة رفعت رأسها وصرخت!..
لم تستطع إنقاذه !.. لم تستطع.. هي قتلته !!
...
وقفَا بـ ثبات أمام تلك الفتاة الباردة, كانت صامته صمت موتى !.. عقلها قد توقف عن العمل وأنفاسها كَـ ذلك قد تلاشت !!
تقدَّم ميرال نحو الجثة التي تتَّكئ على جذع الشجرة بِـ ثباتٍ هامد, أبعد خصلات شعرها السوداء, وأغلق عينيها العسليتين وقد اختفى بريقهما !
تمتم بـ أسى _ مستجدُّوا هذه الأيام مثيرون للدَّهشة حقًّا !.. يبدو أنها كانت تنتظر..| نظر إلى لباسها الأسود الملطخ بِـ الدماء, ثم إلى موضع بندقيتها الفارغ |.. قُتلت بـ سلاحها وهي غير مذنبة..
وقف من مكانه وابتعد خطوتين إلى الخلف, وضع يده على قلبه, وانحنى أمامها بـ هدوءٍ قبل أن يغادر وخلفه تيناليد !
كان ينظر إلى ظهر ميرال بـ صمت, بمَ يفكر؟... _ هل ساقك بخير الآن؟
أتاه صوت ميرال الذي تساءل من دون أن ينظر إليه, اندهش من صوته الذي صار بارداً, لكنه علل الأمر على أن السبب هو ما رأوه قبل قليل !!.. طأطأ رأسه لأسفل مجيبًا بعد فتره من الصمت _ أجل _ إذا شعرت بـ الألم فـ لا تتردد في إخباري !
رفع رأسه باستغراب, سرعان ما أنزله مرة أخرى ناطقاً _ حسنًا
حلَّ فجأة الصمت بينهما, ولم يتخلله غير صوت تحركات أوراق الأشجار الذي بات يصير باردًا شيئًا فـ شيئًا !
كانا يسيران منذ الصباح, وكلما ابتعدَا أكثر عن مكان تواجدهما السابق.. كلما ازدادَا تعمقًا داخل هذه الغابة المليئة بالجثث, وعلى كاهل كل منهما مصير معلق بين الحياة والموت تبعًا للظروف التي تنتظرهما !! _ لن أسامح نفسي إن حدث لها شيء !
أعاد تيناليد نظره إلى ميرال بتساؤل, رغم أنه قد نطق بما يختلج صدره وما يقلقه بصوت يكاد مسموعًا, إلا أن الأخير الذي يسير على مقربة منه قد استطاع سماعه ! _ أهي ضعيفة إلى هذه الدرجة؟
قهقه ميرال باستهزاء بينما أخذ تيناليد ينظر إليه باستغراب وترقب لم سـَ يقوله ! _ القضية ليست قضية قوة أو ضعف إنما قضية رهبة تكاد تكون فوبياء.. | وقف فجأة عن السير ,والتفت ناحيته وهو يبسط ذراعيه قائلاً |.. ألا تراه مسرحا جيدًا للقتل؟!.. فرصة مثالية لإرتكاب ما يُشتَهى فعله!
توقف عن الكلام فجأةً وعاد يسير بهدوء, أما تيناليد فقد بقي ساكناً لبرهة من الوقت يفكر بشيء ما ,سرعان ما بدأ يسير هو الآخر !.. وببعض التردد قال _ لدي شعور بأنها سـ تكون بخير !
انتظر مدة من الوقت, لكنه لم يتلقى ردًّا !!..لم يكن الأخير على أرض الواقع, كان مسترسلاً بين أسطر الماضي متذكراً شيئًا من وجع ~ وسط مدينة ميلانو ..تحديداً داخل مقرٍ لتدريب الجنود, كان يجلس فوق كرسي خشبي صغير لا ظهر له, يشرب قنينته التي تحوي ماء, ويلف منشفة بيضاء حول عنقه, لم يكن يستمع إلى حديث زميليه اللَّذين كانا يتحدثان حول عدة أمور متعلقة بالبلاد.. إنما كان يفكر في والديه وما قالاه له حتى يدفعَا به إلى الإنضمام لهذه المدرسة العسكرية !!.. _ عليكَ أن تستمع إلى كلام والدك !!
_ إذا رفضت أن تكون بنَّاءً لبلادك ..فأنت ابن عاق لا فائدة ترجى منك !!
غطى فاهه بظاهر يده كـ رد فعل عشوائي لتعمقه في المواجع, انتبه عليه زميليه اللذين يجلسان أمامه لا يفصل بينهم غير طاولة صغيرة من الخشب, وضعت فوقها أكواب شاي, خاطبه أحدهما بقلق !!
_ ميرال ما بك؟
رفع رأسه بسرعة ليقول بِـ توتر _ ماذا!.. لا تقلق مجرد صداع وسَـ يزول.
_ لمَ لا تذهب وترتاح في غرفتك؟ _ لا حاجة لذلك.. فأنا أرغب في..
_ ميرال ويندر..
قاطع حديثه صوت شخص ما ينادي بإسمه, وقف من على كرسيه وانحنى أمام الذي يبدو ذو رتبة عالية _ نعم سيدي!
نظر إليه الرجل من أعلى إلى أسفل بتمعن, سرعان ما سأل بِـ صوت حازم
_ هل أنت المدعو ميرال؟
أجاب وهو ما يزال منحنيًا باحترام _ أجل سيدي أنا..
_ خذ !!!!
أظهرها من خلف ظهره, ودفع بها ناحية ميرال الذي التقطها وهو في أوج صدمته
_ إنها تحت وصايتكَ الآن.. عاملها كما تريد..!.. المهم أن تصنع من هذه العبدة جندياً يستطيع خدمة وطنه !!
ألقى كلماته القاسية تلك في لحظة واحدة, ثم رحل تاركاً إياه بين تساؤلات عديدة ينظر إلى تلك الفتاة التي ترتدي فستانًا مهترئاً وممزقًا, تخفي وجهها بين ثنايا سترته.
..
كان يجلس بهدوء يراقبها بينما تقوم تلك الممرضة بعلاجِ الكدمات على وجهها
_ على رسلكِ..
قالت الممرضة ذلك لِلفتاة التي أخذت ملامحها تتجعد بألم كلما احتك المعقم بإحدى جراحها, وضعت المعقم على الطاولة البيضاء ,ثم قامت بـ وضع قطعة القطن الملطَّخة بـ الدماء داخل سلة المهملات, أمسكت مصباحًا صغيراً وهي تقول
_ افتحي فمكِ قليلاً!
ترددت الفتاة لـ لحظة ,فـ استطاع كلًا من ميرال والممرضة ملاحظة ذلك
_ هيا عزيزتي !
ابتسمت الممرضة محاولةً بذلك بثَّ قليلٍ من الطمأنينة في نفس الأخيرة ظنًّا منها أن سبب ترددها هو خوفها فقط !!.. وبعد إلحاحٍ شديد من الممرضة وميرال الذي بقي صامتًا طوال الوقت.. استسلمت وتباعدت شفتيها ببطئ, وعلى وتير من الصدمة شهقت الممرضة وأسقطت المصباح أرضاً ,في حين أغلق ميرال عينيه مبعداً وجهه إلى الجهة الأخرى, وهو يعض شفته السفلى بـ قهر !!
كانت إحدى أسنانها الأمامية مشوهة بـ شكل غريب!.. كأنما تعرضت لـ طرق من أداة معدنية أو ما شابه ..!
أنزلت الممرضة رأسها ,ونطقت موجهة كلامها إلى ميرال بـ همس
_ سـ..سأحاول معالجة الأمر ..يمكنك الذهاب الآن سيد ميرال !
ومن دون أن يعترض خرج بهدوء من الغرفة وهو يضع يديه داخل جيبي بنطاله ,لعن إيطاليا وحروبها مع ألمانيا في نفسه.
عاد إلى أرض الواقع, وفوجئ بـ دمعة نزلت من عينيه , مسحها بسرعة قبل أن يسمع تيناليد يناديه _ ميرال!
التفت المعني إلى الخلف فـ وجد تيناليد يمسك ساقه وعلامات الألم بادية على وجهه _ أ..أيمكننا أن نرتاح قليلاً؟ _ بـ..بلى.. أسف !!
اقترب ميرال منه وأجلسه مسنداً إياه على جذع شجرة قريبة, وعقله لم يتوقف لحظةً عن التفكير في إيف !
لا أحـد يـرد ,, |
__________________ قلبكَ دافئٌ كما الحنين🌻 سابقاً C I E L |